يتحدث الجميع عن الأنظمة، أو على الأقل، هذا ما يبدو عليه الأمرُ في ركني المتواضع من عالم العمل الخيريّ. لا يمكنك حضور مؤتمرٍ أو حتى عقدُ اجتماعٍ ما دون سماع الحديث عن الأنظمة؛ سواء كان هؤلاء الأشخاص يحاولون زعزتها، أو تخطيطها، أو التعلّم منها أو تحسينها.
نحن نقوم بذلك أيضاً في صندوق الحرية؛ وهي مبادرة خيرية عالمية لإنهاء "العبودية" الحديثة؛ حيث نتحدث كل يوم عن محاولة "حلحلة" الأنظمة التي تسمح باستمرار العبوديةِ. لقد جعلنا دليل تغيير الأنظمة إحدى مؤشرات الأداء التنظيمية الرئيسية لدينا، وبالفعل، فغالباً ما يتم الاستشهاد بنا كمثالٍ نادرٍ قيد التطبيق عن تغيير الأنظمة؛ حيث اجتمع ثلاثة من الممولين الرائدين في العالم في مجال مكافحة العبودية عام 2013 لإنشاء صندوق الحرية كوسيلةٍ لتنسيق جهودهم ودفع التغيير وفق المعايير المطلوبة.
ولكن ما هي على وجه التحديد هذه الأنظمة التي نتحدث عنها جميعاً؟ وهل نجازف بالاختلاف فيما بيننا إذا كنا نستخدم تعريفاتٍ مختلفة؟
اقرأ أيضاً: تغيير الأنظمة: المفاتيح الثلاث الرئيسية
استخدامات مصطلح الأنظمة
أرى ثلاث طرائق مختلفة إلى حدٍّ ما يُستخدم بها المصطلح، ليس فقط في قطاع مكافحة العبودية، ولكن في مجال التغيير الاجتماعي بأكمله.
- تغيير الأنظمة = معالجة الأسباب الجذرية
يستخدم العديد الأنظمة كمرادف لـ "الأسباب الجذرية"، إذ يرغب معظمنا في تخطي الحلول الإسعافية ومعالجة الأسباب الكامنة وراء المشاكل الاجتماعية، فعلى سبيل المثال؛ غالباً ما يرى العاملون في مجال التنمية الدولية الفقرَ على أنهُ إحدى أعراض مشكلةٍ أعمق -مثل الفساد الحكومي أو إنكار الحقوق الأساسية لمجموعات معينة؛ المؤسسات غير الحكومية التي تعمل للمساعدة في تمكين المجتمعات من أجل المطالبة بحقوقها، ستقول إنها تعمل على معالجة الأنظمة التي تتسبّبُ بترسيخِ الفقر -بدلاً من مجرد تقديم الإعانات.
وبشكلٍ مشابهٍ في قضية مكافحة العبودية؛ قد يعالج نهج تغيير الأنظمة ضعفَ سيادة القانون، والمواقف الضارة تجاه النساء أو مجموعاتٍ عرقيةٍ معينةٍ، أو الممارسات التجارية غير المسؤولة -على عكس النهج الأكثر ضيقاً الذي يركز مثلاً على إنقاذ الضحايا. هذه هي الطريقة التي نميل إلى استخدام المصطلح وفقها في صندوق الحرية؛ ما يُؤكّد الأهمية التي نوليها لمنع وقوع الناس في شراك العبودية في المقام الأول.
- التفكير المنظومي = التكيُّف مع التعقيد
إن "التفكير المنهجي" هو مدرسة فكرية ظهرت في ساحة التنمية الدولية قبل بضع سنوات؛ ولكن لها جذوراً تمتد إلى عقودٍ سابقةٍ. في أوائل عام 2010، بدأت شخصيات بارزة في مجال التنمية؛ مثل أوين باردر من مركز التنمية العالمية ودانكن غرين في أوكسفام غريت بريتن، في طرح آراء مفادها أن التغيير الاجتماعي معقّد للغاية لدرجة أنه يتطلب مجموعة جديدة تماماً من الأدوات المفاهيمية.
كما قال غرين في مقال عام 2016: "الخاصية التي تُعرّف الأنظمة البشرية هي التعقيد: نظراً للعدد الهائل من العلاقات وحلقات التقييم بين عناصرها العديدة، لا يمكن اختزالها في سلاسل بسيطة من الأسباب والنتائج. فكّر في حشدٍ من الناس في أحد شوارع المدينة، أو سربٍ من طيور الزرزور يتجول في السماء عند الغسق".
ناقشَ غرين بأن العمل في المجتمعات المعقّدة يتطلب نفس النوع من "النهج التكراريِّ التعاونيّ المرن"، فبدلاً من وضع خطةٍ صارمةٍ في بداية المشروع بناءً على "أفضل الممارسات" ثم التكليف بإجراءِ تقييمٍ في النهاية لمعرفة ما نجح؛ يجب أن يكون التطوير أشبه بالتربية. في النهاية؛ يتعلّق الأمر بالتجربة والخطأ، "اختبار لا نهايةَ له من الافتراضات حول الصواب والخطأ، والتكيّفُ المستمرُّ مع الطبيعة المُتطوّرة للطفل".
يُؤكّدُ التفكير المنهجي على أهميةِ فهمِ كيفيةِ تفاعُلِ الأجزاءِ المختلفة من النظام؛ بدلاً من التركيز على الأجزاء نفسها. قادتِ المؤسساتُ التقدّميةُ؛ مثل الإنسانية المتحدة (Humanity United)، الطريقَ في سبيلِ تحليلِ طرائق التأثيرِ على الأنظمة المعقّدةِ وتحديدها؛ مثلَ تلك التي تُسهم في الإتجار بالبشر والأعمال الوحشية الجماعية والصراعات العنيفة.
ليس هناك شكٌّ أنَّ التفكير المنهجي قد قدَّم إسهاماً مهماً للعمل الخيري، لعدةِ أسبابٍ ليسَ أقَلَّها أنهُ ساعدَ في إدارةِ توقُّعاتِ الجميعِ حول مقدارِ ما يجب أن نعرِفَه مسبقاً بشكل معقولٍ عن النتيجةِ المحتملةِ للمشروع. بالإضافةِ إلى ذلك، فقد فتحَ المجالَ لمدراءِ المشاريع للابتكار أثناء عملهم، ومَنَحَ المانحينَ غطاءً للسماح بذلك دون أن يبدوا غيرَ مسؤولين.
ومع أخذ ذلك في الاعتبار، وفي حين أن الاستعداد للتكيّفِ مع تدفّقِ النظام خلالَ سيرِ العمل أمرٌ جيدٌ؛ إلا أنك إذا لم تتمكن من الحصول على أدلّةٍ موثوقةٍ حول ما يحدث أثناء العمل ولماذا -وهذه هي الحالةُ غالباً مع مشروعٍ نموذجيٍ مدته ثلاث سنوات- يصبحُ "التكيُّفُ مع النظام" أمراً يصعبُ القيام به، لذا من المرجح أن تكون هذه الاستراتيجيةُ فعّالةٍ للمشاريع طويلةِ الأجل. تحتاج المؤسسات أيضاً إلى امتلاك شعورٍ جيّدٍ عندما تبدأ الجهودُ المبذولةُ لرسمِ خريطةٍ لنظامٍ معينٍ على نطاقٍ واسعٍ في تحقيقِ عوائدَ متناقصة.
- ريادة الأنظمة = تحفيز التغيير على نطاقٍ واسعٍ
المصطلح المرتبط بالنظم والذي يبدو أنه يلقى رواجاً كبيراً في الوقت الحالي هو "رياديّ الأنظمة" -وهي عادةً مؤسسة يمكنها حشدُ العديد من أنواع المجموعات المختلفة حول قضيةٍ مشتركةٍ وطموحة. في منتدى سكول العالمي المُنعَقِد عام 2017، وصفت لجنةٌ مختصّةٌ ريادة الأنظمة الموضوعَ على النحو التالي: "المشكلات التي نسعى لِحلِّها - بدءاً من الأنظمة المدرسية الفاشلة إلى الأمراض المُعدية- كبيرةٌ جداً ومُتشابكةٌ بحيث يتعذّرُ على أية مؤسسة معالجَتُها بمفردها؛ بغض النظر عن مدى ابتكارها أو تمويلها الجيد. نحن بحاجةٍ إلى "رِياديّي الأنظمة" الذين يرون مشاكلَ واسعةَ النطاق تتطلبُ تعاوناً وثيقاً عبر القطاعات -بما في ذلك الحكومات والمؤسسات غير الربحية والشركات". كان أحد أعضاءِ اللجنة جيف والكر؛ وهو مُفكّرٌ رائدٌ في ريادة الأنظمة، قد ادّعى بأنّ الوقتَ قد حانَ للتركيز أكثر على "حلّ المشكلات من خلال التعاون الإبداعي، والتركيز بدرجةٍ أقلّ على [إنشاء] مؤسساتِ جديدة".
ولكن من هو بالضبط رياديُّ الأنظمة؟ وفقًا لدوغ بلفور؛ الرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات الخيرية، جينيف غلوبال، فإنّ الرياديّ في مجال الأنظمة هو "أداةٌ مركزيةٌ ... وهو القوةُ المُحفزةُ التي تخلق الزخم بين جميع الجهات الفاعلة الأخرى" التي تعمل على قضيةٍ اجتماعيةٍ معينة.
وهذا الأمرُ مُشابهٌ لـ"المؤسسة الأساسية أو مؤسسة العمود الفقري" لمبادرة التأثير الجمعي؛ حيث تلتزمُ المؤسسات من مختلف القطاعات بحلِّ مشكلةٍ اجتماعيةٍ معينة.
ريادة الأنظمة -الفكرةُ القائلة أن هناك مجموعةً معينةً من المهاراتِ والسماتِ التي يمكن لأيّة مؤسسة تطويرُها واحترافها لتحريكِ عجلاتِ التغيير- هي فكرةٌ قويةٌ؛ يصفُ بلفور رياديَّ الأنظمةَ بأنه مُيسِّرٌ محايدٌ، ودبلوماسيٌ، ووسيطٌ نزيهٌ يخلق "مناخاً من التفاهم المشترك والنتائج".
هذا هو الدور الذي يهدف صندوق الحرية إلى القيام به في المشاريعِ المُلحّةِ الخاصة بنا. نحن نجمع ما بين 10 إلى 20 مؤسسة من مؤسسات الخطوطِ الأماميةِ في المجتمع المدني في البلدان ذات المستويات العالية من العبودية الحديثة، ونوفّرُ لها التمويلَ والتدريب، ونساعدُها على التواصل مع الحكومة والشركات لإجراء الإصلاحات؛ سواءً لإنهاءِ العمل الجبري في صناعة المأكولات البحرية التايلاندية، أو لتحسين ظروف الفتيات المراهقات العاملات في مصانع الملابس الهندية.
لكن الأمرَ ليس دوماً بهذه السهولة؛ يتمثّلُ التحدي الكبير في الأماكن التي تحاولُ فيها المؤسسات حسنةُ النيّةِ إحداثَ التغيير بمشاركةِ العديدِ من الجهات الفاعلة، والكثيرُ منهم لا يرغبون في أن يقومَ شخصٌ آخرٌ بتنسيقِ عملهم. حتى عندما تكون هناك إرادة، فإن الأولوياتِ المتنافسةِ والجداولَ الزمنيةِ ومصادرَ التمويل -حتى المصطلحات في بعض الأحيان- يمكنُها أن تحول دون تحقيق تعاون فعّال.
المزيد من القواسم المشتركة؟
تُسهم كلٌّ من وجهات النظر الثلاث هذه حول ماهيةِ الأنظمة بأفكارٍ مهمّةٍ؛ لكنها من الواضح ليست متشابهةً، وعلى الرغم من أنه لا ينبغي على القطاع أن يحاولَ بالضرورة تنسيقَ كيفيّةِ استخدامهِ للمصطلح، فمن المهمّ أن نفهم ما نعنيهِ عندما نستخدمهُ في مُناقشاتنا، وكيف تختلفُ وجهاتُ النظر حول الأنظمةِ وتتداخلُ معها.
في الواقع؛ هناك الكثيرُ من القواسمِ المشتركةِ بين الاختلافات، فكلّ شيءٍ يتعلّقُ بتوجيهِ جهودنا نحوَ الأمورِ الأكثر أهميةً؛ بدلاً من الأعراضِ أو الأجزاءِ الفردية للمشكلة. جميعُ المفاهيم الثلاثة طموحة، وتعترفُ جميعها بتعقيد التغيير الاجتماعي وتفاعل العديد من العوامل داخله، ويسعون إلى تحقيقِ تغييرٍ أساسيٍّ ودائم. يبدو أن الأنظمة التي يتمُّ تداولها على شفاه الجميع هي إشارةٌ على أن العالم الخيري يهدف إلى تحقيقِ نتائج أعلى؛ وهذا لا يمكن إلا أن يكون شيئاً جيداً.
اقرأ أيضاً: قادة الأنظمة: كيف يعملون لقيادة التغيير الاجتماعي؟
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.