قبل أيام من إطلاق الدخول في أحدث شراكة لمنظمة «هارامبي» (Harambee)، التي تُعنى بتسريع توظيف الشباب، مع رئاسة جنوب أفريقيا لتوسيع نطاق مراكز التوظيف المباشر في جميع أنحاء البلاد، أجبرت جائحة كورونا البلاد على الإغلاق. ومع توقف تطبيق الخطط، بدأت المنظمة في التفكير في كيفية المضي قدماً في مواجهة أزمات غير متوقعة.
نحن نعتقد أن العديد من العاملين في مجال منظمات التنمية الاجتماعية يدركون تماماً المشاعر التي مروا بها عندما تعرقل أزمة ما مبادرة مخطط لها بعناء ومشقة. سواء كان الأمر يتعلق بجائحة كورونا، أو حدوث تداعيات اقتصادية، أو اضطرابات في الحكومة، أو أية أزمة أخرى، غالباً ما تجد هذه المنظمات نفسها تعمل ضمن مجتمعات يكون الاضطراب فيها هو القاعدة وليس الاستثناء. من أجل فهم كيفية تحقيق أقصى استفادة من هذه الظروف الصعبة، أجرينا مقابلات مع قادة منظمات التنمية الاجتماعية كجزء من سلسلة «سكيلينغ باثويز» (Scaling Pathways) التابعة لكلية «فوكوا سكول للأعمال» بجامعة «ديوك». أردنا معرفة كيف كانت هذه المؤسسات تُجري مواءمات قصيرة المدى أو تحولات أكثر ديمومة في استراتيجياتها للخروج من الأزمات والتغلب عليها. ومن بين الرؤى التي انبثقت من محادثاتنا، برز أربعة عوامل:
- إعادة تقييم المشكلة
قد يبدو غريباً أن تتوقف عن العمل في خضم المطالب الملحة لأزمة تتكشف. ولكن من أجل التأكد من أنه يمكنك الاستمرار في تحقيق مهمتك، من المهم أن تتراجع خطوة وتطرح على نفسك السؤالين التاليين:
هل تغيرت احتياجات الأشخاص الذين نخدمهم نتيجة لهذه الأزمات؟ وهل نحتاج إلى تلبية تلك الاحتياجات المتغيرة للمضي قدماً؟
عندما أغلقت المدارس في الهند بسبب جائحة كورونا، استعانت منظمة «إديوكيت غيرلز» (Educate Girls)، التي تعمل من خلال المدارس لتمكين الفتيات المستضعفات ضمن المجتمعات الريفية والمتضررة اقتصادياً في جميع أنحاء البلاد، بشبكتها من المتطوعين والفرق الميدانية لاستطلاع آراء القادة المحليين والمعلمين والآباء لتحديد التحديات المستجدة. علمت المنظمة أن الفتيات اللاتي تقدم الدعم لهن يعانين أثناء محاولتهن الحصول على الاحتياجات اليومية، مثل أغراض البقالة والمستلزمات الصحية. وخلصت المنظمة إلى أنه في خضم الجائحة عليها المساعدة في تلبية تلك الاحتياجات الأساسية، على الرغم من أن تلك الجهود لم تكن مرتبطة بشكل مباشر بالتعليم. وقد دخلت في شراكة مع الحكومات المحلية وقادة البلدات لتوزيع حصص غذائية؛ لمعرفتها بأنه لا يمكن العودة إلى التركيز على تعليم الفتيات إلا بعد تلبية تلك الاحتياجات.
