تعرف إلى استراتيجية استنفاد الموارد، وكيف يمكن أن تغيّر العمل الخيري؟

استراتيجية استنفاد الموارد
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

استراتيجية استنفاد الموارد مجرد تكتيك، ولتحويله إلى خطوة استراتيجية أكثر علينا أن نأخذ بعض الأسئلة بعين الاعتبار.

أثار قرار مؤسسة كوراس فاونديشن (Chorus Foundation) المتمثل في عزمها استنفاد مواردها ردود فعل متباينة سواء ضمن الحركات الاجتماعية أو مؤسسات العمل الخيري.

من جهة، تضمنت ردود فعل بعض أعضاء الحركات إبلاغ الممولين بأن على كل مؤسسة خيرية اتخاذ خطوة استنفاد الموارد. في بعض الأحيان يشير هؤلاء الأعضاء إلى التعويضات (كما لو كانت التعويضات مرادفة للعطاء الخيري) أو إلغاء المؤسسات (لأنهم يؤمنون، مثلنا، بعالم لا وجود للعمل الخيري فيه). فيما تعكس ردود فعل آخرين الخوف الناجم عن سنوات من الندرة، إذ تساءلوا: “ما الذي سنفعله إذا أغلقت مؤسسة كوراس أبوابها ولم تعد تمولنا؟” يوحي السؤال بأنّ التمويل اللازم للعمل الخيري محدود، وقد يتأثر هذا العمل إلى الحد الذي تعجز معه المؤسسات عن توفير التمويل المطلوب لعملها. هناك شعور مسيطر بأن زوال مؤسسة كوراس فاونديشين سيؤدي إلى صعوبة في إنشاء العلاقات اللازمة للعمل الخيري والحصول على موارد رأس المال التي تجلبها.

شهدت أوساط العمل الخيري أيضاً مجموعة واسعة من المواقف. يتخذ البعض موقفاً مطلقاً مفاده أن على كل المؤسسات الخيرية استنفاد مواردها في أسرع وقت ممكن، لأن الناس محتاجون إلى المال ولأن العمل الخيري لا مكان له في عالم متحرر. ويعرب آخرون عن إيمانهم بأن استراتيجيات استنفاد الموارد هي استراتيجيات خيالية ومتطرفة وغير مسؤولة ولا يمكن تطبيقها في عالمنا الحالي.

كتبت مؤسسة كوراس فاونديشين عدة مقالات عن تكتيك استنفاد الموارد، الذي يأتي استجابة لأبحاث العلاقات والأبحاث التجريبية وتلك القائمة على البيانات، التي قدمت وما زالت تقدم الخيارات والنصائح المتعلقة باستراتيجيات العمل الخيري. تنتشر النقاشات حول المنفعة الاستراتيجية والتدخل التكتيكي اللذين يوفرهما استنفاد الموارد سواء كان ذلك موجهاً إلى العمل الخيري أو مجموعات الحَراك.

على الرغم من مشاركة مؤسسة كوراس فاونديشين تقييمات ودروساً على أمل أن تغير المؤسسات الخيرية الأخرى والأشخاص الداعمون لها والمحافظون عليها من أساليبها، ليس فقط بشأن ماينبغي تمويله ولكن أيضاً كيفية تمويل الحركات، فإنّ ثمة حلقة ملاحظات في هذا الشأن: تأثير التغيير التحويلي مقابل تأثير التعاملات، والتمويل الطويل الأجل مقابل التمويل القصير الأجل أو التمويل لمرة واحدة، ومنح التشغيل العام مقابل منح المشروع أو البرنامج، ونسبة 5% مقابل 95% وغير ذلك.

كيف يمكننا أن نحول هذه النصائح الموجزة إلى استراتيجية عبر القطاعات لتمويل العدالة الاجتماعية؟ كيف يمكننا إيقاف التصحيح الدوري المفرط لمتطلبات الحركات التي تكون تكتيكية أكثر منها استراتيجية، على الرغم من حسن النية الذي يكتنفها؟ كيف يمكننا تحدي استراتيجيات العمل الخيري التي تستند إلى سياسات المانحين والأمناء وآراء الأثرياء ومصالحهم أكثر من استنادها إلى ما يحدث على أرض الواقع؟

لا يحقق كل استنفاد للموارد الغرض المطلوب

من الواضح أن الانشغال الشديد باستنفاد الموارد لن يحقق إلا جزءاً يسيراً من الهدف المنشود. ولتقديم إثبات ملموس على أهمية توجه المزيد من المؤسسات نحو استنفاد مواردها، علينا اتباع استراتيجية جماعية ذكية ومقنعة تحدد المؤسسات التي ينبغي لها أن تستنفد مواردها في وقت معين ومتى وكيف يكون ذلك. ولتطوير استراتيجية جماعية في هذا الشأن، ثمة معايير استراتيجية نرى أن علينا مراعاتها:

هل سيسمح استنفاد الموارد للمؤسسة بدعم العمل العاجل وفق نطاق وجدول زمني يتناسب مع تلك الضرورة الملحة؟

يرتبط هذا الاعتبار بصورة خاصة بأزمة المناخ، ولكن هذا ليس السياق الوحيد الذي ينطبق عليه، إذ نواجه نقاط تحول مماثلة في الاقتصاد والديمقراطية والثقافة على المستويات كلها. وبغض النظر عن رأي أي منا بشأن استنفاد المؤسسات مواردها، فلا نستطيع ببساطة أن ننكر أننا نواجه حالياً أزمات متعددة ومتقاطعة تؤثر في حياة البشر، وما لم نعالجها بالكامل وعلى المستوى العام، فإنها ستتفاقم. ومن هذا المنطلق، ستكون لدينا حجة استراتيجية واضحة لصالح استنفاد الموارد بوصفه وسيلة لحشد الموارد الكافية لمعالجة أزمات بعينها.لا يمكن للمؤسسة استنفاد مواردها دون أخذ نظام القوة الاقتصادية بعين الاعتبار، ومن ثم لا يمكن تقييم استنفاد الموارد تقييماً كاملاً دون تقييم تأثيره في هذا النظام.

هل سيدعم استنفاد الموارد المؤسسات المستفيدة من المنح في جمع الأموال بطريقة أكثر فعالية من الممولين الآخرين؟

من أكثر الأساليب الضارة التي تُظهر الميل المتجذر إلى تفادي المخاطر هي عندما يتردد الممولون في دعم مؤسسة أو جهد معين، إلى أن يروا ممولاً آخر قد ألزم نفسه بالفعل بدعم مماثل. التفسير المنطقي لهذا الأمر، بقدر ما نفهمه، هو عزوف الممولين عن المجازفة بمواردهم ودعم المبادرات التي تفتقر إلى المقدرة الكاملة لإنجاز العمل المطلوب. والنتيجة الطبيعية هي أنّ المؤسسات الأهلية توسَمُ بوسمين “ضعف المقدرة” و”عِظم المجازفة”، ومن ثَمّ تدور في حلقة مفرغة من قلة الموارد على وجه التحديد، هذا لأنها تعاني أصلاً قلةَ الموارد.

يمثل استنفاد الموارد فرصةً لمعاينة أوقاف المؤسسة برمتها في خدمة الاستراتيجية الشاملة لها. وبمعنى آخر، ينبغي للمؤسسة ألا تفصل بين ما ستفعله بالتبرعات وبين ما ستفعله باستثماراتها، بل أن تشمل خططها كليهما معاً. وبدلاً من أن تركز على هدف آني أو مستقبلي بعد عدة سنوات ينبغي لها أن تركز على مسألة واحدة تنفق عليها الموارد حتى نفادها. وبتعبير بسيط، يمكن لاستنفاد الموارد أن يشجع على التعهد بالالتزامات الكبيرة، لا سيما تلك الالتزامات المحفوفة عادةً ببعض المخاطر. وبمقدور ذلك المستوى من تحمل المخاطر أن يتيح الفرصة أمام الممولين الأحرص على تجنب المخاطر ليقدموا التزامات مماثلة بسهولة أكبر.

