لماذا تبقى حلول الريادة الاجتماعية مقيدة؟

معوقات الابتكار الاجتماعي
Shutterstock.com/pathdoc
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يُعدّ الابتكار، وإثبات جدواه، وتوسيع نطاقه، بمثابة خطوات رئيسية ضرورية لأي رائد اجتماعي؛ إذ من المفترض أن يحقق نجاحاً كبيراً أو يتوقف عن العمل، ولكن الحقيقة أننا نواجه الكثير من معوقات الابتكار، و أنه بغض النظر عن مدى روعة الرائد الاجتماعي، فمن المحتمل ألا يحقق الحل الذي يقدمه إمكاناته ما لم تبدأ جهات أخرى؛ ويفضل أن تكون على مستوىً عالٍ من حيث الحجم، في تبنيه وتوسيع نطاقه أيضاً.

نحن نعلم منذ مدة طويلة أن تلك الجهات الأخرى تشمل الحكومات والأسواق والمؤسسات غير الحكومية الأخرى، لكن انتابنا الشك بشأن تلك الأخيرة؛ لأنه على الرغم من العمل طويلاً مع أكثر من 50 مؤسسة مدرجة في محفظة مؤسسة «مولاغو» (Mulago)، لا يمكننا ذكر مثال واحد مقنع للتوسع عبر مؤسسات غير حكومية أخرى أكبر.

يُعدّ ذلك مقلقاً، لذلك أجرينا استطلاعاً صغيراً، وسألنا رؤساء تنفيذيين لمؤسسات دولية غير حكومية كبرى (BINGO)، وأعضاء مجالس إدارتها، وعدداً من الأشخاص الذين لديهم أفق بعيد وموسع للقطاع الاجتماعي، إذا كان بإمكانهم ذكر حل واحد من عالم الريادة الاجتماعية تم توسيع نطاقه بشكل فاعل من خلال المؤسسات الكبرى، وكانت الإجابة الوحيدة هي «لا»؛ قالوا لنا ذلك من دون تردد، لكن مع الشعور بالقليل من الألم.

ينبغي أن تكون هناك بعض الأمثلة في مكان ما، وقد تجدها في دراسة أكاديمية جيدة، ولكن بالنظر إلى تجربتنا الخاصة، وتجربة الرؤساء التنفيذيين الذين شملهم الاستطلاع، يبدو واضحاً أن التوسع الشامل لحلول الرواد الاجتماعيين من خلال المؤسسات الدولية غير الحكومية الكبرى ليس أمراً سائداً.

إذا لم يكن تبنّي الحلول من جانب المؤسسات غير الحكومية طريقاً واعداً للتوسع، فهذا أمر معيب، لقد دعمت مؤسسات مثل «مولاغو» و«سكول» (Skoll) و«دي آر كيه» (DRK) و«إكونغ غرين» (Echoing Green) القادة والمؤسسات بالاستناد إلى الحلول التي ينبغي؛ ضمنياً أو بصورة علنية، توسيع نطاقها عبر قطاع المؤسسات غير الحكومية، ولكن إذا لم يحدث ذلك؛ أي إذا لم يكن توسيع نطاق الحلول من خلال المؤسسات الكبرى أمراً سائداً، فهم في طريقهم إلى اللامكان، ونكون قد خذلناهم، فقد عملوا بنية صادقة وبكل طاقتهم على ابتكار الحلول التي يمكن أن تتوسع، لكن المؤسسات الكبرى؛ مع قدرتها الجماعية الهائلة على تبني تلك الحلول، لن تستغل إمكاناتها الجماعية لإحداث تأثير مهم؛ لكن لماذا؟

معوقات الابتكار الاجتماعي

التمويل الموجه نحو المشاريع

يعد التمويل واحد من أهم معوقات الابتكار، حيث أنه لدى المؤسسات الدولية غير الحكومية الكبرى مرتبات كبيرة بحاجة إلى دفعها، لذلك فهي تعتمد على المساعدات الضخمة التي تؤمنها وكالات التمويل الثنائية والمتعددة الأطراف؛ مثل «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» و«البنك الدولي»، للحصول على جزء كبير من التمويل، لكن تمويل تلك الوكالات مقيد، إلى جانب أنها تفضل المشاريع، لأنها محددة الزمان والمكان، ومدفوعة بأفكار وأولويات الممول، لذلك تعمل المؤسسات الكبرى على تنفيذ المشاريع، وبدلاً من توسيع نطاق الحلول الجيدة التي أثبتت جدواها، فإنها تعمل على مجموعة من المشاريع غير المرتبطة مع بعضها؛ والتي غالباً ما تكون عبارة عن مزيج من الأفكار المتناثرة، لقد قرأنا مؤخراً دراسةً عن أحد المشاريع؛ الذي جمع بين التغذية، والمياه والصرف الصحي والنظافة، وعمليات التدخل التي يمكن أن تنقذ الأرواح، ضمن إطار واحد غير قابل للتطوير (وفي النهاية فشل أيضاً في أن يكون له أي تأثير على الصحة أو سوء التغذية،)؛ ومن الجدير بالذكر أن هذا الأمر اعتيادي أكثر من كونه استثنائي.

لا تُحدث عقلية المشروع بحد ذاتها الكثير من الأثر؛ إذ أن المشاريع المتعددة والمحدودة زمنياً لن تواجه معوقات الابتكار بشكل جيد،ولن تحدث حلولاً مقنعة؛ حتى لو كانت منتشرةً في كل مكان، لأن إيجاد حلول للمشكلات يتطلب اتباع نهج لابتكار الحلول؛ حيث يتم توسيع النماذج التي أثبتت جدواها بالالتزام والتصميم، لكن إجماع المستجيبين؛ والذي يتوافق مع انطباعنا، هو أن ذلك لن يحدث في ظل النظام الحالي المفكك؛ إذ تدعم وكالات التمويل المشاريع، ولذلك تنغمس المؤسسات الكبرى في مجال لا يتطور؛ حيث يتدافع الجميع للحصول على عقود تسمح لهم بتنفيذ أفكار تلك الوكالات.

توجد مفارقة في خضم ذلك؛ إذ لا توجد جهات تشعر بالحماس للوضع الراهن، وهذا يشبه تقريباً ما يحدث في شوارع المدن خلال جائحة كورونا؛ حيث لم يحب أحد الشوارع الصاخبة والمكتظة بالسيارات، لكننا لم نتمكن من الخروج بحل لتحويلها إلى طرق مريحة تناسب الأشخاص الذين يعيشون ويمرون فيها، حتى أدت الجائحة إلى إجراء عمليات إغلاق كاملة لفترة من الزمن. ربما يحتاج نظام المؤسسات الكبرى ووكالات التمويل إلى مواجهة الحقيقة التي لا مفر منها، ونحن نرحب بالحديث مع أي جهة لديها فكرة عن كيفية تحقيق ذلك.

قضايا الملكية

لقد سمع الجميع هذه العبارة في السابق، لكننا في الواقع أجرينا محادثةً مع أحد الأشخاص في إحدى المؤسسات الكبرى التي نحب عملها؛ فأجاب ساخراً على أسئلتنا بقوله: «نحن غير معنيين بتوسيع نطاق حلول المؤسسات الأخرى»، كما لو أن الفكرة بأكملها كانت سخيفة، وقد كان ذلك محبطاً ومجدداً للنشاط في الوقت ذاته.

كما جرت نقاشات في اتجاه معاكس؛ حيث أخبرنا موظفو المؤسسات الكبرى كيف ابتكروا حلولاً رائعة وعملوا على تحويلها إلى مؤسسات مستقلة، لكن أين من المفترض أن تعمل تلك المؤسسات الجديدة؟ إذا كانت لديك فكرة رائعة، فلا تحولها إلى مؤسسة، بل احرص على توسيع نطاقها!

نحن نتفهم كيف تجبر ثقافة العقود التنافسية المؤسسات الكبرى على البحث عن طرق لتبدو فريدةً ومبتكرة، ونعلم أن الشعور بالفخر الكبير بالمؤسسة يمكن أن يحجب الرؤية، لذلك لدينا حل لمساعدتك على الحصول على ما تريد، ويمكنك تطبيقه كأنك أنت من ابتكرته! فهذا لا يهم، نريد فقط رؤية الأثر على نطاق واسع.

البيروقراطيات الثقيلة

تعد البيروقراطية من أكثر معوقات الابتكار الاجتماعي تأثيراً. لقد رأينا كبار التنفيذيين متحمسين لبعض الحلول، لكنهم فشلوا في ترجمة حماسهم إلى عمل فاعل على أرض الواقع، في المقابل، شاهدنا موظفين ميدانيين على دراية بكيفية سير الأمور، لكنهم غير قادرين على نقل عدوى حماسهم إلى الإدارة العليا بشأن حلول وجدوا أنها ذات جدوى. لا يمكننا التظاهر بمعرفة سبب حدوث ذلك، ولكن هناك الكثير من الحواجز؛ ضمن المؤسسات الكبرى، بين المقرات الرئيسية للمؤسسات والأماكن التي تظهر فيها المشكلات والحلول، قد يكون الأمر يتعلق ببساطة بكيفية تخصيص المؤسسات الكبرى للموارد؛ على سبيل المثال، كانت إحدى المؤسسات غير الحكومية الصغيرة نسبياً مضطرةً للدفع إلى إحدى المؤسسات الكبرى لإكمال نسخة تجريبية من نموذجها المثبت، لأن الأخيرة لم تكن موازنتها جيدةً بما يكفي، وبالتالي، عانت من نقص في السيولة في منتصف السنة؛ لقد كان ذلك مثيراً للسخرية.