- الاهتمام بالشؤون المالية
تواجه المنظمات، سواء كانت بحاجة إلى إيجاد حلول لمشكلات جديدة طرأت أم لا، ضغوطاً مالية متزايدة وسط التكاليف غير المتوقعة التي قد تولدها الأزمات. إذاً، ما هي القرارات المالية قصيرة الأجل وطويلة الأجل التي تحتاج إلى اتخاذها للنجاة خلال الأزمات وتمويل أعمالك أثناء مضيك قدماً؟
إن فهم التدفقات النقدية الخاصة بالمنظمة التي تعمل فيها، وخفض التكاليف بطريقة مدروسة، وتعزيز الوحدة الاقتصادية، وجمع الأموال ليست إلا بعض الخطوات التي يجب على المؤسسة الاجتماعية وضعها في الاعتبار أثناء بداية الأزمة. كانت شركة التكنولوجيا المختصة بالرعاية الصحية «إم فارما» (mPharma)، التي تكفل الوصول إلى الأدوية الآمنة وبأسعار معقولة على نطاق أفريقيا، قلقة من أن الاختلالات الحاصلة في سلسلة التوريد والناجمة عن الجائحة ستجعل تلك الأدوية باهظة الثمن لعملائها. خلال الأيام الأولى للجائحة، قيمت الشركة تدفقاتها النقدية ورأت أن بإمكانها شراء الأدوية الأساسية مسبقاً بأسعار منخفضة وإتاحتها للمرضى بأسعار ثابتة قبل أن تتأثر بتقلبات الكلفة. في حين أن هذا مكّن شركة «إم فارما» وعملائها من تجنب ارتفاع النفقات على المدى القصير، أدركت أيضاً أنها لا تستطيع الحفاظ على برنامج تأمين دائم للأسعار. لذلك، عملت الشركة على تصميم نموذج مالي فاعل لتحديد المدة التي يمكن أن تستمر فيها بالاحتفاظ بالمخزون وتثبيت الأسعار، والحرص على مشاركة عملائها طوال تلك المدة. وقد ساعدت التعديلات الاستراتيجية التي أجرتها على توفير أدوية ضرورية للأشخاص الأكثر تعرضاً للخطر مع ضمان الصحة المالية للشركة على المدى الطويل.
- تجنب البدء بخطط جديدة كلياً
تعدّ الأزمات هي الوقت المناسب للنظر في كيفية الاستفادة من الأصول والكفاءات الأساسية لأية منظمة بطرق مختلفة، وليس لتجربة شيء جديد كلياً. اسأل نفسك التالي: ما هي الأصول الحالية، بما في ذلك الموارد المادية، والموظفين، والشراكات، التي يمكننا الاستفادة منها لإيجاد حلول للمشكلات الجديدة للخروج من الأزمات؟
عندما أدركت منظمة «هارامبي» أنه لا يمكنها المضي قدماً في توسيع نطاق مراكز التوظيف المباشر، وجدت طريقة أخرى لإعادة توظيف شراكتها مع الحكومة وشبكتها من الشباب على نطاق جنوب أفريقيا. وقد أطلقت حملة تبادل معلومات أسمتها «ثلاثة ملايين شاب وشابة خلال ثلاثة أسابيع» لمواجهة الأكاذيب المنتشرة حول الجائحة. بحلول صيف عام 2020، تمكنت من الوصول إلى ما يقارب تسعة ملايين شخص مستهدف. من خلال تلك العملية، أصبحت المنظمة مصدراً موثوقاً للمعلومات ليس فقط بما هو متعلق بالفيروس، ولكن أيضاً فيما يخص إثبات ما يمكن للشباب فعله للاستعداد لفرص العمل. عزز المشروع أيضاً شراكة «هارامبي» مع الحكومة، ومصداقيتها مع الشباب ضمن شبكتها، والتي تعدّ بمثابة أصول ستظل مهمة لها في المستقبل.
تقدم «سوكووتش» (Sokowatch)، وهي منصة للتجارة الإلكترونية بين الشركات تستهدف تجار التجزئة غير الرسميين على نطاق أفريقيا، مثالاً آخر. عندما انتشر الفيروس، أدرك القائمون على أعمال المنصة أن البنية التحتية، وسلاسل التوريد، وشبكة تجار التجزئة، يمكن أن يساعدوا على توفير المساعدات الغذائية والسلع الأساسية الأخرى للأشخاص الذين يعانون من الأزمات. ومن أجل تسخير مواردهم للعمل، دخلت المنصة في شراكة مع مجموعات الإغاثة لمنح العائلات المستضعفة قسائم رقمية، والتي يمكن استبدالها بعد ذلك في المتاجر المحلية مقابل السلع الأساسية. من خلال الاستفادة من الأصول الموجودة، حققت منصة «سوكووتش» ثلاثة إنجازات رئيسية، وهي: تقديم مساعدات أساسية للعائلات، وإغناء المانحين والجهات الحكومية عن الحاجة إلى إنشاء أنظمة توزيع جديدة، وتضمين شبكة المنصة من تجار التجزئة غير الرسميين في سلسلة الأنشطة المولدة للقيمة.
