انخرط بالمجتمع وتواصل بصرياً لجذب انتباهه لقضيتك الاجتماعية

التواصل البصري
Shutterstock.com/Arthimedes
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تحدثنا في بداية هذه السلسلة العلم يجيب: كيفية جذب انتباه الجمهور للقضايا الاجتماعية، عن دور العلم في تحديد التوصيات والمبادئ التي يمكننا اتباعها لتحسين تسويقنا للأفكار الاجتماعية، وجذب انتباه الجمهور لإحداث التغيير الاجتماعي، سنستعرض في مقالتنا هذه مبدأين من مبادئ جذب انتباه الجمهور: الانضمام إلى المجتمع، والتواصل البصري.

المبدأ الأول: الانضمام إلى المجتمع

عندما تتواجد في حفلة مكتظة، فأنت لا تقدّم نفسك من خلال الحديث بصوت عال وطرح أفكارك وآرائك وأنت في وسط المكان، بل يمكنك تناول المشروبات، وتفحّص ذلك المكان، والبحث عن أشخاص يتحدثون بالأمور التي تهمّك. ربما تقف جانباً وتستمع لبعض الوقت، وعندما يكون لديك شيء تضيفه، تنضم إلى المحادثة. غالباً ما تسعى المؤسسات أثناء عملها على التواصل نحو بناء صورتها من خلال الرسائل والتكتيكات التي تتصل بها أكثر من اتصالها بالقضية التي تعالجها والجمهور الذي تخاطبه، لكن هذا النهج الذي تتبعه تلك المؤسسات أشبه بمثال الحفلة أعلاه.

تشير الأبحاث من تخصصات متعددة أن الناس يشاركون ويتبادلون المعلومات التي تؤكد هوياتهم وتتوافق مع قيمهم الراسخة ونظرتهم للعالم، ويتجنبون ويرفضون المعلومات التي تتحداهم أو تهددهم. هذا يتطلب من المناصرين للقضايا المختلفة تجاوز فكرة التركيز على صياغة الرسائل ونشرها للتأثير على المجتمع المستهدف. لا تفكر في التواصل وكأنه مكبر صوت، بل كوسيلة تقدّم من خلاله أفكارك لجمهورك، واطرح الأسئلة التالية: هل أساعد الجمهور على إيجاد حل للمشكلة؟ هل أُشعرهم بالرضا عن أنفسهم أو يرون أنفسهم كما يريدون أن يُنظر إليهم؟ هل تواصلي معهم مرتبط بكيفية رؤيتهم للعالم وأُقدم لهم حلولاً قابلة للتنفيذ؟ إذا أردنا أن ينخرط الناس في قضيتنا ويتخذوا إجراءات معينة، فعلينا أن نقدم لهم ما يهتمون له بالفعل، ونربطه بكيفية رؤيتهم لأنفسهم.

عندما يُنظر إلى المعلومات على أنها تهديد أو أنها تتناقض مع كيفية رؤية الناس لأنفسهم وقيمهم الراسخة؛ والتي غالباً ما تُستقى من المجتمع، فإنهم سيجدون سبباً لتجاهل تلك المعلومات أو تبرير سبب عدم صوابها. وجد الباحثون أن الأشخاص الأكثر تحفظاً يميلون لأنْ يكون لديهم نظرة فردية للعالم؛ إنهم حريصون على احترام السلطة، والمحافظة على المقدسات، وحماية مجموعاتهم. في المقابل، يميل الأشخاص الأكثر تحرراً إلى أن يكون لديهم نظرة شاملة للعالم قائمة على المساواة، كما يقدرون العدالة والإنصاف والمساواة.

من ناحية أخرى، عندما يتم تأطير الرسائل بطريقة تخاطب معتقداتهم الراسخة، يكون الناس أكثر انفتاحاً لتغيير مواقفهم أو اتخاذ إجراءات معينة. وثبت أنّ هذا صحيح حول مجموعة من القضايا؛ مثل إيجاد حلول لتغير المناخ، والرعاية الصحية.

كما يتبادل الناس المعلومات التي تؤكد هويات الآخرين التي يهتمون بها ويتفاعلون معها، فإذا كنت من محبي الطبيعة أو ناشطاً أو عالماً أو لاعب كمال أجسام، قد يكون ذلك مؤشراً أفضل لما يتفاعل الناس معه مقارنة بالمعلومات نفسها. تغرس شبكاتنا الاجتماعية، أو المجموعات التي ننتمي إليها، أعراف المجموعة ومحرماتها، وعلى المستوى النفسي، يسعى الناس لتأكيد وإثبات هوياتهم من خلال الانخراط في أعراف مجموعاتهم، ومن المحتمل أن يتجاهلوا المعلومات التي تطلب منهم الشك بهذه المعايير والقيم أو مخالفتها.

يبحث الناس عن المعلومات التي تجعلهم يشعرون بالرضا عن أنفسهم وتسمح لهم بالتطور، وإذا بدأت بفهم العقل البشري وسلوكه، ستتمكّن من تصميم حملات تساعد الناس على معرفة أين تتقاطع قيمك معهم، وكيف تلامسهم القضايا التي تعمل عليها.

يرى خبراء المناخ، على سبيل المثال، أنّ إحدى أفضل الطرق التي يمكن للأفراد إحداث فرق من خلال تطبيقها هي الحد من استهلاك اللحوم ومنتجات الألبان في أنظمتهم الغذائية، كما يرى خبراء التغذية أنّ اتّباع نظام غذائي نباتي غني بالأطعمة الكاملة الطبيعية هو الأفضل لصحتك، إلا أن الأنظمة الغذائية الغنية باللحوم والألبان متجذرة في العادات الأميركية، لذلك لن تنجح على الأرجح فكرة مطالبة الناس بالتخلي عن أطعمتهم المفضلة من أجل الحفاظ على الكوكب. يشير العلم إلى أن الناس سيتجاهلون معلوماتك، أو يبررون سبب عدم صوابها أو أنها غير متعلقة بهم، أو يستسلمون لرغباتهم الملحة، بدلاً من العمل من أجل الحفاظ على المستقبل الذي يتسم بأنه مجرّد وبعيد.

إذا كنت ترغب في دفع الناس إلى استهلاك كميات أقل من اللحوم والألبان، فيمكنك تطوير استراتيجية التواصل مستفيداً من القيم والهويات الراسخة لمجتمع يتمتع بالقدرة على التأثير على معتقدات ومعايير الآخرين ضمن المجموعات التي ينتمون إليها. يسعى فيلم «ذا غيم تشينجرز» (The Game Changers)؛ وهو فيلم وثائقي يصوّر حياة نخبة من الرياضيين والملاكمين المحترفين ورافعي الأثقال ولاعبي كمال الأجسام، إلى تطبيق ذلك بالضبط. يقوّض الفيلم أسطورة أن استهلاك اللحوم أمر بالغ الأهمية لبناء جسم رياضي قوي، ويُظهر أن العديد من أقوى الرجال والنساء في العالم خضريّون، وأن المشاهدين أيضاً يمكنهم تحقيق أهدافهم المتعلقة باللياقة البدنية من خلال اتباع نظام غذائي خضري.

لا يجدي التقرّب من لاعبي كمال الأجسام ومطالبتهم بالتوقف عن تناول اللحوم لأن ذلك يساهم في إنقاذ الكوكب، ففي النهاية، يُعدّ تناول اللحوم بالنسبة إلى هذه المجموعة أمراً موصى بها، ومؤشراً للرجولة على مرّ التاريخ، ولكن إذا كان المؤثرون ضمن محيطهم يروون قصصاً حول مدى التأثير الإيجابي للنظام الغذائي الخُضريّ على حياتهم، وكيف ساعدهم على بناء القوة، فإن أولئك الذين يطمحون إلى أن يكونوا مثلهم من المرجح أن يتّبعوا هذا النظام أيضاً. يقرّ صنّاع الفيلم بقيم المجموعة وأهدافها، ويُظهرون مزايا اتباع النظام الخُضريّ، إذ لا يُلزم هذا النهج المشاهد بالتضحية بشيء ما، بل يمنحه حرية اختيار أن يغدو إنساناً أفضل. من الممكن أن يشارك أولئك المؤثرون والمتابعون لهم هذه القاعدة الجديدة داخل مجتمعاتهم وينشروا الفكرة القائلة بأن الخضريّة هي الطريق إلى القوة.

كيفية تطبيق هذه الرؤية: ابحث عن لاعب كمال أجسام خضريّ على سبيل المثال، وحدد مجموعة يمكن لتغيير سلوكها أن يُحدث فرقاً عميقاً يخدم قضيتك أو يلهم الآخرين لاتخاذ إجراءات معينة، واكتشف كيفية تسخير القيم التي تؤمن بها هذه المجموعة.

المبدأ الثاني: التواصل البصري من خلال اللغة الصورية

يعمل الناس في القطاع الاجتماعي على قضايا معقدة ومجردة إلى حد ما؛ مثل العدالة والمساواة والرفاه والإنصاف والابتكار، ومن التحديات التي تواجه هذه المفاهيم المجردة هو أنها تترك مساحة للناس لوضع افتراضات حول ما تعنيه هذه المصطلحات لهم. على سبيل المثال، قد يشعر شخص ما بالقلق عند سماعه مصطلح «الابتكار» لأنه سيبدأ في التفكير بأنّ الابتكارات ذات التقنية العالية ستجعل من  وظيفته غير ضرورية، بينما قد يفسرها شخص آخر على أنها وسيلة لتطبيق الأفكار الجديدة لمعالجة التحديات المستعصية.

