إعادة النظر في مفهوم الاقتصاد الاجتماعي (الجزء الأول)

3 دقائق
الاقتصاد الاجتماعي

تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الأول من سلسلة "إعادة النظر في مفهوم الاقتصاد الاجتماعي" والذي سوف نتحدث من خلاله عن مفهوم الاقتصاد الاجتماعي وكيف يُنظر إليه بوصفه محركاً للتغيير الاجتماعي.

يُنظر إلى الاقتصاد الاجتماعي على نحو متزايد بوصفه محركاً للتغيير الاجتماعي، ولكن كيف يمكن تأطير هذا التحول في المنظور لفهم إمكاناته وتسخيرها على نحو أفضل؟

الاقتصاد الاجتماعي

في أوروبا، عادة ما كان يُنظر إلى الاقتصاد الاجتماعي على أنه وسيلة لمعالجة الإخفاقات السوقية، مثل الإقصاء المالي للأشخاص الذين يعانون من الفقر أو حالات فشل الدولة في البحث عن حلول مناسبة لظاهرة التشرد، على سبيل المثال. من الناحية العملية، كان هذا يعني إنشاء مؤسسات للرعاية الاجتماعية ومشاريع تعاونية وجمعيات لتبادل المساعدات ورابطات مدنية، وما يماثلها. إذ تواصل هذه الأنواع من المؤسسات أداء دور مهم في تقديم الخدمات الاجتماعية والدفاع عن الفئات الأشد ضعفاً في المجتمع والإسهام في تحقيق الترابط والتضامن الاجتماعي.

ومع ذلك، على مدى العقدين الماضيين، أدى وضع أشكال ونماذج تنظيمية جديدة وانتشارها إلى توسيع مفهومنا لما يعنيه الاقتصاد الاجتماعي. وعلى وجه الخصوص، بدأنا في الاعتراف بدوره في تعزيز التحول الأخضر والاجتماعي الذي يتضمن في صميمه مبادئ الشمول والإنصاف والمسؤولية؛ وهي مبادئ يجب أن نتبناها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي حددتها الأمم المتحدة. ففي هذه العملية، لم يعد الاقتصاد الاجتماعي "الابن المنبوذ" للسوق والدولة، بل بدأ أن يبرز بوصفه طريقة بديلة للتفكير في الاقتصاد وحتى المجتمع وتنظيمهما.

ليس من المستغرب أن يعتمد الاقتصاد الاجتماعي على عنصرين رئيسيين: المجتمع الذي أهملته الأسواق والدولة مرات عديدة، وفقاً للأستاذ بجامعة شيكاغو راغورام راجان؛ والتضامن الذي يُعد "التوقع المعياري للدعم المتبادل بين أعضاء المجموعات الكبيرة المجهولة (الطبقة الاجتماعية والحزب والأمة) ... الذين يجب أن يتقاسموا مخاطر وأعباء بعضهم بعضاً لضمان تحقيق الأهداف وتماسك المجموعة ككل"، وفقاً للأستاذين في "معهد الجامعة الأوروبية" (European University Institute) فيليب جينشل وأنطون هيميريج.

يمكن أن نلاحظ هذا التحول في الاقتصاد الاجتماعي في المجتمع بأسره، وبوجه خاص في النظام الاقتصادي العالمي الذي يمر بمحاولات يائسة لتجديد نفسه وتبنّي غاية لتكون قوة دافعة له. على سبيل المثال، لا ينظر الأشخاص اليوم إلى ريادة الأعمال الاجتماعية بوصفها شكلاً تنظيمياً معيناً، بل طريقة عالمية للعمل المبتكر الذي يهدف إلى معالجة المشكلات الاجتماعية باستخدام نُهج غير تقليدية. يمكن أن نلاحظ هذا التحول أيضاً في التحولات السريعة والتحولات الاجتماعية الإيجابية في نماذج الأعمال التي حدثت استجابة للتحديات التي أثارتها جائحة "كوفيد-19"، وفي ظهور ما يسميه البعض "تعاونيات المنصات" التي تسعى إلى الجمع بين عناصر العمل القائم على القيم والابتكار المفتوح والرقمنة لابتكار طرق جديدة لإدارة الأعمال.

الدعم المؤسسي للاقتصاد الاجتماعي

العديد من المؤسسات الأوروبية تعمل على تعزيز هذا الفهم واسع النطاق للاقتصاد الاجتماعي. كان لدى "برنامج الاتحاد الأوروبي للتوظيف والابتكار الاجتماعي" (EaSI) التابع للمفوضية الأوروبية مهمة مزدوجة تتمثل في التركيز على قضايا التوظيف (ما يمكن تسميته "الطريقة القديمة للتفكير في الاقتصاد الاجتماعي") ودعم ريادة الأعمال الاجتماعية والابتكار الاجتماعي والتمويل المؤثر (ما يعكس مفاهيم جديدة للاقتصاد الاجتماعي). وسيتم تعزيز هذا النهج بشكل أكبر عندما يصبح البرنامج جزءاً أساسياً من النسخة المحدثة من "الصندوق الاجتماعي الأوروبي للتوظيف" (ESF+).

علاوة على ذلك، أعلنت المفوضية الأوروبية مؤخراً عن رؤية مفادها "أوروبا اجتماعية وقوية من أجل إحداث تحولات عادلة" في خطة عمل للاقتصاد الاجتماعي لتعزيز الاستثمار الاجتماعي والابتكار الاجتماعي وزيادة إمكانات المؤسسات الاجتماعية لخلق فرص عمل، بما في ذلك فرص لهؤلاء الذين أبعد ما يكونون عن سوق العمل. ومن المتوقع اعتماد هذه المبادرة السياسية الرائدة في الربع الأخير من عام 2021.

المفوضية الأوروبية ليست وحدها التي تحاول تعزيز الاقتصاد الاجتماعي؛ فهذا التوجه يحدث أيضاً على مستوى العالم. في عام 2020، أطلقت "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" (OECD) مشروع العمل العالمي (Global Action) "لتعزيز بيئات عمل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني" (Promoting Social and Solidarity Economy Ecosystems)، وهو مشروع سيشمل أكثر من 30 دولة على مدار 3 سنوات. وأطلق المنتدى الاقتصادي العالمي مؤخراً "تحالف رواد الأعمال الاجتماعية للاستجابة لكوفيد" (COVID Response Alliance for Social Entrepreneurs) الذي يسعى إلى تسريع وتيرة "التعاون الناجح" بين المؤسسات والأعمال التجارية والقطاع الاجتماعي بهدف كسر الحواجز التي تجعل الأطراف الفاعلة في هذه الدعائم المختلفة منفصلة عن بعضها بعضاً. ويسعى البرنامج المقترح بعنوان "الصفقة الجديدة الخضراء" (Green New Deal) في الولايات المتحدة إلى الانتقال لنظام قابل للتطبيق تجارياً للتعهيد من مصادر الطاقة المتجددة؛ وهو نظام أثبتت مؤسسات الحركات الاجتماعية منذ فترة طويلة أنه ليس مثالياً ولكنه واقعي وعملي.

لاستكشاف هذه التوجهات، ساعدنا (المؤلفون) في إنشاء "مؤتمر علوم الاقتصاد الاجتماعي" الذي عُقد في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2020 لمناقشة الاقتصاد الاجتماعي في أوروبا. جذب المؤتمر أكثر من 800 مشارك من الأكاديميين والممارسين والسياسيين، وكان بمثابة منتدى لمناقشة الطرق الحالية والمستقبلية التي يمكن للاقتصاد الاجتماعي من خلالها إحداث تحولات في المجتمع والاقتصاد. وقد نظرنا إلى الموضوع من 3 منظورات: الاقتصاد الاجتماعي بوصفه جزءاً من بيئة عمل، وعامل تغيير، وشريكاً لواضعي السياسات وقطاع الشركات الهادفة للربح. وتم استكشاف كل من هذه المنظورات أدناه.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي