لماذا ننساق وراء النماذج الجاهزة للتوظيف؟

الأداء المؤسسي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يعتمد الأداء المؤسسي على سياسات وممارسات مدروسة خاصة بالموظفين وبثقافة الشركة. قد يبدو ذلك بديهياً، ولكننا جميعاً مررنا بتجارب لم تكن مُرضية. وتتراوح الأسباب من القصور الذاتي (“هذه طريقة عملنا الوحيدة”) إلى الدوافع المشكوك فيها (ربما ليس الهدف الأساسي لبرنامج رعاية صحة الموظفين فعلاً رعاية صحة الموظفين).

وأحياناً، تُهمَل ثقافة الشركة فحسب. على الرغم من أن معظمنا قد سمع الاقتباس المنسوب إلى بيتر دراكر الذي يقول “ثقافة الشركة أقوى من الاستراتيجية بكثير”، لا يتصرف القادة بالضرورة كما لو كانوا يؤمنون به. ولأن مفهوم ثقافة الشركة ليس واضحاً ودقيقاً، فغالباً تأتي الثقافة في المرتبة الثانية على قائمة مهام القائد بعد القضايا الأكثر وضوحاً وإلحاحاً. ومع ذلك، فقد وجدنا أن تطبيق الممارسات الصحيحة فيما يتعلق بالموظفين وثقافة الشركة أمر بالغ الأهمية، وتنطوي غالباً على مخالفة القواعد التقليدية المتبعة في دوائر الموارد البشرية. يتطلب التطبيق الصحيح للممارسات التجربة والتكرار وارتكاب بعض الأخطاء والاستماع المكثف لملاحظات الموظفين على جميع مستويات المؤسسة.

لا توجد مؤسسة مثالية، ولا نثق تماماً بالمقالات التي تدّعي أن هذه المؤسسة غير الربحية أو تلك الشركة لديها الوصفة السرية لبناء ثقافة شركة عظيمة أو تحقيق نتائج رائعة. بعد قضاء ما يقرب من نصف قرن من سنوات الخبرة في رعاية الموظفين وثقافة الشركة في مؤسسة ذا سينتر فور أفيكتيف فيلانثروبي (Center for Effective Philanthropy) أو اختصاراً سيب (CEP)، ورؤية زملائنا الذين يعملون مع مئات المؤسسات التي تمكّنا من معاينة ثقافاتها من كثب، تعلمنا الكثير مما نعتقد أنه يستحق الحديث عنه.

أتيحت الفرصة لاثنين منا (فيل وأليس) للمساعدة في إنشاء ثقافة الشركة من الصفر بوصفنا أول وخامس موظفيّ مؤسسة سيب منذ عقدين من الزمن. انضمت ليا منذ ثماني سنوات وساعدت على تطوير نهجنا في التوظيف والتنوع والمساواة والشمول على نحو كبير. على مدار هذه السنوات، نما عدد الموظفين في مؤسسة سيب إلى ما يزيد على 60 موظفاً ونمت الميزانية لتصل إلى 15 مليون دولار أميركي وبنينا سمعة طيبة بوصفنا مكاناً جيداً للعمل، ولم تتقبل طبيعتنا نُهج القطاع القياسية. إذ تتلخص وجهة نظرنا في أن أفضل الثقافات مثل أفضل الكعكات، تُصنع بعناية من الصفر -من وصفة تنشأ من التجارب المُكررة والمُحسنة باستمرار- ولا تصنع من عجينة جاهزة من السوق.

وتوصلنا إلى الإيمان بستة أساليب للتعامل مع الموظفين وثقافة الشركة تتعارض في كثير من النواحي مع التيار السائد.

1. عمليات التوظيف تُثمّن المهارات، وليس الشهادات أو شبكة العلاقات المهنية

يهتم أسلوبنا في التوظيف بالعثور على أفضل الأشخاص للوظائف التي لدينا، الأمر الذي يتطلب تقليل التحيز والقضاء على الممارسات التي تفيد مرشحين على حساب آخرين. مع أننا لم ننفّذ دائماً كل ما سنذكره هنا، فقد استخدمنا أساليب محددة عدة سنوات، وتبقى نادرة الاستخدام نسبياً على الرغم من تزايد انتشارها.

في البداية، نرفض الممارسة الشائعة لاستخدام العلاقات لمساعدة أفراد العائلة أو الأصدقاء على الحصول على ميزة في عملية التوظيف. مع أن بعض المؤسسات تقدم حوافز مالية لإحالة المرشحين في حال قُبلوا في الوظيفة، الأمر الذي يعزز ثقافة الانغلاق والانتماء إلى مجموعات. من المؤكد أننا نستخدم الشبكات للإعلان عن الوظائف الشاغرة -ونحاول أيضاً الاستفادة من شبكات الآخرين- لكن الاتصالات الشخصية لا تمنح أي ميزة في عملياتنا. عندما يتلقى فيل رسائل بريد إلكتروني أو مكالمات من أحد الممولين أو رئيس شركة من عملائنا يدعو فيها مؤسسة سيب لتوظيف ابنته أو ابن أخيه -للأسف، يحصل ذلك معه دائماً- لا يخبر أحداً في الشركة بذلك ولا يؤثر ذلك في عملية التوظيف مطلقاً.

في عام 2017، بدأنا بحجب أسماء الكليات والجامعات وأسماء العائلة من السير الذاتية، مع العلم أن قلةً من الشركات مثل شركة ديلويت (Deloitte) العملاقة للاستشارات والتدقيق ومؤسسات غير ربحية صغيرة مثل الجمعية الأميركية للمتاحف (American Alliance of Museums) كانت تختبر هذا الأسلوب. لقد فعلنا ذلك لأننا وظّفنا سابقاً الكثير من الأشخاص الذين تخرجوا مباشرة في الجامعة ووجدنا أن اسم الجامعة ليس بالضرورة مؤشراً جيداً على النجاح. هناك عدد لا يحصى من الأسباب التي تدفع المرء إلى ارتياد جامعة غير مميزة أو مرموقة، المهم هو كيف يستغل المرء الفرص التي تتاح له. كما نحجب أسماء العائلة لتجنب التحيز العرقي الضمني.

ونعتمد على التقييمات الموجزة كطريقة إضافية لتقليل فرص التحيز. فمثلاً عندما نقابل مرشحَين ونحكم على أحدهما بأنه أقوى من الآخر بالتحليل الكمي مثلاً، يمكننا التحقق من ذلك عبر معرفة مَن الذي حصل فعلاً على درجات أفضل في تقييمنا الكمي. لقد حدث أكثر من مرة أن حكمنا على امرأة بأنها أقل من رجل في المقابلة بناءً على المهارات، لكننا اكتشفنا لاحقاً أنها تتفوق عليه في التقييم.

في الواقع، غالباً ما يكون ثمة فرق بين الطريقة التي يصف بها الشخص مهاراته وقدراته الفعلية، لذلك من الضروري التأكد من عدم الوقوع في فخ مرشح يتحدث ببلاغة أو إهمال مرشح يُظهر تواضعاً شديداً. لا يوجد تقييم “موضوعي” بالكامل، ويمكن أن تؤثر عدة عوامل على أداء المرشح مثل وقت إجراء التقييم (مساءً أم في الصباح الباكر) أو خوفه من أثر الصورة النمطية لخلفيته (العرقية أو الطبقية على سبيل المثال). لكن استخدام المعطيات المتعددة للوصول إلى تقييم مستنير وعادل لمهارات المرشحين يمكن أن يساعد على تحسين عملية التوظيف. في الوقت نفسه، نسعى إلى ضمان أن تكون العملية معقولة وعملية بالنسبة إلى المرشحين، من باب احترام وقتهم وجهدهم.

2. نهج موحد للراتب الأساسي يضمن المساواة

نحن نكشف عن الرواتب في إعلانات الوظائف بطبيعة الحال. أصبحت هذه الممارسة أكثر انتشاراً في السنوات الأخيرة، بل أصبحت قانوناً في عدد من المدن والولايات، إذ يُطلب من الشركات التي يتجاوز عدد موظفيها حداً معيناً إدراج نطاق الرواتب أو مقياسها في إعلانات الوظائف الشاغرة. لكننا نكشف عن مبلغ الراتب بدقة، وليس نطاقه. نحن لا ندفع رواتب أعلى مقابل الخبرة أو الدرجات العلمية، فهي تساعد على تأهيل المرشح لنيل الوظيفة. نحن ندفع مقابل العمل المُنجز ولا نتفاوض حول الرواتب مع مَن نوظفهم. ففي حال اعتبرناك الشخص المناسب للوظيفة، سندفع لك مقابل تلك الوظيفة. وهذا يضمن عدم وجود فجوات في الأجور على أساس النوع الاجتماعي أو العِرق. وبصرف النظر عن التعديل المتعلق بموقع السوق الجغرافي، فإن رواتب الوظائف نفسها متطابقة (يتقاضى الموظفون في مكتبنا في مدينة سان فرانسيسكو 10% زيادة عن موظفي مكتبنا في مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس).

يسألنا الناس أحياناً: “هل تقدّمون زيادات على الراتب الأساسي بناءً على الجدارة؟” الجواب لا، نعارض دائماً هذه الممارسة بقوة. لم نفهم لماذا يجب علينا زيادة الراتب في الأعوام المقبلة مقابل الأداء القوي في العام الماضي. ومع ذلك، تبقى هذه الممارسة شائعة في المؤسسات غير الربحية والمؤسسات الخيرية والشركات.

3. تعويض الحوافز المستند إلى الأداء يكافئ أداء المجموعة وليس الفرد

لدينا نسبة كبيرة من التعويضات المرتبطة بالأداء وتدفع على صورة مكافأة في نهاية العام. ولكن، منذ خمسة أعوام استبعدنا تماماً التعويض المستند إلى الأداء الفردي -كان ذلك بالصدفة، وفي الوقت الذي لاحظنا فيه الكثير من المؤسسات غير الربحية يضيف حوافز أداء فردية- وجعلنا ذلك التعويض يعتمد كلياً على أداء المؤسسي العام. أحد أسباب إقدامنا على ذلك هو فهمنا للأبحاث المتاحة المُقدمَة في كتب مثل “الحافز” (Drive) لدانيال بينك، التي تشير إلى أن الحوافز الفردية يمكن أن تقوّض حوافز العمل الجماعي عندما تكون الأجور فوق مستوى معين؛ وأنها قد لا تنجح في تحفيز الموظفين؛ وأن التحيز وتقدير الأداء على نحو غامض يمكن أن يتسبب بحدوث ظلم ومشكلات. لقد اختبرنا بعض هذه السلبيات على نحو مباشر.

على سبيل المثال، لاحظ بعض موظفينا وجود اختلافات في الحوافز بين الفِرق وضمن الفريق الواحد. وأبلغ آخرون عن شعورهم بالإحباط عندما كان تعويض الحوافز المستند إلى الأداء في النطاق “العادي” على الرغم من أننا نهدف إلى أن يكون مؤشراً على الأداء القوي الذي يلبي توقعاتنا العالية. ونتيجة لذلك اجتمع بعض أعضاء فريق العمل لدينا لاقتراح تغيير في النهج المتبع، بحجة أننا نقوّض عن غير قصد الأداء المؤسسي العام، فاستمعنا واستجبنا.

نحن نقيس إجمالي المكافآت بانتظام مقابل السوق لضمان قدرتنا على المنافسة، كما نطبّق زيادات قياسية في الأجور على أساس السوق كل عام. قد يكون من الصعب على الموظف الذي بقي في الوظيفة نفسها عدة سنوات عدم الحصول على زيادة غير تلك الزيادات، لكننا نحاول مساعدته على فهم الجانب الآخر للحقيقة، وهي أنه حصل على راتب أعلى من متوسط راتب الوظيفة عندما تولاها، حتى قبل أن يتقنها. ونظراً لشفافية عملياتنا، فهو يعرف أنه يتلقى الراتب نفسه الذي يتلقاه من يؤدي الوظيفة نفسها في المؤسسة ويمكنه بالطبع مقارنة راتبه بالبيانات المتاحة للجمهور.

والجدير بالذكر أننا لم نلاحظ أي تراجع في الأداء أو الدافع لدى موظفينا منذ فصل الأجر عن تقييمات الأداء الفردية. في المقابل، أظهرت نتائج استقصاء الموظفين لدينا تحسناً في العديد من التدابير المتعلقة بالمشاركة، إذ أصبحت أقوى مما كانت عليه في السابق. ويُفاجئ الموظفون الجدد من عدم وجود منافسة أو سياسات غير الصحية في ثقافتنا، والمدى البعيد الذي يصل إليه الموظفون لمساعدة زملائهم على النجاح.

4. ثقافة شركة تركز في الملاحظات والأداء على جميع المستويات مع قدرة الجميع على الإسهام

لا ينجح النهج الذي وصفناه والذي يعتمد على الراتب الأساسي وتعويضات الحوافز إلا إذا دعمنا الأداء القوي وأدرناه جيداً عبر آليات فعالة لتقديم الملاحظات. بنينا نظام إدارتنا للأداء على أساس منطقي مفاده قدرة الموظفين جميعهم على الاستمرار في التعلم والنمو بطرق تفيد المؤسسة إلى جانب مسارهم المهني، وأن الملاحظات ضرورية للتطوير المستمر.

لذلك نجري العديد من “التقييمات المصغرة” كل عام لتشجيع التواصل المستمر بين المدراء وموظفيهم حول آلية العمل، ولتجنب التقييمات ذات المخاطر العالية التي تقام مرة واحدة في العام، وهي شائعة جداً لدى الكثير من المؤسسات. ويمثل تقييم الأداء بطريقة 360 درجة عنصراً أساسياً في ثقافتنا أيضاً. على سبيل المثال، يمكن لجميع الموظفين تقديم ملاحظات تتعلق بفيل (رئيس المؤسسة)، التي تُجمع بواسطة طرف ثالث خارجي وتُرسل إلى لجنة الأداء المؤسسي والتعويضات لمجلس الإدارة (وفي النهاية مجلس الإدارة بالكامل) وحينها يطّلع فيل عليها. لا يوجد حماية لأحد من الملاحظات المنتقِدة (أو الإيجابية)،

وبطبيعة الحال لا يتمتع أحد بالكمال. لكن ما يزال العديد منا في مؤسسة سيب يواجه صعوبة في التحدث بصراحة لتوجيه الملاحظات والتعبير عن وجهة نظر مختلفة. نلاحظ أيضاً ميلاً إلى توجيه الملاحظات كتابةً لتجنب المحادثات الثنائية الضرورية والأكثر إنتاجية في نهاية المطاف. يبدو أن العمل عن بُعد أدى إلى تفاقم هذه المشكلة، بسبب عدم قدرة الزملاء على مناقشة القضايا والتحديات في أي وقت ووجهاً لوجه. لذا فإن التحسن في تقديم الملاحظات وتلقيها هدف رئيسي مستمر بالنسبة إلينا، ولدينا مناقشات متكررة للموظفين وجلسات تطوير مهني حول هذا الموضوع.

الأهم من ذلك، لا نخشى إنهاء عمل الموظف عندما لا يكون مناسباً أو عندما يكون من الواضح أن أداءه ليس بالمستوى المطلوب، وذلك بعد إجراء عملية عادلة. يحدث ذلك على نحو أقل من السابق بسبب إجراء تحسينات على عمليات فحص المرشحين للوظائف وتوجيه الموظفين الجدد، ولكنه ما زال يحدث. وعندما يحدث، ينصبُّ تركيزنا على معاملة الموظف المغادر باحترام وإنصاف، إلى حد يجعلنا نتقاسم مسؤولية “الخطأ” عند الإخفاق.

وعندما يغادر الموظفون لأي سبب كان، نحتفل بهم. ولأننا مؤسسة صغيرة نسبياً، فإننا نعلم أنه لا يمكننا توفير فرص مستمرة للترقية والنمو للجميع. نعتبر وجود شبكة قوية من الموظفين السابقين رصيداً لنا، فنبقى على تواصل معهم ونرحب بعودة من ينضمون إلى مؤسسة سيب حتى بعد سنوات.

5. التزام عميق بالتنوع والمساواة والشمول يرفض الأداء الاستعراضي ويركز على تحمل مسؤولية النتائج ويتجنب الاعتماد على الاستشاريين

لقد رأينا جميعاً كيف يمكن أن تكون جهود المؤسسات والشركات في مجال التنوع والشمول غير منظمة وغير فعالة، وتأتي غالباً استجابة لأحداث خارجية أو دعوة داخلية بدلاً من التزام حقيقي ومستدام من قبل القيادة. وليس من المستغرب في هذا السياق أن نسمع الكثير من الادعاءات بأن جهود التنوع والمساواة والشمول قد “أخفقت”.

نحن نؤمن بأن تحقيق التقدم في مجال التنوع والمساواة والشمول يتطلب وجود أهداف مكتوبة نقيّم التقدم على أساسها بانتظام. تكون الأهداف أكثر فاعلية عندما تركز على السلوكيات التي تطبّق التنوع والمساواة والشمول وعلى بناء الكفاءات بدلاً من تغيير العقلية. ويجب أن تكون أهداف التنوع والمساواة والشمول خاصة بسياق المؤسسة، إذ لا يوجد حل واحد يناسب الجميع.

نبتعد عن الممارسات التي تشير الأدلة إلى أنها غير فعالة أو هدّامة حتى لو كانت رائجة، مثل استخدام نماذج محددة لجلسات الحوار حول الامتيازات والتحيزات الاجتماعية، أو التدريب الإلزامي على التنوع لوجوده على قائمة المهام فحسب. كحال العديد من المؤسسات، مررنا بتجربة مريرة مع مستشارين خارجيين في مجال التنوع والمساواة والشمول تنقصهم الكفاءة، مثل إحدى الشركات (لم تعد موجودة الآن) التي كانت تطبّق التوصيات نفسها على كل المؤسسات بغض النظر عن اختلاف السياق، وكانت تعتبر أي تسلسل هرمي داخل المؤسسة دليلاً على وجود “مشكلة في التنوع والمساواة والشمول”. نحن صريحون بشأن وجود تسلسل هرمي في مؤسسة سيب، كما هي الحال في أي مؤسسة، وهو ضروري لفعالية المؤسسة. يمكن أن يتواءم التسلسل الهرمي مع ثقافة شمول تعطي لكل صوت أهمية. بالإضافة إلى ذلك، من الأسهل قبول التسلسل الهرمي عندما يكون التنوع موجوداً في جميع المستويات.

من خلال عملنا على تحقيق التنوع والمساواة والشمول، وجدنا أن تطوير الخبرة الداخلية أمر بالغ الأهمية، وذلك لمساعدتنا على تقدير ما يجب علينا فعله (وما يجب ألا نفعله) وضمان التركيز المستمر. تحقيقاً لهذه الغاية، أصبحت ليا، عندما كانت تعمل في مؤسسة سيب، مختصة تنوع معتمدة من قِبل معهد إنيستيتيوت فور ديفيرسيتي سيرتيفيكايشين (IDC) ومسؤولة مؤهلة للتقييم التنموي بين الثقافات (IDI)، وهو تقييم نوفره لجميع الموظفين ونناقشه بانتظام. ومع ذلك، لن ينجح أي جهد في مجال التنوع والمساواة والشمول إذا اعتُبرت مسؤوليته مسؤولية شخص واحد، لذا ندعم الموظفين جميعهم في سعيهم لمجموعة متنوعة من فرص التطوير المهني المتعلقة بالتنوع والمساواة والشمول.

كما نجري جلسات متكررة يديرها الموظفون حول مواضيع التنوع والمساواة والشمول ذات الأهمية، وتشمل هذه الجلسات عرض تاريخ التمييز العرقي ضد ذوي البشرة السمراء في أميركا ومشاهدات جماعية لسلسلة الأميركيين الآسيويين (Asian Americans) الوثائقية التي تنتجها قناة بي بي إس (PBS) وجلسات حول الصحة النفسية. نحن نشجع الموظفين على جميع المستويات وفي جميع الفِرق على اقتراح الموضوعات والمساعدة في تنظيم الجلسات. والأهم من ذلك أن هذه الجلسات دائماً اختيارية، لأننا نعلم أهمية أن يحضرها الموظفون بملء إرادتهم لكي تحقق النتائج المنشودة. يتيح ذلك للموظفين ذوي البشرة الملونة الذين قد لا يرغبون في المشاركة بمناقشة التمييز العرقي مع زملائهم في العمل عدم الحضور. لكن بعضها إلزامي للموظفين المسؤولين عن مهام ذات صلة بالتمييز العرقي مثل جلسات التدريب على مكافحة التحيز بالتوظيف وتقييمات الأداء.

6. الشفافية والاهتمام والثقة

ترتكز كل هذه السياسات على ثقافة شركة نسعى إلى توضيحها بالتفصيل بدعم من مجموعة عمل من الموظفين. يتضمن بيان مؤسستنا حول ثقافة الشركة 10 مكونات، ولكنها ترتكز جميعها على الشفافية والعناية والثقة.

نحن نتشارك الأمور فيما بيننا أكثر من اللازم كما تلاحظون. إذ نسعى جاهدين لنكون صريحين بشأن ما يجري في المؤسسة ضمن اجتماعات الموظفين أو أي مناسبة أخرى. ونوزع المواد التي نُعدها لاجتماعات مجلس الإدارة لكامل طاقم العمل المكون من 60 موظفاً أو أكثر وندعوهم إلى طرح الأسئلة، الأمر الذي قد يبدو غير ذي أهمية كبيرة. وأحياناً لا نوزع مواد جلسات المسؤولين التنفيذيين مثل مراجعة أداء رئيس المؤسسة أو تخطيط تعاقب الرؤساء التنفيذيين على الموظفين جميعهم، ولكن الجميع يعرف كل شيء.

لدينا أيضاً ثقافة اهتمام غير مألوفة، ويعود الفضل في ذلك إلى كل موظفي المؤسسة. يهتم الموظفون بعضهم ببعض، ويبادرون إلى المساعدة عندما يواجه أحد الزملاء مشكلات شخصية أو عائلية، ويحتفلون بنجاحاته المهنية والشخصية. نبدأ كل اجتماعات الموظفين بتوجيه الشكر وإتاحة المجال لأي شخص يود أن يشكر زملاءه. يستغرق الأمر أحياناً 10 أو 15 دقيقة قبل أن نبدأ جدول الأعمال.

الثقة أساس ثقافتنا. نفترض أن هدف موظفينا هو بذل قصارى جهدهم في العمل، لذلك نسعى جاهدين لتوفير أقصى قدر من الحرية والاستقلالية والحد من القواعد ما أمكن. نُفاجأ عندما يطلب الموظفون الجدد الإذن من مدرائهم لحضور مسرحية لأطفالهم أو الذهاب إلى صالون الحلاقة ضمن ساعات العمل بدلاً من إبلاغهم ذلك بكل بساطة. فالمهم إنجاز العمل، وحضور الموظفين الاجتماعات في المكتب أو عن بُعد عندما يُطلب منهم ذلك.

يسألوننا الناس: “ألا تُخدعون في بعض الأحيان؟” بالطبع، لكن إذا استغل أحد الموظفين ثقافة الثقة في مؤسستنا، فذلك ليس بالسبب الكافي لتغييرها، بل علينا حينها أن نجلس معه لنفهم سبب فعلته.

نسمع أن قادة بعض المؤسسات يشكون من انعدام الثقة، ويتألمون لأن موظفيهم لا “يفترضون النية الحسنة”. لكن لماذا يحدث ذلك معهم؟ تعرضت غالبية الموظفين للخداع أكثر من مرة على يد مَن يشغلون مناصب قيادية، سواء في المدرسة أو مكان العمل أو كليهما. لذلك نحاول إظهار الثقة بالموظفين منذ اليوم الأول، لكننا لا نتوقع منهم أن يتغيروا بسرعة. نذكّر أنفسنا بصفتنا قادة بأنه علينا كسب ثقة موظفينا. تسهم الصراحة والشفافية ببناء الثقة بدرجة كبيرة،

ومن العناصر الأساسية لبناء الثقة الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه. ارتكبنا العديد من الأخطاء في عملية تجاوزنا للجائحة وعودتنا إلى المكاتب، لكننا كنا صريحين حول ذلك وتحملنا مسؤولية الأخطاء. كما كانت لدينا آلية عمل قائمة على الصراحة والمشاركة مع مجموعة استشارية من الموظفين من مختلف أقسام المؤسسة، وتشاورنا معهم حول كل القرارات المهمة تقريباً. ساعدنا ذلك على ارتكاب أخطاء أقل مما كنا سنرتكب لو عملنا بمفردنا، كما ساعد الموظفين في التعرف على مدى صعوبة المرحلة بأكملها.

العمل يتقدم إلى الأمام

الرسالة مهمة أيضاً بطبيعة الحال. يستمد موظفو مؤسسة سيب عموماً الإلهام من عملنا ويشعرون بالفخر بالتأثير الذي نستطيع أن نحققه. فمن الصعب تحفيز الموظفين والحفاظ على ثقافة شركة قوية إن لم ننجح في ذلك. كان قرارنا هنا التركيز على ممارسات الموظفين وثقافة الشركة التي نعتقد أنها تنطبق على مختلف المؤسسات التي تسعى إلى تحقيق رسالات مختلفة تماماً.

يجب تكييف النهج المتبع في التعامل مع الموظفين وثقافة الشركة في المؤسسات وفقاً للسياق الخاص بكل منها. لا يمكننا الادعاء بأن الممارسات التي ننصح بها ستنجح مع أي مؤسسة بغض النظر عن عدد موظفيها.

كما نقرّ بأننا استفدنا من مزايا متنوعة لا يتمتع بها جميع المؤسسات. فلدينا فريق قيادة مستقر على نحو مميز، كما نستفيد من نوع التمويل -الدعم التشغيلي العام المتواصل المتعدد السنوات بالإضافة إلى تدفقات الإيرادات المكتسبة القوية (تشكّل الإيرادات المكتسبة غالبية إيراداتنا)- الذي يسمح لنا بتقديم تعويضات ومزايا قوية لموظفينا.

ندرك أنه ليس لدى جميع المؤسسات المزايا نفسها، لكننا نعتقد أننا تعلمنا على مدار سنوات خِبرتنا بعض الممارسات التي يمكن تطبيقها على نطاق واسع. من الممكن التقصير في بعض الممارسات دون انتباه، وإن كان منها ما يُطبق على نطاق واسع، فلا يعني ذلك أنه يناسب مؤسستك، مثل دفع أجور أعلى لأصحاب الشهادات بدلاً من دفع الأجر المناسب للوظيفة أو ربط المكافآت بالأداء الفردي المفترض.

الموظفون وثقافة الشركة عاملان مهمان لاستدامة الأداء المؤسسي على المدى الطويل. نرى من خلال عملنا مع المؤسسات أن ما يحدث داخلياً يؤثر بطريقة مباشرة في صورة المؤسسة لدى مَن يتعامل معها. ولعل أفضل استثمار لدى القائد هو الاهتمام الشديد بالموظفين وثقافة الشركة وتخصيص الوقت والجهد لضمان اتخاذ الخيارات المدروسة بعناية.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.