شكّل العمل الخيري جزءاً مهماً من مسيرة رجل الأعمال السعودي الشيخ سليمان بن عبد العزيز الراجحي، واقتصر بدايةً على الدعم المادي للمحتاجين إلى أن أنشأ لجنة خاصة بالأعمال الخيرية والدعوية، تحولت في عام 1929 إلى مؤسسة سليمان بن عبد العزيز الراجحي الخيرية، التي تركزت جهودها على دعم المؤسسات الخيرية المسجلة في السعودية بالمجالات التعليمية، والاجتماعية، والصحية والدعوية، والإعلامية.
أدركت المؤسسة أن العلاقة بين مشكلات العمل الخيري والإنساني، وطرق التفكير بالمبادرات والحلول الناجحة، تتعدى مجرد إنفاق الأموال على المشاريع، فركزت على تقديم الحلول والمساهمة في وضع السياسات الاجتماعية والاقتصادية، لتؤثر في حياة 4.2 مليون شخص.
هذا التأثير يعكس التزام المؤسسة بالمسؤولية الاجتماعية، والتي يمكن أن تتجلى في مجموعة من القضايا القانونية والاقتصادية والأخلاقية، مثل التنوع، ودوران الموظفين، والشفافية في إعداد التقارير، والممارسات الصديقة للبيئة.
أهمية المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات الخيرية
تمثل المسؤولية الاجتماعية بحسب مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة (World Business Council for Sustainable Development. WBCSD)، التزام الشركات المستمر بالتصرف أخلاقياً والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والعمل على تحسين الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم، والمجتمع المحلي والمجتمع ككل، وبينت دراسة سعودية بعنوان: المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص ودورها في التنمية المستدامة للمملكة العربية السعودية، أن هذا الالتزام يفيد في تقديم سلع ومنتجات صديقة للبيئة، وزيادة ولاء الموظفين، وتعزيز مصداقية الشركة وتحسين علاقتها بالمساهمين وأصحاب المصلحة.
في القطاع الخيري؛ تبنت المؤسسات غير الربحية نهج المسؤولية الاجتماعية للشركات لتلبية توقعات أصحاب المصلحة وتحسين الخدمات التي تقدمها لمجتمعاتها، إذ يوفر الالتزام بهذا النهج عدة مزايا، أبرزها:
- عندما تبذل المؤسسة غير الربحية جهداً لتحمل المسؤولية الاجتماعية؛ ستقطع شوطاً طويلاً نحو خلق مواقف إيجابية مع أصحاب المصلحة والمانحين، ما يعزز سمعة المؤسسة ويزيد ولاء المتبرعين، فتصبح المؤسسة قادرة على مواجهة الأزمات المالية بطريقة أفضل.
- من المهم لأعضاء مجالس إدارة المؤسسات غير الربحية مراعاة اهتمام قادة الأعمال بالمسؤولية الاجتماعية للشركات، لذلك فهم يبحثون عن الشراكة مع المؤسسات غير الربحية التي تعمل بالعقلية نفسها. عند التغاضي عن أهمية الحفاظ على الممارسات المسؤولة اجتماعياً؛ ستخسر المؤسسات غير الربحية تبرعات من مصادر مختلفة مثل الهدايا العينية، ومنح الشركات، والعمل التطوعي للشركات، لكن الالتزام بهذه الممارسات، سيعزز شعور الموظفين والمتطوعين بالرضا ما ينعكس إيجاباً على المساهمة في دعم المؤسسة ورسالتها.
- من النتائج الإيجابية أيضاً للمسؤولية الاجتماعية في المؤسسات غير الربحية، رفع نسبة التطوع، والتأثير في قرارات المانحين وصناع القرار من خلال الالتزام بالحوكمة ونشر تقارير التأثير الاجتماعي، إذ أكد 82% من المشاركين في دراسة أعدتها مبادرة بيرل عام 2018 بعنوان: حالة الحوكمة في قطاع العطاء الاجتماعي، منطقة الخليج، ضرورة تعزيز ممارسات الحوكمة داخل مؤسساتهم، ولفت 60% منهم إلى أهمية الشفافية في اتخاذ قرارات التمويل، وفي الوقت الذي أفاد فيه 85% من المشاركين بأن الجهات التي يمثلونها تلتزم بمبدأ الشفافية؛ تبين أن معظم المعلومات تتم مشاركتها داخلياً، وفي حال مشاركتها مع الأفراد والجهات المانحة، يكون ذلك من خلال نشر التقارير السنوية على المواقع الإلكترونية.
تعي مؤسسة سليمان بن عبد العزيز الراجحي الخيرية جيداً قيمة هذه المزايا. فكيف عززت مسؤوليتها الاجتماعية؟
دور سليمان الراجحي الخيرية في مجال المسؤولية الاجتماعية
تعمل مؤسسة الراجحي الخيرية لتكون نموذجاً ريادياً في المنح وتعظيم الأثر، وذلك من خلال ثلاث استراتيجيات رئيسة؛ هي: الارتقاء بالجهات الخيرية بالسعودية، وتبني المنح الاستراتيجي، والنفع المجتمعي.
لا يمكن لمؤسسة مسؤولة اجتماعياً أن تلقي باللوم على المتبرعين والمتطوعين لعدم منحها الوقت والمال الكافيين لإتمام مهمتها بنجاح؛ لذلك تركز المؤسسة على تنويع مصارف الإنفاق لتشمل كافة مسارات العمل التنموي الذي يعالج الاحتياجات ذات الأولوية في جميع مناطق المملكة.
وخلال 20 عاماً من التأسيس، حرصت المؤسسة على تطوير العمل الخيري بدءاً من المستفيد النهائي، ومروراً بمقدمي الخدمات من الجهات الخيرية غير الربحية وعقد الشراكات الفاعلة مع العديد من القطاعات، وشمل التطوير منظومتها الداخلية وبيئتها العملية والإدارية لصناعة نموذج ريادي متميز للعمل الخيري.
حافظت الراجحي الخيرية على سمة التحديث وتطوير منظومة المنح وفتح الأبواب أمام الشراكات الفعّالة، ما دفع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية إلى منحها تقييم 99% في معيار الحوكمة، كما تحرص المؤسسة على نشر تقارير التأثير الاجتماعي وجهود الاستدامة، كعملية سنوية للمراجعة وتقييم النوايا والرؤية والنتائج العملية للبرامج الاجتماعية، ما مكّنها من جذب المزيد من المواهب والجهات المانحة، وخلق سمعة طيبة ومصداقية لدى المستثمرين.
وفي عام 2015، أهّلت مؤسسة سليمان بن عبد العزيز الراجحي الخيرية أكثر من 300 جهة خيرية بمنطقة مكة المكرمة لتلبية احتياجات المجتمع وتبني المشاريع الخيرية ذات الأثر المستمر، وتعاونت مؤخراً مع مجلس المؤسسات الأهلية، لتطوير مجالس أمناء المؤسسات الأهلية وتاهيل أمناء سر هذه المجالس من خلال دورات تدريبية متخصصة في نظام مكافحة غسل الأموال، وذلك انطلاقاً من رؤية المملكة 2030 نحو تمكين القطاع غير الربحي.
شكّل عام 2020 منعطفاً مهماً في العمل الخيري بسبب التحديات المجتمعية والاقتصادية التي فرضتها جائحة كوفيد-19، لذلك، وجّه رجل الأعمال الشيخ سليمان الراجحي بتنفيذ عدة مبادرات خيرية للمساهمة في تخفيف آثار الجائحة بالمملكة، ومن جهتها، ساهمت مؤسسة الراجحي الخيرية بمبلغ 9 ملايين ريال دعماً للإجراءات والبرامج الرامية للحد من تفاقم تبعات الجائحة، وشمل الدعم الخدمات المجتمعية والتعليمية، والخدمات التوعوية والتثقيفية، وخدمات الأمن الصحي والغذائي، والخدمات اللوجستية للجان الوطنية.
تعتبر مؤسسة سليمان بن عبد العزيز الراجحي الخيرية نموذجاً واقعياً لآثار الالتزام بممارسات المسؤولية الاجتماعية في النهوض برسالة المؤسسات الخيرية وجذب المزيد من المتطوعين والمانحين والشركاء.