لقد باتت مؤسسة كوراس فاونديشن، بعد أن ألزمت نفسها بجدول زمني محدد لاستنفاد مواردها، في موضع يتيح لها تقديم التزامات طويلة الأجل (ما بين 8- 10 سنوات) ومطلَقة لدعم المنظمات في عدة مناطق جغرافية. كانت هذه الالتزامات ملموسة ومحفِّزة، وكان لها عميق الأثر على الممولين الآخرين في التخفيف من حدة حرصهم على تفادي المخاطرة إذ أصبحوا فيما بعد مدفوعين لتقديم التزامات جديدة أو إضافية للمؤسسات أو المناطق الجغرافية نفسها.

هل سيعين استنفاد الموارد المؤسسات المستفيدة من المنح على المُضي قدماً والمشاركة في الأنشطة التي تحد من اعتمادها على العمل الخيري؟

إنّ المنحة التقليدية هي وحدة استهلاكية من القوة الاقتصادية: تُستهلَك ثم تتلاشى. المؤسسات المعنية التي تستنفد مواردها للوفاء بهذه المعايير يجب أن تقدم كذلك بعض الوحدات الإنتاجية من القوة الاقتصادية، على سبيل المثال تقديم المنح لبناء الأوقاف التنظيمية، أو تطوير الأراضي والاستحواذ عليها، أو تأسيس صناديق القروض التعاونية، أو الحصول على أدوات الإنتاج (مثل مساعدة الجمعيات العمالية التعاونية على شراء معدات التصنيع). بإمكان المؤسسة الخيرية، من خلال إعادة توزيع الوحدات الإنتاجية للقوة الاقتصادية باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من عملية استنفاد الموارد، أن تدعم المستفيدين من المنح التي تقدمها حتى يقللوا جداً اعتمادهم على الموارد الخارجية. إذا كنا نعتقد أنّ مجرد التحول في قطاع العمل الخيري أمر ممكن، فإنّ التحول في القوة الاقتصادية المنتجة حينئذ يصبح هدفاً رئيسياً لأي مؤسسة تسعى لاستنفاد مواردها.

وبشفافية مطلقة، لم يكن هذا الهدف واحداً من الأسباب الحقيقية التي دفعت مؤسسة كوراس فاونديشن إلى استنفاد مواردها، إذ كانت لتنفقها بطريقة مختلفة تماماً عما فعلت لو عاد بها الزمن إلى الوراء. ومن هذا المنطلق، نود أن نُعرِب عن تقديرنا للعاملين بمؤسسة كاتالي فاونديشن (Kataly Foundation) لأنهم جعلوا هذا الهدف منذ اليوم الأول محوراً أساسياً للاستمرار في استراتيجية استنفاد الموارد.

هل ستتمكن المؤسَّسة التي تعمل على استنفاد مواردها من أن تُثبِت لأقرانها بطريقة مؤثرة كيف تبدو استراتيجية التحول العادل لقطاع العمل الخيري؟

ثمة كلمة يندر استعمالها في سياقات العمل الخيري تشير إلى إزالة الشيء من الخدمة: إنهاء من الخدمة. ومع ذلك عندما نفكر في المفهوم الأوسع للتحول العادل، فإنّ مفهوم إنهاء الخدمة يصبح شائعاً جداً. فمثلاً، نحن نعرف أننا لا نستطيع إنهاء خدمة محطات توليد الطاقة بطريقة عادلة مهما كانت سامةً دون أن نقدم بديلاً للطاقة التي تنتجها أو الأجور التي تدفعها. وبالمثل، فنحن بوصفنا دعاةً لإلغاء التمويل، لا ننادي بإيقاف التمويل عن الشرطة دون المناداة في الوقت نفسه بإعادة تخصيص تلك الموارد للخدمات الاجتماعية العمومية التي سيكون من شأنها أن توجد أمناً وأماناً حقيقيين لمجتمعاتنا. ولا تختلف مسألة التحول للعمل الخيري عن ذلك، فنحن لا نستطيع أن نُخرِج مؤسسة خيرية من الخدمة بطريقة عادلة دون أن نجد، بطريقة أو بأخرى، بديلاً عن الموارد التي تجمعها تلك المؤسسة.

