تخطّي الأساليب الروتينية في حملات المناصرة

5 دقائق
حملات المناصرة

في ولاية واشنطن، تجلس إحدى المشاركات في تنظيم حملات التغيير الاجتماعي أمام حاسوبها، وتتنقَّل بين مقال حول مشروع قانون جديد لمجلس النوّاب، وإشعارات الدعوة للجمهور المُصاغَة بعناية والتي تُدخِلها في الجزء المخصص لتخزين البيانات في نظام الدعوة لحملات المناصرة الخاص بها على الإنترنت. ستُدرِج أداة البريد الإلكتروني الجماعي تلقائياً الاسم الأول لكل شخص في قائمة البريد الإلكتروني الخاصة بمؤسستها، بالإضافة إلى أسماء أعضاء الكونغرس.

كتبت: "إذا تحرَّكنا الآن"، وفي أثناء ذلك في مكان آخر في العاصمة واشنطن، يكتب منظِّم حملات في مؤسسة أخرى:"يمكننا الفوز في هذه الحملة!" مستعيناً بأداة محرِّر البريد الإلكتروني الذي ينشئ إشعاراً مطابِقاً تقريباً لإشعارات رسائل صديقتنا في المثال السابق حول مشروع قانون مجلس النوّاب ذاته؛ تحمل منصّة رسائل الناشِطين الخاصة به اسم علامة تجارية مختلفاً ولكنها تحتوي على الخيارات نفسها.

بعد فترة وجيزة، سيلجأ صديقانا كلاهما إلى تناوُل تقارير إحصائية متطابِقة تقريباً كل في الأداة التي يستخدمها، وسيحكُمان على نجاحهما استناداً إلى المقاييس المعيارية نفسها: عدد الرسائل المفتوحة وعدد النقرات على الروابِط وعدد الموقّعين على العرائِض الإلكترونية. وفي الأسبوع الذي يليه سيبلّغان إدارتَيهما بالإحصائيات ثم يكرّران الأمر ذاته مجدّداً، آملَين تحقيق تحسُّن تدريجيّ في الأرقام.

هذا ممل.

كانت مجموعات التغيير الاجتماعي فيما مضى تبتكر نماذج عمل للتعبِئة السياسية، بوتيرة تدعو للفخر في وادي السيليكون. فعندما ظهرت أول مؤسسة سياسية رقمية كبرى في عام 1988، وهي موف أون دوت أورغ ( MoveOn.org)، أُلفت كتب ومقالات إخبارية حول تكتيكاتها. إذ أنشأت المؤسسة برنامجاً للتعامل مع الاندفاع غير المسبوق للأشخاص الذين يسجّلون للانضمام إلى حملاتها الأولى، وعندما قرّر المنظِّمون توظيف متطوّعين وتنظيم زيارات إلى الكونغرس وتحديد أيام متزامنة للزيارة، أعدّ الموظفون أدوات لتسهيل تلك الترتيبات وتوسيع نطاقها.

اتّبعت الحملة الانتخابية الرئاسية للرئيس هاورد دِين الأسلوب ذاته في عام 2003؛ تخيُّل فكرة التواصُل مع الناس، ثم تطوير الأدوات أو دمجها لتحقيق الفكرة. حتى أن شركة بوليتيكو (Politico) قارنت هذه الحملة بشركة تكنولوجيا ناشِئة، وعندما لم يعثر الموظفون على حلول جاهزة لتنفيذ أفكار جديدة من أجل تنظيم القاعدة الجماهيرية، عملوا على تطويرها بأنفسهم، وشملت أنظمة لتنظيم الفعاليات المحلية ومقاييس ديناميكية لإظهار زخم جمع التبرعات عبر الإنترنت.

لم تفز حملة الالتماس الأولى لمؤسسة موف أون دوت أورغ ولا حملة هاورد دين، ولكن تجربتيهما مع التكنولوجيا لتحفيز الزخم الشعبي بسرعة وحشد قوة الناس على نطاق واسِع نجحتا في إنشاء نوع جديد كلياً من الحملات التي غيّرت أسلوب المناصرة والسياسات.

قررت مؤسسة أفاز دوت أورغ (Avaaz.org) في عام 2007 تطبيق نموذج التنظيم الإلكتروني الذي اتّبعته مؤسسة موف أون في بلدان أخرى. لم تتوفر آنذاك منصة تنظيم متعددة اللغات، ولكن بدلاً من تقييد استراتيجية المؤسسة والمتابَعة من دونها عيّنت المؤسسة بعض المطوِّرين ووضعت استراتيجية خاصة بها، فكانت ممتعة ومثيرة للحماس، ولكن الأهم هو أنها كانت فعّالة، إذ تحوّلت تجربة مؤسسة أفاز إلى أكبر قاعدة بيانات للعضوية في أي مؤسسة غير ربحية في العالم.

لكن إنشاء هذه الحملات حدث منذ وقت طويل قياساً بتوقيت الإنترنت المتسارع، ونعتقد أن اندفاع الطاقة الإبداعية قد انحسر؛ إذ تستخدم مؤسسات كثيرة اليوم برامج مشتقة مباشرة من الأدوات الأصلية، وخضعت التعليمات البرمجية الفعلية إلى التعديل والتحديث، لكن استراتيجيات التواصُل والمشاركة المرتبطة بها لم تشهد تغييراً يذكر منذ التسعينيات.

المضيّ قدماً

لا يكمن السحر الحقيقي للحملات المبتكرة والمتطورة في أي أسلوب محدد، بل في الهمّة والقدرة على التطور المتواصل. لا تنطوي أكثر الحملات نجاحاً على التكنولوجيا فحسب، وإنما على الإبداع أيضاً.

يواجه قادة التغيير الاجتماعي الذين نحترمهم الكثير من الأسئلة المهمّة: ما هي الاستراتيجيات والتكتيكات التي تعزّز القوة وتؤثّر في الأهداف، وتحوّل الأنظمة المهيمِنة؟ ولكن غالباً ما تؤدي هذه الحوارات الاستراتيجية إلى تعميم أسلوب مرهِق في مجموعة أدوات العمل عبر الإنترنت، ما يُعيق استكشاف الأساليب الإبداعية الأكثر فعالية.

علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي الانتشار الواسِع لأدوات الحملات الرقمية إلى إعاقة الابتكار بدرجة كبيرة؛ إذا توصل منظِّمو الحملات إلى فكرة إبداعية لإشراك الناشطين ولكن عجزوا عن تنفيذها باستخدام منصات مؤسساتهم المصممة مسبقاً، فسيكون إقناع المدراء بالمخاطرة بالوقت والمال لتجربة شيء جديد مهمّة شاقة.

يبدأ توفير مساحة أكبر للأفكار الجديدة من الأعلى، من القادة والمدراء الذين يتبنّون ثقافتَي المخاطرة والتجريب الاستراتيجيتَين، علماً أنه لا بدّ من وجود أسباب تدعو إلى الحذر: مع اعتماد التبرعات عبر الإنترنت بنداً في ميزانيات الكثير من المؤسسات، سيكون مصدر الدخل هذا معرضاً لخطر كبير إذا ما تخطيتَ الدورة المجرَّبة (إرسال رسائل إلكترونية ثم تقديم التماس ثم التبرُّع)، لكن ما يجب أن يخشاه المدراء أكثر هو تعريض تحقيق الأثر للخطر؛ إذ يمكن أن تتحقق المآخذ السلبية عن النشاط الهزيل (slacktivism) حقيقة، وحشد الأشخاص عن طريق الالتماسات وغيرها من أدوات المشارَكة عبر الإنترنت، التي لا تحتاج إلى جهد يُذكر، لا يؤدي دوماً إلى تغيير حقيقي.

يتمتع منظمو الحملات الذين يعملون انطلاقاً من هدف حثّ الناس على التحرُّك ولا يحملون أي افتراضات مسبقة حول أي خيار للنجاح بأهمية بالغة أيضاً في جهود المناصرة الإبداعية. وفي بعض الأحيان، لا تتطلَّب هذه الجهود سوى تبنّي نهج جديد لا أداة جديدة. مثلاً، قلبت المؤسسة الأسرع نمواً في العالم سَم أوف أس (SumOfUs)، أهداف النمو التقليدية رأساً على عقب حين قدّمت مقياس أداء جديداً يُعطي الأولوية لاستدامة مشاركة الأعضاء الذين يعودون للمشاركة في العمل (members returning for action - MeRA) على حساب طول قائمة العضوية.

في حال تطلّبت الحملة تبنّي أداة جديدة، ليس بالضرورة أن تعمل المؤسسة على تطويرها من الصفر، بل يمكنها تجميع الركائز التكنولوجية القائمة بالفعل لإنشاء أداة جديدة. مثلاً، أرادت مؤسسة أويل تشينج إنترناشيونال (Oil Change International) تحديد الروابط الإلكترونية التي ينقر عليها المشاركون في صفحتها "شارِك هذه الحملة"، ولكن لم يتمكن نظام المناصرة البدائيّ لديها من توفير هذه المعلومات، فوقّعت عقداً مع موظَّف لكتابة رمز برمجيّ بلغة جافا سكريبت، ودمجت أداة جوجل أناليتكس في نموذج موقعها على وورد بريس للحصول على الإجابات.

كذلك يمكن للمجموعات التي تملك المزيد من الموارِد أن تتخذ بضع خطوات أخرى، وهي كالتالي:

وظِّف (أو درِّب) المزيد من الموظفين البارعين في مجال التكنولوجيا، ولا تحصرهم في قسم واحد: كانت أوائل التوصيفات الوظيفية في مؤسسة موف أون ومثيلاتها من المؤسسات الرقمية الأوائل، تتطلّب أن يتمتع الموظفون بخبرة في قواعد البيانات مثل ماي إس كيو إل (MySQL)، لأنه كان من الضروري أن يتمكن كل منهم من تشكيل الأدوات التقنية المتاحة في متناول يده لتناسِب احتياجات الحملة. غير أن الواجهات السهلة الاستخدام والتحسينات الكبيرة في أنظمة قواعد البيانات الداعمة أدّت المهمّة كاملة وألغت الحاجة إلى هذا النوع من المعرفة المتخصصة، ولكن هذا يعني أيضاً أننا فقدنا القدرة على حل المشكلات التي لم يتوقعها مصممو هذه الأنظمة.

اتخذت بعض المؤسسات الخطوة التالية واستثمرت في نهج "فرق المنتَج". مثلاً، تدعم إدارة هيلاري كلينتون المعنية بالتكنولوجيا العمل الرقمي والتقني في أقسام متعددة لإنشاء ما تصفه الحملة بالبيئة التعاونية التي نتعلم فيها باستمرار.

استثمر في صنع أدوات جديدة أو مزيج مبتكَر من الأدوات الحالية: سواءً كنت تستعين بمطورين داخليين أو مستقلين، تتطلب تجربة استراتيجية جديدة أدوات جديدة أحياناً، ولا يمكننا تحمل نفقة الاعتماد على مزودي الحلول التكنولوجية لضمان أن تكون حملتنا إبداعية. تُعَدّ مؤسسة التحالف الوطني للعاملين في الخدمات المنزلية (The National Domestic Workers Alliance) مثالاً على المؤسسات التي تطور أدوات متخصصة لتزيد من المشاركة وتعزز رسالتها، وتثير مؤسسة نيو ميديا فنتشرز (New Media Ventures) التفاؤل فيما يتعلق بتمويل التكنولوجيا الجديدة للحركة التقدمية، لكن في نهاية الأمر، لا تستطيع مؤسسات التغيير الاجتماعي تحمل تكاليف الاستعانة بمصادر خارجية للابتكار، أو انتظار وصول التقنيات والأساليب الحديثة إليها من تلقاء نفسها.

اعمل وفق نموذج أجايل: اتّبعت المؤسسات القديمة، مثل الإذاعة الوطنية العامة (National Public Radio) وشركة جنرال إلكتريك (General Electric)، منهجية العمل، أجايل (agile)، بنجاح لسنوات، وهذه تجارب تستحق الذكر. يعني تبنّي نموذج أجايل في العمل أن تحدد للفرق الصغيرة المتماسِكة هدفاً تعمل على تحقيقه، وتعزيزها للتوصل إلى طرق تحقيقه بأسلوب تكرار العمل. تختبر فرق أجايل النماذج بسرعة وبتكلفة زهيدة وتقيّم توافُق النتائج مع الأهداف التنظيمية الأساسية باستمرار، وعندما تنجح تجربة ما توسّع المؤسسة العمل بها، أما التجارب التي تخفق فتثري الجولة التالية من التجارب بالدروس التي يستقيها الفريق من فشله.

لا يتطلب العمل وفق هذا النموذج بالضرورة توظيف عدد كبير من الأشخاص، ولكنه يتعلق بالنقلَة الفكرية التنازلية التي تنتقل من استخدام مجموعة أدوات باستراتيجيات مدمَجة إلى حشد موظفين يتبنون عقلية المبتدئ ويجربون الأفكار الجديدة التي تظهر.

يتوفر التدريب لتحسين المهارات التكنولوجية في كل مستوى، ويتعلّم الجميع طرق إدارة فريق المنتج وتبني نهج أجايل في العمل. وبالتالي فإن فرق الحملات العظيمة تُبنى، ولا يمكن تشكيلها ببساطة، ونأمل أن يُبنى المزيد منها، فنحن نودّ أن نرى عدداً أقل من الجهات الفاعلة الثانوية وعدداً أكبر من الفاعلين الرئيسيين، لأن تجميع عناصر الحملة بطرائق جديدة مثيرة للدهشة يمكن أن يؤدي إلى استقطاب مشاركة أكبر، والأهم هو تعزيز الديمقراطية الصحيحة.

اقرأ أيضاً: تطوير ذهنية اكتشاف الفرص في المجتمعات المهمشة.

 يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي