فوائد توحيد البيانات في القطاع الاجتماعي -وأي قطاع آخر- كثيرة ومهمة ولا يمكن إنكارها، إذ يتيح الحصول على النوع نفسه من البيانات على المدى الطويل القدرة على تتبع التقدم المحرز ورفع مستوى تحمّل المسؤولية. تتبعت مؤسسة كانديد (Candid) التي أعمل بها عمليات تقديم المؤسسات المانحة للمنح على مدى السنوات العشرين الماضية لتقييم التغيرات في توجهات المانحين.
وقد أتاحت لنا البيانات إثبات عزوف مؤسسات العمل الخيري عن الاستثمار في جامعات ذوي البشرة السمراء وكلياتهم التاريخية. يتيح توحيد البيانات فرصاً للمقارنات المعيارية، ما يسمح للأفراد والمؤسسات بتقييم مدى تقدمهم مقارنة بزملائهم ومنافسيهم. علاوة على ذلك، يمكن أن تساعد الكميات الكبيرة من البيانات الموحدة على التنبؤ بتوجهات القطاع. وأخيراً، وربما الأهم بالنسبة للقطاع الاجتماعي، يخفف توحيد البيانات الأعباء الكبيرة الملقاة على عاتق المؤسسات غير الربحية في إعداد التقارير. ومع ذلك، وعلى الرغم من فوائد البيانات، فهي تُقترح باعتبارها علاجاً شاملاً يسمح لنا بتحديد نجاح برامج التغيير الاجتماعي وعملياته بصورة لا لبس فيها. لكن الواقع أكثر تعقيداً ودقة بكثير. إذا تُركت التبعات غير المقصودة لتوحيد البيانات دون ضابط، فإنها تشكل مخاطر كبيرة على الوصول إلى قطاع اجتماعي أكثر فعالية وكفاءة وإنصافاً.
3 تحديات شائعة لتوحيد البيانات
عندما تُوحد البيانات والمعلومات، فإنها تعكس تجربة مَن في السلطة وتعتبرها الحالة الطبيعية، فأصحاب السلطة هم من يضعون المعايير في نهاية المطاف. على سبيل المثال، وعدت الاختبارات الموحدة في المدارس بوضع تقييم عادل للطلاب في مختلف المدارس على أساس سنوي، ما يزيد من القدرة الجماعية على قياس التقدم المحرز ومكافأة الأداء الإيجابي. ومع ذلك، فقد أثبتت الأبحاث التي أجريت على مدى عقود من الزمن أن الاختبارات الموحدة غالباً ما تلحق الضرر بالذين يختلفون عن مصممي الاختبارات (على سبيل المثال باللغة، أو تفضيلات إجراء الاختبارات، أو إمكانية الوصول إلى الموارد). بالإضافة إلى ذلك، تشير بعض الدراسات إلى أن الاختبارات الأميركية الموحدة ليست دقيقة في التنبؤ بأداء الفتيات وذوي البشرة الملونة.
ثمة عيب آخر محتمل في البيانات الموحدة وهو إعطاء الأولوية لبعض البيانات أو النتائج على حساب العملية التعليمية ومستوى فهم الطلاب، ما قد يشجع على التلاعب بالنظام التعليمي. كشفت الأبحاث أن المدارس والمعلمين الذين يشعرون بالقلق من الاختبارات الموحدة بدؤوا بالتدريس بهدف النجاح في الاختبارات الموحدة فحسب على حساب التعلم الفعلي.
تعد القرصنة الإحصائية مثالاً آخر على ذلك، فمع تنامي عدد المجلات الأكاديمية التي تتطلب عتبة موحدة للدلالة الإحصائية -تسمى القيمة الدلالية (p-value)- حتى تسمح بالنشر، بدأ الباحثون بتعديل التحليلات أو "قرصنتها" لزيادة احتمالات العثور على نتائج ذات دلالة إحصائية، على الرغم من أن هذه الممارسة تقلل من صحة الاستنتاجات. كما أن توحيد البيانات قد لا يفي بالغرض المقصود منه لأن الناس قد يبالغون في تقدير شمولية بياناتهم ومقاييسهم ومناهجهم.
