صياغة استراتيجية الاتصالات: مزيد من الأسئلة

استراتيجية الاتصالات
www.unsplash.com/Austin Distel
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

نحن نُقدّمُ لك دليلاً شاملاً -أربعة أسئلةٍ ستساعدك في صياغة استراتيجية الاتصالات الفعالة، والوصولِ إلى التغيير الذي تريد إِحداثَه. سيساعد هذا الدليلُ أيضاً زملاءَك في أن يُصبحوا أكثر استراتيجيةً. في المرة القادمة التي يدخل فيها شخصٌ ما إلى مكتبِك ويصرُّ على أنّ الوقت قد حانَ لتنظيمِ حفلِ ذكرى، أو كتابة كُتيِّب، أو تنظيمِ سباق 5 كيلومترات، ضع هذا الدليلَ المفيدَ المكوّنَ من أربعة أسئلة وركّز على إنتاج شيءٍ سيكونُ أكثر فاعليةً.

هذا المقال هو استكمال للأسئلة التي يجب عليك طرحها لصياغة استراتيجية الاتصالات الخاصة بمنظمتك. للاطلاع على الجزء الأول من المقال؛ اقرأ: استراتيجية الاتصالات: دليلك المختصر لتحقيق تغيير اجتماعي فعلي.

صياغة استراتيجية الاتصالات الملائمة

السؤال الثالث: ما الذي قد يعتقدون أنه سيُحفِّزُهم على اتخاذ إجراءات؟

بمجرَّدِ أن تعرف من الذين تحتاج إلى الوصول إليهم؛ يُمكنكَ البدء في العمل على فهم من يكونون، وكيف يرون العالم، وما يهتمون به للحصول على رسالةٍ ستحقِّقُ لهم قيمةً ما.

إحدى أكبرِ الحواجز التي تَحولُ دون تحفيز الناس على اتخاذ إجراءٍ هي ما يشير إليه العلماء بتَجَنُّبِ المعلومات. إذا قمت بتجنُّبِ الصعودِ على الميزان بعد الإجازةِ، أو تركتَ ظرفَ فاتورةٍ غير مفتوحٍ لمدّةِ أسابيع، فأنت تُشاركُ في تجنُّبِ المعلومات. هناك ثلاثة أسباب تجعلُ الأشخاصَ يتجنَّبون المعلومات: أنَّها تجعلهم يشعرون بالسوء، أنها تُلزِمُهم بالقيامِ بشيءٍ لا يُريدون القيام به، أو أنها تتعارض مع نظرتهم للعالم وروتينهم اليومي؛ هذا هو السبب في أنه من الصعب التواصل حول تغير المناخ مثلاً. إن إخبار الناس أن نشاطهم هو السبب الرئيسي للاحتباس الحراري، وأنه يَتعيَّنُ عليهم تغيير طريقةِ حياتهم، يجعلهم يُريدون وَضعَ أصابعهم في آذانهم. قال إزرا ماركويتز؛ أستاذ في اتخاذ القرارات البيئية في قسم الحفظ البيئي في جامعة ماساتشوستس أمهرست، في مقابلةٍ حول لماذا يتجنّبُ الناسُ المعلومات عن تغيّرِ المناخ:

الكثير من الرسائل التي سمعناها منذ عقودٍ حتى الآن حول [تغير المناخ] تتضمن أن كلّ واحدٍ منّا يحتاج إلى تحمّلِ المسؤولية عن الانبعاثات التي قام كلُّ واحدٍ منّا بالتسبُّبِ بها؛ من استخدامنا للكهرباء في منازلنا أو قيادة سياراتنا في الأرجاء … هناك تضمينٌ أننا يجب أن نشعر بالذنب تجاه هذه المشكلة. المشكلةُ هي أننا بارعون حقاً في التملُّصِ من الشعور بشكلٍ سيءٍ تجاهَ أنفسنا، ولا يريد أحد أن يشعر بشعورٍ سيءٍ تجاهَ نفسه، لذلك لدينا تحيّزٌ تجاه الشعورِ بالذنب. الناس بارعون حقاً في محاولة تجنُّبِ الشعور بالذنب، وبالتالي فإننا لا نُركزُ على القضية، ولا نُركّزُ على حقيقةِ أنّ هناك الكثيرُ من الضحايا؛ بل إننا إلى حدٍّ ما نطرحُ حقيقةَ أن هناكَ الكثيرُ من الشكوك لنتملّص من الشعور بشعورٍ سيءٍ تجاهها.

تُبيِّنُ لنا الأبحاثُ أن مجموعاتِنا الاجتماعية تُؤثّرُ على قِيَمنا وعلى رُؤيَتنا للعالم، وأن نظرتنا الثقافية للعالم – تفضيلاتنا التي تشكّل نموذج مجتمعٍ مثالياً والمخاطر أو التهديدات المتصورة وفقها – تتقاطع مع اثنين من الأبعاد: “التسلسل الهرمي – المساواة” و “الفردية – الشيوعية”. يحاذي موقعُ الناسِ على المصفوفة معتقداتَهم وسلوكَهم وتفضيلاتَهم السياسة. يمكن تعريف هذه النظرات إلى العالم على أنها:

  • نظرة هرمية إلى العالم: يحددها تفضيل واحترام السلطة.
  • نظرة مساواة إلى العالم: المحددة بعدم الثقة في التسلسلات الهرمية الاجتماعية ودعم المساواة الاجتماعية.
  • نظرة فردية إلى العالم: يحددها تقديس الاعتماد على الذات الفردية.
  • نظرة شيوعية إلى العالم: يحددها منح صالح المجتمع أهميةً أكبر من الفرص الفردية.

في الولايات المتحدة، وُجِدَ أن الانتماءَ السياسيَّ مُرتبطٌ بقيمٍ معينة؛ يميلُ الأشخاصُ الليبراليون إلى التحلّي بقيمِ تجنُّبِ الأذى وتعزيزِ المساواة، بينما يميل الأشخاصُ المحافظون إلى التحلي بقيم احترام السلطة، وحمايةِ مجموعاتهم الاجتماعية، والحفاظِ على المُقدَّسات، من المُرجّحِ أن يتقبَّل الناس الرسائلَ والحلولَ والدعوات التي تتماشى مع قِيَمِهم ونظراتهم للعالم.

في إحدى الدراسات، قام عالما النفسِ الاجتماعيّين تروي كامب بيل وآرون كاي، بعرض مقالٍ عن حلٍّ للتغيُّر المناخي على مشاركين محافظين. قرأت إحدى المجموعات مقالاً يصفُ حلّاً تنظيمياً (تقييد انبعاثات الكربون)، بينما قرأت المجموعة الأخرى واحداً عن حلٍّ يستند إلى حاجة السوق (الاستثمار في التكنولوجيا الخضراء). ثم سُئِلَ المشاركون عمّا إذا كانوا يتّفقون مع إجماع علوم المناخ. كان المحافظون أكثر نزعةّ لتصديقِ علومِ المناخ عند تقديمها بطريقةٍ تتماشى مع نظرتهم إلى العالم التي تنادي بالفردية وحرية السوق. بعبارة أخرى؛ لم يكُن التشكيك في العلوم متعلّقاً بالعلم الفعلي؛ بل في الحقيقةِ كان متعلقاً بكيف يرى الناس العالم من حولهم والحلول المحتملة.

إذا أظهرتَ الرابط بين العلوم وحياة الناس، فمن الأرجح أن يتفاعلوا معها ويمنحونها المصداقية؛ يمكن أن يعني ذلك أن توضّح لهم التأثير على مجتمعاتهم أو كيف تتماشى قيمهم مع العلم. كذلك؛ تشير الأبحاث إلى أننا نحتاج إلى جعل الناس يشعرون بالرضا عن أنفسهم قبل أن يُطلَبَ منهم أن يسمعوا معلوماتٍ سيئةً، ويسيطروا على ما يجب عليهم فعله بهذه المعلومات. أخيراً؛ يكونُ الناسُ أكثرَ تقَبُّلاً للمعلومات إذا كانت مُؤطّرةً بطريقةٍ تتماشى مع كيفية رؤيتهم للعالم وقيمهم وهَويّاتِهم. بمجرّدِ أن تتعاملَ مع مجتمعٍ ضيّقٍ؛ يمكنُك أيضاً تحديد حاملي الرسائلِ المُؤثّرين الذين لديهم مصداقية وتعيينُ القواعدِ داخل مجموعاتهم الاجتماعية. إن العمل إلى جانبِ حاملي الرسائل هؤلاء، واستخدامُ الرسائل التي تضيفُ قيمةً إلى المجتمع، أمرٌ بالغُ الأهميةِ لدفع تغيير السلوك.

