خرجت بفكرة تأسيس «تيتش بلاس» (Teach Plus)؛ وهي مؤسسة غير ربحية تهدف إلى بناء القدرات القيادية للمعلمين في الولايات المتحدة، بينما كنت أحثّ بناتي على النوم ليلاً. بعد إطلاق المؤسسة عام 2007، تتبعت تنشئتهن بينما كنت أعمل في المقر الرئيسي في بوسطن، بطريقة لا يعهدها الكثير من الآباء. أصبحن اليوم في السن المناسب لدخول الكلية، وسوف يشرف عليهن أشخاص غيري، على أمل أن أكون قد أعددتهن بما يحتاجون إليه لتحقيق النجاح. بينما أستمع للآباء الآخرين الذين يواجهون العملية ذاتها، أعلم أنهم قد مروا بالمراحل الخمس التالية: الحزن والإنكار، والغضب، والتفاوض، والاكتئاب، والقبول، وأدرك أنني مررت أيضاً بهذه المراحل لكن مع طفل مختلف.
يرى الروّاد الاجتماعيون أنّ مشاريعهم هي بمثابة «أطفالهم»، فهم يأسسونها، ويُديمون بقاءها، ويحرصون على رعايتها خلال السنوات الصعبة. إنها تجارب جسدية وعقلية كاملة تصبح جزءاً لا يتجزأ من شخصيتنا، بالنسبة إليّ، كان قرار مغادرة المؤسسة بعد عقد من الزمن مماثلاً لتلك التجربة. شعرت أنّ حياتي العملية، والشخصية، والسياق الاجتماعي الأكبر جميعها تدفعني في الاتجاه نفسه، أي نحو مرحلة جديدة، ومع ذلك، فقد استغرق الأمر ثلاث سنوات للانتقال من التفكير بالمغادرة إلى المغادرة الفعلية. مرّ معظم ذلك الوقت قبل الإعلان عن قراري؛ ما دفعني إلى التفكير في كيفية ممارسة القيادة خلال الفترة الأخيرة بطريقة تهيئ المؤسسة وزملائي لتحقيق النجاح على المدى الطويل. بينما يتحدث القليل من الروّاد الاجتماعيين عن هذه المراحل، أعتقد أنّ الحزن الذي يرافق المغادرة، تجربة يختبرها المؤسسون أينما كانوا.
مراحل مغادرة المؤسس
المرحلة الأولى: قبل الإعلان وحالة الرفض
أستطيع تذكّر اللحظة التي تسللت فيها فكرة مغادرة مؤسسة «تيتش بلاس» (Teach Plus)، ولا أشعر لغاية اليوم أنها نبعت من داخلي بالفعل، فقد كنت في الكنيسة في أوائل خريف 2014، وبدأت التفكير في الأمر فجأة. لم أكن أريد لذلك أن يحدث، وبدا الأمر أشبه بالخيانة؛ ترافق مع شعور قوي بالإنكار استمر قرابة عامين. لا زلت أحب عملي، وأعلم أنّ هناك أموراً أحتاج إلى إنجازها، كما أنّ الأشخاص الذين بنوا المؤسسة معي كانوا بمثابة عائلتي.
توقفت عن التفكير في الأمر لمدة عام تقريباً بعد تلك اللحظة، ولكن بعد ذلك، دخلت في صراع لعام آخر. كنت أتساءل إذا ما كان يمكنني المغادرة بالفعل! في غضون ذلك، استمرينا في تطوير المؤسسة وسياق عملنا، وأدركت أنني بحاجة إلى إحداث تغيير كبير، ولم أكن واثقة من قدرتي على إنجاز ذلك. ربما كان هناك شخص أفضل مني لشغل هذا الدور.
لم أتكلم مع أحد بشأن تفكيري بالمغادرة خلال ذلك الوقت باستثناء زوجي ومعالجتي النفسية؛ اللذان استمعا إليّ طويلاً. إنّ مغادرة المؤسس تؤدي عادة إلى الكثير من الأحاديث الجانبية، ولم أرغب في تسريب الخبر؛ وبالتالي تسريع العملية. لم أكن أريد لأحد أن يؤثر على قراري، سواء فريق القيادة أو الممولين أو أي شخص آخر. كنت بحاجة إلى الوقت والمساحة للتراجع في حال اخترت ذلك.
أخيراً، دخلت المكتب ذات يوم وعلمت أنّ الوقت قد حان. لم أكن أخطط للإعلان عن ذلك، وكان الأمر أشبه بالعمل طويلاً للحصول على الفرصة الأولى، وعندما تأتي الفرصة، يتغير كل شيء في لحظة. لقد كنت أستعد ذهنياً لمدة عامين، وفجأة أعلنت قراري لشريكي في القيادة وبدأت مرحلة جديدة.
كنت أتعلّم مجدداً حول تحيز المؤسس تجاه العمل والسرعة في بعض جوانب هذه المرحلة، لكنني أعتقد أنّ الفترة الممتدة لمعالجة التغيير؛ التي أعقبها قرار واضح وسريع، خدمت المؤسسة جيداً على المدى الطويل.
المرحلة الثانية: الإعلان والشعور بالغضب
يُعدّ إعلان مغادرة المؤسس الجيد بمثابة تدريب منسق بدقة حول التواصل في إدارة الأزمات. ينبغي أن يكون الجميع «أول من يعلم»؛ فريقك والممولون والقائد المستقبلي المحتمل. استغرق إعداد «رسالتي» وتنظيم عناوين الاتصال للمعنيين بالأمر أسبوعاً كاملاً، وقد ساعدني مجلس الإدارة في ذلك. كان الهدف من الرسالة هو مشاركة قرار مغادرتي بطريقة تبرز المنطق من حيث التوقيت وسلامة المؤسسة. ذكرت في مسودة تلك الرسالة أنّ من مصلحة المؤسسة الاستفادة من منظور قائد من أصحاب البشرة غير البيضاء. لكن مجلس الإدارة ذكرني بأنني لن أكون الشخص الذي يتخذ القرارات بشأن القائد التالي، على الرغم من أنهم لا يعارضون فكرتي. أشعنا الخبر بمجرد اكتمال الرسالة، وفي غضون 48 ساعة، أرسلنا جميع الرسائل اللازمة وأجريت مئات من المكالمات الهاتفية المتتالية.
حدث الجزء الأصعب بعد ذلك، فقد سخّرت معظم طاقتي لأجل أمر واحد؛ والذي سرعان ما فقدته، حيث تشكلت مسافة فصلتني عن الأشخاص المقربين إليّ في المؤسسة في غضون أيام، ولم تفلح جهودي في اختيار الأشخاص الذين كنت سأمكّنهم للعمل على المستوى السياسي، واضطلع مجلس الإدارة بدور أكبر في اتخاذ قرارات حاسمة كنت أملكها من قبل. إنّ أعضاء مجلس الإدارة هم ذاتهم الأشخاص الذين وافقوا على تولي مسؤولية المؤسسة ونقلها بأمان إلى المرحلة التالية، وكنت ممتنة جداً لهم، لكنني كنت غاضبة وأشعر بالألم.
هل كان من المتوقع أن أذهب يومياً إلى العمل في المؤسسة التي أنشأتها وألا أكون صاحبة قرار؟ كانت الإجابة البسيطة هي نعم، ولكن التفكير بذلك، ومن ناحية أخرى شعور المرء بأنه لم يعد ينتمي كلياً على أرض الواقع، أمران مختلفان تماماً، لا سيما لأنك لا تستطيع معرفة المدة التي تستغرقها عملية الانتقال.
