تكشف الأزمات والكوارث عن مدى قوة المؤسسات الخيرية وقدرتها على إدارة المخاطر وتخفيف العبء عن كاهل المجتمعات المتضررة، ولعل الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب شرق تركيا وشمال سوريا في 6 فبراير/شباط 2023، كان إحدى أكبر الكوارث الإنسانية التي تسلط الضوء على أهمية الجهود الإغاثية التي تقدمها هذه المؤسسات. يُعد الهلال الأحمر الإماراتي من المؤسسات التي كان لها الدور البارز في الحد من تداعيات الكارثة على المتضررين. فما الجهود التي بذلها لتحقيق ذلك؟ وما الآلية التي يتّبعها في تقديم المساعدات؟
مخيم إيواء وحملات إغاثية
أوضح الأمين العام لهيئة الهلال الأحمر الإماراتي، حمود عبد الله الجنيبي لستانفورد للابتكار الاجتماعي، أنه منذ وقوع كارثة الزلزال تدخلت الهيئة عبر عدة مبادرات تتمثل أساساً في:
- تسيير سفينتَيّ مساعدات إلى ميناء اللاذقية، وتعد الشحنة الثانية الأكبر من نوعها، حيث حملت أكثر من ألفيّ طن من المواد الغذائية والإغاثية ومواد البناء.
- تسيير 240 طائرة إلى تركيا وسوريا محمّلة بمساعدات إغاثية وصلت إلى 9,940 طن في إطار عملية "الفارس الشهم 2" التي تمت بالتنسيق مع وزارة الخارجية والتعاون الدولي ووزارة تنمية المجتمع والمؤسسات الإنسانية الإماراتية.
- إنشاء مخيم إيواء للمتضررين في اللاذقية يضم 50 خيمة، ويتّسع لـ 300 شخص، ومجهّز بالأغطية والأسرّة، ومزوّد بالطاقة الشمسية للإنارة.
- تنظيم حملة جسور الخير بالتعاون مع مؤسسة مبادرات الشيخ محمد بن راشد العالمية، لتجميع حزم الإغاثة من المواد الغذائية والصحية وتعبئتها لإيصالها إلى المناطق المتضررة عبر جسر الإمارات الجوي.
ويؤكد الجنيبي إن الهيئة تحركت بشكل عاجل لتلبية الاحتياجات الفعلية للمتضررين، وحرصت على تقديم المساعدات للجميع من دون تمييز على أساس النوع أو العرق أو الطائفة، ترسيخاً لمبدأ الأخوّة والتعايش المشترك.
رحلة المساعدات
لكن كيف تبدأ عملية تقديم المساعدات عادةً؟ وما المراحل التي تمر بها للوصول إلى المستفيدين وضمان تأثيرها؟
غالباً تبدأ رحلة المساعدات، حسب الأمين العام لهيئة الهلال الأحمر الإماراتي، من النداءات الإنسانية التي تصدرها الدول والمؤسسات الإنسانية المحلية والدولية في المناطق المتأثرة، لتعمل الهيئة بدورها على تلبية تلك النداءات من خلال الدراسة والتقييم والتخطيط، ثم توفير الاحتياجات المطلوبة سواء كانت غذائية أو صحية أو غيرها، ونقلها جواً أو بحراً إلى المناطق المتأثرة.
وفي الحالات المستعجلة، يقول الأمين العام إن هيئة الهلال الأحمر الإماراتي تسعى إلى اختصار الوقت عبر إتاحة الاحتياجات الإغاثية من الأسواق المحلية في الدول المتضررة إذا كانت متوفرة، إضافةً إلى إرسال الوفود لقيادة العمليات الإغاثية ميدانياً وضمان وصول المساعدات إلى المتأثرين مباشرةً وبالسرعة المطلوبة.
عناصر خلق تجربة إغاثية مميزة
تقدّم هيئة الهلال الأحمر الإماراتي تجربة مميزة في الأعمال الإغاثية وإيصال المساعدات إلى المتضررين، وتعتمد في ذلك على 3 عناصر أساسية:
1. التعاون والشراكات
تحتاج إدارة الأزمات إلى العمل التعاوني بين الشركات والحكومات وقطاع العمل الخيري بهدف الاستجابة لاحتياجات المتضررين، سواء تعلق الأمر بحملات توزيع الأدوية أو المواد الغذائية.
وعن هذه النقطة يقول الأمين العام لهيئة الهلال الأحمر الإماراتي، حمود عبد الله الجنيبي: "لدينا شبكة علاقات جيدة مع المنظمات الإنسانية الدولية جميعها، وللهيئة سمعة طيبة في المجال الإغاثي والإنساني إقليمياً ودولياً، وتربطنا اتفاقيات تعاون مع بعضها لتسهيل عملية التنسيق في حالات الكوارث والأزمات، وتنفيذ برامج ومشروعات تنموية في مختلف المجالات".
كما تعمل الهيئة على توسيع الأثر الاجتماعي لبرامجها ومبادراتها من خلال نسج العديد من الشراكات الاستراتيجية مع عدد من الجهات والمؤسسات، وذلك بهدف تعزيز جوانب المسؤولية المجتمعية لدى هذه المؤسسات، وحشد تأييدها لصالح القضايا الإنسانية.
وبذلك، يؤدي إتقان الاستراتيجيات المتّبعة خلال الأزمات؛ مثل تشكيل الشراكات الواسعة، إلى تحسين طريقة عمل المؤسسات الخيرية حتى بعد انتهاء الأزمة بزمن طويل.
2. العطاء المستدام
تتطلب مواجهة الأزمات تحقيق أثر مستدام، لذا يجب ألا يعتمد العمل الخيري على المساعدات فقط؛ وإنما على صنع تغيير ذي جدوى يساعد على تمكين المجتمعات وتعزيز قوتها. وعليه، تركّز الهيئة على تنفيذ مشروعات تنموية طويلة الأمد تسهم بدرجة كبيرة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للأسر المتضررة بفعل الكوارث والأزمات.
وبحسب الأمين العام للهيئة، فإن إقامة مشروعات إنتاجية صغيرة وتمليكها للأسر المتعففة والمتضررة بفعل الكوارث، يضمنان لها مستقبلاً أفضل ويحدّان من نسبة البطالة بين السكان المحليين، وبخاصة الشباب. ولذلك؛ نفّذت الهيئة عدداً من هذه المشروعات في فلسطين واليمن وأفغانستان وباكستان وأوغندا، وكانت تجاربَ ناجحة أسهمت في تحسين أوضاع المستفيدين منها.
3. توظيف التكنولوجيا
بات وجود التكنولوجيا في منظومة العمل الخيري أمراً ضرورياً لضمان الكفاءة والفعالية والسرعة في تقديم المساعدات والاستجابة للأزمات، لذا تُعد مبادرة التعليم عن بُعد التي أطلقها الهلال الأحمر في أعقاب جائحة كوفيد-19 في مخيمات اللاجئين والنازحين في عدد من الدول، من أهم تجارب الهيئة في مجال استخدام التكنولوجيا الحديثة.
ويرى الأمين العام للهيئة أن هذه المبادرة فتحت آفاقاً جديدة أمام مسيرة التعليم الإلكتروني عبر إيجاد نظام تعليميّ يعتمد على تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي لتلبية احتياجات الطلاب في المخيمات والفئات المجتمعية الأكثر هشاشةً، وضمان استمرار عملية تعليمهم رغم التحديات.
وفي مرحلة لاحقة، عزّزت هيئة الهلال الأحمر شراكتها الاستراتيجية مع المدرسة الرقمية؛ إحدى مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، لتعزيز فرص التعليم الالكتروني بطريقة ذكية ومرنة، في الدول التي تعاني تحديات كثيرة في مسيرة التعليم بسبب الأزمات والكوارث. ومؤخراً، وقّع الجانبان مذكرة تفاهم لإنشاء صندوق لتمويل برامج المدرسة الرقمية، وتوسيع مظلة الطلاب المستفيدين من خدماتها التعليمية حول العالم.
اكتسبت هيئة الهلال الأحمر الإماراتي خبرة كبيرة وكفاءة عالية في تقديم المساعدات في أثناء الكوارث والأزمات، ونجحت في أن تصنع فارقاً في مجال العمل الإنساني، وسارت على طريق التنمية وتحسين حياة الأفراد في مناطق الكوارث والنزاعات، لتواكب النمو المضطرد في حجم المساعدات الخارجية الإنسانية والتنموية التي تقدمها دولة الإمارات.