تغيير الأنظمة يقوم بحلّ مشكلات العالم الكُبرى

تغيير الأنظمة يحل مشكلات العالم
www.unsplash.com/Sebastian Herrmann
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تزايد عدد الجمعياتِ الخيريّةِ والمنظمات غير الربحيةِ التي تتبنّى مبادئَ تغيير الأنظمة كطريقةٍ فعّالةٍ لحلِّ مشاكلِ العالمِ الكُبرى.

تمت كتابة هذا المقال من قبل جيفري سي. ووكر، وهو مقال ذو جزأين. للاطلاع على الجزء الأول؛ اقرأ: تغيير الأنظمة يحسن العمل الخيري.

المفاتيح الخمس لتغيير الأنظمة الناجح

كما كتبتُ أنا وفانيسا كيرش وجيم بيلدنر في مقالٍ في عددِ شهر يوليو من مجلة هارفارد بيزنس ريفيو؛ هناك خمسُ أولوياتٍ تُمَيّزُ التعاوناتِ الناجحةَ في تغيير الأنظمة:

  • فَكِّر في الأنظمة. إن امتلاكَ فكرةٍ رائعةٍ لحلّ مشكلةٍ اجتماعيةٍ هو مجرّدُ البداية؛ تحتاجُ أيضاً إلى تحديدِ المتعاونين الذين يُمكنهُم مساعدتكَ في ترجمةِ ابتكاراتِك إلى حلولٍ حقيقيةٍ للعالمِ الحقيقي.

إحدى القضايا الدولية التي بدت مُهيّأةً بشكلٍ خاص لتطبيقِ نهجِ تغيير الأنظمة، كانت أزمة العبودية الحديثة؛ يعيشُ اليوم ما يُقَدَّرُ بنحو 45 مليون شخصٍ في جميعِ أنحاءِ العالمِ في ظلِّ العبودية أو ظروفٍ شبيهةٍ بها، وتُقَدَّرُ الأرباحُ السنويةُ المتأتيةُ من العمل القسري بنحوِ 150 مليار دولار. العبوديةُ مشكلةٌ معقدةٌ،؛ حيث تصلُ التجارةُ العالميةُ للعمل الجبريّ إلى كلّ قارّةٍ مأهولةٍ بالسكان، ويُمَثّلُ خصومُها مزيجاً صعباً من الوكالات الحكومية، والهيئات متعددةِ الجنسيات، والشركات، والجماعات الدينية، والمنظمات غير الحكومية.

طَوّرت شركةُ «جينيفا غلوبال»؛ وهي شركةٌ استشاريةٌ مقرُّها باولي بولاية بنسلفانيا ظهرت كحاضنةٍ رائدةٍ لحملات تغيير الأنظمة، بعضَ الخبرة والمصداقية في هذا القطاع؛ كانت الشركة تدير بالفعل برنامجاً لمكافحة العبودية بين الهند ونيبال بتمويلٍ من مؤسسة «ليجاتوم».

لقد أدركت «جينيفا غلوبال» و «ليجاتوم» أننا من أجل معالجة مشكلة العبودية على النطاق الذي تتطلبه؛ نحتاج إلى وضع نهجٍ قائمٍ على الأنظمة. في عام 2013، بدأ دوج بالفور؛ الرئيسُ التنفيذيُّ لشركةِ «جينيفا غلوبال»، مناقشاتٍ مع «ليجاتوم» وأحدِ الممولين الرئيسيين الآخرين للحركة؛ «هيومانيتي يونايتد»، ثم اتصلوا بجهةٍ مموّلةٍ رئيسيةٍ ثالثةٍ؛ وهي مؤسسة «ووك فري».

توصّل الممولون الثلاثةُ إلى استنتاجٍ مشتركٍ؛ كان القطاع متجزِئاً للغاية؛ كانت نجاحاته مبعثرةً جداً ومحدودةً أكثر من اللازم لتحقيق أرباحٍ عالميةٍ، ولم يكن يتعلّمُ من انتصاراتهِ أو حوادثِ فشلهِ بأية طريقةٍ ممنهجةٍ، كما أنه لم يكن قادراً على اجتذابِ القدر الكافي من التمويلِ الخاصّ. بشكلٍ أكثر دقةً؛ لم تكن حملة مكافحة العبودية تستفيدُ بَعد من استراتيجيات التمويل الجماعي الناشئةِ التي تفتح إمكانيات جديدةً ضخمةً في مجالات الخدمة الاجتماعية الأخرى؛ مثل الوقاية من الأمراض وتطوير اللقاحات.

لِسدِّ هذه الفجوة؛ وافقَ المموّلون على استراتيجيةٍ مشتركةٍ لمؤسسةِ تمويلٍ مشتركٍ جديدة؛ التي أصبحت تُعرف باسم صندوق الحرية. منذ البداية؛ كان من المفترض أن تكون هذه المؤسسة أكثرَ بكثيرٍ من مجرّد “صندوق”؛ حيث أنها ستلعب دوراً فعّالاً في وضع الاستراتيجية والبحث والقضايا السياسية ذات الصلة بالحركة العالمية لمكافحة العبودية، بالإضافة إلى حشد الممولين.

بالنسبة لنيك غرونو؛ الرئيس التنفيذي لصندوق الحرية؛ يعني ذلك تطويرَ استراتيجياتٍ أكثر فاعليةً، تتضمن كل شيء من التشريع إلى استخدام قوانين مكافحة الفساد؛ حيث يقول: “يتعلّق الأمر بكونك ذكياً واستراتيجياً، والتفكير في المزيد مما يمكن القيام به في هذا المجال”.

يشارك الآن ستةٌ من أكبر ممولي مكافحة العبودية في صندوق الحرية، كما بدأت المنظمةُ تلعب دوراً هاماً في جَمعِ الممولين من جميع أنحاء العالم؛ وهي الآن تموّل بشكلٍ مباشرٍ 112 منظمةً غير حكوميةٍ؛ 100 منها هي مجموعاتٌ شعبيةٌ في الهند ونيبال ودول أخرى حيث لا يزال العمل القسري منتشراً.

وهذا يعني أن صندوق الحرية والمستفيدين منه يتنازلون بشكلٍ فعّالٍ عن احتكارِ الفضل والسلطة، ويُقنعون الشركاءَ المحلّيين بالتخلي عن القليل من مخصصاتهم في المقابل؛ كل ذلك باسم تحقيق ذلك النوع من التقدم الذي سيستمر بالفعل؛ وهذا هو جوهر تغيير الأنظمة. يقول بلفور من «جينيفا غلوبال»: “ربما يكون جعل الناس يتعاونون ويعملون معاً هو أصعب شيءٍ يمكن القيامُ به في مجال التنميةِ الدولية؛ إن إقناع الناس بالتخلي بشكلٍ أساسيٍّ عن استقلاليتهم في إطار الوعدِ بالسعي لتحقيقِ تأثيرٍ أكبر، هو عمليةٌ دقيقةٌ ودبلوماسية”.

تشير جينا مولهال-بريرتون؛ المديرة الإدارية في «جينيفا غلوبال» والتي ساعدت في جهودٍ أخرى لتغيير الأنظمة في الشركة، إلى أن هذه السماحيّات ضروريةٌ للتعاون الفعال؛ حيث تقول: “عندما تنظر إلى التغيير على مستوى الأنظمة، من المحتمل أنك ستحتاج إلى العمل مع الشركاء؛ نريد إعطاءَ الناسِ إحساساً واقعياً بما يعنيه ذلك، وإخراجَ نزعةِ الأنا منه، وجَعْلَ كل شيءٍ يتعلّقُ بتحقيقِ الهدف”.

إنَّ عددَ حاضنات الأنظمةِ التي تُساعِدُ في بدءِ تدخلاتٍ واسعةِ النطاق؛ مثل «جينيفا غلوبال»، آخذٌ في الازدياد؛ تساعد هذه الحاضنات في العثورِ على رُوّادِ الأنظمة، وإقامةِ دعمٍ أساسيٍّ للتحالفات، والمساعدةِ في جمع التبرعات، كما قامت كلٌّ من منظمات «نيو بروفيت» و «مؤسسة تايد» و «أمانات بيو الخيرية» بإنشاء حاضناتٍ مشابهةٍ لتغيير الأنظمة.

  • انخَرِط في البحث والتحليل لصقل استراتيجيتك، اكتَشِف ما هو المطلوب حقاً، وما الذي ينجح.

