قيل لنا أننا نعيش في عصر تسوده العصبية القبلية، حيث نبني نظرتنا إلى العالم على ولائنا السياسي والثقافي، لكن أفراد الأحزاب الديمقراطية والجمهورية والمستقلة كلهم يُجمعون على أمر واحد على الأقل: وهو تفضيل العمل في شركة يملكها الموظفون على العمل في أي نوع آخر من المؤسسات. قال مدير معهد رتغرز لدراسة ملكية الموظفين وتقاسم الأرباح ( Rutgers Institute for the Study of Employee Ownership and Profit Sharing)، الأستاذ جوزيف بلازي: "يختلف الأميركيون في قضايا كثيرة، لكن هذا الأمر ليس منها. فمعظم المشاركين في الدراسة، على اختلاف انتماءاتهم الحزبية والنقابية وأنواعهم الاجتماعية وألوانهم، قالوا إنهم يفضلون العمل في شركة تتيح للموظفين امتلاك الأسهم".
لكن الأمر لن يفاجئك إن عرفت الحقائق، سواءً كنت تتحدث عن مخططات مشاركة الأرباح، أو خطط ملكية الموظفين للأسهم (ESOPs) أو خطط شراء الموظفين للأسهم (ESPPs)، فملكية الموظفين هي فائدة خالصة والمفاجأة الوحيدة هي أننا لم نبذل مجهوداً أكبر لترويج استخدامها. يجب أن يحظى توسيع سياسة ملكية الموظفين بالأولوية بالنسبة لأي صانع سياسات يسعى إلى معالجة القضايا المتنامية، مثل عدم المساواة أو التفاوتات العرقية في توزيع الثروة أو السخط المتأجج تجاه الأسواق الحرة أو مصاعب التقاعد التي تلوح في الأفق.
ما الذي يميز سياسة ملكية الموظفين؟
من السهل فهم سبب تفضيل الحزبين لملكية الموظفين؛ توصل مركز التقدم الأميركي (Center for American Progress) ذو التوجهات اليسارية، الذي يدعو إلى اتخاذ إجراءات محلية وعلى المستوى الحكومي والفيدرالي لإنعاش العمل على سياسة ملكية الموظفين، إلى أن "الدراسات التي تقيس فوائد برامج المشاركة الموسَّعة المختلفة تبيّن أن أجور الموظفين في الشركات التي تقدم برامج المشاركة الموسعة أعلى بكثير من أجور الموظفين في الشركات المماثلة التي لا تقدمها". كما توصلت دراسة أجريت عام 2017 في المركز الوطني لملكية الموظفين (NCEO)، إلى أن ثروة أسر الموظفين المالكين أكبر بنسبة 92% من ثروة أسر أقرانهم في الشركات الأخرى، كما أنهم يحصلون على امتيازات إضافية أكبر، واحتمال حصولهم على إعانة رعاية الأطفال التي تقدمها الشركة أو تدعمها مالياً أكبر 4 مرات أو أكثر، واحتمال حصولهم على إجازة أبوة مدفوعة الأجر أكبر من ضعفين، إلى جانب أن جدول عمل أكثر من نصف الموظفين المالكين مرن بمقابل نسبة 34% فقط من الموظفين غير المالكين.
تعزز ملكية الموظفين وتقاسم الأرباح عادةً استمرارية الشركة واستقرار التوظيف أيضاً، ومن جهة الشركة، تتمثل إحدى فوائد ملكية الموظفين في زيادة القدرة على تجاوز فترات الركود الاقتصادي: أجري بحث نشر في مجلة إدارة الموارد البشرية (Human Resource Management Journal) في عام 2016 ويشمل 56,984 شركة، وبيّن أن الشركات التي تعود ملكيتها للموظفين تتفوق في أدائها على الشركات الأخرى، وأن مشارَكة الملكية مرتبطة بالأرباح. كما يبيّن تحليل أجري مؤخراً للشركات العامة أن الشركات التي تقدم خطط شراء الموظفين للأسهم أفضل أداءً من الشركات التي لا تقدمها من ناحية هامش الربح التشغيلي والعائد على حقوق المساهمين. وتوصلت دراسات أخرى إلى أن الموظفين الذين يملكون حصة ملكية تكون معدلات دورانهم الوظيفي وتغيبهم عن العمل أقل، ويبدون ولاءً وافتخاراً أكبر تجاه شركتهم وهم أكثر استعداداً لبذل جهد أكبر في العمل وتقديم اقتراحات أكثر لتحسين أداء الشركة.
