قد فشلت محاولاتي لتوسيع نطاق عمل مؤسسة مجتمعية غير ربحية ناجحة، ولكن تجربتي ستكون مفيدةً لرواد المشاريع الاجتماعية والأعمال الخيرية على حد سواء.
ففي عام 2020 أغلقت مؤسسة إسبيرانزا سان فيليبي، وهي منظمة غير ربحية كنت قد أنشأتُها قبل سبع سنوات، وكان البعض يظن، بمن فيهم أنا، أنها تملك الحل السحري لواحدة من أكثر مشاكل العالم استعصاءً وهي مشكلة عنف العصابات. فقد استطاعت إسبيرانزا حل أربع عصابات شوارع في أحد أحياء مدينة بنما ما حقق نتائج اجتماعية إيجابية للعديد من أعضائها. وعلى الرغم من نجاحها لم تستطع هذه المنظمة تحقيق الاستمرارية والاستدامة، أو تنظيم عملياتها أو حتى توسيع نطاق عملها وذلك لمعالجة مشاكل العصابات الأكبر حجماً الواقعة على بعد بضعة شوارع فقط، فكيف بالتوسع على المستوى الدولي كما أمِلنا ذات مرة. وعلى الرغم من فشلنا بالتوسع فقد حققنا الكثير من الإنجازات، والدروس التي تعلمناها في هذه الرحلة ستكون مفيدةً لرواد المشاريع الاجتماعية والأعمال الخيرية على حد سواء.
البداية النجاح في منظومة مجتمعية واحدة
لقد أنشأتُ إسبيرانزا بنفس المكونات الرئيسية الثلاثة لأي مشروع ريادي اجتماعي: الدافع شخصي لحل مشكلة مستعصية على الحكومة والقطاع الخاص، ورؤية ريادية لكيفية القيام بذلك، وقاعدة يمكن الانطلاق منها لتحقيق تلك الرؤية.
وقد شكل حدث مأساوي دافعاً عاطفياً لدي، حيث قُتل صبي صغير أمام منزلي في سان فيليبي، وهي المنطقة القديمة في مدينة بنما حيث عشت وعملت على مدار العشرين عاماً الماضية.
والأهم من ذلك، كان لدي قاعدة صلبة للانطلاق منها وهي شركة كونسيرفاتوريو الاستثمارية، التي كانت تدير مشاريع بناء في المنطقة ذاتها. وكانت لدينا خبرة جيدة في توظيف أعضاء عصابات سابقين متخرجين من برنامج إصلاحي حكومي محلي. وقدمت شركتي الموارد بالإضافة إلى أشخاص للتواصل ضمن الحي. وأصبح اثنان من هؤلاء الأشخاص شركائي في المشروع، أحدهما غيلبرتو تورو، وهو رجل متدين في العقد السادس من العمر وقاد سابقاً برنامجاً إصلاحياً حكومياً للعصابات، والآخر مات لانداو، وهو أحد الجيران ومتخصص تسويق، وقد شاركني مشاعر الغضب من القتل غير المنطقي الذي كان يحدث في حينا.
كانت البداية متواضعة بدأت إسبيرانزا عملها مع العصابات في منطقة نامية حيث كان لدى السكان وأصحاب الأعمال اهتمام واضح بدعم البرنامج. وكنت كلما اجتهدت في العمل أكثر، كانت النتائج أفضل. استجاب المستفيدون بشكل جيد بسبب الكرامة التي شعروا بها عبر تعاملهم المباشر مع مدير شركة. وقد خصصت وقتاً خاصاً لطرح الأفكار باستمرار مع غيلبرتو حيث ابتكرنا عدداً لا يحصى من الحلول لمشاكل معقدة ومترابطة لم يتوفر لها حلول معروفة. وكان مات موهوباً في جمع التبرعات ما ضمِن لنا تغطية النفقات.
وكانت النتائج الأولية رائعة. حيث بدأ العمل الذي استمر 12 أسبوعاً برحلة للغابات لمجموعة كاملة وذلك في نهاية كل أسبوع. وكانت هذه هي المرة الأولى بالنسبة للعديد من أفراد العصابات التي يسيرون فيها في غابة أو يسبحون في نهر، أو حتى يغادرون أحياءهم. وتطورت منهجيتنا مع كل مرحلة عمل، ونجحت منذ البداية بشكل رائع لدرجة أن كل مجموعة من المجموعات الأربع الأولى اتخذت خطوات جريئة للتخلي عن هويتها كعصابة، والتسامح مع خصومها، واتخاذ قرارات جريئة للدخول إلى سوق العمل الشرعي.
كان العمل ممتعاً وأحببت الحلول المبتكرة للمشاكل والاستثمار في القوة الهائلة للعمل الجماعي. وكانت حفلات التخرج في إسبيرانزا مليئة بقادة المجتمع وكبار الشخصيات الذين ساعدوا على تعزيز أهداف عملنا. وأدرك الحاضرون أن معظم أعضاء العصابات ليسوا مجرمين وأعداءً للمجتمع، بل هم مجرد شباب ولدوا في ظروف صعبة. في تلك الأيام الأولى شعرنا أننا على وشك تحقيق إنجاز كبير.
وقبل أن نحاول التوسع بأعمالها، عملت إسبيرانزا مع جميع العصابات الأربع التي كانت تسيطر في السابق على حي سان فيليبي، الذي كان يعد منطقة غير آمنة في السابق لاحتوائه على العصابة الأكثر شهرة، التي تحولت بدورها إلى شركة سياحية ناجحة حولت أعضاءها إلى أبطال محليين.
ووصلنا إلى مرحلة كان فيها 70% من خريجينا إما يعملون وإما يديرون أعمالهم الخاصة وهو مقياسنا البسيط للنجاح، بتكلفة أقل من 6,000 دولار لكل فرد من أفراد العصابة المعاد دمجهم بسوق العمل. ومقارنةً بمبلغ 9,000 دولار الذي تنفقه بنما على كل سجين سنوياً. كانت صفقة رابحة للجميع!
واليوم، لا يعرف زوار سان فيليبي أن الأسماك التي يتناولونها في المطاعم المحلية مورّدة من شركة خوان أسيفيدو، تاجر المخدرات السابق، الذي يمتلك الآن شركة هوب سيفود، وهي شركة أسماك طازجة. ولا يدركون أن موسيقى الريغي التي يسمعونها في النوادي من إنتاج نيكولاس "سوبرنيك" ميركادو، الذي أطلق النار على خصمه أمام مكتبي مباشرة. أو أن المحامي الأنيق الذي يقود سيارة تويوتا جديدة هو جافيت جليسانت، عضو مؤسس في عصابة هيجوس بروديغوس المنحلة.
كلها قصص نجاح عظيمة، لكن الإحصاءات اليوم تروي قصصاً مختلفة. فالآن، ما يزيد قليلاً على 30% من خريجي إسبيرانزا يعملون أو يديرون أعمالهم التجارية الخاصة. أما البقية فقد قضوا في السجن أو عادوا للجريمة. لو لم نحاول التوسع، أنا متأكد من أن معدل نجاحنا كان سيظل قريباً من ذروتنا. وذلك يقض مضجعي ويجعلني أفكر ملياً كيف وأين أخطأنا.
منتصف الرحلة: التوسع والتنظيم في آن واحد
أتذكر أن المشكلة بدأت عندما لم نعد ننظر لأنفسنا كمنظمة مجتمعية همها الوحيد هو تعلم كيفية حل مشكلة كبيرة في حي صغير. وبدأت بالاعتقاد أن إسبيرانزا لديها الحلول لمشكلة العصابات بشكل أوسع. ونمت في داخلي العجرفة في كل مرة طُلب مني فيها تقديم إسبيرانزا في منتدى أو مقابلة منظمة غير حكومية أو دولية؛ وأصبحت مفاهيم مثل "قوة التأثير" و"التوسع" و"نقل المعارف" جزءاً من حديثي اليومي.
وأخذنا بالتوسع التدريجي لنصل إلى 15 مبنىً خارج قاعدتنا في سان فيليبي إلى حي سانتا آنا المشهور بقسوته، وهناك واجهنا بيئة عصابات مختلفة تماماً. وكان لا بد من تغيير طريقة العمل التي كانت في سان فيليبي، فبدلاً من المسير وأخذ الدروس في الهواء الطلق، استخدمنا وسائل نقل باهظة الثمن ومرافق آمنة ومكيفة. وأصبح التوظيف، وهو دائماً أحد أكبر التحديات التي نواجهها، أكثر صعوبة نظراً لارتفاع مستويات الصدمات والأمراض النفسية، الأمر الذي يتطلب وجود متخصصين نفسيين أكثر خبرة ويعملون تحت ضغط أكبر في ظروف أكثر خطورة. بالإضافة إلى موظفين برواتب عالية لإدارة المنح. لقد أدى التوسع إلى ارتفاع كبير في التكاليف والتعقيدات بينما انخفضت فعالية الأداء.
لقد كنت أعلم منذ البداية أن التأثير البسيط على ثقافة عصابة سانتا آنا المتجذرة سيستغرق سنوات من الزمن ومئات الآلاف من الدولارات أكثر بكثير مما تغطيه المنحة، لكن الإغراء كان كبيراً جداً. فقد اتصل بنا زعماء عصابات سانتا آنا لمناشدتنا للبدء بالعمل معهم، الأمر الذي أذهل فريق العمل وغمره بالسعادة. لكنني كمؤسس إسبيرانزا شعرت بالضغط للحفاظ على إمداد فريق العمل واستمرار قصة النجاح.
وحاجتنا في ذاك الوقت إلى دليل عمل جديد كان أمراً مثير للسخرية لأننا كنا قد قبلنا في وقت سابق منحة منفصلة لتنظيم خبرتنا العملية ومشاركة منهجية إسبيرانزا دولياً. لم نتمكن حتى من تصدير ما تعلمناه عن العمل الميداني إلى الحي المجاور، فكيف نصدّره إلى العالم!
وكلمة رنانة أخرى أثبتت صعوبة تحقيقها كانت "الاستدامة". عندما بدأنا كانت الاستدامة تعني فقط أن تكون بارعاً في حملات التبرع وأحداث البريد الإلكتروني، وذلك ما تميّز به زميلي مات. ولكن عندما بدأنا بالانتقال إلى عالم المانحين المحترفين، اكتشفنا مجتمعاً مموِلاً ذا نفور كبير من "إنشاء التبعيات". وقادنا ذلك إلى استكشاف المزيد من استراتيجيات التمويل الغريبة، مثل سندات التأثير، ومشاركة النفقات مع المؤسسات الأخرى، وإطلاق زي خاص مزود بشعار دبوس صدر بقيمة 25 دولاراً.
ولكن لم تؤت أي من هذه المبادرات ثمارها، ولطالما قمت شخصياً بتمويل النقص في ميزانية إسبيرانزا في أثناء تولي دور كبير جامعي التبرعات الذي كان مات قد شغله سابقاً. وكان من الصعب الحفاظ على الالتزامات المالية والزمنية المطلوبة، وكل ذلك كان قبل أن يضرب كوفيد-19 ضربته.
النهاية كشف الوباء عن هشاشتنا
ضرب كورونا بنما بقوة. وعلّقت الحكومة الإيجارات وأوقفت معظم أعمال التجارة والبناء لمدة سبعة أشهر. وانخفضت عائدات شركتي بنسبة 90% بين عشية وضحاها، لكن النفقات والديون بالطبع لم تنخفض. وفجأة احتاجت شركتي كونسيرفاتوريو، وهي الأساس الذي اعتمدت عليه لإنشاء إسبيرانزا في البداية، إلى كامل رأسمالي واهتمامي لتبقى على قيد الحياة.
وبعد بضعة أسابيع محمومة من عمليات إرسال الطعام إلى أكثر المستفيدين حاجةً، أدركت خطورة الوباء واتخذت قراراً بإغلاق إسبيرانزا والتركيز على إنقاذ كونسيرفاتوريو. كانت منح إسبيرانزا قد نفدت في ذلك الوقت، وكانت بنما في حالة إغلاق كامل ما جعل منهجيتنا القائمة على الحصص الدراسية مستحيلة. وكان قرار إغلاق إسبيرانزا أسهل إلى حد ما لأن الإغلاق العام في بنما قلل من عنف العصابات إلى ما يقرب من الصفر، وضمن برنامج الغذاء الوطني تلبية الاحتياجات الأساسية للمشاركين لدينا.
وإلى اليوم وأنا على اتصال بالكثير من خريجي إسبيرانزا. وتسعدني القدرة على مساعدتهم في الأشياء الصغيرة لكنني أشعر بالأسف لأنني لم أعد أمتلك البنية التحتية الكافية للتعامل مع المشاكل الكبيرة. وفي النهاية أدركت أن إسبيرانزا كانت مجرد برنامج له دورة حياة وآمل أن يكون قد ترك إرثاً رائعاً من العلاقات، وتغيير المفاهيم، وإنقاذ الأرواح.
العبرة من هذه الحكاية
إن الفكرة المثالية لـ "بطل المجتمع الخارق" الذي "ينظم" نفسه، و"يتوسع" عالمياً، ويحقق "الاستدامة" فكرة ملهمة لأنها توفق بين قيمنا السوقية الحرة التي تركز على رواد الأعمال ورغبتنا في رؤية عالم أفضل. وعلى الرغم من حمل هذه الكلمات الجذابة مفاهيم مفيدة وضرورية في مبادئ كل رائد أعمال اجتماعي، لا ينبغي اعتبارها حتمية. لذا أود أن أقدم النصائح التالية لرواد الأعمال الاجتماعيين في المراحل الأولى من بناء أي منظمة غير ربحية:
لا عيب في التركيز على الجودة على حساب الكمية
قد يتطلب ذلك مراجعة الذات بالنسبة لبعض القادة، وبالنسبة للآخرين قد يعني فقط أن يكونوا أكثر ابتكاراً في تحديد معنى النجاح. أما بالنسبة للممولين فذلك يعني التغلب على الخوف من تكوين التبعيات والاعتزاز بالالتزام الطويل الأجل بالمنظمات الفعالة بغض النظر عن حجمها.
الاعتماد على التبرعات ليس خطيئة
أهدرت إسبيرانزا الموارد والوقت الثمين في محاولة أن تصبح مؤسسة اجتماعية مستدامة، وكان ينبغي استثمار هذه الموارد لاحقاً في بناء قاعدة مانحين أوسع وأكثر موثوقية وأكثر اتساقاً. فالاستدامة تعني ببساطة أن تكون جيداً جداً في طلب التبرعات. بالنسبة للعديد من المنظمات غير الربحية.
إن الاعتقاد أنك تستطيع فعل أي شيء أمر رائع، لكن الحماقة تكمن في اعتقادك بأنك تستطيع فعل كل شيء. لقد حاولت توسيع النطاق الجغرافي وعمليات إسبيرانزا وكونسيرفاتوريو، وهما منظمتان مبتكرتان ومعقدتان. فجميع رواد الأعمال متفائلون بطبيعتهم، وفي كل أعمالي ودوائر التأثير الخاصة بي، اندفعت للتفكير الطَموح. كان علي أن أفكر بطريقة عملية أكثر.
لست مضطراً إلى مغادرة عالم الأعمال بهدف دعم المجتمع
لست نادماً على إنشاء إسبيرانزا، لكنني أيضاً لن أتردد في توصية أي شخص في نفس الوضع لمضاعفة الجهود في شركاته الأساسية. قد يكمن ضمان مستقبل أفضل في قيام المزيد من الشركات الاستثمارية بعملها بطرق مسؤولة.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.