القطاع الرابع الناشئ: ما هو وما المهارات المطلوبة فيه؟

3 دقائق
القطاع الرابع
Shutterstock.com/Evelia Smith

إليك هذه التطوّرات التي طرأت في الأعوام الماضية:

  1. زادت تنزانيا عدد العلاجات الفعّالة التي تقدّمها الدولة للنساء اللواتي يعانين ناسور الولادة 3 أضعاف، ذلك عبر منصة الهاتف المحمول لشركة واحدة فقط، وهي فودافون (Vodafone).
  2. تشغل المؤسسة الخيرية أنقذوا الأطفال (Save the Children)، مقعداً في مجلس البحث والتطوير في شركة الرعاية الصحية العالمية غلاكسو سميث كلاين (GlaxoSmithKline).
  3. استحوذت مجموعة من المؤسسات غير الربحية في أستراليا على مؤسسة ربحية ضخمة وحوّلتها إلى مؤسسة اجتماعية.
  4. تضافرت جهود واحدة من أكبر سلاسل المطاعم في العالم مع شركة تعدين وشركة مشروبات غازية لمكافحة الملاريا.
  5. حصل الصندوق العالمي على تبرعات تزيد على 50 مليون دولار من إحدى شركات الصناعات الاستخراجية العالمية الكبرى، واستثمر أكثر من ضعفَي هذا المبلغ في شركة أخرى.

هذه بضعة أمثلة فقط على ما أسميه "التقارب بين القطاعات"، حيث وضع تتلاشى الحواجز بين القطاعات التقليدية بما فيه من شركات وحكومات ومؤسسات غير حكومية ويعاد تعريفها. تختلف أسباب ذلك، لكن المحصّلة هي تزايد الاستعداد لمعالجة المشكلات المعقّدة بأسلوب عمليّ ومبتكر، وإذا أضفنا ذلك إلى الإجماع على حاجة الشركات إلى تحديد هدفها الاجتماعي بوضوح أكبر لجذب أصحاب أفضل المواهب، فستنشأ بيئة ملائمة للقطاع الرابع.

أُعرّف القطاع الرابع على أنه القطاع الذي يهدف إلى تحقيق نتائج اجتماعية محدّدة قابلة للقياس ويمكن تطويرها، والأهم من ذلك كله أنها مربحة. من المحتمل أن تكون نماذج الأعمال الهجينة وآليات التمويل الحديثة هي التي سيستخدمها القطاع الرابع للعمل في المستقبل، مثل سندات التأثير التنموي، ولكن بما أن أهداف القطاع الرابع غير محدّدة بالتفصيل مثل أي قطاع آخر فهو يتطلب نوعاً محدّداً من الموظفين الذين يتنقّلون بسلاسة بين مجموعات المهارات واللغات والمقايضات الأساسية في القطاعين الربحي وغير الربحي.

تكمن خلف كل حالة من الحالات المذكورة أعلاه قصة شخصية، ويمكن أن تساعدنا التحديات التي يواجهها قادة هذه المبادرات على فهم المهارات اللازمة لهذا القطاع الناشئ بصورة أوضح، إذ يشتركون في أمرين: الأول هو أن طموحاتهم تتعدى السعي لتحقيق الربح؛ والثاني هو أنهم يبدون تشدداً فيما يتعلق بتحقيق أهدافهم والبحث عن شركاء غير اعتياديين أحياناً. خذ مثلاً جهود تدريب عدد أكبر من العاملين في مجال الصحة المجتمعية بكينيا، من كان يظنّ أن منصّة تكنولوجيا الهاتف المحمول ستشكّل حليفاً طبيعياً لمؤسسة غير حكومية؟ لن يفكّر بذلك إلا شخص يتبنّى عقلية القطاع الرابع.

إذاً من المنطقي أن يأخذ القادة اليافعون هذا المفهوم على محمل الجد عند التخطيط لمسيرتهم المهنية؛ ما عليك سوى الاطلاع على دراسة الميثاق العالمي للأمم المتحدة حول الاستدامة التي أجراها الرئيس التنفيذي لشركة أكسنتشر (Accenture)، إذ توضّح أن 84% من الرؤساء التنفيذيين قالوا إنه على الشركات قيادة مبادرات تحديد أهداف التنمية المستدامة وتحقيقها، و78% منهم قالوا إن إقامة الشراكات بين مختلف القطاعات ستكون الوسيلة لتحقيق ذلك في الأعوام الخمسة المقبلة.