يشغل التواصل البصري أو اللغة الصورية الأجزاء البصرية والحسية لأدمغتنا، وقد كتب العالم الإدراكي في «جامعة هارفارد» ستيفن بينكر في كتابه «الحس الذوقي: دليل المفكرين للكتابة في القرن الحادي والعشرين» ما يلي: «البشر هي الكائنات الأكثر تطوراً، فنحو ثلث أدمغتنا مخصص للرؤية، وأجزاء كبيرة مخصصة للّمس والسمع والحركة وإدراك المسافات، والانتقال من (أعتقد أنني أفهم) إلى (أنا أفهم). نحتاج إلى رؤية المشاهد والشعور بالحركة؛ فقد أظهرت العديد من التجارب أن القراء يُدركون الأفكار ويتذكرونها بصورة أفضل عندما يتم التعبير عنها بلغة محددة تسمح لهم بتكوين صور بصرية».

تشير دراسة أجرتها أديل غولدبرغ؛ وهي عالمة لغة في «جامعة برينستون» (Princeton University)، إلى أنّ «الجمل الاستعارية قد تؤدي إلى زيادة نشاط الدماغ في الأجزاء المرتبطة بالعاطفة لأنها تشير إلى الخبرات الجسدية». أظهرت دراستها نشاطاً في الجزء المرتبط بالعاطفة لدى أدمغة المشاركين عندما سمعوا استعارات مرتبطة بالتجربة؛ إذ لاقت كلمة «حلو» استجابة أقوى من «لطيف»، واستجابوا إلى كلمة «مر» بشكل أقوى من «لئيم»، كما أشارت المؤلفة المشاركة، فرانشيسكا سيترون؛ وهي عالمة نفس في «جامعة لانكستر» (Lancaster University)، أن التواصل البصري يخلق ميزة بلاغية.

ربما لن نجد مثالاً عملياً أفضل لهذا المبدأ من خطاب مارتن لوثر كينغ «لديّ حلم»؛ الذي ألقاه في 28 أغسطس/آب 1963 أمام نصب لنكولن التذكاري في واشنطن العاصمة أثناء مسيرة واشنطن للمطالبة بالمساواة بالوظائف والحرية. تحتوي كل جملة تقريباً على صور حيّة، مثل «دعونا لا نسعى لإرواء تعطشنا للحرية من خلال الشرب من كأس المرارة والكراهية»، و«لديّ حلم أنه في يوم ما في ألاباما، مع العنصريين الشرسين وحاكمها الذي كانت شفتاه تقطران بكلمات الفصل والإلغاء، في يوم ما هناك في ألاباما، ستتشابك أيدي الفتيان والفتيات السود الصغار مع أيدي الفتيان والفتيات البيض كأخوة وأخوات».

نستعين بهذا الخطاب في الصفوف وورش العمل لمساعدة الناس على رؤية مدى قوة التواصل البصري، وفي إحدى ورش العمل مع كبار المسؤولين العسكريين من البلدان المحيطة بمنطقة بحيرة تشاد في وسط أفريقيا، قال أحدهم بعد مشاهدة مقتطفات من خطاب كينغ: «كل ما يمكنني رؤيته هو الحرية، لكن إذا سألتني كيف كان إدراكي للأمر قبل استماعي للخطاب، فلا يمكنني إخبارك. أعطاني كينغ صورة تلو الأخرى حول الحرية، ولا يمكنني الآن رؤية أي شيء آخر».

كيفية تطبيق هذه الرؤية: هل تستخدم مفاهيم مجردة لوصف مؤسستك أو قضيتك أو الحلول التي تطرحها؟ حاول خلق صورة في ذهن جمهورك لما يبدو عليه هذا المفهوم، واستخدم التواصل البصري لمساعدة الناس على التجاوب معك. في المرة التالية التي تعِدّ فيها عرضاً تقديمياً لك أو لشخص آخر، حاول طباعته بهوامش عريضة، واطرح السؤال التالي: هل يمكنني رسم الصور التي أحاول خلقها في أذهان المستمعين؟ إذا كانت الإجابة لا، فأضف التواصل البصري واللغة الصورية التي تشدّ انتباه الجمهور وتثبت في ذاكرتهم.

يمكنك التعرف على باقي المبادئ من مقالتنا التالية من هذه السلسلة استحضر المشاعر السارة لتصميم دعوة مؤثرة لجذب انتباه الجمهور للقضايا الاجتماعية

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.