المرحلة الثالثة: البحث والتفاوض
مرّ عام بالضبط بين اليوم الذي أعلنت فيه مغادرتي واليوم الذي بدأ فيه القائد الجديد بالعمل، وعلى الرغم من الديناميكيات المتغيرة خلال ذلك العام، تابعت عملي طوال الوقت، ما سمح لي بتدوين جميع الأحداث المهمة التي حصلت في السابق إلى جانب الدروس المستفادة التي كانت لا تزال في رأسي فقط، كما أتاح لي ذلك جمع بعض الأموال الإضافية للمؤسسة، وإجراء بعض التعديلات على البرنامج وطاقم الموظفين لتسهيل الانتقال، وبينما يُعدّ الوقت عنصراً ضرورياً لعملية انتقال سليمة، يمكن القول أنه كان لدينا أكثر قليلاً مما احتجناه.
كثيراً ما أثارت مؤسسة «تيتش بلاس» الجدل كمؤسسة ناشطة على المستوى السياسي، إلا أنّ الجهود الرامية للبحث عن القائد الجديد تغلّبت على جميع العقبات. أجريت الكثير من المفاوضات خلال هذه المرحلة؛ كان أولها التواصل مع عدد قليل من القادة المحتملين، ومحاولة إقناعهم بمدى روعة الدور الذي كنت أشغله، ثم انطلقت مفاوضات نشطة حول عمليتي اندماج محتملتين؛ اللتين من شأنهما قيادة المؤسسة في اتجاهات مختلفة تماماً، لكن تلك المفاوضات لم تثمر عندما تطرقنا إلى الشؤون المالية. أخيراً، كان عليّ المساعدة في تقديم القائد الجديد المحتمل بأفضل مزيج من الكلام الحقيقي واللطيف الذي يمكنني قوله.
قضيت أيضاً الكثير من الوقت في التفاوض مع نفسي؛ وهو الوقت الذي تبدأ فيه التفكير في الإرث الذي ستتركه. طرح المشاركون السؤال التالي خلال آخر تدريب حضرته: هل هذا الإرث مهم؟ كان جوابي حينها "لا"، فهو نوع من الكبرياء، ولكن في نهاية هذه المرحلة، علمت أنّ هذا الإرث يهمني على أي حال. ماذا لو لم نتمكن من العثور على القائد المناسب بعد مغادرة المؤسس؟ هل ستستمر المؤسسة؟ لقد ناقشت هذه الأسئلة لعدة أشهر.
المرحلة الرابعة: الانتقال والاكتئاب
يمكن القول أنّ الشهر الذي سبق إعلان الفريق عن القائد الجديد كان الأصعب؛ كان الموظفون ينتظرون بارقة أمل وقد فقدوا الثقة في أنّ العملية سوف تنتهي بنجاح. في مرحلة ما، كنت متأكدة جداً من الشخص الذي سيشغل دوري، ولكني لم أستطع البوح بالأمر. خلال ابتعادي قليلاً عن القيادة المباشرة؛ والذي كان مقرراً في الأساس ليتزامن، مع وصول القائد الجديد، كان لا يزال عليّ قيادة الموظفين الذين علموا بشأن مغادرتي منذ 11 شهراً، وكان التفاعل محرجاً بجميع أشكاله، فقد تم تجاهلي أثناء الحديث عن التخطيط الاستراتيجي، وتخلل ذلك قول أمور من قبيل: «حسناً، لا يمكننا تسوية هذا من دون الأخذ برأي القائد الجديد»، وكانت الأحاديث الأقل أهمية أسوأ، مع العلم أنّ الموضوع الحقيقي الوحيد الذي يريد الآخرون التحدث عنه كان يتمحور حول مغادرة مكتبي الخاص. كنا جميعاً في حالة من الاكتئاب.
أخيراً، ابتهج الفريق لسماع من سيكون قائدهم الجديد. تواصلت معه بالحد الأدنى، لأنّ القائد الشريك لي لمدة عشر سنوات وافق على البقاء لشهر من الزمن بعد مغادرتي، إلا أنني كنت حاضرة في أول يوم له في المؤسسة، ولأنّ مكتبي أصبح الآن يخصه، فقد انتظرته على الأريكة في الردهة. جلست مع موظف مبتدئ كان ينتظر الانضمام إلى المؤسسة؛ حيث كان المستقبل؛ على عكسي تماماً، وقد اختصرَت تلك اللحظة جميع المشاعر.
