رسالة ورؤية المؤسسة: كيف تشاركها بجرأة ومرونة في آن واحد؟

3 دقائق
رسالة المنظمة
Shutterstock.com/Uthai pr

أجرى بعض خبراء أبحاث الرأي مؤخراً تجربة مبنية على مجموعات التركيز في مدينتَين بولاية كولورادو: مدينة بولدر المعروفة بسياساتها اليسارية، ومدينة كولورادو سبرينغز حيث تميل الآراء أكثر نحو اليمين. لا عجب أن يجد الباحثون أن المشاركين حين ناقشوا قضايا مهمة ومعقدة، كالتغير المناخي مثلاً، مع أشخاص يشاركونهم طريقة التفكير لم يكتسبوا أي فائدة من النقاش بل ازدادوا تعنتاً لآرائهم.

كتب كل من الباحث القانونيّ والموظف السابق في البيت الأبيض، كاس سانستين، والعالِم السلوكيّ ريد هاستي، عن هذا الأمر في كتاب جديد بعنوان "أكثر حكمة: تجاوُز تفكير القطيع لجعل الجماعات أكثر ذكاءً" (Wiser: Getting Beyond Groupthink to Make Groups Smarter)، وذكروا مثالاً مفيداً: إذا كان التواصُل مع الآخرين يُحدث تغييراً ملحوظاً في فهمنا للقضايا المعقّدة ويحفزنا على العمل ويعزز التغيير الاجتماعي، فلا شك في أنه يدعم القيادة المنفتحة على وجهات النظر المختلفة، والتواقة للمشاركة في التوصل إلى الحلول، والجاهزة للتطور.

على مدى الأربعين عاماً الماضية، عملت مؤسسة روبرت وود جونسون فاونديشن (Robert Wood Johnson Foundation - RWJF) على تغيير المواقف الأميركية تجاه القضايا التي تبدو مستعصية، مثل استهلاك التبغ والرعاية في نهاية العمر وبدانة الأطفال، وفي العام الماضي باشرنا في أكبر مبادراتنا وأكثرها جرأة حتى الآن، وهي بناء ثقافة صحية شاملة للجميع، ويسعدنا أن نرى العديد من عناصر استراتيجيتنا مبين في كتاب سانستين وهاستي عن عملية صنع القرار الذكية، لأننا نعلم أن الأمر يتطلّب قيادة فَطِنة ومنهجية، وشراكات من أصحاب النفوذ الواسع، لتغيير نظرتنا إلى الصحة وتقييمنا لها في الولايات المتحدة.

عندما تبنَّينا رؤية بناء ثقافة الصحة، تساءَلنا عن طريقة لتغيير نظرة الآخرين إلى الصحة وتوسيع تعريفها خارج نطاق غياب المرض، وإحداث تغييرات في مجتمَعنا تجعل الصحة جزءاً مهماً من أسلوب عَيشنا وتعليمنا وعملنا ولعبنا جميعاً.

طورنا أفكاراً لما قد تبدو عليه ثقافة كهذه، حيث يناقش الأطباء بانتظام تكلفة العلاج وقيمته مع مرضاهم، أو يكتبون وصفات تتضمن الطعام أو التدفئة أو السكن للمحتاجِين، كما تصوّرنا مدناً وبلدات وأحياءَ مصممة على نحو يضمن أن تكون صحة الأطفال أمر واقع غير متروك للصدف، وتخيّلنا مستقبلاً يمكن للشركات فيه الاعتماد على حيوية الموظفين للحفاظ على قدرتها التنافسية، وجيشاً يقدّم أعلى مستوى من الأداء لحمايتنا داخل حدود الوطن وخارجه، وإمكانية خفض التكاليف التي ننفقها على الرعاية الصحية وتصل إلى عدة تريليونات من الدولارات.

كنا نعرف هدفنا، ولكن أين ستكون نقطة البداية في توضيحه للآخرين؟

ثم تفكّرنا في الدروس التي تعلّمناها في عملنا على مكافحة بدانة الأطفال، إذ كان علينا في كافة حواراتنا إبراز أهمية هذه المشكلة والتحذير منها، وتوضيح أن لكل منا دور مهم، بدءاً من الآباء وصولاً إلى المسؤولين عن وضع السياسات، ومن المتاجِر الصغيرة إلى الشركات الكبرى.

