احذر من خطر الامتناع عن المشاركة بالعمل الخيري

عملية صناعة القرار
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تثبت أمثلة كثيرة حقيقة أن عدم إشراك المستفيدين من البرامج الخيرية في عمليات صنع القرار يعرض هذه البرامج إلى مخاطر تقلل احتمالات نجاحها، ومنها المخاطر الوظيفية المتعلقة بكفاءة البرنامج وفعاليته، والمخاطر الأخلاقية المتعلقة بمبادئ البرنامج الأخلاقية وآثاره.

يتمثل السبب الأساسي لنشوء مخاطر عدم إشراك المستفيدين الوظيفية غالباً في استخدام معلومات غير صالحة تنتج عن الفهم المنقوص أو غير الدقيق للمستفيدين المستهدفين والتحديات التي يواجهونها، وبالنتيجة إما أن يكون البرنامج معدوم الكفاءة في أحسن الأحوال وإما أن يعود بنتائج عكسية في أسوئها. أما السبب الأساسي لنشوء معظم المخاطر الأخلاقية فهو إقصاء المستفيدين المستهدفين التعسفي من القضايا التي تؤثر في حياتهم بصورة مباشرة، وتتمثل تبعات هذه المخاطر في تحول البرنامج الخيري إلى مشروع لا أخلاقي يؤذي المستفيدين الذين يستهدفهم بقسوة.

خذ مثلاً النموذج السيئ السمعة المتمثل في مؤسسة بلاي بامبس إنترناشيونال (PlayPumps International) غير الحكومية التي أنشئت في منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة، وتمثل عملها الأساسي في ربط لعبة الأطفال، دوامة الخيل، بمضخات المياه في الأرياف الإفريقية بهدف توفير المياه النظيفة للمجتمعات النائية. أوضح تقرير صادر عن منظمة اليونيسف في موعد انجاز المشروع المقرَّر أن توفير المياه النظيفة لهذه المجتمعات النائية كان مرهوناً بأحد أشكال العمل المجتمعي غير المدروس لا باللعب، وأن مضخات بلاي بامبس حلت محل المضخات اليدوية القائمة دون استشارة المجتمع، وأن بعض المضخات وُضِعت في أماكن غير مناسبة وتعطلت بسرعة ولم تخضع للصيانة الموعودة غالباً.

أثبت مندوبو منظمة اليونيسيف الذين زاروا مواقع مضخات بلاي بامبس في زامبيا من أجل إعداد تقريرهم أن البرنامج لم يشرك المستفيدين في عملية صنع القرار، إذ قال المستفيدون المفترضون في 63% من هذه المواقع إن المؤسسة التي نفذت البرنامج لم تستشرهم بالقدر الكافي أو لم تقدم لهم خياراً بديلاً، كما أن هؤلاء المستفيدين كانوا يفضلون المضخات اليدوية القديمة التي أزالها البرنامج من أجل تركيب مضخات بلاي بامبس. كانت المشكلة الأبرز في الانتقادات الموجهة إلى مؤسسة بلاي بامبس إنترناشيونال هي نقص المعلومات حول احتياجات المستفيدين وتفضيلاتهم، وأدت إلى تنفيذ المشروع من دون جدوى، كما أدى إقصاء المستفيدين من صنع القرارات المتعلقة بمجتمعاتهم إلى اتخاذ قرار تعسفي بتركيب أجهزة شعرت بعض النساء بالحرج من تشغيلها وأدت إلى تقيؤ البعض بعد الدوران فيها.

توضح هذه النقاط كيف يعاني كل من البرنامج ومستفيديه المستهدفين من المخاطر الوظيفية والأخلاقية الناتجة عن عدم إشراكهم في عملية صنع القرار، ولذلك لا بد لنا من طرح السؤال التالي: كيف يمكن للعاملين في المجال الخيري توقع مثل هذه النتائج؟ بالاطلاع على حالات الأعمال الخيرية الفاشلة الأخرى، كيف كانت مؤسسات الإغاثة ستتوقع أن إمداد المجتمعات في مناطق جنوب الصحراء الإفريقية بالناموسيات قد يعرض عن غير قصد الثروة السمكية للخطر ويسمم الطعام والممرات المائية؟ أو كيف كانت مؤسسة الصليب الأحمر ستعلم أن محاولة توفير مساكن دائمة وبنية تحتية لعشرات الآلاف من سكان الأحياء الفقيرة في هايتي لن تنتج سوى 6 منازل دائمة؟

يمكن الإجابة عن جميع هذه الأسئلة بأن غالبية المؤسسات الخيرية كانت ستتوقع هذه الإخفاقات لو أنها أشركت المستفيدين المستهدَفين في تطوير البرامج وتشغيلها.

من المزعج أن نرى محاولات عمل خيري ذات نية حسنة تفشل وتنهال عليها انتقادات ذات توجّه أخلاقي، علماً أن ذلك ليس أمراً طبيعياً إلا في قطاع مثل قطاع العمل الخيري الذي يفتخر بأنه يشكّل مؤسسة تلتزم درجة عالية من الأخلاقيات. وتجدر الإشارة إلى أن إشراك المستفيدين ليس حلاً شاملاً لجميع مشكلات العمل الخيري، فحتى البرامج الخيرية الهادفة القائمة على المشاركة ترتكب الأخطاء وتعاني قيود التمويل التي تشكّل مصدر قلق دائماً. لكن يجب ألا تزيدنا الحقيقة التي نراها في هذه التأملات عناداً، فالتقييم الصادق لأوجه القصور في العمل الخيري يشير إلى ضرورة بذل جهد أكبر بكثير لمنح المستفيدين المستهدَفين سُلطةً أكبر في عمليات صنع القرار في البرامج الخيرية. صحيح أن المشاركات الهادفة والمفيدة صعبة ولكنها حتماً تستحق العناء في ظلّ المخاطر الجسيمة التي يسببها عدم المشاركة.

لا شك في أن كثيراً من الممولين والإداريين يقبلون ضمنياً فكرة أن المشاركة الهادفة هي عامل مهم في نجاح العمل الخيري المستدام، إلا أننا لا نتوصل دوماً إلى الطرق الفعالة لخوض النقاشات ودراسة أولويات البرنامج وصياغتها بأمانة؛ كيف نفهم حجم مخاطر عدم المشاركة التي يواجهها البرنامج؟ كيف نحدد مشكلات التغيير وفرص نجاحه؟ كيف نستثمر هذه المعلومات لتحفيز العمل؟ ثمة إطار عمل يفيد في ذلك.

قياس مخاطر عدم إشراك المستفيدين

تتحدث أبحاث ومؤلفات كثيرة عن مسألة مشاركة المستفيدين في البرامج الخيرية، كما تتوفر عدة أدوات لمساعدة المؤسسات الخيرية على النظر في عملية إشراك المستفيدين بطرق متنوعة، ومنها سلم آرنستين (Arnstein’s Ladder)، وأداة التقييم القائمة على المجتمع (Community-Led Assessment Tool) التي طورتها مؤسسة غلوبال فَند فور كوميونيتي فاونديشنز (Global Fund for Community Foundations، وأداة التنمية القائمة على المجتمع (Community-Led Development Tool) التي طورتها مؤسسة موفمنت فور كوميونيتي ليد ديفيلوبمنت (Movement for Community-Led Development). ومع أن هذا العمل يتمتع بقيمة عظيمة فبعضه ليس مهيأً لاعتماده في العمل الخيري، وقد يصعب استخدامه عملياً لقياس خطورة عدم إشراك المستفيدين.

للمساعدة على معالجة هذه القيود، يهدف إطار العمل التالي إلى أخذ العوامل السياقية ذات الصلة في الحسبان كي تؤثر بصورة مباشرة وكاملة في النقاشات المتعلقة بإشراك المستفيدين وإجراءات البرنامج ومخاطره، ويتمثل الغرض منه في توفير أداة عملية لفهم نوع المخاطر التي يواجهها البرنامج الخيري وحجمها، والعوامل التي تسهم في المشكلات والفرص المتعلقة بالمشاركة.

ولكن يجدر بنا الإشارة إلى أن فائدته في محاولة طرح مسألة معقدة مثل إشراك المستفيدين بصيغة مفهومة وعملية هي في الوقت نفسه إحدى نقاط ضعفه، فهو بصورة أساسية يساعد على بدء الحوار الضروري، ولكن يجب أن تكون المؤسسات الراغبة في إشراك المستفيدين في برامجها مهيأة للخوض في هذه العملية أكثر، مع مراعاة ما تتطلبه من احترام المستفيدين وتحديد احتياجاتهم بدقة أكبر.

1. تقييم المخاطر الوظيفية والأخلاقية

ينقسم إطار العمل إلى 3 أجزاء رئيسة. الجزء الأول مقتبس من سلم آرنستين، الذي يقيس درجة تعرض البرنامج الخيري للمخاطر الوظيفية والأخلاقية نتيجة عدم إشراك المستفيدين من خلال تصنيف مستويات المشاركة في مراحل عمله المختلفة.

لإشراك المستفيدين 8 مستويات سنرتبها من الأدنى إلى الأعلى، وهي تشمل:

  1. التلاعب: يحرص البرنامج على إشراك المستفيدين لغرض صريح وهو تمويه موافقتهم على البرنامج الخيري أو دعمهم له.
  2. المعالجة: يحرص البرنامج على إشراك المستفيدين من أجل توليد البرهان الاجتماعي على حاجتهم إلى برنامج خيري.
  3. الإعلام: تتدفق معلومات البرنامج باتجاه واحد؛ من الإدارة إلى المستفيدين، وتكون فرصة تأثير المستفيدين في البرنامج من خلال التفاوض مع إدارته أو تقديم آرائهم مثلاً ضئيلة أو شبه معدومة.
  4. التشاور: يحرص البرنامج على إشراك المستفيدين في الاستقصاءات والاجتماعات، لكنه لا يقدم أي ضمانات بأن أفكارهم ومخاوفهم ستؤخذ في الحسبان، ويصور البرنامج المستفيدين على أنهم عناصر إحصائية مجردة.
  5. الاسترضاء: يتيح البرنامج للمستفيدين تقديم المشورة بصورة دائمة، لكن يحتفظ مدراؤه بحق الحكم على صحة النصيحة أو إمكانية تنفيذها.
  6. الشراكة: يحرص البرنامج على إشراك المستفيدين مباشرةً في آليات صنع القرار، ويمارس سلطة صناعة القرار من خلال التفاوض بين المستفيدين ومدراء البرنامج.
  7. التفويض: يمنح البرنامج المستفيدين السلطة الرئيسة لصنع القرار، ويعالج الخلافات بين الإداريين والمستفيدين من خلال عملية تفاوض.
  8. قيادة المجتمع: يتولى المستفيدون حوكمة البرنامج الخيري ويحملون مسؤولية إدارته بالكامل، وبالتالي يكون البرنامج قائماً على قيادة المجتمع بالكامل من دون جهات وسيطة.

وُضعت مراحل تنفيذ البرنامج الخيري الثلاثة بناء على المعلومات التي يوضحها مقال نشر في مجلة ستانفورد للابتكار الاجتماعي بعنوان “الاستماع إلى الفئة الأهم: المستفيدين” (Listening to Those Who Matter Most, the Beneficiaries) الذي ألفه فاي تويرسكي وفيل بوكانان وفاليري ثريلفول اعتماداً على دليل التواصل التشاركي الذي وضعه توماس تافت وباولو ميفالوبولوس، وتتضمن هذه المراحل ما يلي:

  1. مرحلة ما قبل التنفيذ التي تتضمن الأبحاث الأولية المتعلقة بالبرنامج وتصميمه
  2. مرحلة التنفيذ
  3. مرحلة ما بعد التنفيذ التي تتضمن تقييم البرنامج وتقويمه

ستتمكن المؤسسات من فهم المجازفات التي تقدِم عليها بصورة واضحة عن طريق إجراء تقييم صادق لمستوى مشاركة المستفيدين من برنامجها في كل مرحلة.

خذ المثال التوضيحي التالي، تخيل أن تنشئ 10 مؤسسات غير ربحية صغيرة من مقاطعة كيب الشرقية في جنوب إفريقيا مؤسسة مجتمعية تهدف إلى جمع التبرعات بكفاءة أكبر من أجل تنفيذ عملياتها المحلية. تتساوى جميع المؤسسات غير الربحية في تمثيلها ضمن اللجنة المسؤولة عن تخصيص الأموال التي تم جمعها، وبما أن المستفيدين (المؤسسات غير الربحية) هم من أنشؤوا هذه المؤسسة ويتحكمون بآلية صنع القرار فيها، ستصنَّف مرحلة البرنامج الأولى (ما قبل التنفيذ) في المستوى الثامن (القيادة المجتمعية). إذا عملت آلية تقديم المنح التشاركية في المؤسسة كما هو مخطط لها وشاركت المؤسسات غير الربحية فيها بالتساوي، فستحصل مرحلة البرنامج الثانية (التنفيذ) أيضاً على أعلى تصنيف. وإذا شاركت المؤسسات غير الربحية في نهاية العام تقييمات الأثر والملاحظات الأخرى المتعلقة بعملياتها الفردية، وتفاوضت على طرق تحسين ممارسات المؤسسة المجتمعية المتعلقة بالحوكمة وتصميم العمليات وتنفيذها وتقييمها، مع منح آراء المؤسسات غير الربحية أهمية متساوية، فستنال مرحلة البرنامج الأخيرة (ما بعد التنفيذ) أعلى تصنيف أيضاً وللمرة الثالثة.

خذ مثلاً معاكساً على شركة للاستشارات الإدارية يقع مقرها الرئيس في العاصمة واشنطن، إذ أنشأت مؤسسة تعليمية غير ربحية لمعالجة أوجه القصور في المدارس العامة بمقاطعة غوتنغ في جنوب إفريقيا، وبعد إجراء بحث عبر الإنترنت حول نظام التعليم العام في جنوب إفريقيا، لاحظت أن درجات امتحانات الطلاب المتدنية هي نتيجة لعدم أهلية المعلمين، فطورت منهاجاً دراسياً جديداً يعتمد على مقاطع فيديو يمكن للطلاب مشاهدتها من المنزل على هواتفهم المحمولة بدلاً من حضور الدروس في المدارس التقليدية. أجرى مؤسس المؤسسة حملة لجمع التبرعات كانت ناجحة على الرغم من مدتها القصيرة، وبالتالي تمكن من دفع المال للاستشاريين في مقاطعة غوتنغ لجمع آراء الطلاب وملاحظاتهم، والضغط على المدارس العامة لترويج دورة مؤسسته التدريبية. ولكن بسبب عدم الرجوع إلى المستفيدين عند إنشاء البرنامج وتصميمه فمن المحتمل أن تصنف المشاركة فيه بمرحلته الأولى (ما قبل التنفيذ) في المستوى الثالث (الإعلام)، وإذا كان البرنامج في مرحلته الثانية (التنفيذ) يجمع آراء المستفيدين بصورة روتينية كما يجب، بغضّ النظر عن استخدام المؤسس لهذه الآراء، فسيصنَّف البرنامج في المستوى الرابع (الاستشارة). وإذا جمع مدراء البرنامج فعلاً ملاحظات أي فئة من المستفيدين وحللوها فسيصنف البرنامج في مرحلته النهائية (ما بعد التنفيذ) في المستوى الرابع (الاستشارة) أيضاً.

تسهم هذه التصنيفات في تحديد مكامن القوة ومواطن الضعف المتعلقة بالمشاركة، وبالتالي تحديد الفرص والمخاطر. فالمؤسسة المجتمعية مثلاً قللت المخاطر الوظيفية والأخلاقية الناتجة عن عدم إشراك المستفيدين إلى أقصى حد ممكن، في حين كانت هذه المخاطر كبيرة بالنسبة للمؤسسة التعليمية غير الربحية، إذ من الممكن أن يكتشف مؤسِّسها أن معظم الطلاب لا يملكون ثمن جهاز ذكي أو ليس لديهم اتصال جيد بالإنترنت ليشاركوا في الدورات التعليمية عبر الإنترنت. كما أن تقييم المؤسس المبسط لسبب تدني علامات الطلاب في الاختبارات تسبب في تدني احتمالات أن يستهدف بحله النقاط المناسبة ليحقق هدفه. وثمة خطر أخلاقي أيضاً: فهو يضغط على المدارس العامة في جنوب إفريقيا للإعلان عن دورته التعليمية من دون مشاركة المجتمع الذي يسعى إلى التأثير في أطفاله.

2. النظر في أنواع النُهج الاستراتيجية

ينطوي الجزء الثاني من إطار العمل على محاولة فهم العوامل السياقية التي تشكّل مستويات المشاركة الثلاثة في البرنامج الخيري، والنظر في النُهج الاستراتيجية المختلفة التي يمكن اتباعها في البرامج هو أحد أهم الوسائل لتحقيق هدف البرنامج في معالجة المشكلات التي يعانيها المستفيدون، ويساعد فهم هذا الأمر على توضيح أسباب عدم إشراك المستفيدين والعقبات الهيكلية التي يجب على المؤسسة تجاوزها من أجل معالجة هذه المشكلة.

تتوفر عدة وسائل لتصنيف نهُج العمل الخيري، إلا أننا سنستعرض النهُج الخمسة الأكثر شيوعاً:

  1. الأبحاث: تقدم المؤسسة الخبرات التكنولوجية أو الطبية أو الخبرات الأخرى اللازمة لتطوير البرنامج الخيري وتنفيذه، مثل مؤسسات تنظيم الأسرة والأبحاث الطبية.
  2. الإغاثة: تعمل المؤسسة على تلبية احتياجات المستفيدين العاجلة، مثل مؤسسات الإغاثة في الكوارث ومؤسسات الإسعاف الأولي.
  3. النطاق الضيق: تختص المؤسسة في تلبية احتياجات مجتمع صغير من المستفيدين، مثل مكاتب الاستشارات القانونية المجتمعية والمدارس المؤقتة (pop-up school).
  4. النطاق الواسع: تلبي المؤسسة احتياجات مجتمع واسع كبير من المستفيدين، مثل المؤسسات التي تعمل على مواجهة الأوبئة التي تؤثر على أعداد كبيرة من السكان.
  5. تقديم المِنح المالية: تدعم المؤسسة الأفراد أو المؤسسات غير الربحية من خلال تقديم المِنح المالية، مثل الصناديق الدولية التي تعمل على مكافحة الفقر والصناديق المحلية التي تعمل على توفير المِنح الدراسية.

من الممكن أن يتبنّى البرنامج الخيري نهجاً واحداً أو عدة نهُج في آن معاً وينفذ كلاً منها بالدرجة الملائمة. على سبيل المثال، تبنّت المؤسسة المجتمعية التي ذكرناها في المقال نهجَي النطاق الضيق وتقديم المِنح المالية في عملها لحل المشكلات في قطاع العمل الخيري لأن المؤسسات المستفيدة من برنامجها كانت 10 مؤسسات فقط، وكانت تركز على مساعدتها بتقديم المِنح المالية بصورة أساسية. وفي المقابل، اتبعت المؤسسة التعليمية غير الربحية النهج واسع النطاق في محاولتها لاستهداف طلاب جميع المدارس العامة في مقاطعة غوتنغ.

لكل نهج في العمل الخيري عقباته وفرصه الفريدة فيما يتعلق بزيادة مشاركة المستفيدين، ولكن كيف نجعل المشاركة الهادفة جزءاً لا يتجزأ من أي برنامج، وما الصعوبات التي ستختلف بين المؤسسة المجتمعية المحلية والمؤسسة التعليمية الدولية غير الربحية في سعيها لزيادة مشاركة المستفيدين؟ على سبيل المثال، من السهل على المؤسسة المجتمعية المحلية تحديد بعض المستفيدين الذين يمثلون مجتمعهم ومنحهم السلطة الكافية للتأثير في قرارات التمويل، أما المؤسسة التعليمية الدولية غير الربحية فستعاني صعوبة في تحديد بعض الأفراد من مجتمع أطفال المدارس وآبائهم الذين يعيشون في بلد مختلف تماماً ليمثلوا المستفيدين ويؤثروا في تصميم البرنامج وتنفيذه.

3. النظر في العوامل الأخرى المتعلقة بالمؤسسة والمستفيدين

يتضمن الجزء الثالث من إطار العمل دراسة العوامل السياقية الأخرى التي تحدد طبيعة العقبات والفرص المتعلقة بمشاركة المستفيدين في البرنامج، مثل التحديات المنهجية التي يفرضها التماثل التنظيمي والتأهيل المهني والضغط الذي يفرضه السعي للتوسع. ينبغي لنا أن نفكر في قدرة هذه الاعتبارات على تشجيع البرامج الخيرية على رفع مستوى التعاون أو تقليل درجة شمولها بهدف تحسين فرص نجاح جمع التبرعات، لأن المؤسسات التي تتمتع بالتمويل الجيد تكون غالباً غير تشاركية والتأهيل المهني مرتبط بأنظمة وأوراق اعتماد تولي الأفضلية لأبناء الطبقة الأغنى، إلى جانب أن النمو هو شعار نظام اقتصادنا الرأسمالي.

وبالطبع تتمتع السمات الفريدة للمستفيدين بأهمية جوهرية في فهم طبيعة العقبات والفرص المتعلقة بمشاركتهم في البرنامج، وتشمل هذه السمات توزعهم الجغرافي وما إذا كانوا أفراداً أو مؤسسات ومستويات ثرائهم أو فقرهم. مثلاً، قد تواجه البرامج الخيرية التي تستهدف مستفيدين منتشرين في منطقة جغرافية كبيرة صعوبة أكبر في إشراكهم على نحو هادف في عملية صناعة القرار مقارنة بالمستفيدين المنتشرين في منطقة جغرافية صغيرة. كما أن تلبية احتياجات المؤسسات أبسط من تلبية احتياجات الأفراد، لأن الأولى أوضح. وأخيراً، من المرجح أن يتمتع المستفيدون الأغنى بمستويات تعليم أعلى وخبرة في التعامل مع الإجراءات المؤسسية أكبر مقارنة بالمستفيدين الفقراء، وبالتالي سيكون أسهل على البرنامج إشراكهم في مكوناته الإدارية لأن عوامل الضغط المنهجية أقلّ.

تسلط هذه العوامل السياقية الضوء على بعض التحديات التي يواجهها المموّلون والإداريون في أثناء محاولتهم زيادة مشاركة المستفيدين في برامجهم وأثر التمويل وعناصر الضغط الأخرى في تشكيل البرنامج، كما أن الإقرار بها يوضح أنه بإمكاننا التغلب على عوامل معينة أو تحديها أحياناً، وهذا مهم لأن كل برنامج خيري قادر على تخفيف مخاطر عدم إشراك المستفيدين وزيادة مشاركتهم فيه، بغضّ النظر عن عوامل الضغط التي يتعرض لها.

يمكن للممولين والمدراء استخدام إطار العمل بأبسط أشكاله لفهم درجة مشاركة المستفيدين في البرنامج الخيري، وبالتالي فهم سبب تعرض هذا البرنامج للمخاطر الوظيفية والأخلاقية الناتجة عن عدم إشراكهم، وتوضيح درجة هذه المخاطر. ليس بالضرورة أن تسبب المخاطر الفشل، ولا ينبغي أن يؤدي وعيك بها تلقائياً إلى إدانة البرنامج بارتكاب مخالفات أخلاقية، لكن يجب أن تعمل المؤسسات الخيرية بتفان على التخفيف من حدتها، ففي العمل الخيري تكون المخاطر وجودية لا سيما بالنسبة للمستفيدين المستهدفين. سيحقق إطار العمل المقترح النتيجة المرجوة إذا ساعد الممولين والمدراء على توضيح حجم المخاطر المنهجية التي يواجهها البرنامج بسبب عدم إشراك المستفيدين فيه بهدف الحث على زيادة المشاركة تحديداً، وسيساعد استخدامه مع الأدوات الكثيرة الأخرى المتاحة على إحراز تقدم ولو كان ضئيلاً نحو بناء عالم العمل الخيري القائم على المشاركة الهادفة.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.