تُعدّ منصات التواصل الاجتماعي أداة ضرورية، إلا أنها تنذر بالخطر بالنسبة إلى القطاع الاجتماعي؛ فهي محرك لرفع الوعي وتعزيز المشاركة وجذب التمويل، لكنها أيضاً تديم الانقسام، وتنشر المعلومات المضللة، وتواجه اعتبارات تتعلق بوجودها في المقام الأول.
أشارت أكثر من 50% من المؤسسات غير الربحية إلى أنها سترفع ميزانيتها المخصصة للاستثمار في منصات التواصل الاجتماعي عام 2020؛ أكثر من استثمارها في القنوات الرقمية الأخرى، بينما تواصل حركة «غيفينغ تيوزداي» (Giving Tuesday)؛ المعنية بدعم الأفراد والمؤسسات غير الربحية التي تساهم في تغيير المجتمعات والعالم، في تحقيق نمو ثابت مدعوم بالمجتمع، وتوقعت مؤسسة «هول ويل» (Whole Whale)؛ التي تساعد بدورها المؤسسات على تحقيق أقصى استفادة من مختلف القنوات الرقمية، جمع تمويل من خلال الحملة يتجاوز 600 مليون دولار عام 2020، إلا أن المشهد الحالي لمنصات التواصل الاجتماعي ينذر بالخطر، وهناك احتمال لحدوث أمور أسوأ، إذ عُرفت منصة «فيسبوك» بأنها تتدخل في الانتخابات، ويعترف تيم كيندل؛ وهو مدير تنفيذي سابق في الشركة كان مسؤولاً عن تحقيق الربح، بأن الشركة جعلت التعامل مع المنصة كشيء يشبه «الإدمان على السجائر» عن عمد، وأوضح في تصريحاته المعدّة للنطق بها أمام الكونغرس أن «منصات التواصل الاجتماعي تتغذى على أكثر أجزاء دماغك بدائية؛ إذ ترفع الخوارزمية من مستوى انتباهك إلى أقصى حد من خلال تكرار عرض محتوى يثير أقوى مشاعرك بهدف إثارة الصدمة والغضب لديك».
يجب أن تجذب المؤسسات غير الربحية اهتمام الجمهور، ولكن ما الذي ينبغي فعله عندما يتم جذب هذا الاهتمام نيابة عنا من خلال خوارزميات تتسم بأنها مؤذية وموجهة وتتلاعب بمشاعرنا وتعزز الانقسام؟
بدء الحديث حول احتمال حدوث تغيير في طبيعة المنصات الاجتماعية
هناك تغيير مستمر في مشهد المنصات الاجتماعية، فقد حذّر «مكتب التحقيقات الفيدرالي» الأميركيين في وقت سابق من انتشار معلومات انتخابية كاذبة تمت مشاركتها على منصات التواصل الاجتماعي، ورفعت وزارة العدل دعوى قضائية ضد شركة «جوجل» لانتهاكها قوانين مكافحة الاحتكار، كما شهدت حملة «أوقفوا نشر الكراهية لأجل الربح» (Stop Hate For Profit) في يوليو/تموز إيقاف أكثر من 1,200 شركة ومؤسسة غير ربحية إنفاقها على الإعلانات الرقمية مؤقتاً للشهر ذاته، وقد كانت الرسالة واضحة: «ينبغي على منصات التواصل الاجتماعي إعطاء الأولوية للناس وليس الربح، ويجب فعل ذلك حالاً».
يترقب الجميع ما إذا كان التغيير المتوقع حدوثه هو إعادة هيكلة جذرية أو تحولاً تدريجياً، لكن على الرغم من النمو المستمر لهذه المنصات، وجدت دراسة أُجريت لفهم المواقف المتخذة تجاه منصات التواصل الاجتماعي بالنسبة إلى «الجيل زد» أن 34% يقولون إنهم سيغلقون حساباتهم على هذه المنصات نهائياً، و64% سيغلقونها مؤقتاً. يجب على المؤسسات غير الربحية الاعتراف بالمخاطر التي ينطوي عليها عدم استقرار المنصات الاجتماعية في السنوات القادمة، سواء من خلال إحداث تغيير جذري فيها أو الانسحاب الطوعي للمستخدمين.
ما الذي ينبغي على المؤسسات غير الربحية فعله؟
إن التخلي عن القنوات الاجتماعية بصورة دائمة ليس خياراً بالنسبة إلى العديد من المؤسسات، لكن إلى متى يجب أن يسمح القطاع الاجتماعي؛ وهو محرك التغيير في عالمنا، لهذه القنوات بأن تتحكم بمصيره؟ لا توجد إجابة واضحة على هذا السؤال، لكن عدسة إدارة المخاطر تزودنا بمنظور هام، إذ لا تُعدّ منصات التواصل الاجتماعي مملوكة للجمهور، وإذا كانت جزءاً مهماً من الاستراتيجية الرقمية لمؤسسة غير ربحية، فإن تلك المؤسسة تكون تحت قبضة قرارات وخوارزميات شركات مواقع التواصل الاجتماعي. على سبيل المثال، أدت التغييرات التي طرأت على خوارزمية «آخر الأخبار» على منصة «فيسبوك» عام 2018 إلى تراجع الوصول غير المدفوع، مما دفع الشركات إلى المتابعة من خلال المحتوى المدفوع لتبقى مرئية لمتابعيها، يوضح ذلك أنه عندما تمتلك المنصات الاجتماعية جمهورك، فمن الممكن أن يحدث هذا في أي وقت.
يجب أن يكون هدف المؤسسة غير الربحية اليوم هو استخدام قنواتها الاجتماعية لتحويل المتابعين إلى جمهور يمكنها مخاطبته بصورة مباشرة؛ وأعني هنا مشتركي البريد الإلكتروني بصورة أساسية، كما أن تطبيقات الهاتف المحمول والمنتديات والرسائل النصية القصيرة هي أيضاً خيارات متاحة أمامك. ينبغي أن تكون استراتيجيتك الرقمية مبنية على أساس نقل جمهورك من المنصات الاجتماعية إلى المنصات التي بمقدورك التحكم فيها، ثم مخاطبتهم من هناك.
تحويل المتابعين إلى جمهور يمكن لمؤسستك مخاطبته مباشرة
إليك هذا المثال العملي؛ نشرت مؤسسة «ديا ترايب فنديشن» (diaTribe Foundation) دليلاً بعنوان «نقاط مضيئة وأخرى تنذر بالخطر» (Bright Spots & Landmines)؛ الذي يتناول أسلوب حياة مرضى السكري ويمكن تحميله مجاناً مقابل الاشتراك في قائمة البريد الإلكتروني الخاصة بها، لقد استفادت بذلك من حساباتها على منصات التواصل الاجتماعي والإعلانات المدفوعة لجذب الزوار إلى موقعها، وكانت النتيجة أنها وصلت إلى أكثر من 26 ألف مشترك في قائمة البريد الإلكتروني؛ التي تعتبر وسيلة مباشرة للتواصل مع الجمهور، وفي حال قررت شركة «فيسبوك» أو «تويتر» أو أي منصة تواصل اجتماعي أخرى تغيير الخوارزمية الخاصة بها، فقد لا يرى الجمهور منشورات المؤسسة بصورة منتظمة، لكن رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بها ستصل بانتظام.
من الجدير ملاحظته بأنك لا تتخلى عن استخدام منصات التواصل الاجتماعي تماماً باختيار امتلاك لجمهورك، بل إنك تتخذ قراراً استراتيجياً بالوصول إلى الجمهور بعيداً عنها؛ وهو اتجاه يبدّل أهداف استراتيجية مؤسستك الخاصة بمنصات التواصل الاجتماعي، أي بدلاً من التركيز الكامل على الخطوات التي تعزز قياس التفاعل على منصة اجتماعية محددة، مثل المتابعين أو الإعجابات أو التعليقات أو المشاركات، ينبغي العمل من منظور قياس مدى فاعليتها في تحويل جمهورك هناك إلى جمهور يمكنك مخاطبته بصورة مباشرة. يُعتبر الفرق غير ملحوظ، لكنه مهم، ومقاييس التفاعل على المنصات الاجتماعية مهمة فقط لأنها تساعدك على جذب شخص ما خارجها.
امتلاك المحتوى الخاص بمؤسستك
يمكنك أيضاً امتلاك المحتوى الخاص بك؛ تماماً مثل امتلاك لجمهورك، إذ يُعدّ اختيار الاستثمار في محتوى تحت سيطرتك عبر موقع مؤسستك والصّيغ الأخرى؛ مثل الصوت والفيديو، خطوة حقيقية في اتجاه امتلاك أدوات لخلق الوعي لدى جمهورك. تُنتج «الجمعية الأميركية لمنع القسوة ضد الحيوانات» (ASPCA)- على سبيل المثال- محتوى فيديو خاص بها بصورة منتظمة، ويُنشر عبر منصات «يوتيوب» و«تويتر» و«فيسبوك» و«إنستغرام»، وفي حين أنه لا يزال يتعين عليها نشر هذا المحتوى عبر منصات خارجة عن سيطرتها، لكن إذا أجرت تلك المنصات تغييرات غير ملائمة أو واجهت منافسة جديدة، فسيكون لدى الجمعية المزيد من السيطرة لنقل المحتوى الخاص بها إلى قنوات رقمية أخرى.
لا شك أن التحدي يكمن في إنشاء هذا المحتوى، حيث تُظهر الاستبيانات أن قيود الميزانية تُصنف باستمرار كواحدة من أهم التحديات عند التخطيط للاستراتيجيات الرقمية، وأن كتابة منشور على منصات التواصل الاجتماعي يكون بالتأكيد أكثر وضوحاً وأقل تكلفة من إنتاج فيديو أو أي أصل رقمي آخر، ولكن من هي الجهة التي تمتلك الأصول الرقمية التي تعمل على إنشائها؟ إذا كانت مؤسستك تخصص الكثير من الوقت وتنفق من ميزانيتها على الاستثمار في محتوى خاص بالمنصات الاجتماعية؛ مثل النصوص أو استطلاعات الرأي أو المجموعات الخاصة بالمنصات، فإن استثمارك يُنتج أصولاً مملوكة لتلك المنصات، وليس لمؤسستك.
صحيح أنك لا تزال تستفيد من تلك العملية، إلا أنك تفقد فرصة إنشاء أصول رقمية مملوكة لك بالكامل يمكنك توزيعها عبر قنوات متعددة؛ الأمر الذي من شأنه أن يدعم وصولك، ويخفض الاعتماد على منصات اجتماعية معينة. ضع في الاعتبار إعادة تخصيص وقت الموظفين والميزانية لإنشاء محتوى أكبر يعود لمؤسستك، ويُنشر عبر القنوات الاجتماعية التي تختارها.
امتلك المستقبل
عندما تتواجد على منصات التواصل الاجتماعي، وتمتلك نسبة كبيرة من جمهورك والمحتوى الخاص بك، فإنك تمنح نفسك المرونة، لأنك تحمي مؤسستك من مخاطر التغييرات في مشهد تلك المنصات، ومن ناحية أخرى، يكون لديك الخيار للحد أو التخلص من استخدامك لها إذا أصبحت إخفاقاتها أكثر من الحد المقبول.
يستخدم القطاع الاجتماعي منصات التواصل لتحقيق أثر اجتماعي سليم، لذلك دعونا نتأكد من أننا لا نساهم عن غير قصد في دعم القوى التي تتلاعب بنا وتفرّقنا وتقوّض تقدمنا، حان الوقت للقطاع الاجتماعي أن يمتلك جمهوره ومحتواه حتى نتمكن من رسم المستقبل بأيدينا.
اقرأ أيضاً: كيفية جذب اهتمام الآخرين لقضيتك.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.