المشاركة المدنية: لماذا يجب أن تتولى المؤسسات الثقافية القيادة

4 دقائق
المشاركة المدنية
Shutterstock.com/Marcel van den Bos

تتمثل الديمقراطية في الولايات المتحدة في نظام حكم يستمد جذوره من الإيمان بالحرية والعدالة للجميع، ويعتمد هذا النظام على موافقة الناس ومشاركتهم؛ أي إشراكهم كمواطنين، لكننا نخاطر اليوم في تضييق تعريفنا للمواطنة ضمن نطاق التصويت السنوي أو بين الحين والآخر، بدلاً من إدراكها على أنها نمط مستمر وراسخ بصفتنا شعب ينتمي إلى بلد. في الواقع، يتم تعزيز المواطنة ودعمها؛ بما في ذلك ممارسة حق التصويت، من خلال مشاركتنا في الحياة العامة ومساهمتنا في تنمية الخيال العام.

أعتقد أن الحياة العامة هي تعبير جماعي عن أفعالنا وتطلعاتنا الجماعية؛ بغض النظر عن العمر أو الهوية، إنها تتمثل في مشاركتنا في حياة الشارع، ولقاءات المجتمع المحلي، والمدارس المحلية، والمراكز المجتمعية، ودور العبادة، إنها المشاركة في تشكيل ثقافة عامة، وقد انطوت أهمية هذه المشاركة؛ أكثر من أي وقت آخر، بعد اقتراح الموازنة الفيدرالية عام 2018؛ التي ألغت دور كل هيئة ثقافية فيدرالية، ووجهت ضربة للخدمات المجتمعية الأساسية الخاصة بكبار السن والأطفال والفقراء.

إن التعبير عن الحياة العامة هو ما يشكل ويصلح البنية التحتية والنظم والمؤسسات والمجتمعات؛ التي تشكل عالمنا وتعبّر عن توجهه، وتولّد الوعد بالديمقراطية، ومن خلال المشاركة؛ نحن نحمي المقومات الأساسية لهذا الوعد ونعززها؛ بما في ذلك حرية التعبير، وحرية الصحافة، والحرية الدينية، والحق المتكافئ في التصويت.

في الواقع، فإن مؤسساتنا المتداعية؛ المتمثلة في مؤسسات القطاع العام والرعاية الصحية والخدمات والتمويل والثقافة، كانت في الأساس متصوّرة فقط، وقد أُسست لتكون نظماً تمثّل الديمقراطية. هذه المؤسسات هي ملك الناس لنعيد بناءها وتطويرها من خلال المجتمع، لكي تكون في أفضل نسخة يمكننا تخيلها معاً، وينبغي علينا اليوم إعادة تشكيلها بصورة جذرية إذا أردنا الوفاء بوعد الحرية والعدالة للجميع.

إلا أننا شعب محبط للغاية، ويعيش الكثير منا في خوف من المستقبل؛ أن تكون خائفاً ومنفصلاً عن الواقع بشدة هو أن تكون في مكان ما بين العجز واليأس، ومن دون الأمل، لا يمكننا تنمية الخيال العام؛ وهو التعبير الجماعي الذي يسمح لنا بالارتقاء والخروج من ظروف معينة للوصول إلى غد أفضل.

أرى أن الإصلاح الجذري للمؤسسات هو ما يجب التركيز عليه وتعريفه لبقية هذا القرن، وينبغي أن تقود المؤسسات الثقافية هذه العملية. لقد أُنشئت مؤسسات الفنون والثقافة- على تنوعها واتساع نطاقها- في جميع أنحاء الولايات المتحدة؛ من أجل رعاية الإبداع والخيال، وتذكيرنا بإمكاناتنا كبشر، وبالتالي، تتمتع هذه المؤسسات بالقدرة على قيادة الحركة الثقافية التي نحتاجها لإعادة تشكيل النظم التي تحقق الديمقراطية؛ أي لإحداث تحول في القيم والقصص والأعراف التي نحمّل المؤسسات وأنفسنا المسؤولية تجاهها.

