تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الأول من سلسلة "لماذا ينبغي على مجتمع العمل الخيري وضع ذوي الاحتياجات الخاصة ضمن أولوياته؟" التي سنتحدث فيها عن مجال رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة ودوره المؤثر في العمل الخيري.
يعتبر مجال رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة مجالاً غير مطروق للاستثمار في العمل الخيري، إلا إنه يقدم وعوداً بالتغيير وسبلاً متعددة لإتاحة مجال التأثير أمام المتبرعين.
كشفت جائحة "كوفيد-19" عما كان يخبرنا به مجتمع أصحاب الهمم طوال الوقت: لقد فشلت الأنظمة الحالية مع أصحاب الهمم لأنها أُنشئت دون وضع الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في الاعتبار. كما أشار جيرارد كوين، مسؤول الأمم المتحدة الخاص الجديد المعني بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في الجلسة السادسة والأربعين لمجلس حقوق الإنسان، "لقد أظهرت جائحة كوفيد-19 بشكل مؤلم أن الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة يُعامَلون كما لو كانوا غير مرئيين... يمكن لعدم رؤيتهم أن تؤدي إلى عدم المساواة، ويمكن أن تؤدي المعاملة غير المتكافئة في حد ذاتها إلى عدم الرؤية أو تدعيم ذلك".
يعاني واحد من كل خمسة أميركيين من إعاقة، وتضمّ عائلة من كل ثلاث عائلات فرداً من ذوي الهمم. وعالمياً، سينضم واحد من كل ثلاثة منا إلى مجتمع من يعانون من إعاقة. ومع ذلك، يشير تقرير "سي إي بي" (CEP) حول الإنصاف في العمل الخيري إلى أن 9% فقط من المؤسسات أبلغت عن زيادة التمويل المتعلق بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، ولم يذكر أحد منها مجال الإعاقة بصراحة في أي من المقابلات التي أجروها. إن التمويل المخصص لدعم السياسات المتعلقة بذوي الهمم أو نشر الوعي أو الحقوق، ضئيل للغاية؛ إذ استثمرت 6 مؤسسات فقط أكثر من مليون دولار تقريباً عام 2018، بينما على صعيد العالم هناك منح تقدر بحوالي 57 مليون دولار شملت الأشخاص الذين يعانون من إعاقات (وهي نسبة أكثر سوءاً نظراً إلى أن أكثر من 80% من الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة يعيشون في جنوب الكرة الأرضية).
في عام 2016، قام قادة مجتمع ذوي الهمم بإلقاء اللوم على مؤسسة فورد لإقصائها الإعاقة من مهمة المؤسسة التي كانت قد وضعت حديثاً لمكافحة اللامساواة. شكلت هذه اللحظة المُخزية لنا دافعاً للقيام بجهود شاملة تهدف لشمول الإعاقة في كل من عملياتنا وبرامج المنح.
علمنا قادة ذوي الهمم أن معالجة عدم المساواة تعني فهم طبيعة العمل المتعلقة بذوي الاحتياجات الخاصة والاستثمار فيها. إن مجال رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة لا يتقاطع فحسب مع حالة عدم المساواة التي يلتزم العمل الخيري الساعي للعدالة الاجتماعية بتغييرها، بل ويساهم في تفاقمها بشكل كبير. فمن جهة، يتسبب الفقر في الإعاقة بطرق لا تعد ولا تحصى، من نقص الوصول إلى الرعاية الصحية والتغذية المناسبة إلى زيادة احتمالية العيش والعمل في بيئات خطرة. ومن جهة أخرى، تسبب الإعاقة الفقر أيضاً نظراً للمصاريف الضخمة للرعاية الصحية، والتمييز الذي يتعرض له أصحاب الهمم في التوظيف، والسياسات العامة المصممة لتقييد الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة بأجور منخفضة للغاية. حيث يبلغ احتمال تعرض الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة لرفض تقديم الرعاية الصحية لهم ثلاث مرات، ويبلغ احتمال تعرضهم للموت بسبب نقص أساسيات الرعاية الصحية مرتين، بالمقارنة مع الأشخاص الذين لا يعانون من إعاقة؛ بينما تصل نسبة حوادث استخدام القوة من قبل الشرطة تجاه أحد الأشخاص من ذوي الهمم إلى 50%. تعاني النساء والفتيات من ذوي الاحتياجات الخاصة أيضاً من العنف القائم على النوع الاجتماعي بمعدلات تصل إلى 10 مرات أكثر من الفتيات والنساء اللواتي لا يعانين من إعاقات.
