ما دور أخلاقيات المهنة في تعزيز المسؤولية الاجتماعية؟

4 دقائق
shutterstock.com/The KonG

تتكامل أخلاقيات المهنة مع المسؤولية الاجتماعية لتمكّن الشركات من المساهمة الإيجابية في صحة المجتمع ورفاهيته، إذ يساعد تبني القيم الأخلاقية المرتبطة بالنزاهة والشفافية والمساءلة في ضبط أداء الموظفين وتعزيز القدرة على اتخاذ قرارات مسؤولة اجتماعياً تجاه أصحاب المصلحة.

يتوقع الأفراد من الشركات عدم استغلالها للمجتمع والبيئة من أجل تحقيق الربح، وأن تدير أنشطتها على نحو أخلاقي ومسؤول، ويعد تطبيق ممارسات العمل الآمنة وإدارة سلاسل التوريد بطريقة لا تضر الأطراف المعنية، من الخطوات البسيطة التي ترفع مستوى المسؤولية الاجتماعية للشركات.

أخلاقيات المهنة أكثر من مجرد الامتثال للقانون

القواعد الأخلاقية المتأصلة في المجتمع مثل لا تسرق، لا تغش، لا تكذب، تخلق تمييزاً بين الصواب والخطأ ثم فعل الصواب بدلاً من الخطأ، لكن المسألة ليست بهذه البساطة عندما ترتبط الأخلاق بالمهنة، إذ تظهر المعضلة الأخلاقية في بيئة الأعمال عندما تتصرف الشركة بطريقة قانونية لكن أفعالها مشكوك فيها أخلاقياً، مثل فضحية انتهاك كامبريدج أناليتيكا بيانات مستخدمي فيسبوك، لذا أخلاقيات المهنة مرتبطة بالأداء الصحيح وليس فقط القانوني.

يعد نهج الصالح العام الرابط الذي يجمع بين أخلاقيات المهنة والمسؤولية الاجتماعية، ويتمثل في اتباع مجموعة أساسية من السمات الأخلاقية تشمل الصدق والنزاهة والشفافية والمساءلة، لتضمن عدم تصرف المدراء والموظفين وفق مصلحتهم الشخصية، ودعمهم للقيم المجتمعية كقوة توجيهية لعمليات الشركة.

تولّد أخلاقيات المهنة التزام اجتماعي لدى الشركات للقيام بأكثر من مجرد الامتثال للقانون، والذهاب إلى أبعد من هدف الربح للتركيز على جودة المنتج أو الخدمة، والتجارة العادلة والاستدامة وتعزيز بيئة عمل متوازنة تخلو من ضعف التواصل وسوء الإدارة، وعدم التقدير وعبء العمل الذي يقود الموظفين لتصرفات غير أخلاقية.

مزايا الأسس الأخلاقية للمسؤولية الاجتماعية

تعزز أخلاقيات المهنية المسؤولية الاجتماعية من خلال اتخاذ الشركات قرارات أخلاقية تساعدها على بناء علاقة ثقة طويلة الأمد مع المجتمع، وقيام المسؤولية الاجتماعية للشركات على أسس أخلاقية يحقق مجموعة من الفوائد، أبرزها:

اكتساب المزيد من العملاء: يسمح التأثير الإيجابي في المجتمعات والحفاظ على المعايير الأخلاقية للشركات باكتساب عملاء جدد والحفاظ على العملاء الحاليين، ويزيد من احتمالية ترشيح خدمات الشركة لأصدقائهم ومعارفهم، فبعض المستهلكين على استعداد لدفع المزيد مقابل المنتجات من الشركات المسؤولة اجتماعياً.

ويعد ربط المسؤولية الاجتماعية بأخلاقيات المهنة أساس استراتيجية التسويق الناجحة، إذ يرى الكاتب الأميركي بيتر دراكر (Peter Drucker) أن التسويق عبارة عن عمليات متجددة يحدث فيها تكامل بين المنتجات وقيم المجتمع وأهدافه، لذا يجب أن تتوافق القرارات التسويقية مع قيم المستهلكين ومتطلبات المجتمع، لتتمكن الشركات من تحقيق رغبات المستهلكين واحتياجاتهم وعكس الجانب الاجتماعي والأخلاقي لإدارة التسويق بما يحقق مصالح جميع الأطراف.

توسيع نطاق الموظفين المحتملين: ليس فقط المستهلكين من يتطلعون إلى دور أكبر للشركات في المجتمع، إذ يسعى المهنيون للعمل مع شركات مسؤولة أخلاقياً واجتماعياً، ويتوقعون من أصحاب العمل اتخاذ مواقف أكثر جدية تجاه القضايا المهمة، وذلك وفق استطلاع أجراه موقع غلاسدور (Glassdoor) للتوظيف عام 2019.

ويمكن للشركات تحديد مدونة أخلاقية واضحة من أجل جذب المزيد من المرشحين والاحتفاظ بهم، على سبيل المثال تركز مدونة سلوك مهنة الطب التي وضعتها الجمعية الطبية الأميركية على كل ما يتعلق برعاية المرضى وصولاً إلى العلاقة مع الموظفين الآخرين، لتشمل التزام الطبيب بمعايير الاحتراف، والإبلاغ عن حالات الاحتيال ونقص الكفاءة.

