5 طرق للتغلب على شح الدعم الحكومي للعمل الخيري

الدعم الحكومي
shutterstock.com/Watchara Ritjan
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كيف يمكن للمؤسسات غير الربحية العاملة في مجال الخدمات الإنسانية الصمود ورفع مستوى أدائها عند خفض الدعم الحكومي.

أفاد رئيس مؤسسة غير ربحية كبيرة تقدم خدماتها الإنسانية للأطفال والعائلات منذ القرن التاسع عشر وتحصل على غالبية تمويلها من حكومة الولاية والحكومة المحلية بالآتي: “لم تتح لنا الفرصة للاجتماع مع الحكومة ومناقشة المتطلبات اللازمة لنجاح عملنا بالتفصيل قط”. وكل ما يفعلونه هو وضع المصطلحات وأنماط التوظيف ومبلغ من المال، ولا تملك سوى “القبول أو الرفض”، ما يمثل مشكلة للمؤسسات غير الربحية، وتلك المشكلة تزداد سوءاً مع مرور الوقت.

في الواقع، تُسند الحكومة تقديم الخدمات الإنسانية للمؤسسات غير الربحية منذ عقود من الزمن. ومن بين مئات الخدمات الأساسية التي تقدمها المؤسَّسات غير الربحية كل يوم مساعدة الشباب المشرد على التخلص من حياة الشارع، وتقديم وجبات الطعام لكبار السن، وتوفير برامج ما بعد المدرسة للأطفال الذين يحتاجون إلى المساعدة. أفاد المعهد الحضري أنه في عام 2009 تلقت المؤسسات غير الربحية الأميركية أكثر من 100 مليار دولار من الهيئات الحكومية على شكل عقود ومنح لتقديم خدمات إنسانية. حيث يمثل التمويل الحكومي 65% من إجمالي إيرادات هذه المؤسسات.1 ومصدر ما يقرب من ثلثي هذا التمويل حكومة الولاية والسلطات المحلية. وعلى نحو متزايد، لا تستعين الهيئات الحكومية بمصادر خارجية لتمويل هذه الخدمات فقط، بل تعوض المؤسسات غير الربحية بمبالغ أقل بكثير من تكلفة تقديم هذه الخدمات أيضاً. وبالتالي تُجبر هذه المؤسسات على تحصيل مواردها الخاصة من مصادر التمويل الأخرى لتعويض الفرق.

وتبدو آفاق تمويل الخدمات الإنسانية قاتمةً على المدى البعيد. حيث تواجه الحكومة الفيدرالية عجزاً قياسياً في الميزانية ومدفوعات الفوائد لخدمة ديونها سريعة التراكم، وارتفاع تكلفة الرعاية الصحية، والتحدي الناتج عن التركيبة السكانية المتمثل في دفع المساعدات المستحقة لأعداد كبيرة من المتقاعدين من مواليد جيل الطفرة. ونظراً لأن ما يقرب من ربع تمويل حكومة الولاية وثلث تمويل الحكومة المحلية يأتي من العاصمة واشنطن، فإن تقليص الميزانية الفيدرالية سيؤثر بدوره على ميزانيات الخدمات الإنسانية على هذه المستويات. وعلاوة على ذلك، تعاني حكومات الولايات والحكومات المحلية من التبعات المالية للانفجار السكاني الخاص بها، والتي تقدر بنحو 1 إلى 3 تريليونات دولار عبارة عن معاشات تقاعدية والتزامات التقاعد غير الممولة للموظفين الحاليين والمتقاعدين.

يقودنا ذلك إلى الأسئلة التي نطرحها في هذا المقال: كيف يمكن للمؤسسات غير الربحية التي تعتمد على التمويل الحكومي أن تتجاوز هذه الأزمات المتفاقمة؟ كيف لها أن تصمد؟ وكيف لها أن تنمو وتتقدم؟ الحقيقة المرة هي أن أي انعطاف في منحى الجدل السياسي حول ما ندين به للأفراد الأكثر ضعفاً في مجتمعنا بالإضافة إلى تحوّل في توزيع الثروات المالية للأمة الأميركية يمكن أن يوقفا هذا المد، ويبدو أن كليهما بعيد المنال في المستقبل المنظور. ويفرض هذا الواقع المؤلم ضرورة تحلي المؤسسات غير الربحية بروح رواد الأعمال في نماذج التمويل الخاصة بها، والحكمة في توزيع مواردها، واليقظة في تحقيق رسالتها.

ولحسن الحظ ثمة نماذج يحتذى بها. لقد لاحظنا في ذا بريدجسبان غروب (the Bridgespan Group) عبر مشاركاتنا الاستشارية وورش العمل مع مؤسسات خدمات إنسانية من جميع أنحاء البلاد وجود مؤسسات غير ربحية واضحة الرؤية وشديدة التركيز تستخدم مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات للحفاظ على تمويلها مع الاستمرار في تقديم خدمات عالية الجودة في تنفيذ مهامها، وتحققنا من ذلك عبر مقابلات مع قادة المؤسسات غير الربحية ومراقبي القطاع وممولين حكوميين. فثمة مؤسسات تخلق مجالاً للمناورة في زمن “القبول أو الرفض”.

التنافس على التمويل

يعرف أغلب الناس مشكلة الاحتكار، حيث يستطيع التاجر المسيطر على السوق تحديد الأسعار للمشترين. في المقابل يجهل أكثرهم حالةً توازيها في الأهمية يستطيع عبرها المشتري المسيطر على السوق تحديد الأسعار للبائعين. تسمى هذه الحالة “احتكار الشراء” (monopsony)، ويسميها الكثيرون بـ “تأثير وول مارت”، بسبب استغلال هذه الشركة حجم حصتها في سوق التجزئة والضغط على منتجي السلع الاستهلاكية على نحو منهجي. و بالمقارنة مع سوق تقديم الخدمات الاجتماعية، فإن الهيئات الحكومية تمارس أسلوباً يشبه تأثير وول مارت لكن على نحو أكبر.

فعادةً ما تحدد الوكالة الحكومية مقدار التمويل، وفي أوقات الشح النقدي قد تبقيه ثابتاً أو تخفضه بالقدر الذي تراه مناسباً. وغالباً ما يعجز التمويل في تغطية التكلفة الكاملة لتلك الخدمات. وفي استقصاء المعهد الحضري حول المؤسسات غير الربحية المتعاقدة مع الحكومة، اعتبر 68% من المشاركين ذلك الإخفاق في تغطية التكلفة الكاملة على أنه مشكلة. ووفقاً للرئيس التنفيذي لمؤسسة غير ربحية كبرى في مدينة نيويورك: “الهيئات المتعاقدة تريدنا أن ” نشارك في اللعبة “. في الواقع، تتحمل الحكومة المسؤولية القانونية عن تقديم الخدمات، وتظن الحكومة أنها ستقدم الخدمات بكلفة أدنى عبر التعاقد”.

تستفيد الحكومة أيضاً من قوتها السوقية لزيادة الضغط على المؤسسات غير الربحية من خلال تغيير الشروط وتجيير تنفيذ هذه العقود لصالحها. كما أفاد استقصاء المعهد الحضري أن 57% من المؤسسات غير الربحية يواجه مشكلةً في التغييرات الحكومية في العقود والمنح. فقد يُطلب من المؤسسات على نحو مفاجئ أن يكون لديها موظف حاصل على درجة الماجستير في العمل الاجتماعي ليقدم الخدمات التي كان يقدمها موظف ذو مؤهلات أدنى مع عدم زيادة التعويضات لتغطية تكاليف العمالة المرتفعة. وبالمثل يرى 53% من المؤسسات غير الربحية أن تأخر المدفوعات يمثل مشكلةً؛ فعدم الحصول على التمويل في الوقت المحدد بالنسبة للمؤسسات غير الربحية التي تمر في ضائقة مالية يعني تعثر دفع الرواتب.2

لماذا لا ينسحب مزودو الخدمات غير الربحية بسبب هذه الظروف المتدهورة؟ لا يستطيعون ، تلك هي الحقيقة المرة. تقبل المؤسسات غير الربحية أسعار العقود الرديئة وتتحمل التعديلات في الأسعار والشروط وحتى المدفوعات المتأخرة للحفاظ على استمرار تقديم خدماتها فحسب. علّق الرئيس التنفيذي لمؤسسة غير ربحية ناجحة وتعمل في عدة ولايات بصراحة على نظرائه الحكوميين قائلاً: “إنهم يعلمون أننا نتصارع من أجل الفتات، و سيبذل الجميع جهده للحصول على هذه العقود”.

هل يمكن للمؤسسات غير الربحية العالية الأداء الإفلات من عملية “فخ التسليع” هذه من خلال تقديم نتائج أفضل وبالتالي التميز عن البقية؟ في الواقع، غالباً ما تتميز شركات القطاع الخاص بجودة منتجاتها وخدماتها وليس أسعارها المنخفضة. فلماذا لا يفعل مزودو الخدمات الإنسانية العالية الأداء الشيء نفسه؟

ظهرت فكرة “عقود الأداء” في التسعينيات مع حركة إعادة ابتكار الحكومة.وفي مثل هذه العقود يكون جزء من مدفوعات الحكومة مشروطاً بتحقيق المؤسسة غير الربحية للنتائج المرجوة، بدلاً من التركيز المعتاد على المساءلة عن المساهمات أو النتائج.3

ونظرياً ستحظى المؤسسات غير الربحية الأفضل من حيث النتائج و تتبعها بميزة تنافسية بموجب عقود الأداء، وبمرور الوقت يمكن أن تزيد حصتها من التمويل الحكومي. وفي الكثير من عقود الأداء التي طبقت منهجياً، مثل خدمات رعاية الطفل في إلينوي أو تينيسي، أو على مستوى البلدية في مدينة نيويورك، تحسنت النتائج بالنسبة للمستفيدين مع انخفاض في التكلفة الإجمالية للخدمات أحياناً.

وعلى الرغم من كل النجاحات التي حققتها عقود الأداء في مناطق جغرافية وسياسات متعددة، لم تستمر على نطاق واسع. ومن عقبات هذه العقود عدم وجود إجماع في الآراء حول مقاييس النتائج المناسبة، وصعوبة وتكلفة تتبع النتائج بالنسبة للمؤسسات غير الربحية والتحديات المعقدة التي تواجهها الهيئات الحكومية نفسها في التركيز على المراقبة والدفع مقابل النتائج. كما أفادنا الرئيس التنفيذي لمؤسسة غير ربحية كبرى مقرها لوس أنجلوس: “تمر الكثير من مصادر التمويل الحكومية بعملية ربط التمويل بالنتائج، لكنها لا تسير على هذا النحو فعلياً. ثمة عمليات تمويه تعطي انطباعاً بوجود ربط، لكن العمليات في الواقع لا تتعدى مطابقة عدد الأشخاص مع عدد الوجبات “.

والواقع أن المؤسسات غير الربحية تتنافس عبر نفوذها وعلاقاتها. وذلك ليس بالضرورة أمراً سيئاً، فغالباً ما تنشأ علاقة إعجاب واحترام بين موظفي الخدمة المدنية وبعض قادة المؤسسات غير الربحية الذين يتعاملون معهم، ويميلون بطبيعة الحال إلى الاستمرار في التعامل معهم. لكن من الواضح أن السياسة تؤدي دورها. حيث أفاد الرئيس التنفيذي لمؤسسة رائدة غير ربحية، والذي أصيب بالإحباط مراراً وتكراراً في جهوده لتنمية وكالته لتصل إلى ولايات قضائية جديدة، قائلاً: “لن تحصل على عقد إلا في حال انتزعته من بين يدي أحد آخر، لا توجد عقود جديدة ، فالصديق الأقرب للحكومة سيحصل على العقد”. وفي سوق قيمته 100 مليار دولار، من المنطقي أن تدافع الكثير من المؤسسات غير الربحية بقوة عن مصالحها وعقودها، حتى بوجود مؤسسات أخرى ذات سجل إنجازات أفضل.

أفادنا أحد مندوبي الولاية المتقاعدين أن جهوده لجلب مزودي خدمات جدد من ذوي الأداء العالي إلى ولايته قد أحبطت وأن المؤسسات غير الربحية القائمة هناك مسؤولة إلى حد كبير عن ذلك، حيث قال: “المؤسسات القديمة قوية سياسياً. كانوا يتقاتلون بأسنانهم وأظافرهم على كل قرش يمكنهم الحصول عليه. كان نهجنا يمثل تهديداً مباشراً لهم، و كانوا قادرين على دفع معارفهم في الهيئة التشريعية بكل قوة لمعارضة ما كنا نحاول القيام به”.

الطرق الكفيلة بإنقاذ المؤسسة

قد لا يدعو واقعنا المالي وطبيعة التعاقد الحكومي إلى التفاؤل. وفي ظل صرامة قيود التمويل العام، ما الخيارات أمام المؤسسات غير الربحية ذات الأداء المتفوق سوى قبول السعر والشروط، وتقديم الخدمات مع الأمل ألا تتدهور الظروف؟ هل لدى المؤسسات غير الربحية أي فرصة في امتلاك صلاحيات أو قدرة على التأثير؟

وبالرغم من عدم وجود وصفة سحرية، فقد ارتقت بعض المؤسسات غير الربحية إلى مستوى التحدي وحولت الأوضاع الصعبة إلى “الأوضاع الطبيعية الجديدة”. حيث يتبع قادة هذه المؤسسات استراتيجيات تمكنهم من السعي للحصول على التمويل العام وتأمينه وتنفيذ مهامهم والحفاظ على مؤسساتهم، مع الاحتفاظ بهامش مناورة في هذه العملية. فيما يلي 5 طرق ناجحة تسلكها أكثر المؤسسات غير الربحية طموحاً في مجال الخدمات الإنسانية. (للحصول على نصائح حول المحظورات، راجع “الإدارة في بيئة حكومية صعبة : تجنب ثلاثة أشياء” أدناه.)

1. الوضوح الاستراتيجي:

تتمثل الخطوة الأولى في الوصول إلى الوضوح الاستراتيجي في تحديد الأولويات، أي مع من تسعى إلى إحداث التأثير وما الطريقة وما المكان المناسب. لكن من الصعوبة بمكان تحديد الأولويات الضرورية لرسالة المؤسسة. ومن الصعب المقارنة وتحديد الأولويات نظراً لاختلاف البرامج والمستفيدين بالنسبة للمؤسسات غير الربحية الأكبر حجماً التي نمت من خلال الحصول على مجموعة من العقود عبر عدة ولايات قضائية وهيئات حكومية وسياسات مختلفة. والسعي للفوز بعقود جديدة يمكن أن يستغرق سنوات وسنوات ، ويمكن للمؤسسات غير الربحية الانزلاق إلى ما أسماه بيتر فرومكين “مشكلات التعاقد”. 4في الواقع، غالباً ما تتعاقد الهيئات الحكومية مع المؤسسات التي تتمتع ببنية تحتية قوية وسمعة طيبة من حيث جودة العمل ضمن قيود الميزانية، وتكلفها بمهام جانبية خارج نطاق رسالة المؤسسة.

لقد تمكنت بعض المؤسسات من تجنب هذا المأزق من خلال توضيح الأولويات، والتأثير الذي تريد أن تتحمل مسؤوليته، وتحديد طريقة تحقيق هذا التأثير. فهي تحدد التفاصيل الدقيقة لخطوات تحقيق مهامها بطرق أكثر عملية. يقدم مركز ديبلشن لرعاية الأطفال في هيوستن (DePelchin Children’s Center) خدمات التبني والرعاية البديلة والصحة النفسية ودعم المراهقين وخدمات أخرى عبر 60 مركزاً في نطاق خدمته. حيث بلور المركز مجموعة من التوصيفات الدقيقة لخدماته لكل فئة من فئاتها السبع، بالإضافة إلى رسالة المركز العامة. ووفقاً للرئيسة التنفيذية للشؤون المالية، بيغي بيو، فإن هذه التوصيفات الدقيقة للخدمات “تمكننا من اتخاذ رسالة المركز كمرجعية في قبول العقود أو رفضها”. على سبيل المثال، أشارت البيانات الدقيقة إلى وجود فجوات في برمجة التوحد والخدمات النفسية. بعد إجراء تقييم لاحتياجات المجتمع للتحقق من وجود هذه الثغرات واستعداد مركز ديبلشن لسدها، بدأ المركز بالبحث عن تمويل حكومي لدعم هذه الخدمات.

الخطوة الثانية للوصول إلى الوضوح الاستراتيجي هي إدراك التكلفة الحقيقية لكل برنامج أو مجموعة من الخدمات التي تقدمها المؤسسة.ونعني بعبارة “التكلفة الحقيقية” التكاليف المباشرة (موظفو التماس المباشر، إيجار مواقع تقديم الخدمات) بالإضافة إلى التكاليف غير المباشرة (كلفة هذا البرنامج من حيث الإدارة وتكنولوجيا المعلومات والتكاليف الأخرى على مستوى المؤسسة). قد يبدو الأمر بسيطاً، ولكن بحسب خبراتنا حتى المؤسسات ذات المستوى العالي في الإدارة يجب أن تجتهد لفهم التكاليف الحقيقية لأي برنامج، لا سيما كيفية توزيع التكاليف غير المباشرة أو ما يسمى بالنفقات العامة التي يصعب ربطها مباشرةً ببرنامج أو خدمة معينة ولكنها ضرورية لتحقيق النتائج بنجاح.5

وتقول بيو: “يتعلق ذلك بجودة إعداد سجلات الحسابات العامة”. “فعلى كل قسم مراعاة الأرباح والخسائر والجداول الزمنية الخاصة به. وتحتاج أيضاً إلى تتبع تكلفة الخدمة التي يقدمونها. وهذا ليس عمل المحاسبين فحسب، بل عمل الموظفين التنفيذيين. ومن المهم تحميل المسؤولية لموظفي البرنامج في حال تجاوزوا حدود ميزانيتهم”.

تتمثل الخطوة الثالثة والأخيرة لتحقيق الوضوح الاستراتيجي في اتخاذ قرارات أفضل حول ما إذا كنت تريد الحصول على فرصة للتمويل الحكومي وكيف. والمهم في هذا الصدد هو أن تأخذ المؤسسات غير الربحية في الحسبان المهمة المحتملة والأثر المالي للعقد.

ثمة أداة بسيطة وفعالة تساعد المؤسسات غير الربحية للخدمات الإنسانية على القيام بذلك وهي ما نسميه “مصفوفة حافظة البرامج”. وكما هو موضح في مصفوفة حافظة البرامج أدناه يوضح المحور الأفقي تأثير المهمة النسبي للبرامج ويظهر المحور العمودي المساهمة المالية الصافية للبرامج.تعد مصفوفة محفظة البرنامج صورة للمؤسسة ككل، وتصلح لقرار واحد في كل مرة. في الظروف المثالية، تقع جميع البرامج في الربع العلوي الأيمن، أي تحقيق المهمة وتغطية كامل تكاليفها. لكن المؤسسات غير الربحية للخدمات الإنسانية لا تعمل في ظروف مثالية، وغالباً ما يكون هذا الربع صعب المنال. لذا تحتاج المؤسسات غير الربحية إلى البحث عن فرص لزيادة المساهمة المالية لمهامها وكذلك لتنمية و تحسين الإيرادات من الدخل، بشرط ألا يصرف ذلك الانتباه عن تحقيق رسالتها. والفخ الواجب تجنبه، وهو شائع بحسب خبرتنا، هو الحفاظ على عوامل التشتيت المحتملة، أي الحفاظ على البرامج التي تكلف أكثر مما تجني و تفتقر لتأثير واضح على رسالة المؤسسة. يجب على المؤسسات غير الربحية وضع الخطط لإدارة هذه البرامج في ربع آخر في المحفظة، أو إلغاؤها إن تعذر ذلك.

يساعد اتخاذ القرارات حول ملاءمة العقود لمحفظة البرنامج الإجمالية المؤسسات على جعل المفاضلة أكثر فعالية. تقول بيو: “في بعض الأحيان نوافق على عقود لا تغطي تكاليفها بالكامل في حال توافقها مع رسالتنا أو تأهيلنا لفرص أخرى؛ في منطقة جغرافية أخرى على سبيل المثال”.

ثمة وسيلة أخرى لاتخاذ قرار جيد بخصوص فرص التعاقد وهي إنشاء عملية منهجية لإثارة الأسئلة والإجابة عنها. ومع نمو المؤسسات وتنوع برامجها، قد تصبح قرارات التعاقد غير مركزية حيث لا تتم ملاحظة المفاضلات الكبيرة، عداك عن معالجتها. تقول بيو: “يمكن أن تتم الموافقة على عقود من دون موافقة الإدارة. نعقد اجتماعاً لتمويل المنح مرة واحدة في الشهر، نناقش فيه المنح الجديدة، وذلك انطلاقاً من رسالة المركز العملية”. في حالة مركز ديبلشن، يتم إشراك المسؤولين عن البرنامج والمسؤولين عن الشؤون المالية للمركز في الاجتماع، ما يحسن منظور كل طرف للآخر بالإضافة إلى منظور القيادة والفريق، الذي سيكون مسؤولاً عن تقديم الخدمات.

2. تنويع مصادر التمويل الحكومي:

بالنسبة للمؤسسات غير الربحية التي تحصل على غالبية إيراداتها من مصادر حكومية، فإن تنويع التمويل عبر الهيئات والبرامج و العقود الحكومية المختلفة يمكن أن يساعد هذه المؤسسات عند انخفاض الإيرادات، وفي الواقع تعتبر هذه استراتيجية شائعة، حيث تمتلك غالبية المؤسسات غير الربحية العاملة في مجال الخدمات الإنسانية عقوداً حكومية متعددة. ولكن في كثير من الأحيان يكون هذا التنويع مدفوعاً بالانتهازية التي ترهق المؤسسات، وليس التخطيط الاستراتيجي الذي يستغل قوتها ويحافظ على رسالتها.

حيث وصفت رئيسة مؤسسة كورنرستونز أوف كير في مدينة كانساس سيتي بولاية ميسوري، دينيس كروس كيف تنظر مؤسستها إلى التنويع: “فكر دائماً في الخدمات التي يمكن تقديمها بطريقة مختلفة أو في منطقة جغرافية مختلفة. لقد بلورنا نهجاً لدعم الأطفال الذين يعانون من اضطرابات سلوكية في المدارس. وهو نهج مسند بالأدلة، وبدأنا نفكر في شريحة أخرى من المستفيدين. لذا اتخذنا النهج نفسه مع الأطفال في الحضانة”. لاحظ أن هذا النوع من التنويع لا يهدف إلى البحث عن خدمات جديدة للحصول على مصدر تمويل حكومي جديد. في حالة كورنرستونز، المؤسسة تخدم نفس الأطفال بنفس التدخل لكن في بيئة مختلفة.

تتلقى الكثير من المؤسسات غير الربحية التي تعتمد على الأموال الحكومية في غالبية إيراداتها بعض التمويل من مصادر غير حكومية مثل الشركات والمؤسسات والأفراد. قد يكون من الضروري تعزيز إيرادات العقود الحكومية بمساهمات من مصادر أخرى. ولكن كما تقول كروس: “من المرجح أن نتخذ عقداً لا يغطي التكلفة الكاملة في حال وجود دعم مجتمعي واسع للخدمات”. على سبيل المثال، افتتحت كورنرستونز على نحو طارئ ملجأً للأطفال الذين تم إبعادهم عن منازلهم بسبب سوء المعاملة أو الإهمال. وجمعت الأموال من المانحين أفراداً ومؤسسات لتغطية تكاليف بدء العمل، وحصلت على عقد حكومي للحفاظ على استمرارية البرنامج. وعندما تبين أن عدد الأطفال أكبر مما كان متوقعاً في البداية، عادت مؤسسة كورنرستونز إلى الجهات المانحة لسد فجوات التمويل الحكومي. وأوضحت كروس أن مؤسستها استطاعت إشراك المانحين غير الحكوميين للدفع لبعض الخدمات عبر “بناء علاقات مع شركات التأمين بالإضافة إلى هيكلة البرامج بحيث يكونوا مستعدين لدعمها مالياً”. فعلى سبيل المثال، قد لا يدفع التأمين تكلفة الإقامة لمدة 30 يوماً، لذا يمكن اختصار الخدمات لإقامة من ثلاثة إلى خمسة أيام بحيث يستطيع التأمين تغطيتها.

3. تحسين الإنتاجية:

لطالما كان الدافع لتحسين الإنتاجية في القطاع غير الربحي ضعيفاً، ويرجع ذلك غالباً إلى انتشار التمويل المستند إلى المساهمة بالإضافة إلى الغموض الذي يلف ما “تنتجه” المؤسسات غير الربحية. ولكن ثمة ما يشير إلى أن كبار مزودي الخدمات الإنسانية يشددون تركيزهم على الإنتاجية. فلنضع في الاعتبار ملاحظات وخبرة باتريك لولر، الرئيس التنفيذي لمؤسسة قرى الشباب، وهي مؤسسة خدمات إنسانية مقرها ممفيس بولاية تينيسي وتقدم خدماتها لأكثر من 17,000 طفل في 11 ولاية، حيث يقول: “أحد التحديات في مجال عملنا هو أننا لا نحدد الأسعار، ومن المرجح ألا تتغير الأسعار في العشر سنوات القادمة. لذلك نتساءل كل يوم: “كيف يمكننا العمل على نحو أكثر كفاءة وفعالية؟ أصبح ذلك من صميم عملنا”.

يعود اهتمام لولر بالإنتاجية إلى عقدين من الزمن، عندما قرأ كتاباً عن الأعمال بعنوان “إزالة الغموض الذي يكتنف بالدريدج” (Demystifying Baldridge) عثر عليه في أثناء تصفحه عناوين الكتب في إحدى المكتبات. “قرأت فيه عن المقاييس واستخدام البيانات لتحسين الجودة. وتساءلت حينها: “لماذا لا تدير مؤسسات الخدمات الاجتماعية غير الربحية الجودة والتكاليف والعمليات بنفس الطريقة؟” وفي غضون سنوات، أثمر سؤال لولر عن مجموعة من الإنجازات في قرى الشباب. على سبيل المثال، أدرك قادة الفريق أن إدخال المعلومات إلى السجلات الطبية يستغرق ساعات من وقت الطبيب، لذا تستخدم المؤسسة الآن السجلات الطبية الإلكترونية وتكنولوجيا التعرف على الصوت للسماح للأطباء بتسهيل عملية التوثيق، ما يقلل الوقت المستهلك لهذه المهمة بنسبة 40 إلى 50%. ويضيف لولر: إن العقلية الإنتاجية “رفعت أداء مؤسستنا وأصبحت تسيطر على طريقة عملنا”.

4. قياس النتائج:

بالنظر إلى الحالة الناشئة لعقود الأداء الحكومية، قد يبدو من الغريب أن نضع هذه الطريقة ضمن القائمة. لكن في حال كان الهدف هو الاستمرار في التركيز على رسالة المؤسسة، فلا بد من قياس النتائج. وغالباً ما تعتبر المؤسسات غير الربحية بأنها ملزمة بقياس النتائج لتقديم التقارير إلى أطراف خارجية. لكن التأثير الحقيقي لقياس النتائج يكمن في دفع عملية التعلم الذاتي حول كيفية سير العمل والتخطيط لرفع الأداء. وفي حال نظرنا إليه بهذه الطريقة، يمكن أن يغدو قياس النتائج أداةً فعالة بيد القادة والموظفين لتحقيق رسالة مؤسستهم وتعزيزها بدلاً من إجراءات ربعية أو سنوية روتينية مرهقة لملء التقارير وإرسالها للممولين.

لنلقِ نظرةً على تجربة مؤسسة هيلسايد فاميلي أوف أيجنسيز (Hillside Family of Agencies)، التي تقدم مجموعة واسعة من خدمات الأطفال والأسرة في غرب نيويورك ووسطتها. يوضح الرئيس التنفيذي للمؤسسة دينيس ريتشاردسون: “لقد عزمنا على الاسترشاد بالبيانات، ما شكّل تحولاً مهماً في ثقافة مؤسستنا. ولم نكن مدفوعين إلى ذلك من قبل الممولين الحكوميين أو ممولي القطاع الخاص. أردنا أن نعرف ما إذا كنا ننجز عملاً ذا قيمة”

ويعد برنامج “ربط المنح الدراسية مع سوق العمل” من الأمثلة الرائعة على تقدم مؤسسة هيلسايد في عملية قياس النتائج ، وهو برنامج معروف لتنمية الشبابعلى الصعيد الوطني وقد أثبت قدرته على زيادة معدلات التخرج وإعداد الطلاب لدخول الجامعات أو سوق العمل. بدأت المؤسسة بتتبع معدلات التخرج كأحد نتائج عملها، ثم انتقلت بعد ذلك إلى قياس المؤشرات الرئيسية مثل نسبة الحضور ومجموع درجات الطلاب. يقول الرئيس التنفيذي للعمليات في هيلسايد، كلايد كومستوك: “يمكننا متابعة تقدم مجموعة كاملة من الأطفال في مدرستهم لنتأكد من سيرهم على المسار الصحيح، ويمكننا متابعة الأطفال على نحو فردي لتعديل الخدمات حسب الحاجة”.

وتخطط هيلسايد لنقل عمليات القياس إلى مستوى أعلى في المستقبل من خلال التجارب المنضبطة باستخدام عينات عشوائية. ويرى ريتشاردسون ارتباطاً واضحاً بين تركيز هيلسايد المتزايد على القياس واستدامته في المستقبل، حيث يقول: “بدأنا بزيادة التركيز على قياس النتائج كنتيجة لفضولنا التنظيمي حول مدى نجاح عملنا”. “وبنظرة استشرافية، توصلنا إلى قناعة أنه في حال عجزنا عن معرفة مدى نجاح عملنا، فسيتحول تمويلنا إلى من يستطيع معرفة مدى نجاح عمله”.

5. تجاوز مشكلات التعاقد:

من خلال حديثنا وعملنا مع قادة المؤسسات غير الربحية، لاحظنا أن المؤسسات الأكثر فاعلية في إشراك الحكومة لا تتميز بأنشطتها بقدر ما تتميز بعقليتها. فهم يعتبرون صناع القرار في الجهات الحكوميةزبائن. ويبذلون جهودهم لفهم مخاوفهم واحتياجاتهم التي لم تتم تلبيتها، ويجدون حلولاً عاجلةً لها.

فالوصول لهذه العقلية ليس بالأمر السهل. وذلك لميل المؤسسات غير الربحية إلى فكرة أن الزبائن الحقيقيين هم الأشخاص والمجتمعات التي تخدمها وليس الحكومة التي تمولها. ثانياً، قد يبعث سلوك الهيئات الحكومية في استغلال سلطتها على نحو استبدادي الشعور بالضعف والقلق والاستياء لدى المؤسسات أكثر من شعورها بالمسؤولية عن خدمة الحكومة كزبون. مع أن المؤسسات غير الربحية هي التي تبيع و الهيئات الحكومية هي التي تشتري الخدمة.

ومن خلال النظر إلى صناع القرار الحكوميين كزبائن و العمل على فهم احتياجاتهم وتلبيتها، يمكن للمؤسسات غير الربحية أن تفهم أسس وشكل متطلبات الحكومة عند تقديم العروض. يضيف لولر: “نسعى لتكوين علاقات مع أصحاب المناصب العليا في الهيئات الحكومية. “نكتشف أين تكمن أكبر احتياجات القيادة وتحدياتها، ثم نبحث في خدماتنا التي تساعدهم على حل المشكلة. ونهتم بكل كلمة في الميزانيات الجديدة للدولة والتصريحات التي يدلي بها مدير أو رئيس خدمات رعاية الطفل، ثم نضع خطة تلبية الاحتياجات المحددة”.

لقد بلور ريتشاردسون وفريقه في هيلسايد طريقة إنشاء مشترك متعددة الخطوات، والمفترض أن تنجز قبل إصدار طلب تقديم العروض، وتتضمن الجمع بين وجهات نظر العائلات والممولين بالإضافة إلى وجهة نظر مزود الخدمة، وذلك لرفع مستوى خطة برنامج الخدمات. ويمكن الاستمرار في الحوار حتى بعد إصدار طلب تقديم العروض. يقول ريتشاردسون: “نريد أن يعتبرنا الممولون مصدراً للحلول”. “ومن الممكن أن نقدم اقتراحاً ينتهك شروط طلب تقديم العروض، لكنه يستهدف الحاجات الحقيقية بدقة. حيث أدى ذلك إلى إعادة مناقصة طلب تقديم العروض غير مرة، مع ضمان الفوز فيها”.

القبول أو الرفض؟

يقول فولتير:”من الخطر أن تكون محقاً عندما تخطئ الحكومة”. سمعنا الكثير عن الأخطاء التي ترتكبها الحكومة في عمليات التعاقد عبر محادثاتنا مع قادة المؤسسات غير الربحية للخدمات الإنسانية التي تعتمد على الحكومة في تمويلها. وكانوا قلقين جداً من شح التمويل نظراً للتدهور الذي يشهده الوضع الراهن من خفض الميزانيات على جميع المستويات الحكومية والمزيد من القيود المفروضة على الاستقلالية المحدودة سلفاً للمؤسسات غير الربحية التي تسعى إلى تقديم خدمات عالية الجودة.

ولكن ضمن قطاع تبلغ قيمته 100 مليار دولار ويعتمد عليه الكثير من الناس الضعفاء، نظن أنه ثمة هامش للمناورة. والحلول الخمسة التي ذكرناها قد لا تضمن النجاح، فعندما تؤخر الحكومة فجأةً دفعةً ماليةً أخرى أو تُعدّ طلب تقديم عروض لاستدراج مناقصات تنافسية لخدمة تمتلك مؤسستك حالياً عقداً لتزويدها، ستصاب أعظم الاستراتيجيات بالإحباط. لكن في ظل القيود الكثيرة التي تفرضها هذه المنظومة، تستخدم مؤسسات غير ربحية الطرق الآنفة الذكر لتجاوز معادلة “القبول أو الرفض” مع الممولين الحكوميين، والتركيز على رسالتها وتقديم أفضل ما لديها للأشخاص والمجتمعات التي تزودهم بالخدمات.

لذكرى بيتر غولدبيرغ من مؤلفي هذا المقال الذي ألهمنا لهذا العمل وساعدنا في كل خطوة على طول الطريق.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.