خطوات تطوير خطط العمل الخيري لتشمل أصحاب الهمم
يعتبر مجال رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة مجالاً غير مطروق للاستثمار في العمل الخيري، إلا إنه يقدم وعوداً بالتغيير وسبلاً متعددة لإتاحة مجال التأثير أمام المتبرعين. نحن نأمل أننا عبر مشاركة الخطوات التي اتبعناها والدروس التي تعلمناها، سنساعد المؤسسين الآخرين على بناء خارطة طريق نحو شمول الإعاقة في مخططات العمل الخيري.
1. فهم إطارات العمل المتعلقة بذوي الهمم وملاحظة التحيز الحاصل في مجال العمل الخيري
تقليدياً، يربط الكثير من الناس بين الإعاقة والضرر الطبي أو التشخيص، ما يحيل القضية إلى الأطباء المهرة الذين يسعون للعلاج والآباء الذين يهرعون إلى المعالجين النفسيين. لكن الإعاقة هي هوية متجذرة عبر تاريخ طويل من السلطة والتمييز والمجتمع. توجد ثقافة للإعاقة، بل إن هناك العديد من الثقافات في الواقع. دون الاعتراف بالإعاقة كهوية سياسية ترتكز على المجتمع والفخر الذاتي، لا يمكننا أن نفهم تماماً السبب الذي يجعل الإعاقة أساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية (أو لماذا تعتبر العدالة الاجتماعية أساسية للتخلص من التمييز).
تُعرّف تليلة لويس التمييز على أنه: "نظام يضع قيمة لأجساد الأشخاص وعقولهم وفق الأفكار السائدة مجتمعياً حول ما هو طبيعي ومقبول وأيضاً وفق الذكاء والتميز والرغبة والإنتاجية. فهو يديم القوالب النمطية والممارسات التمييزية المتجذرة بعمق مثل مناهضة أصحاب البشرة الداكنة، وعلم تحسين النسل، ومعاداة المرأة، والاستعمار، والإمبريالية، والرأسمالية.
يمكننا فقط من خلال تحدي هذه الأنماط القائمة مجتمعياً إنشاء أماكن عمل ومجتمعات شاملة بحق. وغالباً ما يعزز العمل الخيري التمييز ضد أصحاب الهمم من خلال عمليات تقديم المنح والاتصالات التي يتعذر الوصول إليها، والفشل في تضمين الإعاقة في جهود التنوع والإنصاف والشمول (DEI)، والتمويل غير الكافي على الإطلاق. على مدار سنوات، دق مجتمع أصحاب الهمم أبوابنا وحاول الوصول إلى أولويات التمويل لدينا، إلا أن معظم المتبرعين غير قادرين على رؤية عمل منظمات ذوي الاحتياجات الخاصة كعمل "مؤهل" ليكون ضمن استراتيجيات المتبرعين. نحن نقيم الفعاليات التي يصعب الوصول إليها أو نحافظ على بوابات منح استثنائية، ونرسل رسائل حصرية، وكل ذلك بينما نطمح إلى أن نكون شاملين.
2. "لا شيء يتعلق بنا من غيرنا"
استخدمت هذه العبارة لأول مرة من قبل المدافعين عن حقوق ذوي الهمم في جنوب إفريقيا في الثمانينيات، "لا شيء يتعلق بنا من غيرنا" وهو أمر لا يستدعي الكرامة والاحترام فحسب، بل القوة السياسية التي يطلبها الأشخاص ذو الاحتياجات الخاصة في معرفة ما هو الأفضل لأنفسنا ومجتمعنا. حيث يرفض هذا المبدأ توصيات الأطباء أو الأهل أو القائمين على العمل الخيري التي تقول أنه يمكن لهؤلاء إيصال أفكار أصحاب الهمم بالنيابة عنهم أو يجب عليهم ذلك. ولكن في حين أن شعار "لا شيء يتعلق بنا من غيرنا" قد يبدأ بالوصول والمشاركة، فإنه يشير في النهاية إلى وجوب استلام القيادة من قبل أولئك الأكثر تضرراً، ولاسيما الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة لاسيما النساء، وأصحاب البشرة الداكنة، والسكان الأصليين، وأصحاب البشرة الملونة (ًBIPOC) والمهاجرين. تتأثر الطريقة التي يختبر بها كلّ منا الإعاقة بشكل كبير بهذه الهويات الأخرى ولذلك فإن الطرق الأكثر فعالية لمعالجة التمييز والقمع يجب أن تتضمن هذه المجموعات.
وإليكم كيفية البدء بذلك:
تأسيس المجموعات الاستشارية:
مثل جميع المجتمعات، لا يوجد "مجتمع إعاقة" مترابط، ويجب أن نكون حذرين من الاعتماد على مستشارين فرديين. يجب على المجموعات الاستشارية أن تحظى بأفضلية بناء العلاقات بين طاقم العمل وقادة ذوي الهمم وطاقم الرعاية، وأن تتعلم من أفراد مجتمع الإعاقة وتجمع المساهمات منهم مباشرة. وعلى الرغم من أنكم لن تكونوا قادرين على تحقيق كل شيء في وقت واحد، من المهم الإنصات والفهم قبل اختيار الأولويات. لمساعدتكم على البدء، يمكنكم الاطلاع على دليل مؤسسة فورد حول إنشاء مجموعات استشارية لذوي الاحتياجات الخاصة.
توظيف أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة:
إن المجموعات الاستشارية ومجموعات النصح تختلف عن طاقم العمل الأساسي. يجب أن يفكر مجتمع العمل الخيري بشكلٍ عاجل كيف له أن يحشد ويوظف ويوجه وينمي القيادة لدى ذوي الهمم، وعلى وجه الخصوص أولئك أصحاب البشرة الملونة والذين يعانون من إعاقة ما. ومثل كل مبادرات التنوع والمساواة والشمول الأخرى، لن يكون توظيف ذوي الهمم ناجحاً وحده، بل يجب أن يكون مرتبطاً بالتعلم، وتغيير الثقافة، والقيادة. توجد بالفعل موارد قوية لأجل ممارسات الشمول لدعم أصحاب العمل في مسعاهم هذا.
اسأل الحاصلين على المنح كيف سيضمنون أصحاب الهمم:
كيف يضمن الحاصلون على المنح لديك أصحاب الهمم في عملية صناعة القرار، وفي عملية تصميم وإنشاء المشاريع؟ كيف يكون العمل عرضة للمساءلة أمام مجتمع أصحاب الهمم؟ هل الأنشطة يسهل الوصول إليها، وهل خصصت المؤسسة ميزانية خاصة لهذا الأمر؟ إن المشاريع والمؤسسات الأقوى تتضمن أصحاب الهمم في المستويات العليا وليس فقط كفئات يجب استهدافها.
عندما يقود أصحاب الهمم العمل ويساهموا في وضع جدول الأعمال، هذا سيجسد شعار "لا شيء يتعلق بنا من غيرنا". إن القيادة من قبل أصحاب الهمم لن تمنحك المصداقية وتبني الثقة فحسب، بل ستتسبب في تغييرات توجيهية وتضفي على العمل خبرات حقيقية عميقة مُعاشة.
إن المشاركة ليست مهمة لتقوم شطبها ببساطة من قائمة المهام، بل يجب أن تكون تكرارية وأن تنتج حواراً مستمراً وتعلماً تشاركياً.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.