4 سمات مشتركة بين الرواد الاجتماعيين المتميزين

قادة التغيير الاجتماعي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio
ما الذي يحفّز قادة التغيير الاجتماعي على تكريس حياتهم لمشكلات أكبر من مشكلاتهم؟ ما الذي يدفعهم إلى تقديم تضحيات لا يرغب الآخرون في تقديمها؟

سهّلت تكنولوجيا التواصل الحديثة التعرف على المشكلات في جميع أنحاء العالم على نحو غير مسبوق. عندما نواجه قصص الظلم والمعاناة، يختار معظمنا الاستمرار في حياتهم اليومية بدلاً من تقديم عمل ذي أهمية لخدمة الآخرين.

لطالما كنت معجبة بقادة التغيير الاجتماعي الذين يكرسون حياتهم لمشكلات أكبر من مشكلاتهم بكثير. ما الذي يحفزهم ولماذا؟ ما الذي يساعدهم على الاقتناع بتقديم تضحيات لا يرغب غيرهم في تقديمها؟

بصفتي رائدة اجتماعية ومنسّقة واستشارية للقيادة والاستراتيجية، كان لي شرف التعرف على العديد من صنّاع التغيير العالميين البارزين على مدار الخمسة عشر عاماً الماضية. في بلدي الأم جنوب إفريقيا، أسست شبكة لينك (LINC)، وهي منتدى يجمع القادة المحليين من قطاع الأعمال، والقطاع الاجتماعي، والقطاع العام لدعم الأطفال الأيتام وتعزيز الرعاية الصحية في أعقاب أزمة فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز). مُنحتُ جائزة ماكنولتي (McNulty) تقديراً لعملي مع لينك، وأسست في السنوات التالية شراكة مع مؤسسة ماكنولتي (McNulty Foundation) لسرد قصص العديد من زملائي الفائزين بالجائزة واكتشاف أنماط القيادة لديهم في سلسلة من دراسات الحالة. عمل هؤلاء الرواد الاجتماعيون في مناطق جغرافية وقطاعات متنوعة، واتخذوا جميعاً خطوة نوعية تتطلب الإيمان بابتكار حلول رائدة للتحديات المستعصية على الحل.

لم يكن ما دفعني أنا وهؤلاء الرواد مجرد لحظة اندفاع عابرة، بل سلسلة من المناقشات والتأملات والتجارب على مدار سنين طويلة، جعلتنا نتخذ قرارات صعبة وغير متوقعة. قدَّمت النصوص التاريخية والفلسفية الرئيسية ذلك الإلهام للعديد منا، وساعدتنا على مواءمة أفعالنا مع قيمنا أو مواجهة تقاعسنا عن العمل. أما أنا، فقد استمددت إلهامي جزئياً من الحوار الذي جرى بيني وبين قادة آخرين حول الأقصوصة التي ألّفَتها أورسولا لي غوين بعنوان: “السائرون بعيداً عن أوميلاس” (Those Who Walk Away From Omelas)، التي كانت نصاً أساسياً في المنهاج الدراسي لندوة زمالة معهد أسبن التي أجريتها.

أوملاس مدينة مليئة بالسحر والسعادة، ويعيش مواطنوها حياة “رضا لا حدود لها”، ودون الخضوع لأصحاب السلطة أو الثروات. لا يوجد ملوك ولا أسواق للأوراق المالية ولا قنابل ذرية ولا جيوش. واحتياجات الجميع متوافرة والكل قانع بما لديه.

لكن للمدينة جانبها المظلم، هناك طفل، طفل واحد فقط، منبوذ عن البشر ومُلقى في زنزانة ضيقة في قبو بلا نوافذ يشبه القبر. يعاني الطفل القذارة وسوء التغذية وتأخر النمو والخوف. ذلك “الشيء”، كما تشير إليه لي غوين في الأقصوصة، لا يُعطى إلا وجبة هزيلة ليبقى على قيد الحياة، ولا يحظى بأي رعاية أو اهتمام، فقانون المدينة لا يسمح لأي شخص حتى بالتحدث بكلمة لطيفة مع ذلك “الشيء”.

يعرف الجميع في أوميلاس قصة الطفل. لكنهم يعتقدون أنه إذا أنقذ أحدهم الطفل ورعاه، “في ذلك اليوم وفي تلك الساعة، فسيتلاشى الرخاء والجمال والبهجة في أوميلاس”. كان عذاب ذلك الطفل ثمن رخائهم.

يتعلم معظم سكان أوميلاس كيف يتعايشون مع ذاك الجانب المظلم، ويستمرون في التنعّم بحياتهم المشرقة. قلة قليلة فقط ترفض هذا التناقض الوحشي وتختار السير في المجهول والابتعاد عن أوميلاس.

وتبقى حكاية لي غوين عالقة في ذهني. في كل مرة أقرأ فيها عن آخر كارثة مناخية أو ارتفاع عدد المشردين أو شُح الرعاية الصحية الأساسية، أتذكر أن كلاً منا لديه طفل في القبو. ومهما كان شكل ذلك الطفل في حياتنا (نوع المشكلة)، يبرر معظمنا المواقف غير المقبولة، ويتعلم التعايش مع معرفته بمآسٍ ينبغي ألا يسمح بها عالم الخير.

إن قرار الالتزام بفعل شيء حيال ذلك الطفل، أي مواجهة الظلم في العالم بجرأة وعلى نطاق واسع، هو قرار شخصي للغاية. لكن خلال نقاشاتي مع رواد اجتماعيين عدة -زملائنا الحائزين على جائزة ماكنولتي مثل بيل بينوم، وريجاني وودروف، وسريكومار ميسرا، ولانا أبو حجلة- حول مسيرة كل منا، برزت 4 سمات مشتركة.

القيم والغايات التي تستند إلى التجربة الحياتية

نحن بحاجة إلى التأمل في تجاربنا الحياتية وكيف شكلت شخصياتنا، ثم الانطلاق منها لتحديد غاياتنا. تُمثل التجربة الحياتية أساس القرار باتخاذ خطوة ما.

عندما نشأتُ في جنوب إفريقيا إبان الفصل العنصري، عمل والدي مع الطلاب المحرومين في مدرستنا المحلية، وكان يقيم معنا أحياناً أطفال قادمون من منازل يسودها الإدمان على الكحول أو المعاملة المهينة. لطالما أذهلني مدى حنوِّ والدي على الأطفال الذين نرعاهم وكيف كان لا يذكر أهلهم بسوء. ألهمتني هذه التجربة المبكرة من التعاطف العميق لدعم الأطفال الذين تيتموا أو ساءت ظروفهم بسبب جائحة فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) التي اجتاحت جنوب إفريقيا في العقد الأول من الألفية الثالثة.

على الجانب الآخر من العالم في ولاية كارولينا الشمالية، نشأ بيل بينوم في عالم مشحون بعدم الثقة بين ذوي البشرة البيضاء والبشرة السمراء، الأغنياء والفقراء، وبين ملايين العائلات مثل عائلة بينوم والمصارف المحلية. باختصار، لم ترغب المصارف في إقراض ذوي البشرة السمراء. وبدلاً من المصارف، اعتمدت العائلات مثل عائلة بيل على اتحاد ائتماني يديره نائب مدير من مرآب منزله. ومن مدخرات هذا الاتحاد الائتماني اشترى بيل الثياب التي كان يذهب بها إلى الكلية. فهم بيل واقع الحال بوضوح في سن مبكرة، وهو أن الريفيين ذوي البشرة السمراء والدخل المنخفض يمكنهم التغلب على التمييز والتعصب وعدم الثقة من خلال تجميع مواردهم ليدعم بعضهم بعضاً.

ونظراً لمعرفة بيل بمدى صعوبة مساره، كان بإمكانه أن يقرر عدم التحدي وتجنب المواجهة والتركيز على تدبير أموره في مجتمع ليس داعماً له. لكنه حوّل تجربته إلى حياة مكرسة لحل المشكلات التي يواجهها مجتمعه. طوَّر بيل شغفه بالعدالة الاقتصادية وخطط لممارسة مهنة محاماة الحقوق المدنية. لكنه اقتنع مع مرور الوقت أن التمكين الاقتصادي هو الطريقة التي سيسلكها لتحقيق العدالة الاجتماعية. قال بيل إنه من دون توافر الخدمات المصرفية: “لن تعثر على حلول ولن يتحسن الوضع الاقتصادي”. أدى هذا الاعتقاد مباشرة إلى إنشاء مؤسسة هوب كريديت يونيون (Hope Credit Union)، وهي اتحاد ائتماني قدَّم إلى الآن أكثر من 3.6 مليارات دولار من التمويل للأسر المحرومة في ولايات ميسيسيبي وألاباما وأركنساس ولويزيانا وتينيسي.

الحدث المحفِّز (أو الأحداث المحفزة)

عندما تستند قيم وغايات القادة إلى تجربتهم الحياتية الشخصية، يحتاجون إلى محفز يدفعهم إلى الالتزام بها على نحو تام. في بعض الحالات، لا يأتي ذلك المحفِّز على نحو سريع ومفاجئ، بل يتراكم تدريجياً على المدى الطويل، لكن كل من تحدثت معه ذكر الكثير عن حادثة حفزته. ووصفوها بأنها اللحظة التي تتلاشى فيها قدرتهم على النأي بالنفس، ويصبح من المستحيل تجاهل وضوح ضرورة التحرك وواجبه الأخلاقي.

بالنسبة لي، كانت القراءة هي الحدث الذي جعل النأي بالنفس مستحيلاً. كنت حينها حديثة العهد بالأمومة، وأعمل في مجال التعليم بعد أن تركت عملي في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية والاستشارات الإدارية. كنتُ جالسة في مكتبي أقرأ التجارب الشخصية لأمهات أُصبن بفيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) في جنوب إفريقيا، إذ كان العديد منهن يشككن في العلاجات المضادة للفيروس ويرفضنه ويفارقن الحياة نتيجة لذلك. أتذكّر محاولاتي لتخيل مستويات الخوف واليأس والصدمة التي تدفع الأم إلى اختيار اليتم لأطفالها بدلاً من تناول الأدوية المضادة للفيروسات والعيش. وعلى الرغم من أنني لم أعمل في السابق مع الأطفال أو في مجال التصدي لمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، فقد شعرت بالحماسة في تلك اللحظة لأفعل شيئاً حيال هذه المأساة المستمرة على نطاق واسع. دفعني ذلك في النهاية إلى تأسيس شبكة القيادة والابتكار من أجل التعاون (لينك) (the Leadership and Innovation Network for Collaboration)، التي تجمع القادة والمؤسسات لتحسين مستوى الرعاية لملايين الأطفال الذين عانت أسرهم مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) في جنوب إفريقيا.

كانت ريجان وودروف تعمل في إحدى شركات إدارة الثروات العالمية في منطقة أخرى من جنوب إفريقيا، وتعمل في الوقت نفسه على مستوى القاعدة الشعبية مع أحد أفقر المجتمعات في هذا البلد. جاءت الأحداث المحفِّزة في تتابع سريع على مدى عدة أشهر، إذ توفي ثلث الأطفال في المجتمع الريفي الذي كانت تعمل معه بدوام جزئي بسبب ظروف يمكن تلافيها بسهولة. قالت وودروف: “لقد كانت لحظات حرجة لا أستطيع أن أقف حيالها مكتوفة اليدين”. لذا أسسَت وودروف في غضون أشهر مؤسسةً حاضنة للأعمال تدعى بولونغولا (Bulungula Incubator)، التي عملت مع المجتمع لتأمين توافر مياه الشرب النظيفة ووضع قواعد الاستجابة الصحية في حالات الطوارئ التي من شأنها حماية الأطفال المعرضين للخطر على نحو أفضل. كما ساعدت المؤسسة في تأمين جميع المرافق التي يحق للمجتمع المحلي الحصول عليها دستورياً، مثل مرافق التعليم، وخدمات الطوارئ، والخدمات الصحية، وما إلى ذلك. استقالت وودروف من وظيفتها في التمويل في مدينة كيب تاون والتزمت بالعمل مع المجتمع الريفي بدوام كامل. منذ ذلك الحين، أصبحت مؤسسة بولونغولا نموذجاً يُحتذى به للمجتمعات في بناء أنظمة طاقة متجددة تزود الثلاجات بالطاقة اللازمة للحفاظ على برودة الأدوية، وهو أمر ضروري لمكافحة فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) في المجتمعات الريفية.

منظومة دعم لتعزيز الخطوات الشجاعة

بعد أن يتوافر كل من القيم والغايات التي تستند إلى التجربة الحياتية والحدث المحفز الذي يعطي قوة دافعة للعمل، يواجه المرشحون لتولي القيادة عقبة أخيرة تجب إزالتها قبل البدء بالعمل، وهي المخاطر المالية والعائلية والشخصية الهائلة التي تترافق مع إجراء تغيير جذري في الحياة. قليل من القادة الذين تعاملت معهم كان قادراً على إجراء هذا التحول من دون عائلة أو منظومة داعمة.

بالنسبة لي، لم يكن التحول من العمل في التعليم إلى دعم الأطفال الأيتام والضعفاء تحدياً مالياً أو عائلياً أو شخصياً. كان التحدي هويتي وثقتي بنفسي. من أنا لأفعل ذلك؟ ماذا لو أخفقت؟ في ذلك الوقت الحرج، كنت محظوظة لأنني كنت زميلة في شبكة أسبن للقيادة العالمية (Aspen Global Leadership Network)، إذ رُشِّحت للمشاركة في برنامج زمالة مدته عامان إلى جانب قادة جنوب إفريقيين ملتزمين ببناء مجتمع عادل وصالح. قدَّم لي زملائي التشجيع الذي كان له دور حاسم، وخضعنا معاً لدورات صارمة لنتبين قيمنا ونناقشها لمعرفة مدى تجليها في أفعالنا وكيف تتجلى فيها. ساعدني زملائي على تحويل ذلك السؤال إلى “ماذا سأكون إن لم أفعل ذلك؟” وعلى تحديد المجال الذي يمكنني فيه إضافة قيمة خاصة لمواجهة المشكلة عن طريق تسهيل الشراكات بين الأطراف المعنية.

لكن بالنسبة إلى آخرين، كانت المخاطر المالية والعائلية أكبر بكثير. ولد سريكومار ميسرا في الهند، وحقق مساراً مهنياً متميزاً في لندن، إذ عمل مديراً لعمليات الاندماج والاستحواذ في مجموعة تيتلي (Tetley Group) مدة 8 أعوام. ووصف مسيرته بقوله: “كانت حياة رائعة”. لكنها لم تكن رائعة بدرجة كافية بالنسبة لسريكومار، لأنه لم يشعر بالرضا، إذ قال: “لطالما كانت في داخلي رغبة في اتخاذ خطوة للتصدي لعدم المساواة الاجتماعية”. كان لدى سريكومار فكرة إطلاق شركة ألبان مزعزعة وتحويلية في ولايته أوديشا في الهند. واستناداً إلى تجربته الشخصية، رأى فرصة في إنشاء علامة تجارية ومشروع يمكن أن يعالجا ضعف ثقة المستهلكين بالقيمة الغذائية لمنتجات الألبان على نطاق واسع، وأن يخلقا فرص عمل مستدامة للسكان المحليين.

في ذلك الوقت، كانت رشيما زوجة سريكومار حاملاً بطفلها الأول وكان من المقرر أن تأخذ إجازة أمومة من وظيفتها في الشركة. لم يكن الوقت مناسباً للتخلي عن وظيفة الشركة الآمنة من أجل مشروع ريادي في قطاع ذي مستقبل مجهول، لكنه أقنعها بالانضمام إليه بصفتها مؤسِّسة مشاركة. يقول سريكومار: “كنا نشعر بقلق شديد حيال قرارنا بالتخلي عن أسلوب حياتنا. لكن، وكما اتفقنا حينها، إذا ولِد الطفل في لندن، فسنحتاج إلى بعض الوقت لتسوية الأمور، وبالتالي ستنشأ عقبات جديدة في طريقنا. فقلنا: ‘لنذهب قبل وضع عقبات جديدة في طريقنا'”. كانت زوجة سريكومار في شهرها الثامن من الحمل عندما انتقلا. وكانت أسرتاهما قلقتين للغاية بشأن القرار، ومع ذلك، قدمتا لهما الدعم في النهاية. من دون دعم زوجته وعائلتيهما، ما كان سريكومار على الأرجح ليمتلك الشجاعة لاتخاذ الخطوة الأولى.

طريقة للتشبث بالأمل

أستطيع أن أجد الأمل في أصغر الانتصارات وأبسط الأشياء. ومع ذلك، من السهل أيضاً أن أقع في حالة من اليأس والغضب إزاء حالات الوفاة المستمرة التي يمكن تجنبها والسياسات المعقدة التي تُقدّر المصالح الشخصية والسلطة أكثر من الحياة. قراري هو الاستمرار في عملي وعدم الانحناء لليأس، فأنا مصممة على تجاوزه والانطلاق من إيماني العميق بأنني قادرة على الإسهام بإيجابية في المواقف.

