6 عوامل لخلق أفضل بيئة ريادة أعمال اجتماعية: دولة الإمارات مثالاً

4 دقائق
قطاع ريادة الأعمال الاجتماعية
shutterstock.com/ Jacob_09

يتجه الأفراد عادةً لتأسيس أعمالهم الخاصة بدافع بناء الثروة أو الشعور بحرية أكبر عبر إدارة مشاريعهم بأنفسهم، لكن في السنوات الماضية، برزت ريادة الأعمال الاجتماعية كقطاع حيوي متنامي مع ازدياد الاهتمام بدفع عجلة التغيير الاجتماعي عبر ابتكار منتجات جديدة وخدمات تُحسّن حياة الأفراد.

تعد ريادة الأعمال الاجتماعية مفهوماً حديثاً نسبياً يشير إلى المشاريع التي تسعى لتقديم حلول مبتكرة يمكن تنفيذها على نطاق واسع لمعالجة تحدي أو مشكلة اجتماعية محددة، وتختلف عن عمل المؤسسات الخيرية في أنها تطرح حلولاً للقضايا الاجتماعية في صورة منتج أو خدمة يمكن تسويقها للمجتمع وتحقيق عائدات مالية تُستخدم لتوسيع نطاق العمل، وتحسين المنتج أو الخدمة بطريقة تُعزز رسالتها المجتمعية.

وفي المنطقة العربية، وعلى الرغم من تراجع الإنفاق الحكومي بإضعاف الخدمات الاجتماعية، الذي خلق حالة من عدم اليقين حول المستقبل، ففي الوقت نفسه، ظهر جيل من رواد الأعمال الاجتماعيين الشباب الساعين إلى معالجة المشكلات الاجتماعية لتأمين حياة كريمة لأنفسهم وللمجتمع، وبيّن تقرير تنمية الأعمال الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط إفريقيا أن هناك دوافع لازدهار ريادة الأعمال الاجتماعية في البلدان العربية إذا تجاوزت العقبات المرتبطة  بالتمويل والدعم الحكومي والبيئة التنظيمية. 

محددات نجاح ريادة الأعمال الاجتماعية 

على الرغم من تزايد الاهتمام بالأعمال التي تساعد في معالجة المشكلات الاجتماعية؛ إلا أن المعلومات المتوفرة عن البلدان التي تشجع هذا القطاع المتنامي لا تزال  شحيحة، لذا تعاونت مؤسسة تومسون رويترز (The Thomson Reuters Foundation) مع برنامج صُنع من أجل الخير (Made for Good) التابع للبنك الألماني (Deutsche Bank)، لإجراء دراسة استقصائية بعنوان: أفضل البلدان لتكون فيها ريادياً اجتماعياً لعام 2019 لمعرفة ما توفره كل دولة من هذه الدول من امتيازات وتسهيلات لرواد الأعمال من أجل النهوض بمشاريعهم الاجتماعية.

وركزت  الدراسة على ستة عوامل رئيسية لتحديد أفضل بيئة ريادية للمشاريع الاجتماعية، هي:

  1. مستوى الدعم الحكومي لمشروعات رواد الأعمال الاجتماعية.
  2. مرونة البيئة التي تتيح لرواد الأعمال جذب المهارات التي يحتاجون إليها لمشروعاتهم.
  3. الوعي المجتمعي حول أهمية المشروعات الريادية.
  4. مستوى الزخم الذي تكتسبه المشروعات الريادية حال إطلاقها في المجتمع.
  5. الأرباح التي تجنيها المشروعات الاجتماعية.
  6. سهولة وصول رواد الأعمال لمصادر التمويل والاستثمار اللازمة لنجاح مشروعاتهم المختلفة واستمرارها.

ريادة الأعمال الاجتماعية في الإمارات

سلطت الدراسة السابق ذكرها الضوء على البلدان التي تؤدي فيها النساء وأصحاب المشاريع الاجتماعية من فئة الشباب دوراً أكبر في هذا القطاع، والدول التي توفر بيئة مثالية للأعمال ذات التأثير اجتماعي، ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة التي جاءت في المركز 12 عالمياً  كأفضل البلدان للريادة الاجتماعية، متقدمةً  بسبعة مراكز عالمية بعد أن كانت في المركز 19 خلال عام 2016، وفي المركز الأول عالمياً، حسب معيار سهولة وصول رواد الأعمال إلى مختلف أنواع الدعم غير المادي مثل المشورة الاقتصادية أو القانونية أو التقنية، وحصولهم على مختلف أنواع الدعم والتدريب والتوجيه.

وتمكنت الإمارات من إتاحة مرونة أكبر لرواد الأعمال، وارتفع تصنيفها في هذا المعيار من المركز 12 عام 2016 إلى المركز التاسع عام 2019، فيما زاد تصنيفها خمسة مراكز بما يخص سهولة وصول رواد الأعمال لمصادر التمويل والاستثمار، لتحتل المركز 16 عام 2019 بعد أن كانت في المركز 21 عام 2016.

يعود هذا التقدم إلى اهتمام الإمارات بالتنمية والمنافع الاجتماعية، إذ وصل إنفاقها على هذا القطاع إلى نحو 124.8 مليار درهم خلال الفترة من 2017 إلى 2021، كما تعمل على تيسير مصادر التمويل والاستثمار لرواد الأعمال من أجل إطلاق مشروعاتهم الاجتماعية وتطويرها عبر مؤسسات أبرزها مؤسسة محمد بن راشد لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، إحدى مؤسسات دائرة التنمية الاقتصادية في دبي، التي تقدم حلولاً تمويلية، والعديد من خدمات الدعم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.

ويعد برنامج انطلاق، أحد أهم برامج المؤسسة، ويوفر للمواطنين المقيمين في دبي الدعم الكامل خلال مراحل إنشاء الشركة، بما في ذلك الترخيص، والدورات التدريبية، والدعم المالي والقانوني والتسويقي والفني، إلى جانب الاستشارات.

يوجد أيضاً صندوق خليفة لتطوير المشاريع الذي أطلقه رئيس الدولة وحاكم أبوظبي، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، عام 2007 للمساعدة في تطوير الاستثمارات المحلية وريادة الأعمال، ودعم وتطوير الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة في الإمارة.

ويقدم الصندوق مجموعة من البرامج الاجتماعية، منها:

  • برنامج أمل: يهدف إلى تمكين المواطنين الإماراتيين من أصحاب الهمم ودمجهم في قطاعات اقتصادية مناسبة لهم، ودعمهم عبر تقديم الاستشارات الفنية والمالية وغير المالية.
  • برنامج الردة: أُطلق بالتعاون مع القيادة العامة لشرطة أبوظبي، لتمكين  نزلاء المنشآت الإصلاحية من المواطنين من الدخول في قطاع الأعمال وإعادة دمجهم في المجتمع بعد قضاء مدة عقوبتهم.
  • برنامج إشراق: يمنح هذا البرنامج المواطنين المتعافين من الإدمان فرصة لدعم أفكارهم ومشاريعهم وإعادة دمجهم في المجتمع.

تتطلب ريادة الأعمال الاجتماعية جهوداً مشتركة بين القطاعات والمؤسسات المختلفة من أجل إنجاح المشاريع التي تعود بالنفع العام على المجتمع؛ لذا أطلقت الإمارات المنصة الذكية للمسؤولية المجتمعية للشركات في عام 2019، بهدف زيادة الوعي المجتمعي بمفهوم المسؤولية المجتمعية، وتفعيل شراكات تنموية مستدامة مع القطاع العام والخاص.

وتعمل المنصة على دعم قطاع الأعمال وتحفيزه للمشاركة الفاعلة في ممارسات المسؤولية المجتمعية، وتستهدف توسيع دائرة المشاريع الاجتماعية عبر إتاحة الفرصة أمام المؤسسات والشركات للمساهمة المادية أو العينية في المبادرات والبرامج التنموية، وتحويل الأفكار المبتكرة إلى واقع ملموس يعود بالنفع على المجتمع.

مشاركة الشباب في ريادة الأعمال الاجتماعية

في إطار الدراسة التي أعدتها مؤسسة تومسون رويترز؛ أظهر استطلاع حول دور رواد الأعمال الاجتماعيين الذين تقل أعمارهم عن 25 عاماً، أن الشباب يؤدون الدور الأكبر في هذا القطاع مع الأخذ بالاعتبار مدى اهتمامهم بالعمل في المؤسسات الاجتماعية، وتأثير مشاركتهم في هذا القطاع. وحققت الإمارات المركز السابع عالمياً بفئة بيئات المشروعات الاجتماعية لرواد الأعمال من الشباب، لتتجاوز كلاً من سويسرا وسنغافورة والسويد والنرويج وأستراليا.

ومن الخطوات المهمة التي اتخذتها الإمارات لتعزيز دور الشباب في قطاع ريادة الأعمال الاجتماعية، إطلاق جائزة الإمارات لشباب الخليج العربي بهدف تشجيع الشباب على تطوير حلول مبتكرة ومشاريع اجتماعية تعالج التحديات الأكثر إلحاحاً في المجتمع، وتُتاح الجائزة للمواطنين وشباب الخليج العربي والمقيمين في دولة الإمارات، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً، ويحصل الفائزون على منحة احتضان وبرنامج تدريبي وإرشادي من مؤسسة الإمارات لدعم فكرة مشروعهم المجتمعي.

النساء وريادة الأعمال الاجتماعية

أظهر استطلاع مؤسسة تومسون رويترز حول المكان الأفضل للسيدات كرائدات أعمال اجتماعية، تقدُم الإمارات من المركز 31 عام 2016 إلى المركز التاسع عالمياً والأول على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عام 2019.

وتفوقت الإمارات بفئة بيئات المشروعات الاجتماعية لرواد الأعمال من السيدات على دولاً متقدمة مثل سنغافورة والدنمارك والمملكة المتحدة واليابان.

فيما يخص ريادة المشروعات الإجتماعية للسيدات في الإمارات، قدمت مؤسسة نماء للارتقاء بالمرأة تجربة مميزة في هذا المجال، إذ أطلقت أكاديمية بادري للمعرفة وبناء القدرات، الذراع التعليمي للمؤسسة، برنامج "بادري لريادة الأعمال الاجتماعية" عام 2018 بالتعاون مع كلية ريادة الأعمال الاجتماعية في لندن.

ويعمل البرنامج على تمكين رائدات الأعمال في الإمارات، عبر تقديم دورات تدريبية تتيح لهن اكتساب المعرفة والمهارات الضرورية لإطلاق مشاريع اجتماعية ناجحة، منها مشروع "أيادي من وداد"، إذ ساعد البرنامج سيدة الأعمال وداد عبد الهادي على تحويل فكرتها الريادية إلى مؤسسة اجتماعية مؤثرة تدعم اليوم أكثر من 200 حرفي.

إذن، من المتوقع أن تحجز دولة الإمارات إحدى المراكز الثلاث الأولى عالمياً كأفضل بيئة لريادة الأعمال الاجتماعية خلال الأعوام القليلة المقبلة؛ وذلك نتيجة الدعم الذي تقدمه إلى رواد الأعمال الاجتماعيين ومساعدتهم في  تنفيذ برامج ومشاريع قادرة على إحداث تغييرات إيجابية في المجتمع.

المحتوى محمي