عند التفكير في الأصول الحالية، يجب ألا تغفل المؤسسات الاجتماعية كيفية الاستفادة من موظفيها، الذين يعتبرون من أهم مواردها، وإشراكهم في أعمالها. بالعودة إلى منظمة «هارامبي»، فقد كان لديها فريق رئيسي لقسم الحسابات، الذين تباطأ عملهم المتمثل في مساعدة الشركات الكبرى على توظيف الشباب العاطلين عن العمل بسبب الجائحة، وتحولوا إلى العمل في مساعدتها على الاستعانة ببرامج الإغاثة الحكومية وتوضيح طبيعة عملها، التي تكون غامضة في كثير من الأحيان. كما أعادت المنظمة توجيه فريق مركز التواصل لتقديم الدعم لصندوق التأمين ضد البطالة الوطني في جنوب أفريقيا، مما ساعد الحكومة على صرف الأموال لآلاف الشركات. ونتيجة لذلك، كانت منظمة «هارامبي» قادرة على الاحتفاظ بالموظفين وإشراكهم في أعمالها، مع التركيز على تعزيز العلاقات مع العملاء.
- الاستعداد لعالم ما بعد الأزمة
لأنه لا يمكننا دائماً التنبؤ بالمستقبل، ينبغي توقع معايشة نوع من «الوضع الطبيعي الجديد». كيف يمكنك تسخير التجارب المدفوعة بالأزمات كوسيلة للاستعداد للغد؟
عندما بدأت منصة «سوكووتش» بدء تنفيذ برنامج القسائم الرقمية، لم تكن تستجيب للأزمة الحالية فحسب، بل كانت تختبر أيضاً منتجاً تخطط لتوسيع نطاقه في المستقبل. في مثال آخر، أدركت «فيجن سبرينغ» (VisionSpring)، وهي منظمة توفر النظارات الطبية بأسعار معقولة، إلى جانب خدمة فحص النظر، وتقدم التدريب للمجتمعات المستضعفة، أن العودة المحتملة لخطط النمو النشيطة تتطلب معدات وقاية شخصية جيدة؛ نظراً لطبيعة عملها الذي ينطوي على احتكاك شبه مباشر بالعين. لذلك، أعادت المنظمة توظيف سلسلة التوريد الحالية لشراء تلك المعدات وتوزيعها على مواقع خدمتها، مع التأكد من استئناف إجراء فحوصات النظر بتلك الطريقة الآمنة بعد مرور الأزمة.
السعي نحو تحقيق العدالة
بينما أعادت هذه المنظمات تقييم المشكلة التي كانت تهدف إلى حلها، وركزت على مواردها المالية، والاستفادة من أصولها، واستعدت لـ«الوضع الطبيعي الجديد»، لاحظت أيضاً أن جائحة كورونا قد ألقت الضوء على قضايا عدم المساواة الهيكلية بطرق لم يشهدها الكثير من الناس من قبل. لقد نظرت الكثير من تلك المنظمات فيما يعنيه ليس التغلب على تحديات اليوم فحسب، ولكن أيضاً «إعادة البناء بصورة أفضل».
قال شارمي سوريانارين، الرئيس التنفيذي لشؤون الأثر الاجتماعي في منظمة «هارامبي»، إن التحولات التنظيمية التي دفعت بها جائحة كورونا يمكن وينبغي أن «تعالج قضايا عدم المساواة الهيكلية وإجراء تغييرات هيكلية ومستدامة من شأنها أن تسمح لنا ببناء ذلك المستقبل الذي يتسم بالعدالة والشمول». بينما قد يكون من الصعب للغاية على المنظمات المتابعة، أو حتى التفكير، في إحداث تغييرات اجتماعية أعمق أثناء المحاربة اليومية من أجل النجاة، نأمل أن تسهل هذه الأفكار عليها بناء مستقبل أكثر إشراقاً يتطلع إليه الجميع.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أن المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.