ينبغي على كل منظَّمة تسعى لتحديد مسار العمل الخاص بها، أن تواجه الفجوة المتمثلة في معرفة موقعها الحالي، والموقع الذي تريد أن تكون فيه.
كانت نتائج «تقرير الكوكب الحيّ» (Living Planet Report) لعام 2012 بمثابة نداء صحوة أطلقَته الطبيعة الأم لـ«الصندوق العالمي للطبيعة» (World Wildlife Fund)، حيث وثّق هذا التقرير؛ وهو تقييم يصدر كل سنتين ويُظهر المؤشرات الحيوية للبيئة التي تكشف عن نجاحنا كمجتمع معني بحماية البيئة، الحالة المتدهورة للكوكب، فقد أظهر أنّ جميع المؤشرات؛ من التنوع البيولوجي إلى تغيُّر المناخ، تتجه نحو مستويات منخفضة، وكانت الخلاصة واضحة: لقد نجحنا في مواجهة بعض التحديات الحاسمة التي خضناها بصعوبة بالغة، لكننا كنا نخسر التحدي الأكبر.
كنا نعلم أنه ينبغي علينا إحداث التغيير إذا أردنا نتائج مختلفة، وفي ديسمبر/كانون الأول 2012، اجتمعنا لدراسة أفضل الممارسات لدينا ولدى الآخرين، وخلصنا في النهاية إلى ضرورة اتخاذ ثلاث خطوات:
- إعادة توجيه جميع أعمال الصندوق العالمي للطبيعة نحو أهداف واضحة وقابلة للقياس.
- الدفع نحو المزيد من الابتكار للخروج بحلول جديدة كلّيّاً.
- تقديم حلول على نطاق يعادل المشكلات التي نواجهها.
وضعنا أولاً ستة أهداف لحماية وتحسين حالة الغابات والمحيطات والمياه العذبة والكائنات الحيّة والغذاء والمناخ، ثم قمنا بفعل شيء جديد، وهو «عكس مسار عملنا». لقد عكسنا فعلياً مخططنا التنظيمي، بحيث تم دمج الفِرَق الوظيفية المنفصلة سابقاً مع فِرَق جديدة متعددة الوظائف لمتابعة أهدافنا الجديدة، وعَمِل العلماء ومحللو السياسات والعاملون الميدانيون وغيرهم من المتخصصين جنباً إلى جنب بصورة يومية لتحقيق أهداف مشتركة.
كما عسكنا ثقافة المنظَّمة، حيث حصلنا على تمويل من شركات مثل «غوغل» و«بروكتر آند غامبل» (Procter and Gamble)، ومؤسسة «بيل وميلندا غيتس» (Bill and Melinda Gates)، وأصبحنا أشبه بمنظَّمة ناشئة معنية بالحفاظ على البيئة، أكثر من كوننا منظَّمة مستقرة، وانتقلنا من خطط عمل مدتها خمس سنوات إلى خطة تنطوي على التدفق المستمر للأفكار والابتكار.
نعمل الآن على تدقيق حيثيات المبادرات الجديدة في مراحل متعددة من تطورها لتحديد ما ينبغي إطلاقه واختباره وتوسيع نطاقه في نهاية المطاف، ونجتمع أسبوعياً وشهرياً لعرض الأفكار الأكثر إقناعاً وزعزعة خارج نطاق منظَّمتنا، وللبتّ بصورة منتظمة بالمبادرة التي ينبغي اختبارها أو الانضمام إليها.
نظراً لأنه لا يمكننا المضي قدماً إلا بالسرعة التي تسمح بها مواردنا المالية، عَمِلنا أيضاً على تحرير رأس المال أثناء إعادة التنظيم لإنشاء «صندوق ابتكار» سنوي بقيمة 10 ملايين دولار. وفّر ذلك لنا رأس مال أوليّ للمبادرات الجديدة التي نتوقع إما أن تفشل بسرعة، أو توجِّهنا نحو مبادرات جديدة على نطاق واسع.
يدفعنا هذا النهج الجديد قُدماً، ونطرح نقاشات بصورة أكثر انتظاماً حول النماذج الأولية والعمل الجيد للمنظَّمات الأخرى، وتخرج فِرقنا الجديدة بأسماء للاجتماعات مثل «الكعك المُزعزع» و«حضانات الغابات»، لإثارة الابتكار ونشره، حيث يمكن لأي شخص أن يشعر بنوع مختلف من الحماسة داخل مكاتبنا.
تتمثّل إحدى مبادراتنا الجديدة في مدّ الأسواق العالمية بالمعلومات حول سلع زراعية؛ يؤدي اعتمادها إلى وقف تخريب الغابات أثناء إنتاج لحوم البقر وفول الصويا وزيت النخيل وغيرها من المنتجات، ويهدف برنامج جديد آخر إلى التأكيد بصورة أوضح على قيمة الطبيعة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ذلك من خلال توثيق الآثار السلبية المتعلقة بالأمن لارتفاع أسعار المواد الغذائية، وفقدان الموارد الطبيعية في مناطق مثل جنوب شرق آسيا والقرن الأفريقي. نحن نحقق أيضاً تقدُّماً في خطة مستوحاة من «وول ستريت» لدعم المناطق المحمية الشاسعة في بوتان بالكامل وبتمويل دائم؛ وهو ما ساعدَنا لاحقاً على تحقيق الأمر ذاته ضمن مساحات ضخمة في منطقة الأمازون البرازيلية.
يتطلب عكس مسار العمل جرأة كبيرة. بالنسبة إلينا، كان ذلك يعني إجراء محادثات صادقة تسلط الضوء على مواطن القصور لدينا، كما عَنى أيضاً إلغاء 20% من الوظائف في مقرنا الرئيسي حتى نتمكن من تحويل طاقاتنا إلى أجزاء أخرى من العالم وتحرير الأموال للابتكار. لن تجري معظم المنظَّمات تغييرات على هذا النطاق من دون حدوث أزمة مالية كبيرة، لكننا نواجه نوعاً مختلفاً من الأزمات، وهو التدهور البطيء والمحتّم لقدرة الكوكب على دعم استمرارية الحياة.
في الواقع، جاء «تقرير الكوكب الحيّ» الصادر لعام 2014 بمزيد من الأخبار المحزنة، بما في ذلك الكشف عن انخفاض مؤشر أعداد الفقاريات على الأرض بين عامي 1970 و 2010 بنسبة 52%، ولكن ثمّة نقاط إيجابية في أماكن مثل ناميبيا ونيبال والبرازيل، وتوقعنا أنه بحلول الوقت الذي نُصدر فيه تقريرنا لعام 2016، سنكون قد عمِلنا على اختبار الحلول الجديدة وإطلاقها وتوسيع نطاقها على نحو منتظم، وبدأنا في سدّ الفجوة من خلال إحداث تغييرات أساسية؛ مثل تصحيح مصائد الأسماك، وتوخّي الشفافية، وتعقُّب الإمدادات الغذائية، وإيقاف التعدّي على البيئة من خلال محاربة التجارة بالحياة البرية.
بالنسبة إلى المنظَّمات الأخرى التي تنظر في إمكانية عكس مسار عملها، إليكم بعض المبادئ التي ينبغي وضعها في الاعتبار:
البدء والانتهاء من منظور المهمة: احرص على أن تكون صادقاً إلى أقصى درجة بشأن الفجوة بين موقع منظَّمتك الحالي والموقع التالي، وافعل كل ما يلزم لسدّ تلك الفجوة. بالنسبة إلينا، تطلَّب منّا ذلك المرور ببعض الأوقات المؤلمة؛ مثل خفض عدد الموظفين، وتلقّي النقد من الممولين والأقران وأصحاب المصلحة الآخرين.
التّعلُّم من الآخرين: تابع عن كثب المنظَّمات الأخرى التي تُمثّل التغيير الذي تسعى إليه، وقد يلهمك التحدث إلى قادة تلك المنظَّمات، لكننا ننصحك بالتحرك بسرعة، حتى لا تتعرقل أثناء تقدُّمك.
التواصل باستمرار: شارك رؤيتك ووضّح اتجاهك الجديد باستمرار مع الموظفين والممولين وأصحاب المصلحة الآخرين، واحرص على فعل ذلك بقدر ما يتطلبه الأمر.
المحافظة على الشعور بالفخر: تواصلَ معي زملائي من جنوب أفريقيا بعد إجرائنا لهذا التحوّل، وتلقيت التشجيع منهم لكي نحافظ على الشعور بالفخر والثقة بعملنا، وبادَر أعضاء مجلس الإدارة بالأمر نفسه، ودفعونا إلى التّحرُّك بسرعة، مع العلم أننا سنرتكب الأخطاء، ونصححها، أثناء تقدمنا. كما سمعتُ إطراءات بأنّ التغييرات التي أجريناها كانت رائعة و شجاعة على حد سواء، لكن في واشنطن العاصمة، لا ننكر أنّ ذلك يكون صحيحاً أحياناً من الناحية الفكرية، وصعباً على الصعيد السياسي، إلا أنّ التغيير الحقيقي يتطلب شجاعة. لن تحظى القرارات الجريئة بشعبية لدى الجميع، لكنّ أصحاب المصلحة يتوقعون منا في النهاية أن نقدّم أكثر من مجرد إدامة عمل المنظَّمة؛ إنهم بحاجة إلينا لإنجاز المهمة. أنصحكم في النهاية بألّا تخشوا عكس مسار العمل، أو اتخاذ أيّة خطوة ضرورية للوصول إلى الهدف.
اقرأ أكثر عن التخطيط الاستراتيجي
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.