اقترحت العشرات من المقالات نهج القيادة المشتركة على اعتباره خياراً جذاباً للمؤسسات غير الربحية وطريقة عمل سليمة أكثر تتيح تعميق العلاقات وكسر العزلة بين الأطراف المعنية، كما أنه وسيلة جذابة للرؤساء التنفيذيين أصحاب البشرة الملونة. يوفر إشراك عدة رؤساء تنفيذيين في القيادة فوائد عدة للمؤسسات غير الربحية، إذ يقلل الاحتراق الوظيفي ويعزز التوازن بين العمل والحياة الشخصية، ويتيح خيارات أكثر للتعامل مع التغييرات القيادية، ويسمح بالأخذ بوجهات نظر متعددة في عملية صنع القرار، ويفسح المجال للتنوع العرقي وإشراك النساء في الأدوار القيادية العليا.
يرى العديد من المؤسسات غير الربحية هذه الحجج مقنعة، ففي عام 2023 أجرت مؤسسة كانديد (Candid) مراجعة لجميع المؤسسات الخيرية العامة في قاعدة بياناتها ووجدت أن نحو خُمس المؤسسات، أكثر من 10,000 مؤسسة، اتبعت نموذج قيادة مشتركة، وثمة 4 خصائص تميز المؤسسات التي نجحت في اتباع هذا النموذج وهي:
1. لكل قائد دور متمايز عن الآخر ويكمله في الوقت نفسه
2. يتقبل كل قائد قرارات القائد الآخر ويدعمها
3. التوازن في السلطة والعلاقات
4. يناقش القائدان المشاركان عملية صناعة القرارات بصبر ويلتزمون بإجراءاتها
لم تتطرق مقالات كثيرة إلى تعقيدات القيادة المشتركة ومخاطرها ولا عيوبها، وكيف يمكن لمجالس الإدارة والمسؤولين التنفيذيين توقع المشكلات التي قد تنشأ وإدارتها، مع مراعاة الاعتبارات المذكورة. ومع ذلك، في حين أن القيادة المشتركة تناسب بعض المؤسسات والقادة تماماً، فإن تطبيقها صعب في مؤسسات أخرى.
على مدار أكثر من عقدين من العمل مع المؤسسات ذات القيادة المشتركة، بالإضافة إلى استخدام نموذج القيادة المشتركة في شركة ويلسبرنغ (Wellspring) للاستشارات، واجهنا 3 مخاطر أساسية يجب أن تكون المؤسسات غير الربحية التي تفكر في تبني نموذج القيادة المشتركة على دراية بها:
القيادة المشتركة بالاسم فقط. في كثير من الأحيان، حتى عندما تسعى مؤسسة غير ربحية إلى تعيين قائدين متساويين في السلطات القيادية، فإن واحداً منهما فقط يعتبر "القائد الحقيقي" من الناحية العملية، حيث يتمتع بالقدر الأكبر من السلطة والنفوذ، ويعرف الموظفون ومجلس الإدارة والشركاء الخارجيون ذلك. وغالباً ما يتعرض القائد الثانوي إلى التجاهل وتقوَّض جهوده، ويكون رئيساً تنفيذياً بالاسم فقط. وفي الوقت نفسه، فإن مجلس الإدارة الذي يقدم تعويضات متساوية مقابل مساهمات تنفيذية غير متوازنة قد يخلق استياء لدى القائد الذي تقع أعباء المؤسسة على عاتقه حقاً.
قد تصبح عملية اتخاذ القرارات مسيسة وبطيئة. إذا لم تحدد المؤسسات ذات القيادة المشتركة سير العمل وعملية اتخاذ القرارات بدقة، فقد تنخفض إنتاجيتها، حيث يعاني الموظفون الارتباك والإحباط ويفقدون الثقة بقائديهم. حتى عندما يضع القائدان معايير واضحة، قد تظل مسألة من يتخذ القرار النهائي مبهمة، وقد يستغرق التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الخلافية وقتاً طويلاً (أو قد يكون مستحيلاً في حالات الطوارئ التي تتطلب السرعة)، وعندما لا يكون صاحب القرار محدداً، فقد يستغل الموظفون اختلاف الآراء بين القائدين لتمرير القرارات التي تتماشى مع رغباتهم. وكما قال أحد الموظفين في مؤسسة ذات قيادة مشتركة: "هناك الكثير من القرارات المتشابكة، فالقرار الصحيح وفقاً للبرنامج قد لا يكون صحيحاً من الناحية المالية. لذلك يتبع الموظف رأي القائد الذي ينسجم معه". وفي الوقت نفسه، إذا صدر الكثير من القرارات في مداولات بين شخصين في القيادة العليا، فقد يحد ذلك من مشاركة دائرة أوسع من الموظفين في صناعة القرار.
ظهور خلافات غير قابلة للحل بين القائدين المشاركين. لقد رأينا في ويلسبرنغ قائدين مشاركين موهوبين وملتزمين بشدة، تركيزهما منصب على رسالة المؤسسة، لكنهما غير متوافقين على مسائل أساسية تتعلق بالاستراتيجية أو الثقافة التنظيمية، وصلا في نهاية المطاف إلى طريق مسدود، حيث رأى كل منهما عجزاً عن التوصل إلى حل وسط. يؤدي عدم التوافق حول النقاط الأساسية للاستراتيجية أو الثقافة إلى إضعاف تأثير الرسالة ومعنويات الموظفين، ويمكن أن يضع مجلس الإدارة في نهاية المطاف في موقف صعب حيث يضطر إلى الاختيار بين رؤيتين متنافستين للمستقبل. إذا كانت المجموعات المختلفة من أعضاء مجلس الإدارة تشعر بارتباطها بقائد أكثر من الآخر، فسيكون من الصعب جداً تجاوز الخلافات غير القابلة للحل.
يمكن للمؤسسات غير الربحية أن تجتاز مخاطر القيادة المشتركة وتحقق فوائدها التي وصفتها الأدبيات بدقة، لكن على أعضاء مجلس الإدارة والمسؤولين التنفيذيين الذين يودون اتباع نموذج القيادة المشتركة أن يفكروا أولاً فيما إذا كنت مناسبة لهم؛ وإذا كانت كذلك، فيجب عليهم تكريس الاهتمام اللازم لتطبيقها بنجاح، وتوضيح الأدوار والسلطة وإجراءات صناعة القرار في البداية ومتابعتها مع مرور الوقت.
هل القيادة المشتركة مناسبة لمؤسستك غير الربحية؟
من المرجح أن تتمتع المؤسسة ذات القيادة المشتركة الناجحة ببعض الخصائص الثابتة:
1. لكل قائد دور متمايز عن الآخر ويكمله في الوقت نفسه. تناسب القيادة المشتركة المؤسسات غير الربحية التي تعمل ضمن مجالين أساسيين مختلفين يتطلبان مجموعتين مختلفتين من المهارات، والمسارح خير مثال على ذلك؛ فهي تحتاج إلى قيادة فنية وقيادة تجارية لكي تزدهر وغالباً ما يشترك في قيادتها مدير فني ومدير تنفيذي يشرف كل منهما على العمل والقرارات في مجاله الذي يتداخل مع مجال القائد الآخر، ولكنه يتمايز عنه إلى حد كبير في الوقت ذاته. وعلى الرغم من أن بعض التداخل بين دوري القائدين الكبيرين أمر لا مفر منه، ويمكن أن يكون مفيداً، فإن ازدياد التداخل يزيد تعقيد عملية اتخاذ القرارات المشتركة والوقت اللازم لها. وإذا لم يكن لكل مسؤول تنفيذي دور متمايز عن الآخر، فستكون القيادة المشتركة أصعب.
2. يتقبل كل قائد قرارات القائد الآخر ويدعمها. عندما يصبح التوافق التام بعيد المنال، وهذا ما سيحدث أحياناً، يجب أن يكون القائد على استعداد لقبول قرار زميله القائد الآخر ودعمه. وحتى بعد النقاش المحتدم في الجلسات المغلقة، فإن القائدين اللذين يظهران موقفاً موحداً في العلن، يرسلان رسالة إلى الموظفين ومجلس الإدارة مفادها أن المسألة قد حُسمت وأن لدى المؤسسة مساراً واضحاً للمضي قدماً.
3. التوازن في السلطة والعلاقات. تكون القيادة المشتركة أسهل وأكثر فعالية عندما يتمتع القائدان بمستويات مماثلة من المصداقية والعلاقات المتينة، سواء داخل المؤسسة أو مع الداعمين الرئيسيين. إذا لم تكن هذه هي الحال بعد، ينبغي أن يعمل الموظفون ومجلس الإدارة بجد لخلق هذا التوازن؛ إذ يمكنهم إدخال أعضاء جدد إلى مجلس الإدارة ممنلديهم علاقات قوية مع القائد المشارك الأقل شهرة، وتخصيص وقت ليتفاعل مع أعضاء المجلس والموظفين ويبني معهم علاقات أقوى، ومنحه الفرص لبناء الثقة والعلاقات مع المانحين. من المهم السعي لتحقيق توازن أكبر مع مرور الوقت لأنه إذا انحصرت السلطة والمساءلة بشأن المسؤوليات التنفيذية، مثل جمع التبرعات وإدارة مجلس الإدارة، في شخص واحد، فسيكون القائدان متساويين بالاسم فقط.
4. يناقش القائدان المشاركان عملية صناعة القرارات بصبر ويلتزمون بإجراءاتها. تتطلب القيادة المشتركة وضع إجراءات واضحة لصناعة القرارات والالتزام بها، ويتطلب التوصل إلى إجماع على القرارات التي تؤثر في المؤسسة كلها وقتاً وتخطيطاً. فالقائد الذي يفضل اتخاذ قرارات عفوية ولحظية أو الذي يستصعب الالتزام بإجراءات صناعة القرارات قد يستاء من واقع القيادة المشتركة الحقيقية، حيث يفتقر في بعض الأحيان إلى حرية اتخاذ القرارات الكبيرة بمفرده. أما المسؤولان التنفيذيان اللذان يقودان المؤسسة معاً بصدق فيلتزمان بأسلوب قيادة مختلف قائم على التعاون، فهما على استعداد للاجتماع بانتظام للتوصل إلى إجماع على القضايا ذات التأثيرات الشاملة ويتقبلان وجهات النظر الأخرى.
الاستعدادات المطلوبة لنجاح نموذج القيادة المشتركة
قبل التحول إلى القيادة المشتركة، يجب أن يكون الرئيسان التنفيذيان متفقين على رسالة المؤسسة ورؤيتها وأهدافها طويلة الأجل، يجب أن يوضحا دور كل منهما ومسؤولياته: ما هي أنواع القرارات التي يمكن له اتخاذها بمفرده؟ وما هي القرارات التي ينبغي أن يتخذها القائدان معاً؟ وعندما تفشل الجهود المبذولة للتوصل إلى إجماع، وهذا ما سيحدث، من سيتخذ القرار النهائي؟
بعد أن يحدد القائدان المشاركان هذه الأدوار والمسؤوليات والإجراءات، يجب عليهما أن يوضحا للموظفين كيف سينفذ كل قائد مسؤولياته والخطوات التي سيتبعانها في صناعة القرار. يتطلب تبني قواعد جديدة لصناعة القرار بالتعاون مع القائدين المشاركين، تواصلاً فعالاً ووقتاً وتكراراً كثيراً قبل أن تصبح هذه القواعد متأصلة في المؤسسة، إذ يجب عليهما التفكير ملياً في كيفية تعامل المؤسسة بأكملها مع النزاعات. يتبع بعض المؤسسات إجراءات لحل النزاعات وتختار محكماً يمكن لكل قائد اللجوء إليه عند نشوب النزاعات، كما يمكن لمجالس الإدارة أيضاً وضع خطط للتعامل مع النزاعات، بما في ذلك خيار تفكيك هيكل القيادة المشتركة إذا لزم الأمر.
التواصل وتعميق العلاقات عنصران أساسيان لاستمرارية القيادة المشتركة
لكي تكون القيادة المشتركة فريقاً فعالاً، يجب على القائدين المشاركين بناء علاقة قوية بينهم قائمة على الاحترام والثقة، وتتطلب مثل هذه العلاقات وقتاً ورعاية، فحتى عندما يكون القائدان مثقلين بالمطالب، يجب أن يمنحا أولوية للتواصل المنتظم. ولتجاوز النزاعات وحالات الطوارئ بطريقة إيجابية، يحتاج القائدان إلى مهارات لإجراء حوارات صريحة وبناءة كما يجب أن يلتزما بالنظم والإجراءات التي وضعاها. إن فوائد القيادة المشتركة لا تحصى وقيمتها كبيرة، ويمكن أن تكون في متناول المؤسسات المستعدة لبذل الجهود في سبيل تحقيقها.