تغيير الأنظمة يحسن العمل الخيري

تغيير الأنظمة
www.unsplash.com/Katt Yukawa
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تزايد عدد الجمعياتِ الخيريّةِ والمنظمات غير الربحيةِ التي تتبنّى مبادئَ تغيير الأنظمة كطريقةٍ فعّالةٍ لحلِّ مشاكلِ العالمِ الكُبرى.

تمت كتابة هذا المقال من قبل جيفري سي. ووكر، وهو مقال ذو جزأين.

لماذا تبقى العديدُ من المشاكلِ الاجتماعيةِ موجودةً وملحّةً رغم أنّ القطاعَ يُقدِّمُ أفضلَ جهودهِ ومواردهِ مجتمعةً؟ إنَّهُ إحدى الأسئلةِ الأزليّةِ التي تواجهُ عالمَ المنظماتِ غيرِ الربحيةِ.

هذه الفجوةُ المُعنِّدةُ بين النوايا والنتائجِ تجذبُ انتباهاً متزايداً من مختلف أنحاء مجتمعِ العملِ الخيريِّ؛ حيثُ يصلُ العديدُ من الفاعلين ضمنَ القطاعِ إلى استنتاجٍ مشتركٍ: لمدّةٍ طويلةٍ من الزمن؛ ركّزَ المُتبرِّعون ومجالسُ إدارة المنظمات غير الربحية على إنشاءِ وتنميةِ منظماتٍ تدومُ طويلاً، مع ميزانياتٍ وطواقمِ موظفين مُتزايِدِينَ باستمرار. لربّما ما نحتاجُ إليهِ عِوضاً عن ذلك، بمقاطعةِ الأفكارِ الناشئةِ معاً، هو التركيزُ على ما يُدعى “تغيير الأنظمةِ” – أي تحديد المنظماتِ والأفرادِ الذين بدؤوا العملَ بالفعلِ على مشكلةٍ ما، ومساعدتهم على ضمِّ قِواهم معاً لتحقيقِ أهدافهم المشتركةِ.

استخدمَ العديدُ من أهمِّ الإنجازات الخيرية في هذا القرن استراتيجياتَ تغيير الأنظمة؛ مثل التّقليصِ غير المسبوقِ لوفيّاتِ الملاريا السنوية، ورغم وجود هذه الإنجازاتِ والعديدِ غيرها؛ إلا أنّ القطاع غير الربحي لا يزال لديهِ الكثيرُ ليُنجِزَه. بينما كنا ننشئُ العديدَ من المؤسساتِ الاجتماعية الرائعةَ التي تقومُ بوضع نهجٍ مبتكرٍ لحلِّ كلِّ شيءٍ؛ بدءاً من خطِّ الرعايةِ الصحيةِ الأولِ إلى التدخلاتِ التي تُعنى بمرحلةِ الطفولةِ المبكّرة، لقد أغفَلنا صرفَ الوقتِ والمواردَ الكافية لتحويلِ الأفكارِ المبتكرة إلى تغييرٍ مستدامٍ على مستوى النظام. يمكن رؤية أمثلةٍ على هذه المشكلة من عدم التوافقِ في جميع أنحاءِ العالم؛ حيث أنّ العديدَ من الأفكار الجيّدةَ والخلّاقةَ على مستوى المدارس لم تُتَرجَم إلى حلولٍ واسعةِ النطاق على مستوى النظام؛ مثل «التعليم من أجل أمريكا» و«كيه اي بي بي». حتى خلالَ فترةِ انتشار الإيبولا؛ لعلَّ وجودَ نظامٍ ممنهجٍ لفهمِ المشكلة وحلولها المحتملة كانَ ليقودنا إلى وضعِ استراتيجياتٍ أكثرَ فعاليةً واستدامةً، لتحسين صحّةِ المجتمع في الأمم الأكثر تأثراً بالوباء.

إن الرسالة واضحةٌ للغاية: يجب أن نُركّزَ أكثر على حلّ المشاكلِ عبر التعاونِ الخلّاق، وأقلَّ على تأسيسِ وتحضيرِ مؤسساتٍ جديدة. بالإضافة إلى ذلك؛ نحتاج إلى تطويرِ وتوظيف رياديين على مستوى النظام، مَوهوبينَ في تنسيقِ منهجياتِ الأنظمةِ في سبيلِ معالجةِ المشاكلِ المعقّدةِ واسعةِ النطاق في عصرنا الحالي.

اقرأ أيضاً: ما الذي نعنيه بالأنظمة بالضبط؟

نشأة تغيير الأنظمة

نشرت مجلة ستانفورد ريفيو للابتكار الاجتماعي عام 2011، مقالاً من قبل جون كانيا ومارك كرامر؛ كلاهما مديران إداريان في «اف اس جي»، هذا المقال كان بعنوان “التأثير الجمعي”؛ وهي جملةٌ لا تزال تُستَخدمُ كاختصارٍ لمقارباتِ العملِ الخيريِّ المَبنيَّةِ على الأنظمة.

بدأت المقالةُ باستفزازٍ منطقيّ، مستشهدةً بإحدى المجالات التي استهلكت الكثيرَ من أموالِ وطاقاتِ العمل الخيريِّ الأمريكيّ على مرِّ السنين: التعليم.

كتب كانيا وكرامر: “لقد أدّى حجمُ وتعقيدُ نظامِ التعليمِ الحكومي في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى إحباطِ محاولاتِ إعادةِ تشكيله على مدى عقودٍ من الزمن… لعلَّ الجهودَ البطوليةَ لعددٍ لا يُحصى من المعلمينَ والإداريينَ والمنظماتِ غير الربحيةِ، مع مليارات الدولاراتِ من المساهماتِ الخيرية، قد أدَّت إلى تحقيقِ تحسيناتٍ مهمةٍ في مدارسٍ وفصولٍ دراسيةٍ منفردةٍ؛ إلّا أنَّ التقدمَ على مستوى النظام ككلٍّ بدا بعيدَ المنالِ نظرياً”.

لكن كان هناك “استثناءٌ ملحوظٌ” واحدٌ على الأقل لهذا السجلِّ السيئِ من التحصيلِ الخيري المتدني: مبادرة سينسيناتي المسماة «سترايف»؛ لاحظَ كانيا وكرامر أنه على الرغمِ من الانحسارِ الاقتصادي وتخفيضاتِ الميزانية؛ أدّت حملةُ إصلاحِ المدارس هذه إلى تحسيناتٍ في معدلاتِ التخرج من المدارس الثانوية، ودرجاتِ القراءة والرياضيات في الصف الرابع، وعددِ الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة المستعدين للالتحاق برياضِ الأطفال.

طرح كانيا وكرامر السؤال التالي: “لماذا أحرزت سترايف تقدماً بينما فشلت جهودٌ عديدةٌ أخرى؟ حدث هذا لأنَّ مجموعةً من قادةِ المجتمع قرّرُوا التخليَ عن أجنداتهم الفرديةِ من أجلِ اتخاذِ مقاربةٍ جماعيةٍ لتحسين تحصيلِ الطلابِ العلمي”.

كان للمقال تأثيرٌ فوريٌّ ودائمٌ؛ حيث أدّى إلى ظهورِ عددٍ كبيرٍ من المقالاتِ اللاحقة؛ لم تَكُن «سترايف» المثالَ المبكّرَ الوحيدَ لنظامٍ رياديٍّ يسعى إلى تلبيةِ الاحتياجاتِ الاجتماعيةِ من خلال الاستفادةِ من نقاطِ القوةِ والأصولِ والمواردِ المتاحةِ من قِبَلِ الجهاتِ الفاعلةِ المتنوعةِ في بناءِ نظامٍ مُوَحَّدٍ. في الواقع؛ هناك المزيدُ والمزيدُ من الأشخاصِ هذه الأيام، الذين يمكن أن أصفهم بأنهم رياديُّونَ في النظام؛ إنهم يساعدون المنظماتِ والأفرادَ ذوي العقليّاتِ المتشابهةِ على التركيزِ على مشكلةٍ ما تِبعاً لاهتمامٍ مشتركٍ، ويعملون كَوُسطاءَ صادقين بين أعضاءِ التحالفِ، للمساعدة في حشدِ القدراتِ والمواردِ الفريدةِ لكلّ فردٍ، فهم يعملون كمُحَفِّزين للعمل.