إن تخصيص هذه الموارد لموقع محدد أو بلدية أو مؤسسة خيرية يختلف تمام الاختلاف أحياناً، عن تغيير الرواية السردية حول ما هو ممكن أو مرغوب فيه أو حتى ضروري لقطاع برمته. ومن هذا المنطلق، نعتقد بضرورة وجود معايير لصياغة استراتيجية سرد مسألة استنفاد موارد المؤسَّسة الخيرية.

لذلك ينبغي ألا نُفاجأ بعد قراءة هذا الملحق برغبة مؤسسة كوراس فاونديشن في أن يكون لها دور في تغيير الرواية السردية حول العمل الخيري. وربما كنا متهاونين إنْ لم نقر بتأثير قرار تلك المؤسسة باستنفاد مواردها على منصتها وملفها الخاص في مجتمع العمل الخيري الأكبر. باختصار، لولا ذلك القرار، ربما لم تكن لتقرأ هذا الملحق.

في هذه المقالة، نود الإشارة إلى المؤسسات التي اتبعت استراتيجية استنفاد الموارد وجازفت بسلوك هذا المسلك قبلنا، وإلى التأثير الهائل لقياداتها الجريئة على مؤسسة كوراس فاونديشن؛ لا سيّما صندوق بِلدون (Beldon Fund)، ومؤسسة كيهوتي فاونديشن (Quixote Foundation)، وصندوق المجتمعات الديمقراطية (Fund for Democratic Communities).

تأمّل المنظومة الأوسع

وكما تُظهر هذه المعايير، لا يؤدي استنفاد الموارد الغرض المطلوب منه دائماً. نود أن نشير إشارة واضحة لا لبس فيها إلى أنّ الأفراد المتبرِّعين الذين يتمتعون بصافي ثروة كبيرة، بل حتى العائلات التي تتمتع بصافي ثروة كبيرة، لن يكون استنفادهم ثرواتهم خطوة استراتيجية إذا كان استجابة لمعتقداتهم الأيديولوجية حول اكتناز الثروات. إذا لم يكن الغرض من استنفاد الموارد سد حاجات ملِحَّة محدَّدة، أو إصلاح العلاقة برمتها بين العمل الخيري والمستفيدين من المنح وتقليل حاجتهم إلى التعلق به، أو لتجسيد استراتيجية سردية مُحكَمة، فلن يعدو أن يكون أكثر من الآتي: قرار شخصيٌّ استجابةً لمعتقدات شخصية. علينا أن نطلب من أرباب الثروات أن يبذلوا أقصى ما يستطيعون من أجل تحقيق العدل في هذا العالم.

ونريد أن نوضح شيئاً آخر فيما يتعلق بهذه المعايير. فهي تنبع أساساً من الإيمان بوفرة حركاتنا الاجتماعية، والوفرة التي يتمتع بها المتبرعون التقدميون والراديكاليون الذين يدعمون حركاتنا. لا يمكن للمؤسسة استنفاد مواردها دون أخذ نظام القوة الاقتصادية بعين الاعتبار، ومن ثم لا يمكن تقييم استنفاد الموارد تقييماً كاملاً دون تقييم تأثيره في هذا النظام، ومن ذلك تأثيره في مؤسسات العمل الخيري المماثلة.

العمل المعتاد لن يُنال إلا بمقابل

إذا خلت استراتيجية التمويل من تعدد القطاعات والتكتيكات، التي تشمل عناصر من العمل الخيري ولكنها مستنيرة أساساً ومسؤولة عن استراتيجية الحراك التي يحلم بها ذوو البشرة الداكنة والملونة والسكان الأصليون وأفراد الطبقة العاملة ويخططون لها ويقودونها، فإنّ العمل الخيري لن يتوقف عن إنتاج الكثير مما شهدناه طويلاً في جهود تحقيق العدالة: فترات الازدهار والكساد لفاعلي الخير الأثرياء، والطبقة المهنية التي تعمل لديهم، واهتماماتهم العشوائية. وكان الذي تلا ذلك هو الإحباط الذي لا ينتهي أبداً والذي أصاب المشاركين في الحركة داخل مؤسسات العمل الخيري، أولئك الذين يفتقرون ببساطة إلى القوة لتخطي تحديات الروتين الحكومي حيث يعملون.

علينا أن نكون واضحين: يلتزم الجناح الأيمن للعمل الخيري بالإنفاق بغزارة من أجل تطوير الأفكار المحافظة ونشرها، والسيطرة على الاتجاه العام الفكري والسياسي والثقافي السائد بالولايات المتحدة. (اقرأ مقالة جيمس بييرسَن المنشورة عام 2002 في منصة منظمة فيلانثروبي راوندتايبُل (Philanthropy Roundtable) بعنوان “دليل المُطَّلِع لإنفاق الأصول” كمثال على أنّ القوى التقدمية لم تكن هي الوحيدة التي تناولت هذا الموضوع).

علينا أن نكون صادقين: فيما يتعلق بالعمل الخيري، إذا كنا نكرر السلوك نفسه، فلن نحصل إلا على النتيجة نفسها. نواجه اليوم تهديدات كثيرة وخطيرة تشمل الفاشية والاستبداد؛ ونقاط تحول كارثية على الصعيد البيئي؛ وأزمات الصحة العامة؛ وبغض الأجانب؛ والنزعة الأبوية؛ وعنف المنادين بتفوق العرق الأبيض. لقد حان الوقت حتى نصير جميعاً جادين جدية الحياة أو الموت ونغتنم نقاط القوة الكامنة في مصالحنا الفردية أو المؤسسية، ونحدد الاتجاه الذي يجب أن يتجه إليه العمل الخيري. إذا أمكن تشبيه السنوات القليلة التي انصرمت بمنبِّه الاستيقاظ، فقد كنا إذاً نضغط على زر الغفوة طويلاً جدّاً. آن الأوان للتخلص من أنانيتنا، والعمل معاً بأساليب تقاطعية من أجل تغطية القضايا الكثيرة التي تؤثر على الناس في جميع أرجاء البلاد؛ فلا أحد منا يحيا حياته من أجل قضية فردية منفصلة؛ وثمة ما يكفي من المؤسسات الخيرية والموارد المالية لتمويل كل الجهود الضرورية لإنقاذ العالم.

أكثر ما يمكن لنقاشاتنا الحالية فعله هو استثارة الفكر، والتصرف الأسوأ على الإطلاق هو استعراض فاجعة المجتمعات المستهدَفة والمهمَّشة أمام أثرياء المحسنين من أجل إطلاعهم على قضايانا. ولقد حان الوقت الذي نحثّ فيه مؤسساتنا على التساؤل: هل لا يزال اهتمامنا مركّزاً على استمراريتنا أكثر من التزامنا بإنقاذ الأرواح، فضلاً عن قدرة الإنسان على النجاة فوق سطح هذا الكوكب؟

