لماذا يجب على المؤسسات غير الربحية الإصغاء إلى احتياجات الفئات المهمشة؟

قادة القطاع الاجتماعي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يبدي قادة قطاع الخدمات الاجتماعية الذين “يتحدثون باسم” الفئات المهمشة سلوكيات مؤذية تقصي المجتمعات المهمشة من عملية صناعة القرارات التي تؤثر في حياتهم.

منذ عام تقريباً، جلست في إحدى زوايا غرفة اجتماعات لحضور اجتماع للموظفين في مؤسسة الرعاية الصحية غير الربحية التي عملت لديها لاحقاً، لم ألحظ أي إشارة تدل على أن هذا الاجتماع سيكون نقطة تحول في حياتي؛ إذ أمضينا ساعتين ناقش فيهما الحاضرون الأحداث التشريعية والتنظيمية، وتحققوا من حاجة الولايات الشريكة الأخرى إلى المساعدة، وعرض الموظفون إرسال رسائل إلكترونية لبعض الأشخاص للسؤال عن تفاصيل آخر مأزق بيروقراطي فيدرالي، والتزمت الصمت كعادتي.

وعلى الرغم من أن الحماس في الاجتماعات ينخفض عادة عند بدء الحديث عن مستجدات الأبحاث والتقارير، فقد اتخذ النقاش منحىً آخر حين تطرق أحد الإداريين إلى احتمال إصدار تقرير جديد حول توصيات السياسة المتعلقة بصحة الأمهات ذوات البشرة السمراء، لم يكن الحديث عن هذا النوع من المواضيع جديداً كلياً في المؤسسة، لكن الممولين كانوا يطالبون المؤسسة بمعلومات أكثر حول الارتباط بين العرق والعدالة الصحية تحديداً.

لم تفارق عيناي دفتر ملاحظاتي لكني كنت أصغي بإمعان؛ استمر أفراد الفريق بتوليد الأفكار عن الكتّاب المشاركين والمحاور الرئيسية والكتاب الرئيسيين المحتملين لمدة 10 دقائق من دون أي ذكر للنساء ذوات البشرة السمراء.

فطرحت سؤالاً بصوت عالٍ قاطع ضجيج حديثهم: “ما رأيكم بأن نقيم شراكات مع مؤسسات يقودها أشخاص من أصحاب البشرة السمراء؟ أعتقد أنه من المهم الانتباه إلى أنه ليس من الممكن أن نخدم المجتمعات من دون مشاركة أفرادها أنفسهم”.

عمّ الصمت بين زملائي، ربما من صدمتهم لأني تكلمت على غير العادة، وتوجهت وجوه الحاضرين في الغرفة، وكلهم بيض، إلى الرئيسة التنفيذية، البيضاء أيضاً، منتظرين ردها؛ استغرقت لحظة للتفكير في إجابتها ثم قالت: “لا، لا أظن أنها فكرة جيدة”. فتلاشت فرصة التعاون مع الأشخاص ذاتهم الذين كنا نتحدث عنهم ونخطط للكتابة عنهم كما يتلاشى بالون يفرغ من الهواء ببطء.

لم يفاجئني هذا الموقف؛ فقد توقعت هذا السلوك في قطاع الخدمات الاجتماعية، لاسيما في المؤسسات التي يقودها البيض. ولكن حقيقة هذه التجربة هي أن قادة قطاع الخدمات الاجتماعية الذين “يتحدثون باسم” الفئات المهمشة يبدون سلوكيات مؤذية تقصي تلك الفئات من عملية اتخاذ القرارات التي تؤثر في حياتها، بدلاً من السماح لها فعلياً بالمشاركة في الأعمال الحيوية لوضع السياسات والمناصرة وتقديم الخدمات، ولن تكون برامج التدريب الخاصة بالتنوع والمساواة والشمول مجدية على الإطلاق في حلّ هذه المشكلة إذا لم نعالج أسبابها الأساسية أولاً.

مجتمعات تعتمد على المؤسسات غير الربحية

أنا امرأة ثنائية العرق ومهاجرة من الجيل الثاني، وكحال العديد من أصحاب البشرة الملونة الذين ينجذبون نحو العمل في القطاع غير الربحي، كانت فكرة المساعدة في التوصل إلى حلّ لأكثر أوجه الإجحاف تعقيداً ورسوخاً في العالم مع مناصرة المجتمعات التي أنتمي إليها في نفس الوقت مصدر إلهام لي، ومع وجود أكثر من 1.5 مليون مؤسسة غير ربحية مسجلة في دائرة الإيرادات الداخلية في عام 2016 (و32.5% منها هي مؤسسات تركز على تقديم الخدمات الإنسانية)، أُتيحت لي فرص كثيرة للمشاركة.

تساعد المؤسسات غير الربحية في سدّ فجوات كبيرة في الخدمات التي لا يمكن للحكومة الفيدرالية تلبيتها بأي حال من الأحوال؛ أنظر إلى مجتمعك، وسترى غالباً أن المؤسسات غير الربحية هي التي تدير دور العبادة المحلية والمراكز الثقافية وأسواق المزارعين والعيادات الطبية وملاجئ المشردين وبرامج التدريب على العمل وغيرها الكثير. وبالنظر إلى مصالح كثير من المجتمعات المهمشة في هذه الخدمات اعتقدت بسذاجة أنه من الطبيعي أن يشارك أصحاب هذه المصالح مباشرة في صناعة القرارات التي تؤثر في مجتمعاتهم، ولكني كنت مخطئة.

ثمة منطق راسخ إلى حد ما في عمل هذه المؤسسات غير الربحية يقوم على منح الأولوية لحل المشكلات بناء على خطورتها وضرورة معالجتها بصورة فورية، وبالتالي إذا أشار أحد المؤلفات أو الأبحاث السابقة إلى أن إجراء تدخل ما سيساعد امرأة في التمتع بصحة جيدة في أثناء فترة حملها مثلاً، فتنفيذ هذا الإجراء عن طريق تقديم الخدمات المباشرة أو التوصيات السياسية الملائمة هو الخيار البديهي،

لكنه بديهي بالنسبة لمن تحديداً؟

ثقافة سيادة العرق الأبيض تعيق العدالة

لم تكن مشاركة المجتمع هي الأساس الذي تسير وفقه العمليات في المؤسسات غير الربحية التي يقودها البيض، وبغضّ النظر عن النوايا الحسنة، نعلم أنه من السهل على من يمسكون زمام السلطة والموارد الانجراف إلى عقليات تقوم على مبدأ “نملك ما تحتاجون إليه، لذا سنتخذ القرارات نيابة عنكم”؛ سيكون من اللطف وصف هذا الوضع بأنه مشين، إذ إن الخدمات والمناصرة وأدوات السياسات، التي تدافع عنها المؤسسات غير الربحية التي يقودها البيض على اعتبارها الحلول “المنشودة”، ستُبقي على الوضع الراهن القائم على التحسن التدريجي من دون معالجة أوجه التفاوت الأساسية. كتب المدافعان عن البيئة روبرت غارسيا وماريان إنغلمان لادو في مدونة المساحة الحرة التابعة للرابطة الوطنية للترفيه والمتنزهات: “تتساوى السياسة الطائشة مع التمييز المتعمَّد في الإجحاف، وهي تعادله من الناحية الوظيفية”.

غير أن اعتبار مشاركة المجتمع إطاراً لتوجيه العمل وإجراء الأبحاث من أجل تحقيق الهدف الأكبر المتمثل في إرشاد ممارسات صنع القرار ليس أمراً جديداً، إذ أثبتت مجموعة واسعة من المؤلفات ومجموعات الأدوات أهمية هذه الممارسات التي تقدم نموذجاً ديمقراطياً للإنتاج المعرفي يضع أصحاب المصلحة وأفراد المجتمعات محوراً له بدلاً من الممولين أو الأكاديميين أو المؤسسات غير الربحية التي يقودها البيض. سيرسخ تبنّي هذه النُهج ثقة أكبر بصنّاع القرار وعملية صناعته، إذ إن إشراك المجتمعات وجعلها محوراً لعملية صنع القرار يعني الإقرار بأن الأشخاص المتأثرين بهذه القرارات، سواء كانوا الأمهات ذوات البشرة السمراء أو المهاجرين الآسيويين أو أصحاب الهمم (ذوي الاحتياجات الخاصة) أو العمال الذين يتقاضون أجوراً متدنية، قادرون على حلّ المشكلات على نحو أفضل مقارنة بمجموعة صغيرة من الخبراء البيض. لا يخفى أي من ذلك على أحد، فالمشكلة لا تكمن في الافتقار إلى المعرفة أو أطر العمل أو الخطوات العملية اللازمة لوضع المجتمعات في محور العمل؛ بل في أن قادة المؤسسات غير الربحية البيض، وحتى الذين يعترفون بأن مفاهيم المشاركة والشمول هي عوامل أساسية في تحقيق العدالة والتكافؤ الاجتماعي، يميلون عادة إلى التحدث نيابة عن المجتمعات المهمشة وبالتالي استبعاد خبراتها ووجهات نظرها من أعمال تقديم الخدمات والمناصرة ووضع السياسات عن قصد أو دون قصد.

تنبع هذه الميول من ثقافة سيادة العرق الأبيض الراسخة وما يرافقها من عنصرية وتسلُّط يظهران حتماً حين يتحكم القادة البيض بالموارد والمجتمعات التي تعاني حرماناً من حقوقها الشرعية التاريخية والاجتماعية والاقتصادية. عندما ألتقي أصدقائي من زملاء العمل في القطاع غير الربحي، نناقش في كثير من الأحيان نزعة المنقِذ الأبيض السائدة في هذا القطاع، وتتنوع مواضيع أحاديثنا بين مناقشة حالات عرضية نسبياً إلى سلوكيات عنصرية صريحة، مثل طلب رئيس سابق لمؤسسة غير ربحية كنت أعمل فيها من امرأة ذات بشرة سمراء كانت تظهر في مقطع فيديو تثقيفي للمرضى أن يكون شعرها مجدولاً وأن تتحدث باللهجة الأبنوسية (لهجة أصحاب البشرة السمراء).

نتيجة لهذه الأفكار أدركت أمراً ذا أثر مدمر؛ ربما لو لم يكن قادة الشركات غير الربحية البيض هم أصحاب الكلمة الفصل في القرارات المهمة، أو لو كان صنّاع القرار يمثلون المجتمعات الأوسع المتضررة من أحد أنواع الإجحاف، أو لو أنهم آمنوا صدقاً بأن هذه المجتمعات تملك الحلول لمعالجة مشكلاتها ولا تحتاج إلى كتابة تقرير آخر عنها، لما كان للإقصاء والعنصرية مكان في بيئة عمل هذه المؤسسات.

في نهاية المطاف، يؤدي تجاهل قادة المؤسسات غير الربحية البيض للمجتمعات المهمشة وإقصاء أصواتها في الأمور التي تعنيها وتؤثر في حياتها إلى إسكات هذه المجتمعات وتوطيد سلطتهم. ليس الغرض من الحلول السطحية والتحسين التدريجي الحذر إنقاذ المحرومين، بل الإبقاء على سلطة فئة معينة من خلال السيطرة على الأموال والموارد بما يكفي لدعم استمرار المؤسسات التي يقودها البيض على حساب تحقيق العدالة الفعلية. كل ما تلقيتُه من تدريبات حول التنوع والشمول بعيد كل البعد عن الاعتراف بذلك، وأظن أن الحقيقة ستكون صادمة إذا لم تكن مؤيدة للجمهور والقادة البيض.

اصغِ بأذنيك

يقول القائد والناقد في قطاع العمل الاجتماعي، فو لي، في قصة كتبها على مدونته ننبروفيت أيه إف (Nonprofit AF ): “على مدى عام كامل، سألنا مجموعة كبيرة من المؤسسات التي تقودها مجتمعات أصحاب البشرة الملونة عما تحتاج إليه لتنمية قدراتها، وأجرينا مقابلات وأنشأنا مجموعات مركزة، فوجدنا أنها جميعها تحتاج إلى زيادة عدد الموظفين. إنها بحاجة إلى أشخاص، هذا ما تريده المجتمعات! لماذا تحاول العثور على نموذج ونحن لدينا بالفعل نموذجاً قوياً يمكننا اختباره؟“. ذكرتني تعليقاته بأن الإقصاء لا يحدث صدفة؛ فالقادة البيض يحصلون على الإجابات ولكنهم يختارون ألا يصغوا إليها.

“انظر بعينيك وليس بفمك” هي مقولة رددتها أمي وقريباتي المسنات على مسامعي مراراً وتكراراً، إنه قول مأثور فلبيني الأصل يعني أنك لن تعثر على ما تبحث عنه إذا لم تستخدم الأدوات الصحيحة، وقد أعدت صياغته ليصبح ملائماً للمؤسسات غير الربحية التي يقودها البيض التي لا تصغي إلى المجتمعات: “أصغِ بأذنيك لا بعينيك”؛ فالعين “غربال” يطلق أحكاماً مسبقة على من لا يشبهوننا أو لا يتمتعون بنفس الامتيازات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي نتمتع بها.

عُقد الاجتماع الذي ناقش صحة الأمهات ذوات البشرة السمراء منذ أكثر من عام، وقررت المؤسسة في النهاية التخلي عن هذا المشروع، وكانت هذه النتيجة بالنسبة لي مهزلة مضاعفة. تمنيت لو أدهشني الموقف أكثر، فحين كان عليهم الاختيار بين وضع أنفسهم وسمعة مؤسستهم محوراً لعملهم من جهة، والحرص على تنفيذ العمل ذي الأهمية الحاسمة بأسلوب شمولي يضع المجتمع في محوره من جهة أخرى، اختاروا ألا يحركوا ساكناً. أجل، لقد اتخذوا القرار الذي يخدم مصلحتهم الشخصية، ولم يرغبوا في تنفيذ العمل ذي الأهمية الحاسمة بأسلوب شمولي يضع المجتمع في محوره، وفضلوا أن يضعوا أنفسهم وسمعة مؤسستهم حوراً لعملهم، لا أن يبحثوا عن حلول. ولكنهم اتخذوا هذا القرار أيضاً في سياق القطاع غير الربحي، حيث تتلقى المؤسسات التي يقودها أصحاب البشرة الملونة تمويلاً أقل ولا تحظى بالثقة الكافية لاتخاذ قرارات حول طرق إنفاق هذا التمويل، على خلاف المؤسسات التي يقودها البيض، كما أن خيارهم في عدم إشراك المجتمعات في صنع القرار يعني أن مشاركة الموارد والمعرفة انتهت في غرفة الاجتماعات تلك.

يجب أن تحرص المؤسسات غير الربحية التي يقودها البيض على إشراك المجتمعات في عملية صنع القرارات التي ستؤثر في حياتها، وستتطلب تلبية هذه الضرورة الملحة تغييراً جذرياً في السلوك وإعادة تفكير شاملة، وتقتضي أن تضحي المؤسسات التي يقودها البيض بامتيازاتها، بل وربما أن تعيد توزيع مواردها وتتيح للمؤسسات الأخرى أخذ دور البطولة. ما دامت القرارات بشأن أعمال الخدمات والمناصرة وخطط السياسة التي تهدف إلى اجتثاث التفاوت الراسخ محصورة بالخبراء البيض فلن تنجح هذه الجهود إلا ضمن سياق مجتمعات العرق الأبيض، من الصعب أن نتخيل مستقبلاً ينعم فيه الجميع بالحرية والعدالة إذا استمرت المؤسسات غير الربحية التي يقودها البيض بتجاهل المجتمعات التي تملك الحلول المناسبة لمعالجة مشكلاتها، ولكنها لا تملك الموارد اللازمة.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.