لذلك لم يفاجئني أن أقرأ مثلاً عن رغبة عدد متزايد جداً من طلاب ماجستير إدارة الأعمال في الالتحاق ببرامج التدريب الداخلي في المؤسسات غير الحكومية.

ما هي أنواع التحديات التي قد يُلقيها القطاع الرابع على عاتق القادة؟ دعونا نفكر في السيناريو التالي، أيّ من هذه الخيارات هو أفضل قرار استثماريّ؟

  1. فرصة تزيد الإيرادات بمقدار مليون دولار.
  2. فرصة تخفّض التكاليف بمقدار مليون دولار.
  3. فرصة تعزّز الأرباح بمقدار مليون دولار.

ليس من الضروري أن تكون حاصلاً على درجة الماجستير في إدارة الأعمال لتُجيب بأن الخيارات الثلاثة متماثلة فعلياً بفرض أن التكاليف بقيت ثابتة في أثناء نمو الإيرادات والعكس صحيح، وفي هذا السيناريو، لن يكون المساهمون أو المستثمرون على علم بشيء.

لكن ماذا لو أضفنا خياراً من القطاع الرابع؟ ما رأيك في فرصة لا تحقق سوى نصف صافي الأرباح، لكنها تؤدي إلى انخفاض بنسبة 2% في استنزاف الموظفين، وتزيد اندماج الموظفين بنسبة 11%، وتكسب 1,285 زيارة إضافية إلى صفحة التوظيف على لينكد إن، وتزيد حجم المبيعات لخط الإنتاج الاستراتيجي بنسبة 37% في الأسواق الناشئة، وتُحسّن مستوى رضا العملاء بمقدار 80 نقطة أساسية، وتسهم في معالجة مشكلة اجتماعية مثل الوصول إلى الأدوية؟

هذا النوع من السيناريوهات يجعل قرار الأعمال صعباً، لأنه يتضمّن تطلعات جديدة، والأرباح القصيرة الأمد لم تعد المعيار الوحيد. فلنوضح الأمر؛ قد يكون تأمين الغذاء لمليار إنسان آخر وتعليم 57 مليون طفل غير ملتحق بالمدرسة حالياً وتقديم الخدمات المالية لمن لا يملك حسابات مصرفية ولغير المشمولين بالتأمين فرصاً سوقية ضخمة غير مستثمَرة،  لكن ليس من المحتمل أن تحقّق عائدات في الربع القادم، لذلك علينا أن نعيد صياغة المشكلة ونعيد التفكير في الجدوى التجارية.

تواجه هذه الأنواع من القرارات الطويلة الأمد بالذات الجيل القادم من قادة الشركات، وتسعدني رؤية أن مفهوم أهداف التنمية المستدامة يصبح جزءاً من المناقشات حول بدائل الأهداف الإنمائية للألفية (Millennium Development Goals)، لذا سيتعيّن على كليات إدارة الأعمال الفطِنة أن تبدأ إضافة نهج التفكير هذا إلى مناهجها الدراسية إذا أرادت تزويد جيل جديد من مهنيي الشركات بالمهارات والأهداف اللازمة للنجاح في القطاع الرابع.

سأختم بمثال يوضّح عقلية القطاع الرابع التي أتحدّث عنها في المقال؛ ابنة رئيس برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز (UNAIDS) الحائزة على درجة الدكتوراة في الصحة العامة، ميريام سيديبي، التي تتمتع بخبرة في إثبات دور غسل اليدين بالصابون في الوقاية من الأمراض مثل الالتهاب الرئوي والإسهال والكوليرا. يطمح فريقها الذي يضم مهنيين متفانين أن يتمكن بحلول عام 2020 من الوصول إلى مليار شخص وإنقاذ آلاف الأرواح، ومن الجدير بالذكر أنها تعمل لصالح شركة السلع الاستهلاكية يونيليفر (Unilever).

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط،علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي