محركات مزدوجة لدفع التأثير الاجتماعي

دفع التأثير الاجتماعي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

نمت مؤسسة وان غول (OneGoal) منذ تأسيسها وعلى مدى 12 سنة الماضية لتتمكن من ضم نحو 12,500 طالب ثانوية سنوياً في 6 مناطق حضرية، وقد أصبحت معروفة لنجاحها الكبير في مساعدة الطلاب من ذوي الدخل المنخفض، معظمهم من اليافعين من أصحاب البشرة الملونة، على الالتحاق والمتابعة في التعليم ما بعد المرحلة الثانوية. ومع ذلك، كانت وان غول تلامس حدود ما يمكن تحقيقه بالاعتماد على نموذجها المكلف نسبياً، إذ يتطلب تدفقات كبيرة ومتواصلة من التمويل الخيري. ورغم أن المنظمة كانت تتوسع بضم مدرسة تلو الأخرى، مما يضيف المئات من الطلاب المستفيدين كل عام، إلا أن الحاجة كانت أضعاف ذلك. تقول ميليسا كونيلي، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة وان غول: “إذا واصلنا النمو بالمعدل الحالي، فلن نقترب أبداً من الوصول إلى طلاب الصف الحادي عشر على مستوى البلاد البالغ عددهم 1.4 مليون طالب الذين يمكن أن يستفيدوا”.

إن مشكلة وان غول مألوفة بالنسبة لنا؛ فمن ناحية، تريد المنظمة توسيع خدماتها لتلبية الاحتياجات التي يبدو أنها تستمر بالازدياد. ومن ناحية أخرى، تشعر المؤسسة بالحاجة إلى تحديد حلول جديدة تحمل القدرة على توسيع نطاق تأثير المؤسسة إلى ما هو أبعد من قدرة أساليبها الحالية. وغالباً ما يكون من الصعب تحقيق الهدفين معاً.

المحرك 1/المحرك 2

بالنسبة للقطاع الخاص، أنشأت شركة باين آند كومباني (Bain & Company) مفهوماً يسمى المحرك 1 / المحرك 2 لوصف هذه الديناميكية ومساعدة القادة على إدارتها بفعالية. للحفاظ على النمو المربح على المدى الطويل، تحتاج الشركات إلى تحسين أعمالها الأساسية، المحرك 1، مع متابعة نشر بذور الابتكار للمحرك 2، الذي يمكن أن يعزز النمو من خلال نموذج أعمال جديد أو شرائح عملاء جديدة أو منتجات أو خدمات جديدة تماماً. يركز المحرك 1 على نموذج الأعمال الحالي والقدرات الحالية، ويتضمن تحسيناً مستمراً وتقييماً دقيقاً للمخاطر ويركز المحرك 2 على فرص النمو الجديدة ونماذج العمل التي تقع خارج نطاق تركيز المحرك 1، والتي تشمل التجريب والإبداع والمرونة. تعرّف باين أمثال المحرك 2 على أنها أعمال جديدة مبنية ضمن شركة قائمة بالفعل وتستفيد من مزايا التوسع الحاصل، أي تستفيد من الأصول ورؤوس الأموال الخاصة بالأعمال الأساسية القوية للشركة (المحرك 1) كي تنمو إلى حجم أكبر بشكل أسرع من شركة ناشئة مستقلة.

انظر مثلاً كيف أصبحت نتفليكس (Netflix) على ما هي عليه الآن. قبل بضع سنوات، كانت نتفليكس تتفوق على بلوك باستر (Blockbuster) من خلال توصيل الأفلام للعملاء عن طريق البريد، بدلاً من الإبقاء على المتاجر التقليدية الباهظة الثمن. لكن نتفليكس أدركت إمكانات البث التدفّقي للأفلام عبر الإنترنت وبدأت في تطوير المحرك 2 الخاص بها، بالرغم من أن نموذج التوصيل عبر البريد سيبقى لبضع سنوات مصدر الغالبية العظمة من إيراداتها. هناك آخرون من عمالقة الشركات ممن يشكلون خير مثال على عملية التجديد هذه، مثل توسع أبل (Apple) من بيع أجهزة الكمبيوتر إلى تقديم خدمات الموسيقى وتطوير أجهزة آيفون والتطبيقات، أو تحول شركة ويسترن يونيون (Western Union) من شركة اتصالات (هل تتذكر التلغراف؟) إلى مزود خدمات مالية. وعلى النقيض من ذلك، عندما حل التصوير الفوتوغرافي الرقمي محل الفيلم والتظهير، تم سحق كوداك (Kodak) من قبل منافسيها لعدم استثمارها بشكل كافٍ في المحرك 2.

تحقيق التوازن بين المحركين في المؤسَّسات غير الربحية

لا يخفي العديد من قادة المؤسسات غير الربحية حماستهم لاستثمار طاقتهم في التجديد والابتكار، ولكن من الصعب تخصيص الوقت والموارد اللازمة لذلك. فبالنهاية، إن ما يصفه مؤلفو المحرك 1 / المحرك 2 بأنه “أصعب إجراء في مجال الأعمال” قد يكون أكثر صعوبة بالنسبة للمؤسسات غير الربحية، التي لا تُعتبر “أعمالها الأساسية” عملاً تجارياً على الإطلاق. نظراً لأن التأثير الاجتماعي يؤثر في أشخاص ومجتمعات حقيقية، فمن الصعب إبطاء النمو على المدى القريب أو تقليص مخطط خدمة ما للسعي وراء الأمل بالتوصل إلى نهج أفضل (ولكن غير مُثبت). كما ينطوي الابتكار دائماً على مخاطرة، أو حتى على الفشل، الذي، إذا ما تعرضت له المؤسسات غير الربحية، فقد يكون له تأثير مؤلم في حياة الناس. أخيراً، هناك مشكلة المال. في حين يمكن للشركات الاستفادة من الأرباح أو الديون أو أسواق رأس المال لتمويل المحرك 2، فإن معظم التمويل العام والخيري في العالم غير الربحي يهدف إلى دفع تكاليف الأشخاص الذين يتم خدمتهم والأنشطة التي يتم القيام بها والنتائج المحققة. وفقط قلة قليلة من الممولين يتحلون بالصبر الكافي والتسامح مع المخاطر وغيرها من الصفات المطلوبة للاستثمار في مساعدة المؤسسات على تصميم واختبار وبناء محرك 2 لم تثبت فعاليته بعد.

على المستوى الأولي، قد ترغب مؤسسة غير ربحية بالتفكير في المحرك 2 إذا كان مسارها الحالي سيبقيها بعيدة جداً عن الوصول إلى شريحة كبيرة من السكان المستهدفين، أو إحداث فرق دائم في الحيوات التي تلمسها، أو تحقيق مهمتها، حتى في غضون 20 سنة. وكلما كبرت الفجوة، ازدادت الحاجة إلى المحرك 2.

كانت الفجوة واضحة بالنسبة إلى وان غول إذ، بعد سنوات من النمو، كان محركها 1 يضم 12,500 طالب فقط من السوق الوطنية المحتملة التي تضم 1.4 مليون طالب. كان هذا الإدراك بمثابة دعوة واضحة، كما توضح ميليسا كونيلي: “لقد أدركنا الضغط الشديد الذي كنا نفرضه على الممارسين لتنفيذ كل من نموذجنا الحالي وإعادة تصوره لتلبية الحاجة. لقد قررنا أنه إذا أردنا إعادة ابتكار أنفسنا لنكون في وضع أفضل لتحقيق مهمتنا، فسيتطلب ذلك منا تخصيص موارد حقيقية لأجله”. ونتيجة لذلك، يسعى برنامج (District Partnership Pilot) التابع لمؤسسة وان غول إلى دمج نموذج نجاح ما بعد المرحلة الثانوية المثبت من وان غول في نسيج المنطقة التعليمية، وتدريب القادة داخل كل منطقة شريكة لدعم النموذج، واستخدام تكنولوجيا التعلم المخصصة لتقديم مناهجها عبر الإنترنت.

طريقة جديدة للعمل

إن مؤسسة فيجن سبرينغ (VisionSpring)، هي مؤسسة غير حكومية أُسست عام 2001 بهدف توفير نظارات طبية ذات نوعية جيدة بسعر زهيد لحوالي مليار شخص حول العالم ممن يحتاجون إلى نظارات تصحيحية ولا يمتلكونها. ومثلما فعلت وان غول، أثبتت فيجن سبرينغ نجاحها من خلال تطوير المحرك 1 بسرعة، وبيع نظارات منخفضة التكلفة من خلال فريق المبيعات المباشر الخاص بها من “رواد الأعمال من قطاع النظارات” في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. ومع ذلك، نظراً لأن فيجن سبرينغ كانت تمول كل زوج من النظارات المباعة، فلن تقترب أبداً من الوصول إلى تغطية حجم الحاجة بأكملها.

يتطلب كل من المحرك 1 والمحرك 2 نوعاً مختلفاً من العقليات والقدرات ومقاييس النجاح. يقول جوردان كاسالو، مؤسس فيجن سبرينغ: “في حين أن الجزء الأساسي من أعمالنا قد تم تحديده بشكل أو بآخر، فمن خلال عملنا الابتكاري، ستكون دورات التكرار أسرع بكثير:اختبارات أسرع، والكثير من قرارات التنفيذ/عدم التنفيذ”. المحرك 1 هو عبارة عن بنية لتقديم ما تعرف بالفعل كيفية القيام به، ويتطلب الانضباط والتكرار وتقييم المخاطر بعناية لتحقيق النجاح. ولكن نظراً لأن المحرك 2 عبارة عن بنية لتطوير الحلول والنماذج والمسارات الجديدة واختبارها وتنقيحها، فإنه يتطلب خفة الحركة والإبداع وشهية صحية للمخاطرة. إن عملية الإدارة التقليدية، التي تنطوي على التصميم ثم التخطيط والتنفيذ في النهاية، تفسح المجال لاختبار الفرضيات والتعلم من الفشل والنجاح.

لننظر إلى مشروع فيجن سبرينغ التجريبي الذي ينطوي حالياً على بيع نظارات القراءة في الصيدليات. وفي حين أن هذا يعتبر أمراً شائعاً في الولايات المتحدة، إلا أنه غير مألوف تماماً في بلدان مثل بنغلاديش، حيث تعتبر النظارات غرضاً طبياً يتم الحصول عليه عبر وصفة طبية من الأطباء. يقول كاسالو: “لا يزال هذا الابتكار قيد التنفيذ، ومن غير الواضح ما إذا كان سيصبح أحد الأساليب الأساسية لشركة فيجن سبرينغ أو أنه سيكون محاولة فاشلة”. هناك عشرات الآلاف من الصيدليات في بنغلادش، وفي الوقت الذي بدأت به فيجن سبرينغ مشروعها، لم تكن أيٌّ منها تبيع النظارات الطبية. كان على فيجن سبرينغ أن تكتشف ما إذا كانت هذه الطريقة الجديدة كلياً لبيع النظارات مجدية فعلاً، وإذا كانت كذلك، فكيف ستنجح في تطبيقها. ثمة العديد من الأمور التي يتعيّن على المؤسسة اكتشافها من قبيل: هل سيشتري الزبائن نظارة معروضة على الرف أو سيحتاجون إلى وكيل مبيعات لتسليمها لهم باليد؟ وهل التسويق ووسائل التواصل الاجتماعي مفيدان لتغيير عادات الشراء الحالية؟

بدأ المشروع على نطاق صغير؛ إذ اقتصر على 20 صيدلية فقط. وقد نجحت بعضها في بيع النظارات، وفشلت أخرى. نظراً لأن فيجن سبرينغ كانت تحاول التجربة والتعلم بدلاً من تنفيذ خطة مطورة بالكامل، فقد وفّرت كل من حالات النجاح والفشل معلومات مفيدة حول الأساليب التي قد تعمل بشكل أفضل، حيث وسعت فيجن سبرينغ البرنامج التجريبي ليشمل 50 ثم 200 صيدلية. يقول كاسالو: “هدفنا أن نصل إلى 2,000 صيدلية. إن المناسيب الاقتصادية للوحدة لا تعمل في مستوى 200 صيدلية، لكننا نمتلك مؤشرات قوية أنها ستتناسب عندما نصل إلى 2,000 صيدلية. وهذا ما نحتاج إلى التأكد منه. توجد صيدليات في كل أنحاء العالم، إذا تمكنا من إنجاح المشروع في بنغلاديش، فقد ينجح في أماكن أخرى”.

خلال المراحل المبكرة من تطوير المحرك 2، قد تبدو عملية الابتكار غير مألوفة ومحفوفة بالمخاطر، لكن العديد من المؤسسات تجد أنها تكتسب المزيد من الثقة مع كل خطوة. (لقد كتبنا مراراً حول الأنواع الجديدة من الأدوات اللازمة للابتكار، يمكنكم الاطلاع عليها هنا وهنا.) في البداية، عندما يكون الشك والمخاطرة مرتفعين، يمكن للتجارب الصغيرة الموجهة للغاية، التي تسمى أحياناً منتجات الحد الأدنى (MVPs)، أن تمنح القادة معالجة أفضل للمخاطر الأكبر قبل أن يقدموا على استثمارات أكثر أهمية. إذا لم تحقق هذه التجارب النتائج المرجوة، على سبيل المثال إذا كانت الرغبة في الدفع أقل أو لم يكن تكرار التجربة ناجحاً، فقد يكون الوقت حان للبحث والنظر في الأساليب الأخرى. ولكن إذا كانت المؤشرات تتجه نحو النجاح، يكون الوقت قد حان لمصاعفة الجهود في هذه التجارب والاستثمار فيها.

بالنسبة إلى المحرك 2، فإن قياس النجاح هو أمر مختلف؛ حيث إن طرق القياس التقليدية لتتبع التقدم مثل عدد الأشخاص الذين تم الوصول إليهم لن تمنحنا معلومات كافية حول أداء الابتكار. بدلاً من ذلك، قد ترغب المؤسَّسات غير الربحية في تتبع وتقييم وأمثَلَة المقاييس على مستوى الوحدة، مثل معدل التبني ونسبة البقاء على رأس العمل ومعدل النجاح والمناسيب الاقتصادية للوحدة. سيؤدي تحسين هذه الدوافع الأساسية بدوره إلى تأثير أكبر وأعظم.

هيكلة المحرك 2 لتحقيق النجاح

إن الاختلافات بين المحرك 1 والمحرك 2 تجعل من الصعب تشغيلهما جنباً إلى جنب، لكن يمكن أن يتعايشا داخل نفس المؤسسة. يعتمد العثور على العلاقة الصحيحة بين هذين الهيكلين على درجة التداخل بين العناصر الرئيسية لنموذج عمل كل منهما (على سبيل المثال، الشركاء والعملاء والنهج الأساسي) بالإضافة إلى ما سيمكّن كلاً من المحركين من العمل على النحو الأمثل. فإذا ما كانا متشابكين للغاية، قد يعاني المحرك 2 للحصول على الاهتمام المطلوب في خضم المنجزات الفورية. وأيضاً، إذا كانا منفصلين للغاية، فقد تظهر المنافسات وقد تضيع فرص التعلم المهمة. يقول كونلي من وان غول: “أينما كان هناك تخصيص للموارد، سيكون هناك كثير من التوتر. نظراً لأن العمليات الأساسية تشكل 90% من خدماتنا، فنحن بحاجة إلى الاستمرار في تحديد أولويات تخصيص الموارد المناسبة لضمان قدرتها على زيادة الفعالية إلى أقصى حد. مع ذلك، نظراً لأننا لا نواصل التوسع في الموقع الإقليمي باستخدام هذا النموذج، فقد كانت هناك بعض الأدوار التي أصبحت غير ضرورية، مثل تلك المسؤولة عن تدريب مناطق جديدة”.

إذا لم يكن هناك حد فاصل واضح بين المحرك 1 والمحرك 2 من ناحية الاستراتيجية وطاقم الموظفين والهيكلية، يمكن أن يتسبب ذلك في التنافر بين أفراد فريق الإدارة. قد يشكل البدء في إنشاء المحرك 2 تحدياً حقيقياً عندما تكون ثقافة المؤسسة وقدراتها تتمحور حول المحرك 1. نتيجةً لذلك، فإن بناء طاقم الموظفين المناسب للمحرك 2 يمكن أن يتطلب مزيجاً من إخراج القادة الرياديين الموجودين وجلب مواهب جديدة لمنحها الفرصة.

عندما يركز المحرك 2 على تحسين متوافق بشكل وثيق مع منتج أو خدمة أو نموذج عمل موجود، فإن تكامل الجهود في نفس الفريق يمكن أن يساعد على دمج خبرات المحرك 1 في المحرك 2. كما يمكن أن يتم استدعاء أعضاء الفريق نفسه لتحقيق التوازن بين إبقاء البرنامج الحالي قيد التشغيل في أثناء استكشاف برنامج جديد. إلا أن هذا الأمر قد يسبب الكثير من الضغوطات على أعضاء الفريق الذين يتعين عليهم لعب دور في كل من المحرك 1 والمحرك 2. يشرح كاسالو من مؤسسة فيجن سبرينغ الأمر قائلاً: “في الماضي قمنا بالابتكار معظم الوقت عبر جعل طاقم موظفينا الموجودين يختبرون الأفكار الجديدة إلى جانب عملهم”. قد ينبع هذا النهج أيضاً من الحاجة، وفي ظل غياب التمويل، ويسهم في التحقق المبكر اللازم لتأمين الموارد لاستثمار أكبر.

الخيار الثاني هو إنشاء فريق أو قسم منفصل يمكن أن يساعد على تجنب الضغوط والقيود التي تخضع لها فرق برنامج المحرك 1. تختار بعض المؤسسات شخصاً يعرف المؤسسة جيداً لقيادة طاقم الموظفين هذا أو فريق العمل. على سبيل المثال، استقطبت وان غول المواهب من مكاتبها الإقليمية، واختارت من بينهم أشخاصاً كانوا على دراية ليس بالنموذج فقط، وإنما بالعملاء المحتملين الجدد وبالمناطق التعليمية. قد تفضل مؤسسات أخرى توظيف شخص من خارج المؤسسة. كما أوضح قائد إحدى المؤسسات غير الربحية: “لقد شعرنا أنه من الضروري اختيار قائد يجلب منظوراً جديداً ولم يكن مقيداً برؤيتنا لكيفية قيامنا دائماً بالأشياء هنا”.

لا يجب أن يكوّن القسم أو الفريق المنفصل مختبر ابتكار مع طاقم موظفين كامل. على سبيل المثال، لتنفيذ مشروع تجريبي ناجح يتضمن شراكات مع المصانع لمساعدة العمال الذين يحتاجون إلى نظارات في الحصول عليها في موقع العمل، عينت فيجن سبرينغ شخصاً واحداً ليكون مسؤولاً يركّز جهوده على المشروع وليس على أي شيء آخر. يمكن أن تبدأ التجربة الأولية التي قد تؤدي إلى إنشاء المحرك 2 بأقل من ذلك.

إذا كان النموذج الجديد كبيراً إلى حد يتطلب شركاء مختلفين أو آليات تمويل أو نُهُجاً مختلفة، فقد يكون من الأفضل متابعة المحرك 2 ككيان منفصل، بعيداً عن القيود الحالية للمؤسسة. وهذا الأمر قد يتضمن التحول إلى مؤسسة ربحية، أو مشروع استثماري مشترك، أو جماعة ضغط. لاحظت فيجن سبرينغ، مثلاً، الحاجة إلى بذل جهد أوسع لتغيير الأنظمة من أجل زيادة الوصول إلى النظارات في جميع أنحاء العالم. لذا فقد ساعدت في إطلاق آيلايانس (EYElliance)، وهو تحالف متعدد القطاعات مصمم لتحديد الحلول العالية الفعالية والبحث وتطوير طرق لتضمينها في أنظمة عامة وخاصة ذات نطاق أوسع لزيادة الوصول إلى النظارات على مستوى كبير. إن الابتكار في سياسات وجداول أعمال وأنظمة بهذا القدر من الاتساع، مدعومة من قبل أكثر من 60 عضواً، بدا منطقياً أكثر بكثير أن يكون مسؤولية مؤسسة منفصلة بدلاً من أن يكون وحدةً في “فيجن سبرينغ”.

قد تجد المؤسسات نفسها بمرور الوقت تلتزم بنماذج ومنهجيات متعددة خلال المحرك 2 الخاص بها، تماماً كما فعلت “فيجن سبرينغ”. وقد يعيد بعضها ابتكار آلية النمو، عبر إيجاد موجه جديد للمقياس الذي يغطي أو يحل محل البرنامج الأساسي للمحرك 1. وقد ينتهي الأمر باستخدام بعض المؤسسات المحرك 2 لتطوير خدمة قريبة أو برنامج يستمر على التوازي مع خط العمل الأساسي، دون أن تستبدله.

تمويل المحرك 2

تشير المؤسسات غالباً إلى نقص التمويل المناسب على أنه العائق الأكبر أمام الاستثمار في المحرك 2. تأتي ثلاثة أرباع تبرعات المؤسسات الأميركية، ومعظم تمويل المنظمات غير الحكومية والحكومة على مستوى العالم، على شكل منح مقيدة بدلاً من نوع التمويل المرن الذي يتيح الابتكار. كما يظهر بحث من بريدج سبان (Bridgespan) وإكونغ غرين (Echoing Green)، أن المؤسسات غير الربحية التي يقودها أشخاص من أصحاب البشرة الداكنة تواجه صعوبة أكبر في الوصول إلى رأس المال، سواء من أجل برامجها القائمة أو من أجل الابتكار.

أخبرنا أحد قادة المؤسسات غير الربحية الذين تحدثنا معهم، وقد أمضى الكثير من الوقت في العمل لإطلاق المحرك 2 لمؤسسته (وليست أيٌّ من المؤسسات التي تمت مناقشتها هنا): “اعتقدتُ أن جمع الأموال للقيام بهذا الأمر سيكون أسهل من ذلك. قال لي الممولون: ’تبدو هذه الطريقة الجديدة مثيرة للاهتمام، عد إلينا بعد بضع سنوات عندما تتأكد من أنها تعمل حقاً’. تتمتع مؤسستنا بسجل إنجازات حافل مع العديد من الممولين. لقد فوجئت أن قلة قليلة فقط منهم أرادت منح المال لتجربة شيء مختلف”. (في النهاية قام ممولان كبيران بدعم المشروع التجريبي للمؤسسة بإطلاق المحرك 2).

في حين أنه يمكن بالتأكيد للممولين فعل المزيد لتحفيز الابتكار من خلال تقديم منح مرنة وقادرة على تحمل المخاطر، فإن المؤسسات غير الربحية لديها خيارات أخرى. في وقت كتابة هذا المقال، كانت كل من وان غول وفيجن سبرينغ قد اجتذبت وحصلت على تمويل لابتكاراتهما المتعلقة بالمحرك 2 بقيمة بلغت حوالي 10% من ميزانيات مؤسساتهما، مع تخصيص نسبة 90% المتبقية للخدمات الأساسية الخاصة بالمحرك 1.

علاوة على ذلك، يجب ألا يكون السعي نحو الابتكار مكلفاً. فافتراض أن المحرك 2 يتطلب تمويلاً كبيراً وفريقاً كبيراً قبل البدء خطأ شائع للغاية. ولكن هناك قيمة حقيقية في القيام بمراهنات صغيرة قبل خوض استثمار كبير في نهج جديد لم يتم اختباره بعد. أنشأت فيجن سبرينغ، باستخدام ما يصفه كاسالو بأنه نهج “تجريبي”، بعض الابتكارات الناجحة قبل أن تشكل المؤسسة ميزانية أكثر رسمية وعملية لسير محرك 2 الخاص بها. ربما يمكن إجراء عمليات سريعة ورخيصة للتحقق من الصحة، وإنتاج نقاط بيانات مبكرة تشير إلى ما إذا كان النهج الجديد يبشر بالخير (حماس العملاء، أو مؤشرات مبكرة لنتائج ضخمة، أو مشاركة مصادر تمويل متجددة محتملة). يمكن أن تظهر هذه التجربة المبكرة بدورها إمكانات كافية لجذب الممولين إلى طاولة المفاوضات لتقديم استثمار أكبر إلى حد ما والانتقال إلى المرحلة التالية، التي لا تزال غير مكلفة أو معقدة بالضرورة.

منذ عدة سنوات، أنشأت فيجن سبرينغ صندوقاً مخصصاً، يسحب الأموال من المكاسب وتبرعات العمل الخيري، وعمليةً لتطوير واختبار أفكار جديدة على نطاق واسع. يشرح كاسالو الأمر بقوله: “نحن لا نقوم بإنشاء بنى تحتية مُكلفة للابتكار قبل أن نكتشف ما إذا كان سينجح ويجب متابعته أو لا”. بالنسبة لتلك التجارب القليلة الأولى التي قد تستغرق بضعة أسابيع أو أشهر، يمكن تخصيص الأموال الحالية غير المقيدة لها. في حالات أخرى، جاء تمويل الابتكار من الأدوات المتخصصة مثل صندوق تمويل الابتكار العالمي، والجهود الخيرية مثل ذا ستوديو آت بلو ميريديان (The Studio @ Blue Meridian) (الذي يعد مصدراً رئيسياً لدعم أعمال وان غول الابتكارية)، أو الأفراد أصحاب الثروات؛ توفر هذه الأدوات جميعها أموالاً غير مقيدة وغالباً ما تكون أكثر انفتاحاً على الابتكار والمخاطر من بعض المؤسسات التقليدية.

هناك طريقة أخرى يمكن من خلالها للمؤسسات غير الربحية التي تعمل على المنح الخيرية المقيدة أن تمول المحرك 2، وهي تضمين نافذة ابتكار صغيرة في طلبات التقدم إلى المنح الخاصة بهم. على سبيل المثال، يمكن أن يظل 95% من التمويل مركزاً على تحقيق النتائج المرجوة على المدى القصير من خلال المحرك 1، في حين يتم تخصيص 5% للاستثمار في التحقق المبكر من الأفكار الجديدة الواعدة. وفي الحالات التي تكشف فيها مثل هذه الاستثمارات المبكرة في المحرك 2 عن إمكانات واعدة، سيصبح من الأسهل بكثير اتخاذ القرار بوضع رهان أعلى عليها وتقديم استثمار أكبر فيها.

الوجهة: الأثر

في هذا المقال، ركزنا على الابتكار المنظم، المحرك 2 الذي يعمل جنباً إلى جنب مع برامج المحرك 1 الأساسية للمؤسسة، كطريقة لتصور كيف يمكن للمؤسسات غير الربحية الطموحة أن تفكر في الموازنة بين احتياجات اليوم وإمكانات الغد. في حين يمكن أن يساعد المحرك 2 المؤسسة في الانتقال إلى مجال مجاور أو تطوير منتجات أو خدمات جديدة تماماً، فقد ركزنا على الكيفية التي يمكن من خلالها للمحرك 2 أن يساعد في توسيع نطاق وصول المؤسسة في مجال قائم. ومهما تكن المنهجية المتبعة، فإن الخطوات التي يجب أن تتخذها لإنشاء المحرك 2 متشابهة دائماً.

والتوسع ليس الهدف النهائي بالطبع، بل هو وسيط لتحقيق تأثير أكبر والتقدم نحو العدالة والإنصاف. لسوء الحظ، فإن بعض الابتكارات، في أثناء إثبات نجاحها من حيث الجدوى والطلب والمؤشرات الاقتصادية، قد تفضي إلى توجيه المؤسسة بعيداً عن مهمتها الأساسية ومجتمع المستفيدين. نحن نعرف إحدى المؤسسات غير الربحية، على سبيل المثال، التي وسعت نطاق تأثيرها من خلال مجموعة من الموارد المصممة جيداً وقد تم اختبارها في السوق عبر الإنترنت. ولكن تبين أن معظم أولئك الذين يستخدمون الموارد عبر الإنترنت ينتمون إلى مجتمعات أكثر ثراءً، في حين أن الأشخاص في قلب مهمة المؤسسة، الشباب والعائلات والمجتمعات أصحاب البشرة الملونة، لم يحصلوا على فائدة تذكر. حوّل قادة المؤسسة توجهاتهم بعد إدراكهم لهذا الأمر، وبدؤوا باتباع منهجية مختلفة تستهدف فئة معينة بدقة، وقد ثبت أن هذه الطريقة أكثر فعالية في الوصول إلى هذه المجتمعات. إن التأثير الذي تسعى لتحقيقه يمثل عاملاً مهماً يجب أخذه بعين الاعتبار عند تطوير الأفكار تسعى إليها كجزء من المحرك 2 الخاص بك: إذا نجح الأمر، فهل سيفيد هذا النهج الجديد الأشخاص الأكثر تأثراً بالمشكلة التي تسعى إلى حلها؟

نحن ندرك أن بدء تشغيل المحرك 2 قد يبدو أمراً شاقاً. في الوقت نفسه، أجبرت جائحة كوفيد-19 الكثيرين على إدراك أنهم قادرون على بناء هذه الأداة. كم عدد المؤسسات التي تم حشدها لتجريب أساليب جديدة عبر الإنترنت لخدمة العملاء، في غضون أيام وأسابيع، والتي كانت عالقة سابقاً في المناقشات والتخطيط لأشهر أو سنوات؟ سرعان ما اكتشفت مؤسسات عدة أنها تستطيع تقديم خدماتها على نطاق أوسع وبتكلفة أقل، وفي أغلب الحالات، بطريقة أكثر فاعلية بكثير مما كانت تعتقد أنه ممكن وذلك من خلال استخدام الإنترنت. مع إزالة القيود التي فرضتها جائحة كوفيد-19، يظل السؤال الأساسي الذي سيحتاج الكثيرون إلى مواجهته هو كيفية الاستمرار في الابتكار، وهذا لا يقتصر على تحديد التغييرات في النهج والتي يجب الحفاظ عليها، وإنما يشمل أيضاً تحديد عدد الفرص الأخرى للنمو والتأثير التي كانوا يفوتونها؟ تعتبر الاستثمارات في المحرك 2 وسيلة أساسية للكشف عن تلك الفرص في السعي لتحقيق الإنصاف والتأثير كقطاع عام.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.