من الأمثلة الأخرى على تغيير الأنظمة الفعال؛ حملة راي تشامبرز لمحاربة الملاريا التي لاقت نجاحاً فائقاً؛ حيث قامت بجمع تحالفٍ مُنَوَّعٍ (يمتد من «ذا بيس كوربس» إلى «ايكسون موبايل»)، في سبيلِ تحقيقِ تقدّمٍ جذريٍّ في مكافحة المرض بعد عقودٍ من الركود، وكذلك الأمرُ بالنسبةِ لمشروعِ «ايديوكيشن سوبر هايواي» (ESH)؛ الذي ساعد في توفيرِ وصولٍ واسعِ النطاق إلى الإنترنت في المدارس في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية.

باختصار؛ بدأت حملاتُ تغييرِ الأنظمة في الظهور بطريقةٍ لم نشهدها من قبل؛ ممّا يطرح السؤال: لماذا الآن؟ إحدى الإجابات هي أن مثل هذه الاستراتيجيات “جزءٌ من روح العصر”؛ كما قال رياديُّ النظام جان هورستمان من «انترايز». في الوقت الذي تكون فيه تحدياتُنا الاجتماعيةُ والبيئيةُ الأكثرُ إلحاحاً مُعَقدةً للغاية، والمواردُ المتاحةُ لأيةِ مؤسسةٍ فرديةٍ للتعامل مع هذه المشكلاتِ تبدو محدودةً للغاية، فمن المنطقيِّ استخدامُ الأنظمةِ المتوفّرةِ بالفعل.

لنكن واقعيين قليلاً؛ المالُ ليس الموردَ الوحيدَ المحدود. في الحقيقة؛ النقدُ وفيرٌ بالمقارنةِ مع الضروراتِ الأخرى الأكثر تجرّداً؛ مثل الأملِ والخيالِ والترابطِ الاجتماعي، ويكتسبُ تغيير الأنظمة كلّ هذا الانتباه لأنّ الطرقَ القديمةَ لفعل الأشياء تبدو مُستَنْفَدةً للغاية.

في مؤتمرِ تغيير الأنظمة الذي شاركتُ في تقديمهِ في كلية جون ف. كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد في يونيو الماضي، قال المعلّقُ السياسيُّ والمستشارُ الرئاسيُّ السابقُ؛ ديفيد جيرغن، أنَّ مثل هذه الأساليبِ تُمثلُ استجابةً بناءةً لِشَلَلِ السياساتِ والجمودِ السياسيّ: “لقد كان من الصعبِ تحريكُ الإبرة، ومن الصعب معرفةُ أينَ يذهبُ المرءُ من هنا”.

قام جون كاولي من مؤسسة عائلة جي. دبليو. ماكونيل، بتوضيحِ المسارِ المحتملِ للمضيِّ قُدُماً بشكلٍ جيد، وقال: “لقد أدركنا بعد إنفاقِ الملايين على مرِّ السنين، أننا لا نمتلكُ تأثيرَ الأنظمةِ الذي نحتاجُهُ ونُريدُهُ، بسببِ تعقيدِ المشكلات وحجمِها، لذلك أَعَدنا تحديدَ دورِنا؛ نحنُ قَيِّمون أو مشرفون على النظام البيئي القائم حول مشكلةٍ ما….[نحن] نستطيعُ أن نكونَ النسيجَ الضّامَّ بين أجزاءِ هذا النظامِ البيئي”.

الأمرُ الذي يستدعي بدورهِ سؤالاً آخر: كيف يمكنُ لِمثلِ هؤلاءِ القائمين والمشرفين أن ينجحوا في مهمتهم؟ كيف يمكنهم أن يكونوا بمثابةِ نسيجٍ ضامٍّ للشركاءِ الذين قد لا يعتقدون حتى أنهم يمتلكون أيّ شيءٍ مشترك؟ مَن يُمكنهُ المساعدةُ في تنسيقِ هذه الاستراتيجيات؟ أو بتعبيرٍ آخر؛ ما هي العناصرُ الأساسيةُ لتغيير الأنظم الناجح؟

اقرأ أيضاً: تغيير الأنظمة: المفاتيح الثلاث الرئيسية

لمتابعة الجزء الثاني من المقال؛ اقرأ: تغيير الأنظمة يقوم بحلّ مشكلات العالم الكُبرى

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.