يفترض الكثير أن البشر متشابهون وأن نتائج دراسة واحدة يمكن تعميمها على أشخاص من هويات أو ظروف أو ثقافات مختلفة. يمكن أن تؤدي هذه الاستقراءات -حتى لو بدت بريئة- إلى عدم الإنصاف وأخطاء غير مقصودة. فقد أظهرت الدراسات وجود اختلافات ثقافية في طريقة استجابة الناس لمدرج ليكرت (مثل أسئلة الاستقصاء التي تطلب من المشاركين الإجابة عن مقياس من واحد إلى سبعة)، ففي الغالب يختار المشاركون من ذوي البشرة السمراء إجاباتهم من أقصى درجات المقياس مقارنةً بالمشاركين من ذوي البشرة البيضاء، في حين يتجنب المشاركون الآسيويون الدرجات القصوى. كما يضيف الظهور السريع للتكنولوجيا الجديدة مخاطر متزايدة من خلال خلق ظروف يمكن أن يؤدي فيها الاستقراء الخاطئ للبيانات إلى معايير إقصائية وخطرة.
على سبيل المثال، قد تخفق مستشعرات الحركة التي جرت عملية معايرتها على البشرة الفاتحة في التعرف على البشرة الداكنة، ما قد يؤدي إلى نتائج مميتة إذا لم تتعرف السيارات الذاتية القيادة على المشاة ذوي البشرة الداكنة. وفي الوقت نفسه، تؤدي سماعات الواقع الافتراضي المصممة لتناسب حجم جماجم الذكور إلى أن تكون النساء أكثر عرضة للإصابة بالدوار الإلكتروني، وهو عيب كبير نظراً لانتشار الواقع الافتراضي في أماكن العمل والحياة اليومية.
القطاع الاجتماعي ليس بمنأى عن هذه التحديات، فقد أصبح تطبيع وجهات نظر أصحاب السلطة من طبيعة القطاع الاجتماعي الأميركي فعلياً، إذ يحدد المانحون غالباً، الذين يتحكمون بنسبة كبيرة من موارد القطاع، البيانات المطلوب جمعها في طلبات المنح إضافة إلى طرق قياس نجاح البرنامج. ونتيجة لذلك، قد تميل المؤسسات غير الربحية إلى التركيز على تحقيق نقاط البيانات أو المقاييس أو النتائج التي يهتم بها المانحون حتى لو كان ذلك على حساب مجتمعات هذه المؤسسات ورسالاتها. وبالمثل، يمكن أن تؤدي الاستنتاجات الشمولية إلى افتراضات غير صحيحة مفادها أن البيانات المتعلقة ببرنامج أو مؤسسة غير ربحية واحدة يمكن إخراجها من سياقها وتطبيقها في مكان آخر.
وضع معايير أكثر إنصافاً ودقة وشمولاً للبيانات
يجب أن نعتمد على بيانات أكثر شمولاً وشفافية واستقراء لنصل إلى قطاع اجتماعي أكثر إنصافاً وفعالية وكفاءة. يتطلب ذلك من أصحاب السلطة -أي الذين يضعون المعايير- التعمق أكثر وعدم الاعتماد على مقاييس شاملة سطحية والنظر إلى ما هو أبعد من نطاق خبراتهم ومعارفهم. لن يكون الأمر بسيطاً ولا سريعاً ولا هيناً. ومع ذلك، ثمة خطوات عملية يمكننا اتخاذها للحد من الآثار السلبية لتوحيد البيانات.
توحيد "لبنات البناء" بدلاً من "المنزل برمته". يمكن أن يؤدي توحيد أجزاء صغيرة من البيانات أو المعلومات التي يمكن استخدامها بعد ذلك بطرق متنوعة إلى تحقيق العديد من فوائد توحيد البيانات مع تقليل المخاطر التي يمكن أن تنشأ عن المبالغة في تقييم نقاط البيانات المحددة أو تطبيقها بصورة شاملة. على سبيل المثال، بدلاً من فرض توحيد عمليات طلب المنح بالكامل، يمكننا توحيد أجزاء محددة من طلبات المنح. جربت مؤسسة كانديد هذا الأسلوب في حملتها "ديموغرافيكس فيا كانديد" (Demographics via Candid campaign)، وتدعو هذه المبادرة المؤسسات غير الربحية إلى تقديم لمحة موجزة عن المعلومات الديموغرافية الرئيسية عنها على الملف الشخصي للمؤسسات غير الربحية على موقع مؤسسة كانديد، وتسمح للمانحين باستيراد تلك البيانات إلى عمليات تقديم المنح المختلفة، ما يتيح لهم إنشاء سجل بيانات ديموغرافية للقطاع الاجتماعي. يلغي هذا الأسلوب حاجة الباحثين عن المنح إلى إدخال البيانات الديموغرافية على نحو متكرر ويوفر للقطاع الاجتماعي طريقة لتحديد المقاييس المعيارية للبيانات الديموغرافية وتقييمها. في الوقت نفسه، يسمح هذا الأسلوب بالتخصيص عندما يتطلب السياق ذلك، مثل جمع بيانات ديموغرافية إضافية ذات صلة بالمنحة المحددة.
الوضوح بشأن التعاريف والتطبيقات العملية. من المحبط عدم وجود تعريفات واضحة عموماً، لكن من الضروري جداً وجود تعريفات واضحة عند توحيد البيانات والمعلومات التي يستخدمها أشخاص مختلفون في سياقات مختلفة. في النهاية، ما قيمة جمع البيانات الموحدة إذا كان الجميع يفسر الأسئلة أو الإجابات بطرق مختلفة؟ الأفضل هو إدراج تعريفات لأي مصطلحات أو كلمات رئيسية بوصفها جزءاً من عملية جمع البيانات وتفسيرها ونشرها.
تدرج مؤسسة كانديد التعريفات داخل إرشادات جمع البيانات الديموغرافية، حيث تزود المؤسسات بتعريفات معيارية وأفضل الممارسات لاستخدامها عند جمع البيانات الديموغرافية في مؤسساتها. ومن الأمثلة الجيدة الأخرى هي التعريفات العامة لرموز الأنشطة التي يستخدمها التصنيف الوطني للكيانات المعفاة من الضرائب في مصلحة الضرائب الأميركية، وهي جزء من نظام التصنيف الذي تستخدمه مصلحة الضرائب الأميركية والمركز الوطني للخدمات الاجتماعية لتصنيف المؤسسات غير الربحية.
ثمة خطوة أدق بعض الشيء وبالأهمية نفسها، وهي أن تكون واضحاً بشأن التطبيقات العملية. يشير التطبيق العملي إلى طريقة قياس الباحثين أو المقيّمين للمفاهيم المجردة وتحويلها إلى بيانات. على سبيل المثال، يمكن تعريف السعادة على أنها مشاعر إيجابية تتراوح بين الرضا والفرح. ومع ذلك، يمكن تطبيق هذا التعريف بعدة طرق مختلفة مثل تتبع عدة سلوكيات كالابتسام والضحك وسؤال الأفراد عبر استقصاء إذا ما كانوا يشعرون بالسعادة أو لا، وترميز الردود على سجلات يومية، وما إلى ذلك. وبالمثل، في القطاع الاجتماعي، يمكن تعريف مصطلح "مؤسسات خدمة الأقليات غير الربحية" على أنها المؤسسات غير الربحية التي تخدم مجتمعات الأقليات. ويمكن تطبيق العملية بعدة طرق، سواء كان ذلك مذكوراً في رسالات المؤسسات غير الربحية أو برامجها، أو إذا كان المجتمع المحلي يستوفي نسبة معينة من تمثيل الأقليات، أو إذا كان البرنامج يستوفي نسبة معينة من تمثيلها، وهلم جراً.
وبالمثل، يمكن تعريف مصطلح "بقيادة الأقليات" على أنه المؤسسات التي يُعرّف قادتها بأنهم من الأقليات. ويمكن أيضاً تطبيق هذا التعريف بطرق مختلفة اعتماداً على تعريف كلمة "قائد"، هل هو الرئيس التنفيذي أم المؤسس أم مجلس الإدارة أم الفريق التنفيذي بأكمله؟ ما نسبة القيادة المطلوبة؟ يعد الوضوح بشأن التطبيق العملي شرطاً أساسياً لتعزيز المعرفة في أي مجال من المجالات. ومن دونها، يستحيل معرفة إذا ما كانت الاختلافات في المقاييس والنتائج ناتجة من التقدم على أرض الواقع أو الاختلاف في طريقة القياس.
دعم شفافية البيانات في المنهجيات والقيود. ستؤخذ الأبحاث والبيانات والمعلومات بكل جدية، لذلك يجب على المؤسسات التي تستفيد من البيانات أو الأبحاث بأي طريقة كانت أن تذكر دائماً بوضوح الأساليب المستخدمة والقيود وأي افتراضات معروفة يمكن أن تؤثر في البيانات أو الاستنتاجات. على وجه الخصوص، يجب أن تكون البيانات التي تعتبر مقياساً معيارياً للقطاع واضحة وشفافة حول طريقة إنشاء البيانات، واختبارات التحقق من صحتها، وأفضل الممارسات المتعلقة باستخدامها. سيساعد ذلك المستخدمين النهائيين على فهم وجهات النظر والمعايير المتضمنة والعيّنة التي جرى استخدامها لإنشاء البيانات وتحديد المسائل التي تحتاج إلى إجابات إضافية. يوجد العديد من الموارد لجامعي البيانات الذين يهدفون إلى تحقيق الشفافية، مثل مبادرة الشفافية التي أطلقتها الجمعية الأميركية لأبحاث الرأي العام (the American Association for Public Opinion Research's Transparency Initiative) ودليل المختبر الوطني للصحة (National Institute of Health) لكتابة قيود البيانات.
اتباع أساليب البحث التشاركية. عند السعي لإنشاء بيانات موحدة، من المهم الاستماع مباشرة إلى المجموعات التي ستؤثر عليها هذه المعايير. تسعى المناهج التشاركية إلى إشراك مجموعة واسعة من الفئات ووجهات النظر والتركيز عليها عند تصميم مبادرات البحث والبيانات. ولهذا الأسلوب أهمية كبيرة لأنه يمكن أن يتحقق من صحة الافتراضات التي يتبنّاها الباحثون والمحللون المبدئيون بناءً على معرفتهم أو خبرتهم أو تجاربهم الخاصة. كما أنه يتصدى للافتراضات والتعميم المفرط، ويمكن أن يمنع تطبيع تجربة أصحاب السلطة والاعتماد عليها. على سبيل المثال، دعا تقرير صدر مؤخراً حول المؤسسات غير الربحية التي تقودها الأقليات في نيويورك إلى تحديد المعنى العملي لمفهوم "المؤسسات غير الربحية التي تقودها الأقليات".
التحقق من صحة الافتراضات في وقت مبكر وعلى نحو متكرر. لقد ذكرنا ذلك أكثر من مرة، لكن أحد أهم عناصر دعم معايير البيانات القوية والتركيز على الإنصاف هو التصدي للافتراضات وكشف التحيزات المحتملة. يمكن أن يتحقق ذلك ببساطة من خلال وضع قائمة بالأسئلة التي يجب أن يطرحها أصحاب السلطة حين إنشاء معايير البيانات أو تحليلها. على سبيل المثال،
- هل استمعنا إلى الأشخاص الأكثر تأثراً، مثل المستخدمين النهائيين والمستفيدين من البرنامج؟
- هل راجع أفراد من مختلف الفئات والخبرات هذه العملية؟
- لماذا نطرح هذا السؤال بالتحديد أو نطلب هذه المعلومات؟
- كيف يمكننا النظر إلى هذه المشكلة بطريقة مختلفة؟
- ما الذي نعتبره أو نفترضه معلومات "بديهية"؟
على الرغم من وفرة تحليلات البيانات وأدواتها، فإن وجود العنصر البشري المتأصل في القطاع الاجتماعي يعني أننا ما نزال عرضة للمعلومات المضللة والتحيزات الخفية والاستنتاجات غير الدقيقة حول الأشخاص والمجتمعات التي نعمل على خدمتها مهما كانت كمية البيانات كبيرة ومهما بذلنا من جهد في توحيدها. لكن من خلال اعتماد أساليب تتضمن مشاركة المزيد من الفئات، وتوضيح المصطلحات، وشفافية المنهجيات، والحد من الأعباء والحواجز، سيعزز القطاع الاجتماعي المزيد من الإنصاف ويحسّن قدرته على تحقيق تغيير دائم وبنّاء.