يحتاج قادةُ تغيير الأنظمة إلى البحث عن الاستراتيجيات التي جرَّبَها الآخرونُ في الماضي وتحليلها، فهذا يحمي من إعادة اختراع العجلة وغيرها من تكرارات الجهد التي لا طائل لها، سيعتمد بحثٌ مثل هذا بشكلٍ أساسيٍّ على مجموعةٍ واسعةٍ من المصادر الخارجية؛ يجب أن يسعى لتسخيرِ أفضلِ الأفكار من الحاضنات والمنظمات غير الربحية والجامعات ومراكز الفكر.

إحدى مساعي تغيير الأنظمة التي استخدمت بحثاً وتحليلاً مدروساً لصقل نهجها، هو مشروع المدارس الرحيمة؛ وهو  شراكة بين جامعة فيرجينيا (UVA)، والمدارس العامة في مقاطعة جيفرسون في ولاية كنتاكي، وحكومة لويزفيل ميترو، ومجموعة متنوعة بشكل مدهش من المتبرعين الخيِّرين، وفي هذه الحالة؛ كان كلٌّ من UVA وعائلة براون من لويزفيل بولاية كنتاكي، الرياديّين في مجال الأنظمة الذين يوجهون المشروع.

يهدف مشروع المدارس الرحيمة إلى إحداث تأثيرٍ كبيرٍ على تعليم الأطفال في جميع أنحاء البلاد، نظراً لنطاقه الاستثنائي: 50 مدرسةً و 20000 طفلاً على مدى سنواتِ المشروع الستّ؛ بدءاً من مدارس العاصمة لويزفيل.

هذا المشروع هو الدراسة الأكثر شمولاً التي تم إجراؤها على الإطلاق لمُقرّر الصحة والعافية في بيئة المدارس الابتدائية أو الثانوية؛ حيث يسعى إلى غرس الصفات الأساسية -مثل التركيزِ والتعاطفِ والمرونةِ- من خلالِ تقنياتِ اليقظةِ والتمارينِ البدنيةِ والوعيِ الغذائيِّ والتدريبِ على المهارات العاطفية.

واجه المنظمون بعض الأسئلة الأولية الصعبة حول الأساليب التي يجب إدراجها في المناهج الدراسية؛ لكن لم يكن هناك شحٌّ في الخياراتِ أو الآراء، لذلك قاموا ببحثٍ مكثّفٍ لتقييمِ مختلفِ المناهجِ المحتملة، ووجدوا أن تدريب اليوغا سيكون إضافةً جيدةً إلى المنهاج، بالأخصّ للأطفال النشطين بدنياً، بينما كان التدريب الغذائيُّ مهماً لضمان الاستعداد الأكاديمي والنمو البدنيِّ الصحيِّ. بعد ذلك- بالطبع؛ تمّ القيام بمجموعةٍ كبيرةٍ ومتناميةٍ من الأبحاثِ حول فوائدِ التأمُّلِ وتدريبِ اليقظةِ للأداء العقلي، والصحة البدنية، والتوازن العاطفي.

تعمَّقَ الشركاء في دراسةِ العروض المحتملة، وقد وجدوا أن معظم البرامج التي تركز على اليقظة لا تقدم برامج اليوغا، كما كانت برامج اليوغا تفتقر في الغالب إلى عنصر التعلم الاجتماعي والعاطفي، وكان المنهج الاجتماعي والعاطفي قيد الدراسة يفتقر إلى تدريب اليوغا واليقظة.

من خلال هذا البحث؛ توصل شركاء المشروع إلى نتيجةٍ مؤكّدةٍ: إن الاستراتيجيةَ الهجينةَ التي تجمعُ بين كل هذه العناصر، ستؤدي إلى نتائج أفضل من مبادرةٍ تُرَكّزُ فقط على التأمل أو التغذية، على سبيل المثال؛ من المحتمل أن تفشل محاولةُ أخذِ أحدِ برامج المنظمات غير الربحية وتضمينه في نظام إحدى مدارس لويزفيل، في تلبية احتياجات الجسم الطلابي ككلّ.

يقول باتريك تولان؛ الباحث الرئيسي في المشروع: “هذه كلّها أفكارٌ نعلمُ أنها قد تُساعد؛ لكن لم يتم وضعها أبداً في حزمةٍ واحدةٍ يمكن تنفيذها في المدارس كجزءٍ منتظمٍ من التعليم؛ هذه أشياءٌ قيِّمةٌ حقاً لأنها تقوم بتعليم كيان الطفل بأكمله، مع الاهتمام بالآثار طويلةِ وقصيرةِ المدى”.

بهذه الروح التآزرية؛ ساعدت UVA لويزفيل على تقييم مجموعةٍ واسعةٍ من الأساليب المبتكرة، لإنشاء مزيجٍ مخصصٍّ يكون فعالاً وقابلاً للتنفيذ في المنطقة على حدٍّ سواء.

يأمل المنظمون في ملاحظة دروس المشروع وتطبيقها في جميع أنحاء البلاد، بعد اختباره في المدارس الابتدائية العامة في المنطقة الثامنة والعشرين من حيث الاتساع في الولايات المتحدة، وإذا تحقق هذا الأمر، فإن البحثَ الدقيقَ والتحليلَ الذي تم إجراؤه لتحسين لويزفيل، سيؤتي ثماره للعديد من الأنظمة المدرسية الأخرى -وعددٍ لا يُحصى من الطلاب- على صعيد البلاد.

اقرأ أيضاً: قادة الأنظمة: كيف يعملون لقيادة التغيير الاجتماعي؟

  • افهَم أن التواصل الفعال هو شريان الحياة لأية حملةٍ لتغيير الأنظمة، حافظ على اتصالاتٍ شفافةٍ ومقنعةٍ؛ سواءً داخلياً مع شركاءٍ متعاونين، أو خارجياً مع الجماهير العامة.

يتطلب نموذج تغيير الأنظمة مستوىً عالياً من التفاعل والشفافية بين الأفراد والمجموعات غير المنتسبين سابقاً، وإذا تعطلت هذه الروابط، أو لم تتشكل تماماً في الأساس، فمن غير المرجح أن ينجح أي جهد.

تقول جين وي – سكيليرن؛ الأستاذة المساعدة في كلية هاس للأعمال في جامعة بيركلي في كاليفورنيا، والباحثة الرائدة في العمل الخيري التعاوني، عن شركاء تغيير الأنظمة: “إذا لم يكن لديهم علاقاتٌ صادقةٌ، فحتى لو كان لديهم كلُّ شيءٍ آخر من مقومات المقاربة الهيكلية؛ لن ينجح المشروع”.

إحدى الأمثلة على جهود تغيير الأنظمة التي أعطت أولويةً عاليةً لِقيمةِ التواصل هي مبادرة «إرث المحيط بيو بيرتاريلي». تم إنشاء هذا المشروع باعتباره الحملة العالمية لإرث المحيطات في عام 2006، وقد ساعد بالفعل على تأمين الالتزامات بالحماية البيئية الدائمة لمساحة 2.4 مليون ميل مربع من المحيطات؛ خاصةً المحيط الهادئ.

نظراً لتناسبه الشديد مع الحاجة إلى التعاون مع سكان المناطق الساحلية الذين اعتمدوا منذ فترةٍ طويلةٍ على البحر في معيشتهم؛ يُوظفُ مشروعُ «إرث المحيط» جهود التواصل المصمّمة خصيصاً وفقَ الثقافة الفريدة السائدة في كلِّ موقع. تُركزُ جهودُ الدعوة للحملة أولاً على بناء العلاقات مع المجتمعات، ثمّ على تعزيزِ تلك العلاقات من خلال استراتيجيةِ تواصلٍ أوسع. خلال الحملة؛ حدّدَ المنظمون الابتكارات التي يمكن للمجتمعات النائية التعلمُ منها ومشاركَتُها؛ يُعدُّ إعلامُ المشاركين بالابتكارات التي يمكنهم استخدامُها دوراً حيوياً لأيةِ مؤسسةٍ تقومُ بتغيير الأنظمة.

تعززُ حملةُ «إرث المحيط» التعاونَ بين مجموعاتِ المجتمع المتنوعة في كلِّ بلد؛ بما في ذلك الصيادون والعلماء والشعوبُ الأصلية ورُوّادُ الصناعة ودعاةُ الحفاظ على البيئة. في المحيط الهادئ، أسستِ المبادرةُ مجموعةَ «أصوات الجزيرة»؛ وهي مجموعةٌ متنوعةٌ من السكان من مختلف الجزر؛ يلعب هؤلاءِ الأفرادُ دوراً مهماً في الدعوة لمقترحات المحميات البحرية في مجتمعاتهم.

بالإضافةِ إلى هذه الجهود الشخصيةِ للغاية؛ استخدمت «غلوبال اوشن» أيضاً وسائلَ التواصلِ الاجتماعي لبناءِ الدعمِ المحلي للمحافظة على المحيط، في بالاو على سبيل المثال؛ يُعدُّ تطبيقُ فيسبوك مورداً مهماً للمجتمع، وقد قام تحالفٌ من الداعمين ببناءِ صفحةٍ للترويجِ لمقترحِ إنشاءِ محميةٍ، كما ساعدَ مشروعُ «إرث المحيط» في تمويل فيلم وثائقي مدّتُهُ 40 دقيقةً روتهُ عالمةُ الأحياء البحرية الأمريكية سيلفيا إيرل، وقام بتفويضِ فنّانِين في نيوزيلندا لتطوير أعمالٍ مستوحاةٍ من المحيط أسفرت في النهاية عن معرضٍ جابَ العالم وزادَ الوعي بأهميةِ المحمياتِ البحرية .

يُعدُّ مجالُ التواصل وبناء الوعي مجالاً ديناميكياً بشكلٍ خاص في عصر وسائل التواصل الاجتماعي وتَغلغُلِ الإنترنت العالمي ودورة الأخبار على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ومع ذلك؛ يجب على المشاركين في أي جهدٍ لتغيير الأنظمة أن يتذكروا أن أهم الاتصالات على الإطلاق هي تلك التي تحدث داخل الحملة، بين المشاركين أنفسهم.

أظهرت مبادرة «إرث المحيط بيو بيرتاريلي» قدرةً فريدةً على التواصل مع كل من الشركاء المحليين والجمهور العالمي – وهي القدرةُ التي ستخدمُ الحملة جيداً خلال سعيها إلى توسيع المناطق المحمية في محيطات العالم.

  • نمِّ نهمك الداخليّ للسياسة، واحتفِ بالسياسي الموجود في داخلك. إذا كنت تسعى إلى تغيير نظامٍ معقدٍ؛ ستحتاج غالباً إلى تغيير القوانين والقواعد الإدارية والممارسات الرسمية التي تحكم هذا النظام.

وهذا يعني أن تكون جاداً بشأن السياسة، وأن تكون مستعداً للانخراط في العمل الذي غالباً ما يكون صعباً للبحث عن التغيير السياسي والتنظيمي. أنا رئيس مجلس إدارة «نيو بروفيت»؛ وهي مجموعة مشاريعٍ خيريةٍ مقرها بوسطن، وقد رأيت أهمية تغيير السياسة بشكلٍ مباشرٍ، والتحدّي القائم في تحقيق ذلك.

مثل عدد لا يحصى من المنظمات غير الربحية الأخرى؛ تعالجُ منظمتُنا المشكلةَ الهائلةَ المتمثلةَ في الخلل الوظيفي التعليمي وعدم المساواة في الولايات المتحدة؛ قمنا بإنشاء صندوق «منحة إعادة تخيل التعلم» لضمان أن جميع الطلاب يستطيعون النجاح سواءً في المدرسة أو في ما يأتي بعدها؛ بمن فيهم أولئك الذين قد يكونون مُهمَّشين أو غير مشاركين بسبب اضطرابات التعلم أو سوء الظروف الاجتماعية والاقتصادية.

تبنَّى صندوقُ «منحة إعادة تخيل التعلم» استراتيجياتِ تغيير الأنظمة منذ البداية، وتمكن في النهاية من إنشاء شبكةٍ تضمُّ أكثرَ من 350 من المعلمين والممولين ورجال الأعمال الاجتماعيين والباحثين الأكاديميين وخبراء السياسات من أكثر من 150 منظمةٍ منفصلةٍ. يقول كيم سيمان؛ الشريك الإداري في «نيو بروفيت» الذي ساعد في قيادة أعمال إصلاح التعليم في المنظمة: “نحن نرى دورنا باعتباره توازناً صحياً بين تيسير المشروع وقيادته فعلياً”.

وقد اشتمل هذا المشروعُ على عنصرٍ سياسيٍّ مهمٍّ، بمساعدةٍ من تحالف منظمة «نيو بروفيت» -أميريكا فوروارد- المُكَرَّس لحشد التأييد والمناصرة، وكان الغرض الأوليُّ لهذا التحالف هو دعم حراكِ إعادةِ تفويض القانون الفيدرالي (كلُّ طالبٍ ينجح)، ولضمان ترجمةِ القانونِ إلى تشريعاتٍ فعالةٍ.