الذوق العام للمجتمع

من أجل تحقيق ذلك، يجب على مؤسسات الفنون والثقافة إدراك أنها ليست للحكم على الذوق العام وتحديده، بل إنها بمثابة ملاذات إبداعية للناس، وينبغي أن تكون أماكن يقودها الفنانون ورعاة الثقافة والفلاسفة والناشطون، وأن تكون منصات لتنمية الخيال العام، وبناء شبكات واسعة ومتنوعة، والتنظيم عبر الاختلافات والقطاعات، واحتضان الأفكار العظيمة والمؤثرة؛ لأنها تنبع من مجتمعات تعمل معاً لتبنّي الحقيقة، وتقدير التنوع، والسعي نحو الحرية بالكثير من المشاعر.

على مدار السنوات العديدة الماضية، عملت مؤسستنا؛ «مركز يربا بوينا للفنون» (Yerba Buena Center for the Arts)؛ ومن منطلق أن الثقافة تسبق السياسة والحركة الثقافية تحفز التغيير الدائم، على إعادة تعريف دور مراكز الفنون المعاصرة في المجتمع اليوم، وبدلاً من تعريف أنفسنا فقط من خلال التخصصات الفنية المتميزة التي نعمل فيها؛ مثل الفنون المرئية، وفنون الأداء، وفن السينما، والمشاركة المدنية المدفوعة بالفنون، فإننا أيضاً نعرّف أنفسنا من خلال هذه التخصصات؛ بصفتنا محفّزاً ثقافياً. كل عام، ندعو الفنانين والعلماء والرياضيين والمدرسين والناشطين وغيرهم من صنّاع التغيير المبدعين؛ الذين يشكلون الثقافة، لـ«مؤتمر الـ100 لمركز يربا بوينا للفنون» (YBCA 100 Summit)؛ حيث يشارك المدعوون الأسئلة التي تحرك عملهم؛ وهي أسئلة هامة حول الثقافة والسياسة والفن والتكنولوجيا والانتماء، أما الحاضرون فهم مشاركون نشيطون؛ يجيبون على هذه الأسئلة ويعملون معاً للدفع نحو اتجاهات جديدة، في المقابل، يستخدم «مركز يربا بوينا للفنون» كامل الحوار والنتائج الإبداعية المنبثقة من المؤتمر لصياغة ثلاثة أسئلة هامة توجه عملنا كمؤسسة، وقد أسفرت المؤتمرات الأخيرة عن طرح أسئلة من قبيل: هل يمكننا تصميم الحرية؟ ما هو شكل المساواة؟ لماذا المواطنة؟ ونتابع هذه الأسئلة من خلال خمسة برامج متداخلة، وهي:

  1. صناعة الفن المعاصر الرائد ومشاركته.
  2. احتضان الأفكار الإبداعية القابلة لإحداث التغيير.
  3. الالتزام بالاستكشاف وطرح الأسئلة الهامة والمتعلقة بعصرنا.
  4. التنظيم بين الناس والمجتمعات والقطاعات.
  5. التحالفات والمشاركة المدنية التي تخلق تغييراً دائماً وتحولاً في السياسة.