ضعف مراقبة الجودة

يبدو في الحقيقة أن جزءاً كبيراً من معوقات الابتكار الاجتماعي يتمثل في أن المؤسسات غير الحكومية المتماثلة؛ كبيرة أو صغيرة، لا تحصل على النتيجة نفسها التي تصل إليها المؤسسة المبتكرة للحل؛ وبالتالي تفشل الجهود المبذولة لتوسيع نطاقها، وغالباً ما تكون هذه مشكلةً من كلا الجانبين؛ فإما أن يكون حل المؤسسة ببساطة غير صالح للتطبيق خارجها، أو أنها تفتقر إلى طريقة جيدة لترجمة نموذجها للآخرين؛ وهذا غالباً ما يحدث، من ناحية أخرى، غالباً ما يتم اختصار الجهود من جانب المؤسسات غير الحكومية المستنسخة للحل؛ إذ تحاول تطبيق الحل بأقل تكلفة؛ أي مع عدد أقل من الموظفين، وإطار زمني أقصر، أو قد لا يتم تطبيقه بالسرعة والطريقة التي تتطلبها المساعي الجديدة، وفي كلتا الحالتين، يتعطل العمل ويفقد زخمه.

تجاهل مصدر كبير ومجاني للأفكار

إذاً، ينسحب الرواد الاجتماعيون عند مواجهة التمويل الموجه نحو المشاريع، وقضايا الملكية، والبيروقراطيات الثقيلة، وضعف مراقبة الجودة، إنهم يستكشفون حلولاً أكثر إرضاءً ولكن من المحتمل أن تكون أقل قابليةً للتوسع عبر المؤسسات غير الحكومية الصغيرة المحلية. كان البعض يتصور أن تبنّي المؤسسات الكبرى للحلول بمثابة خطوة أولى لتوسيع نطاقها أيضاً على مستوى الحكومة، لكنهم أعادوا توجيه عملهم وذهبوا مباشرة باتجاه الحكومة بأنفسهم، ربما يكون هذا أمراً جيداً؛ ففي مرحلة ما، عليك فقط الاعتراف بأنه لا يمكنك الوصول إلى مقصدك بالمرور بهذا الطريق.

من الأفضل إعادة توجيه عملك ليكون قابلاً للتوسع، بدلاً من الاستمرار بالعمل في دائرة مفرغة، لأن ذلك ينطوي على فرصة كبيرة ضائعة، ومورد مهم يتم رفضه. صحيح أن المؤسسات الدولية غير الحكومية الكبرى؛ تعمل على بعض الأمور الرائعة، والأفكار التي يتم تطبيقها في مشاريع ناجحة (على الرغم من أنها تبقى مجرد مشاريع) ينبغي أن تأتي من جهة ما، لكن تلك الجهة ليست عالم الريادة الاجتماعية، وهذا أمر مؤسف بالفعل؛ إذ تتجاهل المؤسسات مصدر حلول رائع ومترامي الأطراف؛ والذي عزز فاعليته من خلال احتضانه الواسع للحركة الموازية لقياس الأثر.

لم يفت الأوان بعد، والأمر الجيد هو أنه يمكنك مواجهة معوقات الابتكار بالحصول على تلك الحلول؛ التي يتم إنتاجها مجاناً بالكثير من التضحية والتعب والمال! ما عليك سوى تبنّيها وتنفيذها وتوسيع نطاقها، ولا نكترث إذا نسبتها لنفسك. إن الريادة الاجتماعية ليست المصدر الوحيد للأفكار العظيمة، لكن لا شك أنها مصدر رائع جداً، وإذا كانت الأفكار التي تم إثبات جدواها قد صُممت بطريقة تسمح بتوسيع نطاقها، فسيؤدي ذلك إلى إحداث أثر كبير من شأنه أن يعالج الكثير من المشكلات الكبيرة، لذلك، تبنى هذه الأفكار وابدأ العمل، ونحن نعدك بأنه سيكون هناك المزيد.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.