على سبيل المثال؛ سعى التحالف إلى إنشاء مركزٍ شاملٍ لمحو الأمية لمساعدة الأطفال الذين يعانون من عسر القراءة أو الحالات ذات الصلة، وتمت رعايةُ هذا الإجراء من قبل السيناتور بيل كاسيدي (عضو الحزب الجمهوري من لوس أنجلوس)؛ أحد المُشرِّعين الذين التقت بهم «إعادة تخيل التعلم» و «أميريكا فوروورد» في إحدى زياراتهم لكابيتول هيل عام 2015.

قام مَشرُوعَا «إعادة تخيل التعلم» و «أميريكا فوروورد» بشنِّ حملةٍ شاملةٍ وغير منحازةٍ لتحديد الشركاء في كلا الحزبين الرئيسيين اللذين يمكنهما مساعدةُ التحالف في الوصول إلى المسؤولين المُنتَخَبينَ والمُعَيَّنين والمُرَشَّحين الذين سيُقَرِّرونَ مستقبلَ إصلاحِ التعليم.

لا يقتصرُ هذا العملُ بأيِّ حالٍ من الأحوالِ على واشنطن العاصمة، نظراً للأولويةِ المستمرةِ لحكوماتِ الولاياتِ في سياسةِ التعليم الأمريكية، فقد نَشطَ مشروعا «إعادة تخيل التعلم» و «أميريكا فوروورد» على هذا المستوى؛ حيثُ عمِلا على التأثيرِ على السياسة على مستوى الولاية لدعمِ التغييرِ على مستوى المقاطعات.

يقول سيمان: “كلّما عملنا أكثر مع قادةِ المدارسِ والمقاطعات، كُلّما رأينا التحدياتِ التي واجهوها بشكلٍ أوضح، ونتيجةً لذلك؛ نفكِّرُ الآن أكثرَ في كيفيةِ دعمِ الحلولِ العملية، ولا تقتصرُ هذه الحلولُ على تلك التي تخرج من الأبحاثِ أو الأوساط الأكاديمية”.

  • قُم بالقياس والتقييم، ثم قُم بالقياس والتقييمِ مرّةً أخرى. تُنشئ حملاتُ تغيير الأنظمة الأكثر نجاحاً تقييماتٍ مُتّسقةً ومستمرةً للبيانات، وتعتمد على هذه النتائج لتوجيه الاستراتيجية وضمان المساءلة.

يُعدُّ الجمعُ الدقيقُ للبيانات والقياسِ المتَّسِقِ، من المكوناتِ الأساسيةِ للعملِ الخيري لتغيير الأنظمة، ويظلُّ مشروعُ «إديوكيشن سوبر هايواي» (ESH) هو المعيارَ الذهبيَّ في هذه الفئة.

يهدفُ مشروعُ ESH إلى “تحسين الوصول إلى الإنترنت في كلِّ فصلٍ دراسيٍّ في المدارسِ العامةِ في أمريكا، بحيث تُتاحُ لكلِّ طالبٍ فرصةُ الاستفادةِ من مشروع التعلّمِ الرقميِّ الواعد”. أدركَ مؤسسُ ESH؛ إيفان مارويل، وزملاؤه، أنهم يحتاجون إلى وضع بياناتٍ تُوضِّحُ منظورَ المشكلة من أجل إثباتِ الحاجةِ القائمةِ لاتصالاتٍ رقميةٍ أفضل في المدارس.

لتحقيق ذلك؛ أنشَؤوا موقعاً إلكترونياً للتشخيص؛ SchoolSpeedTest، في سبتمبر 2012. بمساعدة حوالي 100 منظمةٍ شريكةٍ و 26 حكومة ولايةٍ و 35000 مدرسةٍ في جميع أنحاء البلاد، جمع مارويل وفريقُهُ المعلوماتَ التي يحتاجونها لفهم حقيقةِ نطاقِ تحدّي الوصول إلى الإنترنت. يقولُ مارويل: “فجأةً أصبحت لدينا مجموعةُ بيانات. لا مزيدَ من القصص”ـ ما كَشفَتهُ مجموعةُ البيانات كان مُقلِقَاً؛ حيث تفتقرُ حوالي 63% من المقاطعات التعليمية؛ والتي تمثل 40 مليون طالب، إلى عرض النطاق المطلوب لتحقيق التعلم الرقمي.

نظراً لأن الولايات والمقاطعات بدأت في إيلاء المزيد من الاهتمام لمشكلة الاتصالات، فإن قياسات ESH ستلعب دوراً مهماً في تقييم التقدم؛ يوجد تقريرٌ مستمرٌّ موثوقٌ متاحٌ على موقع ESH يُدعى “State of the States”؛ مثل هذه القياسات المتاحة للعوام، تخلقُ بدورها حافزاً إضافياً للولايات لمواكبة التطورات المُحَقَّقة، ويبدو أن هذا قد أوجدَ دورةً مفيدةً؛ ممّا حفَّزَ تطوراتٍ كبيرةً في مجال الاتصالات.

بدءاً من عام 2013 -أولُ عامٍ كاملٍ يمضي على إنشاء ESH- ازدادت حصَّةُ المناطق التعليمية الأمريكية التي حققت المستوى المُستَهدَفَ للاتصال بالإنترنت (100 كيلو بت في الثانية) أكثرَ من الضعف في غضون عامين فقط؛ حيث ارتفعت من 30% إلى 77%.

نموذج قيد النُّمو

يبدو من الواضح أن نهج تغيير الأنظمة في العمل الخيري سيستمر في جذب الانتباه من جميع أنحاء العالم؛ في الوقت الذي تتعرض فيه الميزانياتُ العامةُ لضغوطٍ اقتصاديةٍ وسياسيةٍ متزايدةٍ، هناكَ جاذبيةٌ معينةٌ للاستفادة القصوى من الموارد والخبرات الحالية.

سَتوفِّرُ العناصرُ الخمسُ المُوضَّحةُ أعلاهُ أساساً متيناً لأيةِ حملةٍ تعاونيةٍ؛ إلا أنَّ رياديِّي النظام يحتاجون إلى فهم أن أي مسعىً من هذا القبيل سيمتلك مراوغاتٍ وتعقيداتٍ متأصلةً فيه. في النهاية؛ يتمحورُ تغيير الأنظمة حول معالجة مشاكلنا الأكثر تعقيداً بالاعتماد على قوةِ الشبكاتِ المتنوعةِ والتحالفاتِ التي يُحْتَمَلُ تجزِئَتُها.

يعتقد دوج بلفور من «جينيفا غلوبال» أن الاستراتيجياتِ والتكتيكاتِ المستخدمةَ في بناء حملاتِ تغيير الأنظمة السابقة رُغمَ أنها قد تتضمنُ دُروساً؛ إلا أن كلّاً منها ستمتلك هويتها المميزةَ، ويقول: “كلُّ مشروعِ أنظمةٍ مختلفٌ تماماً عن غيره؛ حيث تكون هذه المشاريع مخصّصةً دائماً؛ هناكَ بعضُ المبادئِ التي تكونُ نفسَها؛ إلا أنَّ الطرقَ التي يجب أن تجمعها معاً دائماً ما تكون فريدةً من نوعها “.

لمعالجة أكبر مشاكل العالم؛ من الضروري أن نَبْني على العملِ الرائعِ الذي تمَّ إنجازُهُ بالفعل من قبل الرياديّين الاجتماعيين التقليديين؛ حان الوقتُ لدعمِ التصنيفات النامية لرياديّي الأنظمة من خلال الاستثمارِ في حاضنات الأنظمة، ومن خلال مساعدةِ حملاتِ تغيير الأنظمة في الحصول على الدعم الذي تحتاجُه للمشاركةِ في البحث الفعال، والتواصل مع الشركاء الداخليين والخارجيين، ومتابعة التغيير الناجح للسياسة، وقياس البيانات ذات الصلة لمعرفة ما يَصْلُحُ تطبيقُه.

الخطواتُ الأساسية لتغيير الأنظمة مثبَتةٌ وواضحةٌ؛ الأمرُ منوطٌ بالقطاعِ الخيريِّ لجعلِ هذه الأداةِ القويةِ للتقدم متاحةً أكثرَ للمزيدِ من المُبتَكِرينَ الاجتماعيين في يومنا هذا.

اقرأ أيضاً: المصائب النافعة: قوة التغيير الذي تُحدثه عبارة «نعم، ثم ماذا»

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.