بالنظر إلى الفوائد المتبادلة التي تعزز كلاً من الموظفين ورأس المال، دعم الحزب الجمهوري في برنامج عمله للدورتين الأخيرين ملكية الموظفين صراحة، إذ أيّد في برنامجه لعام 2016 "الخطط التي تتيح للموظفين أن يصبحوا رأسماليين، وتوسيع عالم الملكية الخاصة، وتنشيط اقتصاد الشركات الحر". وعلى جانب الحزب الديمقراطي، حثّ كبير مستشاري جو بايدن الاقتصاديين حين كان نائباً للرئيس وعضو مجلس مستشاريه الاقتصاديين حالياً بصفته رئيساً للبلاد، جاريد برنستين، على إنشاء مكتب حكومي لمساعدة الشركات الصغيرة التي ترغب في وضع خطط لتطبيق خطة ملكية الموظفين لأسهم الشركة أو غيرها من خطط الملكية المشتركة.
لا وجود للخطة الموحدة المناسبة للجميع
على الرغم من الإجماع على تفضيل نموذج ملكية الموظفين، ثمة خلاف على طريقة تطبيقها. ليس بالضرورة أن يكون هذا الخلاف سيئاً، فملكية الموظفين لها أشكال وأحجام مختلفة، ويكمن سر نجاحها في المرونة وإفساح المجال للابتكار.
مثلاً، في الولايات المتحدة وأوروبا تشارك الشركات الصغيرة غالباً في مؤسسات تعاونية عمالية، وثمة نموذج ملكية آخر شائع في أميركا يتيح للموظفين امتلاك الشركة من خلال جمع أسهمها في صندوق التقاعد، كما توفر الشركات العامة الكبرى للموظفين فرصة لامتلاك حصص منها عن طريق منح الأسهم أو خطط شراء الموظفين للأسهم (ESPP)، إذ يستثمر الموظفون أموالهم الخاصة في أسهم الشركة بسعر مخفض أحياناً. ولدينا أيضاً خطة التقاعد 401(k) التي تتضمن أسهم الشركة، ومجموعات متنوعة من خيارات الأسهم والأسهم الوهمية وحقوق ارتفاع قيمة الأسهم وخطط مشاركة الأرباح وما إلى ذلك.
عموماً، يقدّر المركز الوطني لملكية الموظفين أن نحو 32 مليون أميركي يمتلكون أسهماً في الشركات التي يعملون بها وفقاً لخطط ملكية الموظفين للأسهم وخيارات الأسهم وخطط شراء الأسهم وخطط التقاعد 401(k) (على الرغم من أن هذا الرقم قُدَّر منذ 6 سنوات، فلا سبب يدفعنا للاعتقاد بأنه تضاءل).
هل يتميز أيّ من هذه النماذج؟ على سبيل المثال، تتمتع خطة ملكية أسهم الموظفين بعدة جوانب إيجابية، واستأثرت في عام 2018 بأكثر من 14 مليون مشارك في الولايات المتحدة، ولكن الشركات تختلف فيما بينها وتواجه كل منها ضرورات تختلف باختلاف مراحل تطورها. لا تحتاج الشركات التقدمية إلى نموذج محدد بل إلى المرونة التي تتيح لها جمع أفضل الخصائص من عدة نماذج بما يتناسب مع ظروفها الخاصة.
تجربة شركة دي أيه آي
تجسد تجربتنا في شركة دي أيه آي غلوبال (DAI Global)، وأنا مديرها ورئيسها التنفيذي، أهمية ملكية الموظف والحاجة إلى مزيد من حرية العمل والاختيار في تطبيقها عملياً.
دي أيه آي هي شركة تنموية عالمية تنفذ مشاريع تنموية دولية في 100 دولة تقريباً، تتنوع بين برامج النمو الاقتصادي والحوكمة الرشيدة إلى المبادرات الصحية والبيئية وحفظ التوازن، وهي تعمل في الولايات المتحدة لصالح الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بصورة رئيسة.
شركتنا ملك للموظفين منذ البداية تقريباً، إذ كانت ملكيتها في أعوامها الأولى بيد مؤسسيها، ومنذ عام 2006 أصبح الموظفون يملكون 100% من أسهمها وفق خطة ملكية الموظفين للأسهم. لكن عندما استحوذنا على شركة بريطانية في عام 2013، اتضح لنا أن هيكلية ملكية الموظفين لأسهم الشركة بنسبة 100% تشكل عائقاً، لأن المملكة المتحدة والموظفين الدوليين الآخرين لم يكونوا مؤهلين لتطبيق هذه الخطة، ولذلك طورنا نموذجاً لملكية الموظفين الواسعة النطاق بنسبة 100%، مع الإبقاء على خطة ملكية الموظفين لأسهم الشركة على اعتبارها من الاستحقاقات التقاعدية القديمة للموظفين الأميركيين، مع السماح للموظفين داخل الولايات المتحدة وخارجها بشراء الأسهم من الشركة مباشرة في الوقت نفسه.
أطلقنا في عام 2016 نموذج ملكية الموظفين العالمي الهجين (GEO) الذي يشابه بخصائصه خطط مِنح الأسهم وشراء الموظفين للأسهم: يتلقى كل موظف مستثمر مؤهل جديد منحة نقدية تبلغ حالياً 2,000 دولار لإنشاء حساب أسهم، ويكون الموظفون المالكون النشطون مؤهلين للحصول على مكافأة أداء شاملة تُحسب على أساس كل سهم (أي أن المكافأة ذاتها تُمنح لأي مساهم)، وتقدم الشركة دعماً مالياً لشراء الأسهم.
كانت النتائج مشجعة، وتحقق ما كنا نرجوه: حقق نموذج ملكية الموظفين العالمي ملكية الموظفين المباشرة الواسعة النطاق، واليوم أصبح أكثر من 80% من الموظفين المؤهلين يملكون أسهماً في الشركة. منحت مؤسسة غلوبال إكويتي أورغنايزيشن (Global Equity Organization) في عام 2016 شركة دي أيه آي جائزة أفضل استخدام لخطة أسهم في شركة خاصة، كما فازت بفضل نموذجها العالمي الشامل بجائزة الابتكار في ملكية الموظفين من المركز الوطني لملكية الموظفين عام 2017.
وأخيراً، كان أداء شركة دي أيه آي المالي استثنائياً في هذه الفترة، ما يعكس برأينا ارتفاع مستوى اندماج موظفينا الأميركيين والدوليين، ويساعد على تضاعف سعر سهمها.
الازدهار المشترك والصالح العام
لا تتمثل غايتنا مما ذكرناه في التعبير عن فخرنا بهذه الخطة، على الرغم من أننا فخورون بها حقيقة، بل تتمثل في توضيح أننا صممناها على نحو يضمن أن تلبي احتياجات شركة دي أيه آي. لكن تحقيق ذلك تطلب منا الإبداع وبذل جهد أكبر مما كان متوقعاً والاستعانة بفريق كبير من المستشارين ذوي الكفاءة العالية، وكلفتنا الرسوم الاستشارية والقانونية وحدها في هذه العملية التي امتدت على مدى عامين أكثر من مليون دولار. لربما كانت هذه التكلفة الباهظة من حيث الوقت والمال، التي لا تنجم عن تكاليف الخبراء بل عن القوانين المرهقة التي يتعاملون معها، سبباً لتراجع الشركات عن تبني نموذج الملكية الموزعة هذا.
بعد وضع ذلك في الحسبان، أحث واضعي السياسات على تجديد التزامهم بنموذج ملكية الموظفين بوصفه نموذجاً مثالياً وبذل جهد حقيقي لتبسيطه.
لا شك في أن الكلام عن ذلك أسهل من تنفيذه، منذ انهيار شركة إنرون (Enron)، أصبحت الجهات الناظمة شديدة التنبه لمخاطر استدراج الموظفين إلى المصائد المالية من دون علمهم، وهي محقة في ذلك، وحتى الشركات السليمة أخلاقياً ذات الإدارة الناجحة قابلة للفشل في النهاية.
لكن لا شك في أن هذا القلق المشروع يستدعي اعتماد نماذج تتيح للموظفين تنويع أصولهم بدلاً من أن تقيد خياراتهم. مثلاً، إضافة إلى خطة ملكية الموظفين العالمية المعتمدة في شركة دي أيه آي، تتاح للموظفين خطة تقاعد 401(k) منفصلة وصناديق مشتركة متنوعة. وكما ذكرنا سابقاً، تتمتع الشركات التي يملكها الموظفون بقدرة جيدة على الاستمرار، وقد احتفلت شركة دي أيه آي مؤخراً بمرور 50 عاماً على إنشائها.
للأسف، وثَّق باحثون بارزون في مجال ملكية الموظفين مؤخراً أن الأمور لا تسير في هذا الاتجاه، إذ كتب جوزيف بلاسي ودوغلاس كروز وريتشارد فريمان: "أوقفت الحكومة الفيدرالية دعمها لخطط امتلاك الموظفين للأسهم وتقاسم الأرباح على نطاق واسع في غالبية الإدارات الرئاسية الحديثة على مدى 4 عقود".
يبدو ذلك توجهاً خاطئاً، فالتحديات التي نواجهها في الولايات المتحدة تشمل ازدياد نسب التفاوت، لا سيما تفاوت الثروات بين الأعراق، ومن هذا المنطلق يشير مركز التقدم الأميركي إلى منافع برامج مشاركة ملكية الشركة على جميع المشاركين. وفي ظل انخفاض الرواتب التقاعدية، ستكون المدخرات والأصول الشخصية ذات دور حيوي في تأمين الحياة الكريمة بعد التقاعد، وملكية الأسهم هي وسيلة مثبتة لبناء الثروة التقاعدية. توصل استفتاء أجرته شركة غالوب مؤخراً حول هذا الموضوع بدءاً من شهر يونيو/حزيران عام 2020 إلى أن نسبة الأميركيين الذين يملكون أسهماً في شركات عموماً تصل إلى 55%، لكن نسبة الأميركيين أصحاب البشرة الداكنة الذين يملكون أسهماً لا تتعدى 42%، ونسبة ذوي الأصول الإسبانية هي الأقل (28%). تقدم برامج ملكية الموظفين خيارات تقاعد فعالة للموظفين الأميركيين: توصلت دراسة استقصائية أجريت عام 2018 على المشاركين في خطة ملكية الموظفين للأسهم إلى أن متوسط رصيدهم التقاعدي الإجمالي يعادل ضعفي متوسط الرصيد التقاعدي الإجمالي للأميركيين على المستوى الوطني.
التنمية الاقتصادية هي مجال عملنا في شركة دي أيه آي، ونعلم أن النظام الرأسمالي أثبت قدرته على تحفيز الازدهار من خلال الرأسمالية المسؤولة والخاضعة للتنظيم، والمدعومة بحكم القانون ومؤسسات الرعاية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية. لكن في حين نبدأ العقد الثالث من هذه الألفية ونشهد الانهيار الاقتصادي الثاني فيها، يجب أن نضيف ميزة مؤهلة أخرى إلى قائمة الميزات الضرورية في الرأسمالية، ألا وهي الشمول؛ إذا لم تسهم الرأسمالية في تحقيق الازدهار لجميع الناس فمن المحتمل أن تتحول إلى أسوأ عدو لهم. في الولايات المتحدة التي تعدّ أكثر دولة تفتقر إلى التكافؤ ضمن مجموعة الدول السبع (جي 7)، يؤمن أكثر من 60% من الناس بأن التفاوت بلغ حداً أعلى من المقبول (78% من الديمقراطيين)، كما أن نظرة الشباب الأميركيين إلى الرأسمالية "تدهورت لدرجة تقييد الرأسمالية والاشتراكية بمستوى شعبيتهما".
من دواعي التفاؤل أن جزءاً من الحل في متناول أيدينا، فملكية الموظفين تعود بالنفع على الشركات والموظفين والمجتمع الذي يقدِّر الازدهار المشترك على حد سواء، وقد شهدت بصفتي رئيساً تنفيذياً فوائد تجربة شركتي مع نموذج ملكية الموظفين الفعالة، وأود بصفتي مواطناً أميركياً أن أرى استعداداً أكبر لتجربتها على المستوى الوطني.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.