إذا كنا نفكر على المدى البعيد، فهل ستكون ثمة حاجة مُلحة لنا إلى زيادة بعض النفقات وتقليل بعضها الآخر في سبيل تمويل الحركات الاجتماعية لنرى الناس ونحن على قيد الحياة يحيَون في مجتمعات صحيةٍ وعادلةٍ ومستدامةٍ؟ إذا كان بعضنا يتجه نحو استراتيجية استنفاد الموارد، فهل هنالك آخرون غير مستعدين بعد ولكنهم يبدون حماساً للمشاركة في خطط مبتكرة طويلة الأمد تعمل على نقل ملكية الثروة بمرور الوقت من أجل مساندة زخم الحركات التحررية ومكاسبها وقدرتها على التحمل لتحقيق الحرية والعدالة للجميع؟

هيا بنا نعمل

لقد آن الأوان لنشعر بالحماسة نحو ما قد تعنيه مكاسب الموارد غير المتوقَّعة للجهود الناجحة التي يبذلها أعضاء الحركات الاجتماعية للحفاظ على الديمقراطية. فهؤلاء يملكون سِجِلَّ إنجازاتٍ حافلٍ بالنزاهة والعلاقات الطيبة مع القاعدة الشعبية المتأثرة بطريقة مباشرة. ويقود هذه المساعي أشخاص لديهم تجارب معيشية تقاسمتها المجتمعات المهمَّشة والمجتمعات المستهدَفة. الآن هو الوقت المناسب لإجراء محادثات داخل مؤسسات العمل الخيري عن الاستثمار الأفضل والأنفع: هل هو إنفاق المال أم توزيعه؟ ومن أجل ماذا؟ أمِنْ أجل الاستراتيجية؟ أم من أجل الاستمرارية في حد ذاتها؟ الآن هو الوقت المناسب لبناء الاستراتيجية التنظيمية الداخلية والخارجية التي كنا نحلم بها؛ ولتحديد أدوارنا ومسؤولياتنا؛ وجمع المال في سبيل دعم جهود إنقاذ البشر.

نحن واثقون من أننا قد بينَّا وجهة نظرنا. نحتاج إلى استراتيجية لاستنفاد الموارد، تتطلب بدورها وضوحاً جماعياً فيما يتعلق بالاتجاه الذي ينبغي أن يتجه إليه، فيما نعتقد، العمل الخيري التقدمي والراديكالي. بل ستحتاج أيضاً إلى وضوح جماعي، بالإضافة إلى التنسيق والتعاون، فيما يتعلق بكيفية تحقيق ذلك. لن تكمن القيمة الأساسية لاستراتيجيتنا في الأهداف التي تحددها ولا في المعايير التي تصوغها، بل في فعالية الجهود التنظيمية التي ستكون مطلوبة لتحقيق تلك الأهداف أو تلبية تلك المعايير. يستلزم الإنهاء الطوعي لمؤسسات العمل الخيري المكررة، ربما أكثر من أي هدف آخر يمكننا وضعه لتحويل العمل الخيري، أن نأخذ مشروع المموِّل التنظيمي مأخذ الجد أكثر من أي وقت مضى. إذا أردنا تجاوز هذه النصائح الموجزة، فإن هذه المحادثة هي التي نحتاج إلى إجرائها.

في نهاية المطاف، نود أن تكون رؤيتنا واضحةً فيما يتعلق بالوجهة التي قد تقودنا إليها تلك الاستراتيجية. وبوصفنا دعاة لإلغاء التمويل، فإن إنهاء العمل الطوعي للمؤسسات الخيرية الفردية ليس هو هدفنا الأخير. بل هدفنا هو بناء عالم لا ضرورة فيه لتجميع القوة والموارد من الأساس. ندرك أنّ استراتيجية استنفاد الموارد لا تمثل إلا الخطوة الأولى ضمن خطوات كثيرة نحو بناء ذلك العالم، وأنّ الخطوة الأكبر سوف تتطلب تغيير القواعد التي تحكم المؤسسات الخيرية كلها. نتطلع إلى أن نكون معاً في هذه الرحلة، ونأمل أن تنضم إلينا. فهناك عالم آخر يمكننا بناؤه.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.