أنشأ أوغيلفي و ماذير حملةً فعلت كل هذا ببراعة. واجهتِ البرازيلُ نقصاً في المُتبرّعين بالأعضاء بسبب الأعراف التي تُحّرِّمُ التبرُّعَ بالأعضاء لأي شخصٍ غير أفراد العائلة، وقد كان الناس يموتون وهم ينتظرون التبرعات في الحالات الحَرِجة. استهدفتِ الحملة مُشجّعي نادي كرة قدمٍ معيناً ودَعَتْهُم ليُصبحوا “مُشجّعين خالدين” إذا أصبحوا متبرّعين بالأعضاء. النتيجة؟ أصبح الناس مُتبرّعين لأنهم ربطوا الأمر بجعلهم مُشجّعين من مستوى أعلى، كما أن دمج الخلود خدمَ أيضاً غرضاً آخر: لا يُحبُّ معظمُ الناس التفكير في الوقت الذي لن يحتاجوا فيه إلى أعضائِهم؛ لكنّ ربطَ التبرُّعِ بالأعضاءِ مع الخلود رُبّما جعلَ الفكرةَ أكثر قابليّةً للتَقبُّل ورفعَ دعوةَ التحرُّكِ الشائعةَ إلى مستوى أعلى.

السؤال الرابع: كيف ستطرحُ تلك الرسالةَ أمامَهم؟

الاتصالات الاستراتيجية ليست مكبرَ صوت. الناس متنوعون للغاية، وأكثرَ انشغالاً وتشتّتاً للردِّ على كل دعوةٍ إلى العمل يسمعونها. للتواصل مع المجتمعات؛ عليك أن تذهب إلى حيث يكونون. تحتاج إلى معرفة المكان الذي يقضون فيه الوقت على الإنترنت وفي حياتهم اليومية، فالانحراطُ في روتين حياتهم اليومي أمرٌ ضروريٌّ لإيصالِ رسالتك عبر الضوضاء.

على سبيل المثال؛ نذكُرُ جميعاً تحدّي دلو الجليد الذي استولى على وسائل التواصل الاجتماعي في صيف عام 2014. طلبَت هذه الحملة من الناس مشاركةَ مقاطع الفيديو الخاصة بهم وهم يُلقون المياه الجليدية على رؤوسهم، وترشيح أصدقائهم إما أن يفعلوا الأمرَ نفسه أو التبرع إلى جمعية التصلب الجانبي الضموري (ALS) وجمعية أمراض الخلايا العصبية. فعل الكثيرون الأمرين معاً، شارك أكثر من 28 مليون شخص، وجمعوا 115 مليون دولار في ستة أسابيع. استخدمت المنظمات التبرعات لتمويل ستة برامج بحثية وغيرها من الاستثمارات؛ بما في ذلك مشروع «ماين اي» الدولي برأس مال يبلغ 1 مليون دولار؛ والذي يدرس العلاقة بين علم الوراثة والتصلب الجانبي الضموري (ALS). بسبب الاستثمار؛ تمكن مشروع «ماين اي» من التوسع والتوصّل إلى اكتشاف بحثي، وتحديد العلاج المحتمل لمرض ALS.

لماذا كانت هذه الحملة ناجحةً جداً؟ يُجادلُ عالم النفس الاجتماعي ساندر فان دير ليندن بأنها نجحت لأنها استغلّت “الروافعَ النفسية” التي تزيد من سلوك الإيثار لدى الأشخاص. وضع مُؤثّرو وسائل التواصل الاجتماعي سقف التوقعات؛ مما حَرَّضَ الضغطَ الاجتماعيَّ للمشاركة، والمشاركةُ جعلت الناس يشعرون بالرضا عن أنفسهم، لأنهم ساهموا في قضيةٍ ما، ولأنهم زادوا من “الإعجابات” على وسائل التواصل الاجتماعي. بدلاً من مُطالبة الناس بتركِ الروتين الرقمي اليومي للانخراط مع الحملة على موقع ويب آخر؛ طلبت الحملة من الناس اتخاذ إجراءاتٍ داخل منصات وسائل التواصل الاجتماعي حيث كانوا يقضونَ وقتهم بالفعل لنشرِ ومشاركةِ المحتوى.

اقرأ أيضاً: ثقافة التواصل: ثلاث مبادئ توجيهية

لتلخيصِ كلّ شيء

نحن نستخدم هذه الأسئلة الأربعة في كثيرٍ من الأحيان لدرجة أننا نفكر في تحويلها إلى مُفكِّرة. بينما بدأنا في تدريب أدمِغَتِنا الخاصة بهذه الطريقة؛ كان من المفيد عكس تخطيطِ الحملات التي نحن معجبونَ بها. تُعدُّ استراتيجية الاتصالات الاحترافية التي أدت إلى المساواة في الزواج في أيرلندا، حملةً جيدةً للتدرّب من خلالها. إليكَ الطريقةَ التي أجبنا بها عن الأسئلة الأربعة لهذه الحملة، على سبيل المثال:

السؤال 1: ما الذي تحاول منظمتك تحقيقه وليس مُحقّقاً الآن؟

يجب أن يكون الناس قادرين على الزواج من الشخص الذي يحبونه، بغضِّ النظر عن الميول الجنسية.

السؤال 2: من هم الذين يجب أن يفعلوا شيئاً لا يفعلونه الآن (أو التوقف عن القيام بشيءٍ ما) لتحقيق هذا الهدف؟

الرجال كِبارُ السنِّ المحافظون يجب أن يكونوا على استعدادٍ للتصويت لصالحِ هذا التشريع.

لم يكُن الأمرُ أنهم لم يكونوا بحاجةٍ لتصويت الجميع لدعم الزواج؛ لكن براين شيهان؛ الذي كان يرأسُ الحملة، وزملاءه في «GLAAD»، قاموا بدراسة المجتمع، ووجدوا أن غالبية الشباب والنساء كانوا داعمين للقضية بالفعل. للتأكُّدِ من أن الإجراء سينجَح، فقد احتاجوا هذه المجموعة الأخيرة.

السؤال 3: ما الذي يعتقدون أنه من شأنه أن يحفزهم على اتخاذِ إجراءات؟

القضية تدور حول “الزواج”، وليس “المساواة في الزواج”، وحول الحبّ العائلي، وليس الحب الرومانسي.

غيَّرَ الجزءُ الأولُ ديناميكيةَ المحادثة عن طريق جعلِ المشكلة أكثرَ عموميّةً؛ لا شيئاً مختلفاً عن مجموعاتٍ مختلفةٍ. أما الجزءُ الثاني، فقد فعّلَ القيمة الأبَوية من ناحيةِ أن لا أحدَ يُريد أن يرى طفلهُ المحبوب محروماً من الحقوقِ المُتاحةِ للآخرين.

السؤال 4: كيف ستطرح تلك الرسالة أمامهم؟

الاعتماد على كلٍّ من وسائل التواصل الاجتماعي لحشدِ المناصرين والوسائط التقليدية للوصول إلى الناخبين التقليديين، ثم طرح المحادثة على أرض الواقعِ للوصولِ إلى الأشخاص غير المتواجدين على وسائل التواصل الاجتماعي.

نجحتِ الحملة بالطبع. يمكنك مشاهدة النظرة العامة لبراين شيهان عنها هنا.

لذا؛ قم بإحضارِ مُغلّفٍ وابدأ العمل. تَعمَّقْ في هذه الأفكار، واعْمَل على نَشرِها بين زملائك. عبرَ النظر إلى كلِّ ما تفعلُه من خلال هذه العدسة؛ من المُؤكَّدِ أنك ستُغّيِّرُ كيفية تفكيرِك، وستُبقي جُهدَك مُركّزاً حيث سيكونُ له التأثير الأكبر.

اقرأ أيضاً: وسائل التواصل الحديثة: ما مدى أهمية الاعتماد عليها؟

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.