في مجتمع لانا أبو حجلة في فلسطين، الأمل أساس الوجود. فكما تقول: “الأمل عنوان بقائنا، لا يمكننا تحمّل ضريبة اليأس. علينا أن نتشبث بالأمل من أجلنا ومن أجل أطفالنا وبلادنا والعالم. لقد رأينا نتائج اليأس المُتجاهل في منطقة واحدة على العالم. لقد انفجر في وجوهنا جميعاً”.

سألت لانا كيف تستطيع التشبث بالأمل على الرغم من كل الصعاب التي تواجهها؟

كانت والدة لانا ضحية لأعمال العنف الغاشم، إذ قتلتها قوات الاحتلال الإسرائيلي وهي جالسة في شرفة منزلها في بلدة نابلس بالضفة الغربية. وأصيب والدها وهو جراح معروف، وشقيقها الأستاذ في جامعة محلية، في الحادثة نفسها. تقول لانا: “لقد نشأتُ على الإيمان بالعدالة والكرامة والحرية، لكن ما العمل حيال حادث مؤلم وصادم كهذا؟ عندما قُتلت والدتي، تلاشى الأمل لأول مرة في حياتي، وشعرت بالضياع. لكن بناتي كنَّ صغيرات، وكنت بحاجة إلى الحفاظ على الشعور بإنسانيتي، وكنَّ بحاجة إلى أن يرين الأمل بالمستقبل. ومن أجلهن، كنت بحاجة إلى العثور على سبب للأمل مجدداً”.

بالنسبة إلى لانا، كانت مسؤوليتها تجاه الآخرين هي ما انتشلها من الحضيض. لولا وجود بناتها، لكان من المنطقي جداً أن تنعزل في دوامة من الحزن واليأس. لكن لانا لم تتشبث بالأمل والطموح اللذين ورثتهما عن والديها فحسب، بل استطاعت نقلهما إلى الجيل التالي. من خلال عملها مديرة إقليمية في فلسطين لمؤسسة المجتمعات العالمية (Global Communities) للتنمية، أنشأت لانا مؤسسة شيَم (Shiam)، وهي شبكة من مجالس الشباب الذين وصل تعدادهم إلى ما يقرب من 50,000 شاب فلسطيني، تقدم لهم الخبرة العملية في تنظيم الانتخابات وخوضها والمشاركة في الحكم الديمقراطي. بعد تلقي مجالس الشباب أكثر من 300 ساعة من التدريب على إدارة المشاريع والخطابة والتفاوض ووضع الميزانيات، تتعاون مع رؤساء البلديات وأعضاء المجالس والأطراف المعنية الأخرى لحل مشكلات المجتمع. أنشأت مشاريعها المجتمعية حدائق ومراكز أنشطة مجتمعية جديدة، وجعلت مباني المدينة ملائمة لذوي الاحتياجات الخاصة، وتوسطت في فض النزاعات بين الفصائل المحلية. وكما علّمت عائلة لانا ابنتها التشبث بالأمل والتطلع إلى مستقبل مجتمعها، تُكرر مؤسسة شيَم والمجالس هذه المأثرة مع عشرات الآلاف من القادة الشباب في جميع أنحاء فلسطين.

وعلى الرغم من تباين النُهج، بلور كل قائد أسلوباً للحفاظ على عقليته المتفائلة حتى في أشد المحن.

هذه السمات الأربع -القيم والغايات التي تستند إلى التجربة الحياتية، والحدث المحفِّز، ومنظومة الدعم، والتشبث بالأمل- تبرز باستمرار بدرجة كافية لتشكل إطار عمل القادة المرشحين لتلبية النداء، وتغيير حياتهم، وتولي دفة القيادة في قطاع التغيير الاجتماعي. الذين ينتقلون من “كيف أستطيع أن أعمل؟” إلى “كيف أستطيع ألا أعمل؟” من المفيد للذين يطمحون في قيادة هادفة العثور على هذه السمات في داخلهم، ويمكن للممولين الذين يسعون لزيادة عدد القادة الشجعان أخلاقياً تعزيز إطار العمل هذا في برامجهم ومنحهم الدراسية.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.