من التكنوقراطية إلى السياسة العملية

من التكنوقراطية للسياسة
www.unsplash.com/ Aditya Joshi
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

شاركت مؤخراً في مناقشة عبر البريد الإلكتروني سلطت الضوء على ما أراه عقبة أساسية في وجه تحقيق تغيير ملموس في السياسات البيئية. ما أثار النقاش هو تساؤل أحدهم: لماذا يبدو أن إدرك الناس بل المجتمع عموماً “يتوقف” عندما يتعلق الموضوع بالتغير المناخي؟ فيقولون مثلاً “ماذا لو كنت متوهّماً أكثر من أي شخص آخر؟ وإذا كنت فعلاً كذلك، فما هي الحقائق الواقعية أكثر التي تتبناها الأغلبية؟” وكما كان متوقعاً أبدا صاحب التساؤل حسرته بسبب غياب القيادة السياسية في تحقيق التغيير.

كان ردي على رسالته الإلكترونية أن المهتمين منا بتحقيق التغيير في القضايا البيئية هم بالفعل واهمون، ولو جزئياً، وأشرت أنه من حسن حظنا أن الكثير منا يعيش ضمن أنظمة ديمقراطية فعالة. لذا يجب أن تكون لدينا القدرة على تحويل أفكارنا إلى سياسة عملية، أي أننا بحاجة إلى برنامج سياسي قادر على كسب الأصوات، وبالتالي كسب السلطة اللازمة لإحداث تغيير حقيقي. لكن حتى الآن لم ننجح في ذلك، فالبرامج الانتخابية المناصرة للبيئة وهيكليتها الحالية لن تكسب أصواتاً كافية لإحداث أي فرق، ولا فائدة من إلقاء اللوم على القيادة الضعيفة أو القوة والمال المكتسبين من صناعة الوقود الأحفوري أو ملايين الأسباب الأخرى لنريح ضمائرنا.

أعتقد شخصياً أن العديد من السياسيين لديهم الرغبة في اتخاذ خطوة ما بشأن التغير المناخي وقضايا الاستدامة الأخرى، لكنهم لم يكتشفوا الطريقة بعد، ومع ذلك يُعاد انتخابهم. هل ساعدناهم على تحقيق هذه الرغبة؟ إحدى الإجابات المعتادة عن هذا السؤال هي: “لو كانوا قادة حقيقيين لاتخذوا الخطوات اللازمة دون القلق بشأن إعادة انتخابهم”. هذا الموقف ليس مجدياً على أرض الواقع.

بعدها شارك صديق في المناقشة بسؤال: “ماذا لو كان من المستحيل وضع مجموعة خيارات سياسة واضحة وقابلة للتطبيق سياسياً يمكنها حشد تأييد شعبي ضخم في ظل الظروف الثقافية والسياسية والأيديولوجية الحالية، فهل سيكون ذلك ذنب نلام عليه؟”

حسن، إذا لم يكن ذلك ذنبنا، فذنب من هو؟ يبدو أن هذا المنطق في التفكير يعيدنا مباشرة إلى نفس الموقف الإشكالي؛ نحن القلة المُحِقة، وبقية المجتمع مخطئ، أو مخدوع، أو يتجاهل الحقيقة. تسهم طريقة التفكير هذه في ما أسميه عقلية الناشط التكنوقراطي. كنت قد ناقشتُ قضايا الناشطين في منشور سابق في مجلة ستانفورد للابتكار الاجتماعي، وتجسد هذه المناقشة مشكلة التكنوقراطية التي تكمن في صميم سبب إحساس الكثير من أصحاب الخبرات التقنية المتمرِسين بالإحباط من الطبقة السياسية.

يرى الشخص التكنوقراطي أن العلماء والخبراء يعرفون الإجابة، ويسلمون بأنها الإجابة الصحيحة عملياً حتى لو كان الأمل في إمكانية تطبيقها سياسياً معدوماً، فهذا لا يهم التكنوقراطي الذي يوقِن بوجود إجابة صحيحة وبأنه يعرفها. ومن ناحية أخرى يرى السياسي القضية من زاوية معاكسة كلياً؛ لا يمكنك صنع التغيير دون الوصول إلى السلطة والمحافظة عليها، إذاً فالوصول إلى السلطة هو الغاية الرئيسية، ويجب أن تركز البرامج السياسية في المقام الأول على الوصول إلى السلطة وليس على أن تكون مُحِقة من الناحية العملية إن صحّ القول.

الحركة البيئية في الأساس هي حركة تكنوقراطية ناشِطة، فهي تجمع بين الاستياء والتحليلات العلمية والتقنية التي تولد الكثير من الأفكار اللامعة والنهج الإبداعية، لكني لا أرى الكثير من المبادرات تركز على تحويل هذه الأفكار إلى سياسات عملية. لا أعني بالسياسة العملية كسب تأييد واشنطن بتقديم الأموال كما هو الحال مع مشروع قانون تحديد الانبعاثات وتداولها، بل أعني التنمية البطيئة والدؤوبة لبرنامج سياسي قادر على كسب أصوات حقيقية على نطاق واسع، وبالتالي الوصول إلى السلطة التي يحتاج إليها.

في النهاية، يجب تحويل كل الأبحاث والعلوم والنظريات والاستياء إلى سياسات على أرض الواقع، ويجب أن نوجّه المزيد من الموارد المهمة المتاحة نحو تحقيق هذه الغاية.

اقرأ أيضاً: مواءمة السياسات العامة لصالح مبادرات تحقيق الأثر الجماعي

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.