لتحقيق ذلك، كان علينا تحويل مشكلة بدانة الأطفال إلى محادثة ونقاش محوري، فكان علينا أن نبيَّن للشعب الأميركي سبب أهميتها، ونُصرح بها بجرأة شديدة كي نمنع تجاهلها، وتبرعنا بمبلغ 500 مليون دولار لإيقاف انتشار مرض البدانة لدى الأطفال، ثم دعمناه برسالة صريحة وقوية: يمكن أن يعاني الأطفال الأميركيون في عصرنا الحالي وضعاً صحياً أسوأ من وضع آبائهم ويشهدوا وفيات بسن أصغر مقارنة بجيل آبائهم للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، وعثور طفل في المدن الداخلية على مسدس أسهل من عثوره على حبة فاكهة طازجة. جذبت هذه الرسالة انتباه الناس، واستجاب كل من واضعي السياسات والمعلِّمين والأوساط الصناعية، وحتى البيت الأبيض، ولحسن الحظ بدأنا نرى بوادر التقدُّم، وخاصة بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين عامين و5 أعوام.

بينما نتطلَّع إلى تحقيق هدفنا الأوسع في بناء ثقافة صحية، تتمثَّل مهمتنا بصفتنا ممولين ومتحدثين في مشاركة رؤيتنا مع الآخرين، لكن ليس بطريقة جامدة: حين نقول أننا جميعاً مشتركون في هذا الأمر، من الضروري أن نكون صادقين وندعو الشركاء لمساعدتنا في بناء الطريق الذي سيوصلنا إلى وجهتنا، مع التأكيد على إمكانية اتباع طرائق متعددة. كما يجب أن نستمع ونُصغي ملياً إلى تعريف الآخرين للثقافة الصحية، ثم نجسّد ما نتعلمه ونوسّعه. يجب أن تكون قيادتنا قادرة على التكيف ومتعاونة ومرنة، إذ لا يمكننا فرض رؤيتنا الخاصة على الآخرين، لعلهم يرون أن الأمة التي تتمتع بصحة أفضل هي التي تتبنى ثقافة الرعاية أو ثقافة الرفاهية أو ثقافة الحقوق والواجبات الشخصية. يجب أن نبدي انضباطاً وشجاعة كي نضمن أن تحدد إسهامات الآخرين وابتكاراتهم اتجاه هذه المبادرة، ويجب أن نواصل العمل التعاوني في مختلف المجالات داخل مؤسستنا وخارجها، مع مراعاة التعقيدات الكثيرة الملازِمة لبناء تغيير منهجيّ غير مسبوق.

في النهاية، تُبنَى الثقافات بالعمل التعاوني دوماً، مثل بناء أفضل استراتيجية للتواصل. وكما يوضح كتاب "أكثر حكمة"، لا يمكن تحقيق التغيير الملموس في حجرة فارغة يتردد فيها صدى آراء أصحاب التفكير المتماثِل فقط؛ يتجنب أفضل القادة الحديث الذي يبدي الرضا عن التفكير الجماعي، ويحرصون على تهيئَة الظروف المناسبة لحث الآخرين على طرح آراء متعددة  ورسم مسار التغيير الإيجابي.

في حين نستقبل عام 2015، نعلم أن المستفيدين من المنح والقادة في مجالَي الصحة والرعاية الصحية وزملاءنا في العمل الخيري، هم سفراء داعمون يمثلون فكرتنا العظيمة. لكن من المهم ألّا نكتفي بالإصغاء إلى مجموعتنا فقط، بل يجب أن نكون مستعدين أيضاً لاختبار تأثير رسالتنا في من لا يعرفوننا ولا يعتبرون أنفسهم جزءاً من المجال الصحي عادة، مثل الشركات وقطاع التكنولوجيا والمعلِّمين وغيرهم، لأن المقياس الحقيقي لنجاحنا لن يتجلّى في عدد الحلفاء التقليديين الذين يتبنّون رسائلنا، بل في عدد المشككين غير المألوفين الذين سيجدون مكاناً لهم في ثقافة الصحة ويدعون الآخرين للانضمام إلى هذه الحركة.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

 

المحتوى محمي