ذهبت مباشرة بعد آخر يوم لي في مؤسسة «تيتش بلاس» للتدريس في «جامعة هارفارد» في ذلك المساء. كان لديّ عمل أقوم به، لكنه بدوام جزئي، أما في اليوم التالي، فلم أعلم إلى أي مكان أذهب، وأصابني اكتئاب من نوع جديد. لم أستسغ فكرة ألا أعمل «بدوام كامل» في مشروع تملّك جميع مشاعري، ولم أحب فقدان الهوية الذي أعقب قضاء ربع سنين حياتي في شغل دور واحد، كما لم أفضّل الجلوس على أريكتي وعدم فعل أي شيء عند الساعة 11 صباحاً. كنت أعلم في داخلي أنّ الوقت كان مناسباً للمغادرة ولم أتردد في قراري، لكنني لا زلت بحاجة إلى تقبّل الأمر.
المرحلة الخامسة: المستقبل والقبول
قالت روث بادر غينسبيرغ ذات مرة أنّ مفتاح الزواج الناجح وطويل الأمد هو «تجاهل بعض التفاصيل»؛ قد تكون هذه أفضل نصيحة أيضاً بالنسبة إلى المؤسسين الذين يغادرون مؤسساتهم. لديّ قدر كبير من التعاطف للشخص الذي تتمثل وظيفته في جلب مجموعة جديدة من الرؤى والأفكار التنظيمية لمكان أسسه شخص آخر، وهي رؤية يمكن أن تتحول بسهولة إلى ممارسات راسخة مقدسة ونقاط عمياء على مستوى الفريق بعد عقد من العمل. كنت أعلم أنه ليس لديّ رؤية للمرحلة المقبلة، وأنّ مشاركتي المستمرة في المؤسسة؛ مثل طلب مقعد في مجلس الإدارة، على سبيل المثال، أو الحفاظ على علاقات وثيقة مع باقي أعضاء الفريق، قد تعرقل عمل القائد الجديد، وقد كان منحه حرية القيادة أفضل ما يمكنني تقديمه.
كان أول سؤال طرحه عليّ الأشخاص ضمن دائرتي المهنية في السنة الأولى لي بعيدة عن المؤسسة هو: «كيف تتصورين أداء المؤسسة؟»، قلت لهم لا أعلم، وكان ذلك صحيحاً. قدّم لي الناس طوال الوقت معلومات غير مرغوب في سماعها عن المؤسسة؛ سواء كانت إيجابية أو سلبية. كنت أتذكر أنه في كل يوم عمل لي كرئيسة تنفيذية، تكونت لديّ قائمة طويلة من لحظات النجاح والفشل؛ والتي لم يطّلع أحد سواي على الكثير منها. شعرت أنه من مسؤوليتي عدم الانخراط بالكثير من القصص الصغيرة التي كنت أسمعها، أو إقامة أي نوع من التواصل مع المؤسسة من وراء الكواليس، أو الانخراط في الأحاديث حولها.
أتاحت لي المسافة المتعمدة والجرعة الصحية من «تجاهل التفاصيل» على قبول شكل المؤسسة من دوني، ومستقبلي من دونها.
لمحة أخيرة
تتطور مؤسسة «تيتش بلاس» اليوم بخطوات ربما لم أشهدها خلال تواجدي فيها. عندما شعرت بأنّ الوقت قد حان للمغادرة، لم يكن لدي أي فكرة حول مدى الانخراط النفسي الذي ينتج عن العملية. أرى وجوه المعلمين في المؤسسة يومياً على وسائل التواصل الاجتماعي؛ وهذا يذكرني بمدى خصوصية المؤسسة. أنا أحب ما بنيته، وأحب فكرة أنني سلمته لعهدة شخص جديد، وما أنا على يقين منه اليوم هو أنني حزنت عند مغادرتي، لما للمؤسسة من أهمية.
اقرأ أيضاً عن: انتقال القيادة أثناء الأزمات الصحية الحرجة.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.