تسمح لنا هذه البرامج بالتركيز بنحو متكافئ على الفنون المرئية، وفنون الأداء، وفن السينما، والمشاركة المدنية القائمة على الفن؛ والتي تقود جميعها الحركة الثقافية، إليكم بعض الأمثلة على ذلك:

  • قادنا سؤال منبثق من المؤتمر؛ عن الجهة التي ستصمم مستقبل الحياة الحضرية، إلى إقامة شراكة مبتكرة مع إدارة التخطيط في سان فرانسيسكو؛ التي أعدت حفل «ماركت ستريت بروتوتايبينغ فستيفال» (Market Street Prototyping Festival)، وغيرت بصورة دائمة ثقافة التخطيط في المدينة.
  • رداً على أسئلة حول حرية التعبير والمواطنة، عقدنا اجتماعاً رُوّج له كثيراً بالتعاون مع مؤسسة «أيه سي إل يو» (ACLU) في شمال كاليفورنيا.
  • يستكشف معرض لدينا؛ يُقيمه كل من تيدي كروز وفونا فورمان، أسئلة حول الحدود والخيال من خلال دراسة ثلاثة نماذج للقيادة والمشاركة المدنية؛ التي تركز في الوقت نفسه على التحول الثقافي والسياسي لتحقيق تحول حضريّ دائم.
  • أعلنا منذ فترة عن عضوية «ادفع ما يمكنك دفعه» (pay-what-you-can) للتأكد من أن القدرة على الدفع لا تشكل أبداً حاجزاً أمام الناس للمشاركة في الحركة الثقافية.

تستكشف المؤسسات الأخرى أيضاً أماكن جديدة للمشاركة المدنية، فقد نشرت المديرة التنفيذية لـ«متحف سانتا كروز للفنون والتاريخ» (Santa Cruz Museum of Art and History)؛ نينا سيمون، كتاباً بعنوان «فن الملاءمة» (Art of Relevance)؛ الذي يتناول بمهارة دور المتاحف كمحفزات وروابط في المجتمعات، ولدى «سبرينغ بورد للفنون – سان بول» (Springboard for the Arts in St. Paul)؛ وهي مؤسسة تنمية اقتصادية ومجتمعية تربط الفنانين والمجتمعات، مشروع «تبادل إبداعي» يقدم مجموعة أدوات عملية ومفتوحة المصدر من صنع الفنانين لإحداث التغيير والتشجيع على بناء الروابط، كما يسهّل «مركز الإنتاج الثقافي في ميسيسيبي» (Mississippi Cultural Production Center) عملية أرشفة متعددة الوسائط تربط الأجيال الشابة بالاستراتيجيات الاقتصادية التاريخية المتجذرة في الزراعة والإنتاج الزراعي، وستؤدي هذه العملية المبتكرة إلى إنشاء مركز اقتصادي دائم للفنون والإنتاج الزراعي في ريف مدينة أوتيكا، ميسيسيبي.

إن الحركات المجتمعية العظيمة والثابتة هي نتيجة التحول الثقافي؛ أي تطوّر القيم والمعتقدات والقناعات المشتركة التي تغير الآراء والعقول بنجاح وإلى الأبد. لم يكن ممكناً تحقيق التطور في مجالات مثل الحقوق المدنية، أو المساواة في الحقوق، أو حقوق الإنجاب، أو العدالة البيئية من خلال تعاملات «التقاضي والتشريع» وحدها.

مع كل هذه التطورات، جاءت لحظة اعتقد فيها غالبية الناس أن المؤسسات القائمة؛ أي النظم التي تمثّل الديمقراطية، بحاجة إلى خدمة الإنسانية بصورة أفضل، وقد أشعل الفنانون وقادة المجتمع والناشطون خيال الجمهور، وساعدونا على رؤية أنفسنا نمضي قدماً، وفي حين أن العديد من هذه التطورات قد تكون مهدَّدة، إلا أن الحركة الثقافية قد غيّرت الآراء والعقول عبر الزمن، ولا يمكن إبطال هذه التطورات بسهولة.

المادة الخام للديمقراطية هي الإبداع الفردي والخيال الجماعي، وفي زمن التفرقة الهائل، نحتاج إلى العودة بثقافة الأمة نحو مُثلِها الأساسية، وينبغي أن تكون المؤسسات الثقافية في القيادة.

اقرأ أيضاً: المجتمع المدني في عصر الممارسات غير الإنسانية

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي