استحضر مشاعر الجمهور لتصميم دعوات مؤثرة للتغيير الاجتماعي

7 دقائق
المشاعر الإيجابية لتصميم دعوة مؤثرة
Shutterstock.com/Bplanet

تحدثنا في المقالتين السابقتين من هذه السلسلة العلم يجيب: كيفية جذب انتباه الجمهور للقضايا الاجتماعية، عن المبادئ والتوصيات التي يقدمها لنا العلم، سنكمل في هذه المقالة استعراض المبدأ الثالث: استحضار المشاعر السارة، والمبدأ الرابع: تصميم دعوات مؤثرة.

المبدأ الثالث: استحضار المشاعر السارة

يسعى الأشخاص الذين يعملون من أجل إحداث التغيير الاجتماعي لأنْْ يشعر الآخرون بالقوة نفسها التي بداخلهم تجاه قضاياهم، ويدرك معظمنا أهمية سرد القصص التي تستثير مشاعر عميقة. نرى العديد من المؤسسات تسعى جاهدة لالتماس مشاعر الناس تجاه أولئك الذين يحاولون مساعدتهم من خلال سرد قصص محزنة. في بعض مؤسسات الإغاثة الإنسانية التي نعمل معها، يقول لنا الموظفون في كثير من الأحيان: «أريد فقط أن يتخيل الناس كيف سيكون شعورهم إذا اضطروا إلى التخلي عن كل شيء ورائهم والهرب من أجل إنقاذ أنفسهم»، إذ يُظهر الموظفون الكثير من الالتزام نحو مهمة المؤسسة، ويريدون أن يفعل الآخرون الأمر نفسه. 

لكن ذلك يتطلب نهجاً أكثر دقة في التعامل مع العاطفة، فقد يؤدي الاستناد إلى استحضار مشاعر الحزن كطريقة للتأثير إلى تجاهلك تماماً. يتجنب الناس عادة القصص والمواقف التي تجعلهم يشعرون بالسوء، أو ربما لا يتأثرون بها، فإذا كنت قد تجاهلت، على سبيل المثال، الإعلان الذي يضع أغنية المغنية سارة ماكلاشلان «بين ذراعي ملاك» (In the Arms of an Angel)، ويعرض صور مفجعة للحيوانات في الملاجئ، فأنت تعلم ما نعنيه.

تشير البحوث إلى أن الناس بارعون حقاً في تجنب المعلومات لثلاثة أسباب؛ وهي أنها ربما تُشعرهم بالسوء، أو تُلزمهم بفعل شيء لا يريدونه، أو تهدد هويتهم وقيمهم ونظرتهم للعالم، سواء كانت تلك المعلومات متعلقة بالصحة ويمكن أن تنقذ حياتك، أو متعلقة بتغير المناخ أو العنف الجماعي. يتجنب الناس المعلومات التي تجعلهم يشعرون بالحزن أو الخوف أو الذنب عندما لا تكون هناك طريقة لمعالجة تلك المشاعر، وهذا هو السبب الكامن وراء صعوبة التواصل بشأن قضايا تغير المناخ على سبيل المثال. إذا كان البشر مسؤولين عن الاحتباس الحراري، فإن الحديث عن الأسباب والحلول قد يجعلهم يشعرون بالذنب، وكما يقول عزرا ماركويتز؛ وهو أستاذ في استراتيجيات اتخاذ القرارات البيئية بـ«جامعة ماساتشوستس أمهرست» (University of Massachusetts Amherst)، خلال مقابلة أجريناها معه العام الماضي:

الكثير من الرسائل الموجهة نحو قضية تغير المناخ؛ والتي سمعناها على مرّ عقود، تتمحور حول أننا جميعاً بحاجة إلى تحمل المسؤولية عن الانبعاثات، وأن استخدامنا للسيارات الكهربائية سوف يجعلنا جميعاً مسؤولين. المعنى الضمني الذي تنطوي عليه تلك الرسائل هو أننا يجب أن نشعر بالذنب تجاه هذه القضية، لكننا بارعون في التخلص من تلك المشاعر لأننا جميعاً لا نرغب في الشعور بالسوء تجاه أنفسنا. لدينا تحيّز تجاه الشعور بالذنب، ونجيد حقاً تجنبه، لذلك نقلل من أهمية القضية وفقدان الضحايا، ونتلاعب بحقيقة أن هناك الكثير من عدم اليقين للتخلص من الشعور السيئ حيال الأمر.

أظهرت الدراسات اتجاهات أخرى مماثلة، فمن المرجح أن يتجنب الناس معرفة مخاطر السمنة لديهم إذا كان ذلك يُلزمهم باتّباع حمية تعتمد على الحبوب إلى الأبد، ومن المحتمل أن تختار النساء عدم اكتشاف مخاطر الإصابة بالانتباذ البطاني الرحمي إذا تطلب الأمر فحص عنق الرحم.

على الرغم من أن الناس يتجنبون المعلومات التي تجعلهم يشعرون بالسوء، لكنهم ينجذبون إلى تلك المرتبطة بالمشاعر السارة. على سبيل المثال، الشعور بالرهبة أو الدهشة الذي يترافق مع رؤية المناظر الطبيعية الرائعة أو غروب الشمس، يجعلنا ننفتح على التواصل مع الآخرين لأننا نشعر بأننا أبسط وأكثر ارتباطاً مع من حولنا. يقارن فيلم «إنسان» (Human)؛ للمخرج يان آرثس-بيرتراند، بين مناظر طبيعية خلابة وصوراً من جميع أنحاء العالم لمحادثات بين أفراد من ثقافات ووجهات نظر مختلفة يشاركون قصصهم، إنه يوضّح بعمق قوة الرهبة التي تجعلنا ننفتح على أفكار جديدة، كما يُظهر البحث الذي أجرته ميلاني رود؛ الباحثة في سلوك المستهلك في «جامعة هيوستن»، وزملاؤها كيف أنّ الشعور بالرهبة يمكن أن يساهم إلى حد كبير في الانفتاح على التعلم والاستعداد للانخراط بأعمال تطوعية.

قد يكون الشعور بالفخر مؤثراً بشكل استثنائي، فقد وجد الباحثون أن الأشخاص الذين توقعوا الشعور بالفخر لمناصرة قضايا البيئة كانوا أكثر احتمالاً لاتخاذ إجراءات إيجابية مقارنة بأولئك الذين توقعوا الشعور بالذنب لفشلهم في فعل ذلك.

أصبحت العديد من المؤسسات والحركات الاجتماعية تتّبع نهج استدعاء المشاعر السّارّة ذات التأثير الكبير، فقد ركزت مؤسسة «غرينبيس» (Greenpeace) على سبيل المثال، على تعزيز الأمل بدلاً من الشعور بالخوف أو الغضب أو الذنب. عُرفت المؤسسة خلال السنوات الأولى من عملها بإطلاق حملات غاضبة من قِبل مجموعة صغيرة من أنصار البيئة الذين كانوا يكبّلون أنفسهم بالأشجار لإظهار غضبهم تجاه المعتدين عليها، لكن المؤسسة تحولت إلى اتّباع استراتيجية تعزز التفاؤل وتلهم الآخرين، وتتضمن استراتيجيتها الجديدة هذه الكلمات: سندفع مليار شخص آخر نحو التغلب على المستحيل من أجل إنقاذ العالم، وسنروي القصص باستخدام لغة متفائلة وجريئة تنطوي على روح الدعابة. سوف نتمرد على النمطية ونسخّر الجمال في وجه نهج الكآبة المتبع سابقاً.

يدرك خبراء استراتيجيات التواصل أنه يتعين عليهم توخي الحذر عند تحديد أهدافهم والمجتمع المستهدف، وعلينا استخدام الطريقة ذاتها مع المشاعر التي نختار استحضارها، إذ يمكن لكل نوع منها أن يقود الناس إلى أفعال مختلفة، ويمكن أن تكون المشاعر السّارّة مؤثرة على نحو خاص. عندما تفكر فيما تريد أن يؤمن الناس به ويفعلونه، اختر استحضار المشاعر الطيبة.

كيفية تطبيق هذه الرؤية: فكر فيما تحاول إقناع الناس به وكيف سيشعرون عند ممارسته، ثم خذ بعين الاعتبار القصص التي تجعلهم يشعرون بتلك المشاعر السّارّة.

المبدأ الرابع: تصميم دعوات مؤثرة

«وقّع على عريضتنا»، «تابعنا على فيسبوك»، «انقر هنا للمزيد من المعلومات»، هل تبدو هذه العبارات التي تحث المستخدم على اتخاذ إجراء معين مألوفة؟ على الرغم من شيوعها، فإنها لا ترشد الجمهور نحو كيفية إحداث الفرق. قد تُشعر تلك العبارات الناس بأن جهودهم لن يكون لها تأثير يُذكر؛ إنها لا تلهم على الإطلاق.

من المحتمل أن تؤدي الدعوات لاتخاذ إجراء معين؛ والتي تجعل الناس يشعرون بأنهم لن يحدثوا فرقاً في القضية، إلى التقاعس عن فعل أي شيء.

يسهل أيضاً الخلط بين الأهداف والعبارات التي تحث المستخدم على اتخاذ إجراء، ومن المهم تمييز الفرق بينهما، على سبيل المثال، سعت حملة مقاطعة الحافلات في مونتغومري بين عامي 1955 و1956؛ التي استهدفت «قوانين جيم كرو» في النقل العام، إلى إنهاء الفصل العنصري في نظام الحافلات كخطوة نحو إنهاء العنصرية، لكن الدعوة إلى اتخاذ إجراء لم تكن «إنهاء الفصل» أو «إنهاء العنصرية». كيف سيعلم المجتمع كيفية فعل ذلك بطريقة منظمة واستراتيجية؟  كانت العبارة المستخدمة للدفع نحو اتخاذ إجراء هي «لا تركب الحافلة»، وقد تجاوب الناس معها من خلال ركوب الدراجات، أو التشارك في ركوب سيارة واحدة، أو المشي.

إذاً، كيف نصمم دعوات تحفز الناس على اتخاذ الإجراءات وتحقق تقدماً كبيراً نحو هدفنا؟ تتبع الدعوات المحفزة ثلاث قواعد؛ وهي أن تكون محدَّدة، وتصف للمجتمع المستهدف كيف سيساهم الحل المطروح في إنهاء المشكلة، وتوضّح له كيفية تطبيقها.

أولاً، اجعل دعوتك لاتخاذ إجراءات ملموسة ومحددَّة للغاية، في إحدى الدراسات، صممت أستاذة التسويق ميلاني رود وزملاؤها دعوتين مختلفتين للعمل إلى مجموعتين مختلفتين. طُلب من إحدى المجموعات «دعم تحقيق الاستدامة البيئية»، وطُلب من المجموعة الأخرى «زيادة كمية المواد أو الموارد التي يُعاد تدويرها أو استخدامها». كان لدى المشاركين السبعين 24 ساعة لإكمال مهامهم، وفي أحد استطلاعات المتابعة، قيّم الباحثون مدى سعادة المشاركين بأفعالهم. أعرب أولئك الذين لديهم هدف ملموس يتمثل في زيادة الموارد لإعادة التدوير عن سعادة أكبر، كما أجرى الباحثون تجارب مماثلة غايتها «إسعاد شخص ما» مقابل «جعل شخص ما يبتسم» و«منح أولئك الذين يحتاجون إلى عمليات زرع نخاع العظم أملاً أكبر» مقابل «منح أولئك الذين يحتاجون إلى تلك العمليات فرصة أفضل للعثور على متبرع». استخلصت رود وزملاؤها بأن الدعوات الملموسة لاتخاذ إجراء معين تجعل الناس أكثر سعادة لأن الفجوة بين توقعاتهم والواقع تصبح أصغر، لقد شعروا بالرضا عما تمكنوا من تحقيقه. يرى الباحثون أنه عندما يكون الناس أكثر رضا وسعادة عن أفعالهم، فمن المرجح أن يقدموا المساعدة مرة أخرى.

ثانياً، يحتاج الناس إلى معرفة كيف يمكن للإجراءات التي يتخذونها أن تساهم في حل المشكلة، فمن المرجح أن تسفر الدعوات التي تجعل الناس يشعرون كما لو أنهم لن يحدثوا فرقاً جوهرياً في القضية، إلى الانسحاب أو عدم الاستجابة. يقول بول سلوفيتش؛ وهو عالم نفس اجتماعي بـ«جامعة أوريغون» ورئيس «معهد أبحاث علوم اتخاذ القرارات» (Decision Science Research Institute)، وزملاؤه إنه عندما يشعر الناس أن أفعالهم لن تحدث فرقاً، فإنهم أقل ميلاً لاتخاذ الإجراءات المطلوبة. تطغى المشاعر السلبية على تلك الإيجابية إذا تملّكت شخصاً تجاه عمل معين، ويشير الباحثون إلى هذا بأنه «الشعور الزائف بعدم الفاعلية». في إحدى الدراسات، وجد سلوفيتش وزملاؤه أن احتمال مساعدة الناس لطفل واحد محتاج أكبر مقارنة بمجموعة من الأطفال، لأنه مع زيادة عدد الأطفال، يتناقص شعور الناس بالفاعلية والتأثير. في دراسة أخرى، عندما طُلب من الناس التبرع لطفل واحد يواجه المجاعة، انخفض عدد التبرعات لأن الناس أصبحوا أكثر وعياً بأن هناك ملايين الأطفال الذين سيظلون بحاجة إلى المساعدة. كتب عالم النفس الاجتماعي بـ«جامعة ستانفورد»؛ ألبرت باندورا: «تمثل المعتقدات المتعلقة بالفاعلية على المستوى الشخصي العامل الرئيسي لتفاعل البشر، فإذا اعتقد الناس أنه ليس لديهم القدرة على تحقيق النتائج، فلن يحاولوا في المقام الأول».

ثالثاً، يحتاج الناس إلى معرفة كيفية اتخاذ الإجراء التي طلبته منهم، وأن يكونوا قادرين على دمجه بسهولة في روتينهم اليومي وعاداتهم. إذا لم يتم دمج الدعوة لاتخاذ إجراء بسهولة في الحياة اليومية لمجتمعك المستهدف أو أنها لا تتحقق بسهولة، فقد لا يتخذون أي إجراء. عند صياغة هذا النوع من الدعوات، سيكون من المهم أن تفهم عادات المجتمع المستهدف وروتينهم. لقد نجح تحدي «دلو الثلج» (Ice Bucket) لاتباعه هذا النهج؛ فقد انتشرت الحملة على وسائل التواصل الاجتماعي وأقنعت الناس بنشر مقاطع فيديو لأنفسهم وهم يسكبون الماء المثلج فوق رؤوسهم لجمع الأموال بغاية إجراء المزيد من الأبحاث حول مرض التصلب الجانبي الضموري. يتصفّح الناس عادة قصص الأفراد المحيطين بهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وتُعدّ دعوتهم لنشر مقاطع فيديو لأنفسهم وهم يسكبون الماء المثلج على رؤوسهم والتبرع بالمال لإجراء المزيد من الأبحاث حول مرض معين وترشيح الآخرين ضمن شبكاتهم الاجتماعية، متداخلة في صلب عاداتهم. يقول ساندر فان دير ليندن؛ عالم النفس الاجتماعي بـ«جامعة كامبريدج»، أن هذه الحملة انتشرت على نطاق واسع لأنها تستفيد من العادات النفسية للأفراد؛ بما في ذلك الانخراط في سلوك معين لكي يتلاءموا ويتبعوا معايير المجتمع الذي ينتمون إليه، وبسبب رغبتهم في الشعور بالرضا عن الأفعال الفردية، سواء على المستوى الشخصي؛ وهو المشاركة، أو على المستوى الخارجي؛ وهو تلقّي الإعجابات والتعليقات.

كيفية تطبيق هذه الرؤية: أعد النظر في الدعوات التي صممتها، هل تطلب من الأفراد ضمن المجتمع المستهدف أن يفعلوا شيئاً محدداً يعنيهم، ويربطهم بالقضية، ويعلمون كيف ينجزونه؟

يمكنك استعراض المبدأ الخامس والأخير من هذه المبادئ، عبر المقالة الأخيرة من هذه السلسلة سرد القصص المؤثرة لجذب انتباه الجمهور للقضايا الاجتماعية.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي