4 عوامل لعدم صلاحية تغيير الأنظمة في العمل

رحلة تغيير الأنظمة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تغيير الأنظمة! مجرد التلفظ بهذه العبارة جهراً يُشعرني بأني أحد المخضرمين، واحد من أفراد النخبة الذين تجاوزوا أساليب العمل الخيري القديمة. تستحوذ هاتان الكلمتان على آمالنا في تحقيق أثر دائم واسع النطاق، فالأنظمة ضخمة، وإذا تمكنت من تغييرها فستستمر بتحقيق الأثر إلى الأبد؛ وهو أفضل ما يمكن فعله.

لكن لدينا مشكلة، إذ إن “تحليل الأنظمة” هو أسلوب أنيق ومفيد للتفكير في المشكلات وتوليد الأفكار حول الحلول الممكنة، ولكن عبارة “تغيير الأنظمة” تنضم بسرعة إلى الكلمات الرنانة، وهي شديدة الجاذبية لدرجة أصبح الجميع يرغبون في استخدامها في كل شيء. وعلى الرغم من أنها تتحول إلى عبارة مبهمة يحمل قائلها معناها في بطنه، فالممولون يطالبون بها والجهات الفاعلة تبذل جهداً كبيراً كي تبدو وكأنها تنفذها بالفعل.

عدم وجود كلمتين أخريين تحملان معنى أشمل من “تغيير” و”النظام” لا يساعد في ذلك؛ وما إن تحمل العبارة عدة معان مختلفة تفقد جدواها في تحفيز التضافر في العمل، وكي تثري الاختلافات المعنى يجب أن تندمج لتشكل تعريفاً مفيداً، ولكن الغالب هو أنها تسبب ارتباكاً؛ ما إن تنتشر التعريفات المتعددة فلن يكون احتواؤها في تعريف واحد من جديد ممكناً. راجع “الاستثمار المؤثر”.

لكن إذا تعمقت في المؤلفات المتزايدة التي تتحدث عن عقلية تغيير الأنظمة، فستلاحظ فعلاً تكرار بعض المواضيع، وأولها هو ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لأي مشكلة تواجهها، وثانيها هو ضرورة تشكيل تحالف واسع بأسرع وقت ممكن، والموضوع الأبرز بينها هو فكرة أن الأنظمة المعنية تتغير نتيجة للعمل (على الرغم من أن العديد من النماذج التي قرأتها لم توضح ما هو النظام الذي يتغير).

تشير هذه المواضيع، منفردة أو مجتمعة، إلى بعض النواحي التي يكون فيها نموذج تغيير الأنظمة غير ملائم للعمل الذي يجب أن نؤديه:

  1. من الصعوبة بمكان تقدير درجة التغيير في الأنظمة، أو التحقق من أنها تتغير فعلاً.ربما ليس من الممكن احتساب جميع القضايا المهمة، لكن يمكن احتساب معظمها، ومن الصعب أن تتقدم في عمل لا تستطيع قياسه، لكن الكلمات التالية التي نشرها خبير مزعوم حول قياس درجة تغيير الأنظمة، تعد مثالاً على ما رأيته في المؤلفات: “يتعلق قياس تغيير الأنظمة بتتبع أنماط العلاقات التي تربط أجزاءها، ويتعلق بالتغييرات النوعية في بنية النظام وقدرته على التكيف والتحمّل وأوجه التعاون الناشئة عن الجهود الجماعية، وغير ذلك الكثير”.

كما ذكرت سابقاً، من الصعب معرفة ما يحدث وما لا يحدث.

  1. تكمن المفارقة في أن عقلية التركيز على “السبب الجذري” للمشكلة تعيق التقدم.يعد تحليل “السبب الجذري” للمشكلة عاملاً مشتركاً في معظم المناقشات حول تغيير الأنظمة، وهو أداة رائعة لتوليد الأفكار وتجنب وقوع أي عواقب غير مقصودة. ومع ذلك فالجهود الواسعة النطاق المبذولة لمعالجة جميع الأسباب الجذرية لمشكلة ما تحوّل أي مسألة إلى مشروع معقد يصعب تكراره، كما أنها تضخم الأمور فتؤدي إلى تعطيل أي مسعى لمعالجتها. ومهما بلغ نجاح الجهود المبذولة لتغيير الأنظمة، فهذا التعقيد يصعّب تكرارها ويجعل كلاً منها مشروعاً ينفذ مرة واحدة.

ثمة أسباب وجيهة تدفع كثيراً من الحلول المبتكرة (والقابلة للتوسّع) لتجاوز الأسباب الجذرية تماماً، إذ من الممكن ألا تكون هذه الأسباب قابلة للمعالجة. مثلاً، يتمثل أحد أبرز الأسباب الجذرية للعديد من المشاكل التي نواجهها في الحكومات المفككة، وهذه مشكلة لن يتمكن أحد من حلها على المدى القريب. وكي يكون عملنا مجدياً يجب أن نتوصل إلى الحلول التي ستكون فعالة على الرغم من بقاء هذا السبب الجذري. يتجاوز كثير من الأفكار الجيدة بعض الأسباب الجذرية التي لن تزول، ومن الممكن التوصل إلى عدة حلول ناجحة لا يهتم أي منها بالأسباب الجذرية إطلاقاً. يشبه الحل النافع السمكة التي تعيش وتتكاثر في البحر الذي تسبح فيه مهما كان مظلماً وملوثاً.

  1. تنسيق جهود تغيير الأنظمة محفوف بالمخاطر في أفضل أحواله. تتحدث بعض المؤلفات المتعلقة بتغيير الأنظمة عن ضرورة أن يؤسس أحد الأطراف تحالفاً ضخماً لتحقيق هذا التغيير، لكن من هو هذا الطرف؟ هذا الدور صعب؛ يجب أن يكتسب من يشغله مكانة بين الأطراف الأخرى ويثبت كفاءته فيه. يؤدي ذلك غالباً إلى فراغ، ولذلك تشغله مؤسسات التمويل. في الواقع، هذا الدور لا يقاوم ، لا سيما إذا كانت المؤسسة الممولة تؤيد نموذج تغيير الأنظمة، إذ ستشعر أنها ملزمة بشغل الدور وتقديم أموالها لسد النقص. وبما أن هذا المال هو شريان الحياة للجهات المنفّذة فستسير وفقاً للمسار الذي تحدده المؤسسة الممولة، فتصبح القائد الفعلي للتغيير على الرغم من أنها لا تجيده فعلاً. راجع “العمل الخيري الاستراتيجي”.
  2. نحن نستخدم النظام غالباً، ولا نغيره.تستعين معظم الأفكار البالغة الأثر التي رأيتها بالأنظمة الحالية كمنصات أو قنوات لتوزيع منتج أو خدمة، فهي لا تغير الحكومات أو الأسواق، بل تستخدمها لتحفيز الأثر فقط، أي أنها تستفيد من الأنظمة بذكاء، أو “تستغلها” بعبارة أخرى. قد تضيف بعض العناصر إلى النظام فيتمكن من تحقيق نتائج مهمة، ولكن عند التمعن في الأمر سترى أن النظام القديم ما زال قائماً لم يتغير. في معظم الأحيان لا نحدث تغييراً ملحوظاً في الأنظمة، والنجاح في حث الحكومة على وضع سياسة معقولة أو تنفيذ برنامج فعال لا يعني أنك تمكنت من تغييرها بل أنك استخدمتها بطريقة فعالة ومثيرة للإعجاب فقط.

الحلول القابلة للتوسّع

إذاً، هل لدينا طريقة أفضل؟ بالتأكيد! أطلق عليها اسم “الحلول القابلة للتوسّع”، ترد هذه العبارة صدفة في النقاشات حول تغيير الأنظمة، لكنها في الواقع تمثل نهجاً مختلفاً كلياً عنه، ويجدر بنا أخذ هذا الاختلاف على محمل الجد، فإضافة عيادتين جديدتين إلى عيادتك الحالية ليس توسعاً بل نمواً. إذا كان “الحل القابل للتوسّع” هو الذي سيوقع أثراً كبيراً في مشكلة عويصة، فإن “التوسع” هو الحلم البعيد بأن يؤدي هذا الحل مهمته بالاستفادة من كامل إمكاناته، ويتوسّع الحل عندما يرتفع منحنى أثره بدرجة كبيرة ومستمرة مع مرور الوقت، ومن الممكن أن يكون الارتفاع كبيراً جداً.

المذهل في الأمر هو أن عبارة “الحلول القابلة للتوسّع” اقتصرت حتى الآن على عالم الأعمال غالباً، ولا تزال لدينا فرصة لتعريفها بالدقة الكافية لتكون مجدية. إذاً، يتكون الحلّ القابل للتوسّع من 5 عناصر:

  1. فكرة عظيمة توجهه وتنظمه.
  2. مهمة توجه تركيز هذه الفكرة إلى تحقيق نتيجة محددة.
  3. نظرية عن الأثر توضح الرابط بين الفكرة والمهمة (الآلية الأساسية لتحقيق تلك النتيجة).
  4. نموذج يحدد طريقة منهجية قابلة للتكرار لتطبيق تلك النظرية.
  5. استراتيجية تحدد الجهة التي ستكرر هذا النموذج على نطاق واسع جداً والجهة التي ستدفع المال لتكراره. يمكن أن نسميهما “الجهة منفّذة النموذج على نطاق واسع” و”الجهة القائمة بالدفع على نطاق واسع”.

تكرار هذا النموذج هو ما سيزيد الأثر المنشود، وبالتالي لا بد أن يكون النموذج نفسه قابلاً للتوسّع بطبيعته، ويجب أن يكون “كافياً” بأربع طرق:

  • فعال بما يكفي: لا ينبغي لأحد أن يحاول توسيع نموذج من دون دليل دامغ على أنه يحقق أثراً حقيقياً، كما أن حجم الأثر مهم أيضاً: فزيادة الدخل بنسبة 3%، أو إحراز تقدم في محو الأمية بنسبة 4% قد لا يستحق عناء توسيع النموذج؛ “الأهمية الإحصائية” لا تساوي “الجدوى”.
  • كبير بما يكفي ليتمتع بالأهمية. يعالج النموذج يعالج مشكلة عويصة، ويجب أن يكون التداخل بين مواضع الحاجة إليه ومواضع فعاليته كبيراً بما يكفي لإحداث أثر ملحوظ في مشكلة مهمة.
  • بسيط بما يكفي لتتمكن الجهة المنفّذة على نطاق واسع من تنفيذه. صحيح أنه يجب أن يكون النموذج منهجياً وقابلاً للتكرار، لكن هذا وحده لا يكفي: سواءً كانت الحكومة أو الشركات أو المؤسسات غير الحكومية هي من تنفذ النموذج، فمن الضروري تحديد أمثلة مقنعة على فعاليتها في مثل هذه الجهود.
  • تكلفته زهيدة بما يكفي لتستطيع الجهة القائمة بالدفع على نطاق واسع سدادها. سواءً كانت الجهة القائمة بالدفع هي العملاء أو الحكومات أو الجهات التي تقدم المساعدات الضخمة، فهي تضع بالدفع حداً أعلى لما يمكنها دفعه، بدءاً من ربة المنزل التي تشتري موقداً وصولاً إلى وزير المالية الذي يقرر مصير فكرتك حول العاملين في القطاع الصحي، لذا عليك أن تعرف ما هو الحد الأعلى ذاك وألا تتجاوزه.

فيما يلي عدة أمثلة على الحلول الواعدة القابلة للتوسّع، التي توصلت إليها مؤسسات مختلفة، وهي قيد التوسيع حالياً:

  • الأخصائيون الصحيون المحليون المحترفون؛ الحكومات هي الجهة المنفّذة والقائمة بالدفع على نطاق واسع.
  • نظم الطاقة الشمسية المنزلية بالدفع المسبق؛ الشركات هي المنفّذة والعملاء هم القائمون بالدفع على نطاق واسع.
  • برامج التخرج من الفقر المدقع؛ ستكون الحكومات في النهاية هي الجهة المنفّذة والقائمة بالدفع على نطاق واسع (مع بعض المساعدة من المؤسسات غير الحكومية والجهات التي تقدم المعونات الضخمة).
  • برامج التدريس بالمستوى المناسب؛ ممارسة بسيطة في قاعة الدرس تحسن فرص التعلم لكل طفل.

وأمر آخر بالغ الأهمية: لا يوجد حل قابل للتطبيق على نطاق واسع من دون مؤسسة واحدة أو أكثر مهووسة بالتوسع لتنفيذه، فالحلول لن تحدث أي أثر وحدها، والنموذج يبقى نموذجاً؛ التنفيذ هو ما يحقق الأثر. القطاع الاجتماعي ليس سوقاً للأثر، ولا يمكنك أن تطرح فكرة ما وتتوقع أن تنجح من تلقاء نفسها، وفي معظم الأحيان، إذا خطرت لك فكرة واحتفظت بها لنفسك ولم تعمل على توسيعها فلن يقوم أحد بذلك نيابة عنك.

مع أن نهج تغيير الأنظمة يصعّب عليك معرفة درجة التغيير الحاصل ومدى تقدمك في عملية التغيير، فالحلول الناجحة القابلة للتوسّع تتبع مساراً مشتركاً في رحلتها نحو التوسع، ما يعني أنك ستتمكن من إثبات تقدمك بدقة لا بأس بها. يمكنك متابعة التقدم بتقسيمه إلى عدة مراحل:

  • البحث والتطوير:ستؤدي في البداية دور المختبر؛ إذ تبدأ تنفيذ فكرة ثم تكررها بأقصى سرعة ممكنة لتحولها إلى نموذج منهجي قابل للتكرار، وسيتحقق ذلك عندما تتمكن من تقديم حجة مقنعة على التأثير الذي أحدثه نموذجك وأنه قابل للتوسّع (على الرغم من أن التحدث عن ذلك بثقة تامة ما زال سابقاً لأوانه).
  • التكرار: تتحول في هذه المرحلة إلى مصنع، إذ تنتج نسخاً مماثلة لنموذجك في أثناء الاستمرار بتكراره، وأنت بذلك لا تتوسع، بل تنمو في أثناء العمل على إنجاح جميع العمليات والأنظمة وأدوات المراقبة والتقييم التي ستجعل نموذجك قابلاً للتكرار إلى أقصى درجة ممكنة. تستطيع المتابعة عندما تقدم دراسة جدوى دقيقة لكل من قابلية التوسّع والأثر عن طريق إجراء تجارب عشوائية منتظمة و(أو) غيرها من التقييمات الدقيقة. تتمثل هذه المرحلة غالباً فيما يُسمى “التسليم المباشر”.
  • التوسع: تعمل في هذه المرحلة على إنشاء مصانع أخرى يكرر الآخرون فيها نموذجك. يمكنك الاستمرار بالعمل بنفسك بصفتك منفّذاً للنموذج، ولكن يزداد تركيزك على استقطاب منفّذين آخرين ومساعدتهم على تكرار النموذج بجودة عالية.

التحول الكبير

يتحقق الارتفاع الكبير في منحنى الأثر الذي يشكّل التوسع -أي ما نسميه التحول الكبير- بواسطة مزيج من 6 عوامل، ويمكن وضع عوامل التحول الكبير هذه في قائمة مراجعة:

  • الجهة المنفّذة على نطاق واسع: أي عندما تسلم هذا الحمل الثقيل بالتدريج إلى جهة أخرى يُحتمل أن تصبح جهة منفّذة على نطاق واسع، سواء تمثلت في الحكومة أو الشركات أو المؤسسات غير الحكومية الأخرى. ويجب أن يكون هذا العامل محور التركيز في أي استراتيجية طويلة المدى.
  • الجهة القائمة بالدفع على نطاق واسع: أي حين تنتقل من التمويل بالعمل الخيري (الذي يشمل الديون الميسرة وحقوق الملكية) إلى التمويل بواسطة الجهة القائمة بالدفع على نطاق واسع، سواء تمثلت في الحكومة أو الجهات التي تقدم المساعدات الضخمة أو العملاء، ويجب أن يتزامن ذلك مع الانتقال إلى الجهة المنفّذة على نطاق واسع لأنها تعمل على تنفيذ ما تستهدفه الجهة القائمة بالدفع بأموالها.
  • النموذج: عندما تتمكن من جعل النموذج أبسط وأرخص وقابلاً للتطبيق على نطاق أوسع و(أو) قادراً على إيقاع أثر أقوى.
  • التكنولوجيا: عندما يتوسع نطاق تقديم الخدمات تستطيع المؤسسات تخفيض تكاليف المعاملات وتحقيق الجودة حين تستفيد من التكنولوجيا الناشئة، وخاصة الأجهزة المحمولة والرقمية.
  • السياسة: ستظهر علامات تغيير الأنظمة حين تدرك المؤسسات في طور النمو أن تغيير السياسات يفتح الأبواب ويذلل الحواجز، أي أن تتعلم إحداث تغيير من القمة إلى القاعدة يعزز الزخم الذي يتولّد من القاعدة إلى القمة. في الوقت نفسه، تظهر علامات تغيير الأنظمة حين تكتسب المؤسسة مكانة ذات أهمية كافية تلفت أنظار واضعي السياسات وتدفعهم للاهتمام برأيها، والمؤسسة الذكية تتعرف إلى واضعي السياسات هؤلاء وتشركهم في رحلتها منذ بدايتها.
  • العمل الجماعي: أخيراً، إليك الجزء الذي سيسعد هواة تغيير الأنظمة؛ عندما تبدأ المؤسسات توسيع نطاق حلولها، تشكل غالباً شبكات و(أو) علاقات تعاونية مع جهات منفّذة أخرى تسعى لتحقيق أهداف مماثلة، ومن الممكن أن تنضم إلى حراك قائم أو تحاول بدء حراك جديد. وأحياناً تنضم إليها المؤسسات التي تملك حلولاً مكمّلة ومتميزة.

مهلاً، هل قلت تغيير الأنظمة؟

عندما يصبح التقدم في جهود التوسّع ملحوظاً سيبدو شبيهاً بما تتحدث عنه أدبيات تغيير الأنظمة، لكن الاختلاف الجوهري بينهما هو أن هذا التوسّع طارئ ناجم عن هوس المؤسسات المنفِّذة به، فهي تقود جهوده بطريقة طبيعية مرنة غير مخطط لها تتوافق مع طموحاتها واحتياجاتها في أثناء عملها الحثيث لتحقيق أكبر أثر ممكن في حياة من تخدمهم.

سيوضح المثال الأمر أكثر: يمثل التقدم الذي يحرزه الأخصائيون الصحيون المحليون المحترفون نموذجاً مذهلاً عن الحلول القابلة للتوسّع. فعلى مدى العقود الأربعة الماضية، أطلِق عدد لا يحصى من برامج الأخصائيين الصحيين المحليين (CHW) من أجل تقديم الرعاية الأولية لمن لا يمكنهم الوصول إلى الأطباء والعيادات، ولكن فشلت غالبية هذه البرامج في تحقيق أهدافها لاعتمادها على متطوعين لا يحصلون على الدعم الكافي ويعانون نقصاً شديداً دائماً في الإمدادات. ولكن على مدى العقد الماضي تقريباً، عمل عدد من المؤسسات التي تمثل جهات فاعلة تزداد أهمية، مثل لاست مايل هيلث (Last Mile Health) وموسو (Muso) وبارتنرز إن هيلث (Partners in Health) وإنتيغريت (Integrate) وليفنغ غودز ( Living Goods) وأماني (Amani)، على إجراء تعديلات أساسية مختلفة على نموذج الأخصائيين الصحيين المحليين المحترفين (PCHW) المشترَك. وبالنتيجة أصبح جميع الأخصائيين الصحيين لديها:

  • معتمدين ويتقاضون أجوراً: يعامَلون على أنهم محترفون.
  • تضاهي مهاراتهم مهارة المحترفين: جميعهم حاصلون على تدريب جيد، ويعملون بنشاط لتوفير الرعاية في المنازل ومعالجة مجموعة أوسع من الحالات (تؤدي التكنولوجيا الرقمية دوراً كبيراً في ذلك).
  • يحصلون على الدعم الميداني: أعدّت الأنظمة على نحو يضمن إدارتهم بأسلوب منهجي وإجراء زيارات لهم في مواقع العمل ضمن مجتمعاتهم وتقديم التوجيه لهم هناك (للتكنولوجيا الرقمية دور هنا أيضاً).
  • يحصلون على الموارد اللازمة: لديهم الأدوية والمواد التي يحتاجون إليها ويمكنهم الاعتماد عليها (للتكنولوجيا الرقمية دور هنا أيضاً!).

يعد الأخصائي الصحي المحلي المحترف مثالاً بارزاً على الحل القابل للتوسّع. يمكن وصف هذا المثال ببساطة كما يلي:

  • الفكرة: الأخصائيون الصحيون المحليون المحترفون.
  • المهمة: إنقاذ أرواح الناس.
  • نظرية التأثير: “إذا أرسلنا الأخصائيين الصحيين المحليين المحترفين إلى الميدان، فسوف يقدمون رعاية عالية الجودة للأفراد في منازلهم، وسينقذون أرواح عدد كبير من الناس.
  • النموذج:خصائص النموذج الأربعة التي ذكرناها في الفقرة السابقة.
  • الاستراتيجية: الجهة المنفّذة هي الحكومة، والجهة القائمة بالدفع هي الحكومة

كما يحقق هذا المثال جميع معايير الحلول القابلة للتوسّع:

  • تتخذ جميع المتغيرات شكل النماذج المنهجية الموصوفة بدقة.
  • أدركت هذه المؤسسات أنه ليس بالإمكان توسيع هذا الحل إلا بمشاركة الحكومة في دور الجهة المنفّذة والجهة القائمة بالدفع (مع دعم الجهات التي تقدم مساعدات ضخمة أحياناً).
  • تتوفر أدلة جديدة كثيرة على هذا الأثر، وبعضها مذهل:
  • فالنموذج كبير بما يكفي: لينفي كل الشكوك حول فعالية هذه الحلول في غالبية الحكومات التي تحاول تقديم الرعاية الأولية.
  • وهو بسيط بما يكفي: إذ تدير معظم الحكومات حالياً أموراً بنفس درجة تعقيده على الأقل.
  • وهو رخيص بما يكفي: لتتوافق تكاليفه مع ما تنفقه معظم البلدان المستهدفة لتقديم الرعاية الأولية عموماً. يدرك الكثير من الدول أن أثر الأخصائيين الصحيين المحليين المحترفين واتساع نطاق خدماتهم يسوغان إعادة تخصيص الموارد، ويزيدان اهتمام الجهات التي تقدم مساعدات ضخمة بدعم الحكومات في تغطية التكاليف.

اتبعت جميع المؤسسات الفاعلة تقريباً نسخة واضحة من نهج “الرحلة نحو التوسع”؛ إذ كررت نماذجها لتعزيز قابلية التوسع، واعتمدت على التكنولوجيا الرقمية بكل الطرق الممكنة، وشاركت بفعالية في عملية وضع السياسات الوطنية والإقليمية.

لعلّ أروع ما في الأمر هو أن تلك المؤسسات نظمت نفسها في مؤسسة كبرى تسمى تحالف أثر الصحة المجتمعية (CHIC). أنشأت المؤسسات المنفّذة نفسها هذا التحالف، ونظمته بحكمة اعتماداً على مجموعة المبادئ الواضحة في نموذج الأخصائيين الصحيين المحليين المحترفين الفعال، وإذا أردت الانضمام إلى هذا التحالف، عليك الانضمام إلى تلك المؤسسات. أصبح للتحالف طاقم عمل الآن وصار وسيلة لإجراء الأبحاث ووضع السياسات وتنفيذ أعمال التمويل وفقاً لبرنامج عمل مشترك، كما أصبح وسيلة لمشاركة أفضل الممارسات، وتمكن من جذب مؤسسات داعمة مثل ميديك موبيل ( Medic Mobile) (مؤسسة أدوات صحية رقمية) وفيلدج ريتش (Village Reach) (سلاسل التوريد المحسّنة). يتمثل أحد الآثار الجانبية الرائعة للتحالف في أن المؤسسات الأعضاء أدركت أن التمويل ليس لعبة محصلتها صفر يفوز فيها طرف على حساب الآخر، فبدأت تصل بين المؤسسات الأخرى والمؤسسات الممولة، ما أدى إلى جذب المزيد من الأموال بالمجمل.

هذه هي قصة نموذج الأخصائيين الصحيين المحليين، الحل الذي بدأ تنفيذه بالفعل في إفريقيا وخارجها. يمكن أن تؤدي الحلول القابلة للتوسّع ونُهج تغيير الأنظمة في نهاية المطاف إلى نتائج مماثلة، ولكن مثال المؤسسات المهووسة بتوسيع نطاق نماذجها في بلدان متعددة يبين سرعة الحلول القابلة للتوسّع وكفاءتها الكبيرتين. في معظم الحلول القابلة للتوسّع، تكون الجهة المنفّذة على نطاق واسع هي الأهم، ولن نتمكن من إجراء تغييرات جذرية عليها على المدى المنظور، سواءً كانت حكومات ضعيفة الأداء أو أسواقاً غير فعالة أو مؤسسات عالقة في شبكة عمليات عديمة الجدوى، ولكن يجب أن نستفيد منها حتى لو لم نتمكن من تغييرها.

لا أقول إنه ليس واجباً علينا محاولة تغيير الأنظمة، بل هو أمر نبيل وضروري، ولكن يجب ألا نخلط بين تطوير الحلول القابلة للتوسع وتغيير الأنظمة المتعثرة. نتمكن أحياناً من إصلاح نظام ضخم غير فعال بعد أن نبذل جهداً مضنياً على مدى فترة مطولة، ومن الضروري أن نستمر في المحاولة. ويجب علينا تغيير أنظمة مثل الرعاية الصحية والطاقة والتعليم والحوكمة والصناعة كي تحقق الفائدة للجميع فعلاً، حتى وإن استغرقنا في ذلك وقتاً طويلاً، إذ لا بد من توفير بيئة ملائمة من القمة إلى القاعدة تمكن جميع الحلول القابلة للتوسّع من تحقيق أقصى فائدة مرجوة منها.

لكن في أثناء ذلك يجب أن نعمل على تحسين حياة الناس على نطاق واسع، وستتاح لنا فرصة لتحقيق أهداف ضخمة إذا طبقنا حلولاً قابلة للتوسّع، وليس من مصلحتنا الخلط بين تطبيق هذه الحلول وبين تغيير الأنظمة. وقد يسرّع التركيز على الحلول القابلة للتوسّع إحداث تغيير حقيقي في الأنظمة، فالتقاء الزخم المتدرج من القاعدة إلى القمة مع المحفز من القمة إلى القاعدة له أثر عظيم. لكن يجب أن نستفيد حالياً مما لم نتمكن من تغييره بعد، يجب أن تسبح في البحر الذي تعيش فيه، لا الذي تتمنى أن تعيش فيه.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.