تحسين أداء الموظفين: تضم المسؤولية الاجتماعية بعداً أخلاقياً يتمثل في الالتزام الطوعي للموظفين بتنفيذ المهام وفق المصلحة العامة والحفاظ على أسرار العمل، وعدم إخضاع الأنظمة والقوانين للاعتبارات الشخصية.

يساعد تطبيق مبادئ الشفافية والنزاهة والرقابة وتبسيط الإجراءات وإدارة الموارد على تعزيز فعالية أداء الموظفين وتحسين إنتاجيتهم، إذ توصلت دراسة جزائرية بعنوان "دور المسؤولية الاجتماعية وأخلاقيات الأعمال في الرفع من أداء الموارد البشرية"، إلى أن أبعاد المسؤولية الاجتماعية المرتبطة بالتوظيف وظروف العمل والأجور والمكافآت والرعاية الصحية، تؤثر إيجاباً في أداء الموظفين، فيما تعمل أبعاد أخلاقيات الاعمال المتمثلة في والنزاهة والصدق والعدالة والاستقامة والموضوعية على زيادة مستوى أدائهم.

كما أن تشجيع الشركات للسلوك الأخلاقي من خلال مكافأة الفِرْق التي تعمل على تطوير خدمات ومنتجات تساعد على تحسين المجتمع، أو منح الموظفين الملتزمين أخلاقياً مناصب ذات مسؤولية أكبر، يزيد مستوى الرضا الوظيفي وينعكس ذلك بدوره على كفاءة الأداء.

كيف يمكن الدمج بين أخلاقيات المهنة والمسؤولية الاجتماعية؟

لدى الشركات خيارات متعددة لتنفيذ أخلاقيات العمل القوية وتوضيح المسؤوليات الاجتماعية. فيما يلي أبرزها:

تطوير مهمة وهدف

من أولى الخطوات التي يجب على الشركات اتباعها، هي صياغة مهمة وهدف يدعمان الأخلاق والمسؤولية الاجتماعية، ليشكلا أساساً للقرارات والإجراءات التي تتخذها الشركة. لذا من الضروري عند تحديد المهمة والهدف التفكير في كيفية دعم المجتمع وتعزيز ثقافة العمل الإيجابية، والالتزام بمبادئ الإنصاف، واعتراف الإدارة بأن السلطة تفويض من قبل الأشخاص الذين يهدفون إلى مساعدتهم.

تحديد القيم الأساسية والحفاظ عليها

تعزز القيم الأساسية مهمة الشركة وتظهر كيفية تمسكها بمعاييرها الاجتماعية، وعليه، يجب تحديد مجموعة واضحة من القيم التي تدعم المسؤولية الاجتماعية والأخلاق، مثل النزاهة والشفافية واللطف، والانفتاح والتواضع والتواصل الاجتماعي، والحفاظ على استدامة هذه القيم للتركيز عليها في عملية النمو والتطوير.

دعم المبادرات البيئية والاجتماعية

أحد الجوانب الرئيسية لتحمل المسؤولية الاجتماعية وترسيخ البعد الأخلاقي للشركات، هو دعم الجهود المجتمعية التقدمية والمشاركة الفعالة في جعل المجتمعات أفضل، سيؤدي ذلك بدوره إلى جذب المزيد من العملاء والموظفين المخلصين والملتزمين أخلاقياً واجتماعياً.

لكن يجب على الشركات اختيار المبادرات التي تتوافق مع قيمها الأساسية ومهامها، والتي يمكن أن تساعد في بناء علامتها التجارية وثقافتها. على سبيل المثال، يمكن لمتجر بقالة دعم مؤسسة غير ربحية تقدم الطعام للعائلات المحرومة، كما أن بذل الجهود لتحقيق الاستدامة البيئية هي مبادرات شائعة يمكن للشركات اتخاذها، مثل مبادرات شركة الهلال للمشاريع لإعادة التدوير وترشيد استهلاك الموارد وغيرها من الممارسات الخضراء.

تشجيع التواصل

تترسخ أخلاقيات المهنة عندما يشعر الموظفون بالراحة عند التعبير عن أفكارهم وآرائهم، لذا يجب أن يتبع المدراء سياسات "الباب المفتوح" التي يمكن للموظفين من خلالها تقديم الملاحظات وتطوير ثقافة الشركة.

يساعد تشجيع الموظفين على إبداء آرائهم في تحسين مستوى رضاهم ويدعم نمو الشركة وتطورها، كما أن تحلي الإدارة بالاستماع الجيد يزيد من ولاء الموظفين.

اعتماد الأخلاق معياراً للتوظيف

يمثل الموظفون الشركات التي يعملون بها، لذا من المهم استقطاب مهنيين يمكنهم التأثير إيجاباً في المجتمع. وأثناء عملية التوظيف؛ يجب على أصحاب الشركات البحث عن موظفين لديهم نفس القيم الأخلاقية ويؤمنون بمهمة الشركة، ولا حرج في طرح أسئلة مباشرة تتعلق بالقيم والأيديولوجيات لتتمكن الشركات من العثور على مرشحين متشابهين في التفكير.

البدء من القيادة والإدارة

يجب على المدراء والقادة أن يكونوا مثالاً يُحتذى به في الالتزام بمدونة الأخلاق التي تطبقها الشركة، كي يحفّز ذلك الموظفين على اتباع أخلاقيات المهنة، فإذا كان التواصل المفتوح مثلاً أحد القيم الأساسية للشركة؛ فيجب أن تطلع الإدارة الموظفين بانتظام على أحداث الشركة وتغييراتها.

المحتوى محمي