هل تخيلت يوماً أنك بحاجة إلى اللجوء؟ ومن هم اللاجئين؟ ولماذا أٌطلق عليهم هذا اللقب؟ هذه الكلمة التي تصاحب العديد من الأفراد من مختلف الجنسيات حول العالم، باتت واقعاً ملموساً بعدما أُجبر 100 مليون شخص حول العالم على الفرار من ديارهم، من بينهم أكثر من 26.6 مليون لاجئ، علماً أن 68% من لاجئي العالم يأتون من 5 دول فقط، وذلك وفقاً لتقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
تتصدر سوريا عدد اللاجئين في العالم، بنسبة تبلغ أكثر من 25% من إجمالي عددهم، وهذا الرقم الكبير جاء في أعقاب الأزمة السورية التي استمرت 10 سنوات. واعتباراً من عام 2021، التمس 6.7 مليون سوري اللجوء، في لبنان والأردن والعراق ومصر وتركيا، التي تعد حالياً أكبر مجتمع مضيف للاجئين. بينما ساهمت الأزمة في أوكرانيا، في أقل من شهر، في فرار أكثر من 5.2 ملايين من الأوكرانيين، لتكون بذلك في المركز الثاني عالمياً بعد سوريا.
ومنذ 25 أغسطس/ آب عام 2017، فر أكثر من مليون لاجئ من الروهينغا من العنف المستمر في ميانمار، ومنذ ديسمبر/ كانون الأول عام 2013، أدى الصراع في جنوب السودان إلى نزوح ما يقرب من 4 ملايين شخص من ديارهم، واضطر أكثر من نصفهم إلى مغادرة البلاد بالكامل. وبدأ يعيش ما يقرب من 2.6 مليون جنوب سوداني في مجتمعات مضيفة في الخارج. وتتوالى الأرقام والإحصائيات في الصومال والكونغو وإريتريا ووسط إفريقيا وفينزويلا، حتى وصل عدد اللاجئين إلى 100 مليون شخص على مستوى العالم، بنهاية مايو/ آيار عام 2022.
على الرغم من أن هذه الأرقام تعتبر واقعاً صادماً، إلا أنها ليست نهاية المطاف بالنسبة إلى اللاجئين، فوفقاً لتقرير "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" (UNHCR)، هناك بين 89.3 مليون نازح على مستوى العالم خلال العام الماضي، نحو 21 مليون لاجئ يتبعون مفوضية شؤون اللاجئين، و5.8 ملايين فلسطيني تحت رعاية وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" (UNRWA). كما أكدت البيانات الواردة من تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الدور الحاسم الذي تلعبه الدول النامية في العالم في إيواء النازحين، حيث تستضيف الدول منخفضة الدخل، ومتوسطة الدخل أكثر من أربعة من كل خمسة لاجئين في العالم، يداية من تركيا وكولومبيا وأوغندا وصولاً إلى باكستان وجزر الكاريبي ولبنان والأردن.
السؤال هنا: هل يمكن للاجئ أن يعيش حياة جديدة كلياً بعدما ذاق مفهوم الابتعاد عن وطنه؟
اللجوء ليس نهاية المطاف
قد يصعب تخيل الحياة كلاجئ خاصة في ظل ارتفاع عدد اللاجئين حول العالم لأسباب متعددة، لكن العديد من اللاجئين حول العالم بدأوا بالفعل حياة جديدة، في محاولة للتغلب على الصعوبات التي واجهتهم، فكل عقبة زادتهم قوة، حتى إن الأمم المتحدة حددت يوم اللاجئ العالمي ليكون 20 من يونيو/ حزيران من كل عام تكريماً لهم في جميع أنحاء العالم. ويسلط هذا اليوم الضوء على قوة وشجاعة الأشخاص المجبرين على الفرار من أوطانهم هرباً من الصراعات أو الاضطهاد، والوعي بكيفية تقديم يد الدعم لهم.
والأمثلة على نجاح اللاجئين في العالم متعددة، إذ استطاعوا المضي قدماً على الرغم من الأوضاع الصعبة التي عانوا منها. فمنذ العقد الماضي، شهد العالم اكتشافات "ألبريت آينشتاين" (Albert Einstein) العلمية، وتحليلات "سيغموند فرويد" (Sigmund Freud) النفسية، وبراعة "بيل وايلدر" (Billy Wilder) في كتابة أبرز الأفلام خلال الحقبة الذهبية لهوليوود، وغيرهم الكثيرين من الذين عانوا من الصراعات؛ ما اضطرهم إلى طلب اللجوء. هم لاجئون لكن لم يتوقفوا عن الأمل لثانية واحدة، فالحياة ما زالت تقدم الكثير من الفرص لاقتناصها.
دعم اللاجئين برسالة
ذهب شاب فلسطيني في رحلة لم يكن على يقين من نتائجها، لم يعرف سوى الحلم والألم، حاول مراراً وتكراراً للوصول إلى منصة يمكنها أن تساعده في الوصول بصوته إلى العالم الذي كان يراه بعيون مختلفة، ففي الوقت الذي قرر فيه العالم الخوض في تحدي دلو الثلج أسوة بحملة الناشط الأميركي "باتريك كوين"للمساعدة في زيادة الوعي بمرض التصلب الجانبي الضموري، عرف أهداف التحدي، فهو لم يكن لعبة رائجة على مواقع التواصل الاجتماعي، بل حملة هادفة إلى تسليط الضوء على أمر حيوي، لذلك قرر أن يتحدى أيضاً لكن بدلو من الركام ليظهر أهمية الوعي بما يمر به. لم يكن يعرف هذا الشاب حينما اعتلى المسرح أنه سيكون "محمد عساف" صاحب موهبة تدعم القضايا الإنسانية وعلى رأسها اللاجئين في فلسطين.
عرف العالم "محمد عساف" من برنامج لاكتشاف المواهب العربية؛ لكنه عُرف بصانع الأمل، فلم يكن للمستحيل وجوداً عندما أعلنوا عن فوزه وتحدثت عن موهبته وخلفيته الفلسطينية أكبر المنصات العالمية، عمت الاحتفالات فلسطين؛ لكنه كان نموذجاً شاباً على ضرورة صناعة الفرصة، ومنذ عام 2013، عكف على تقديم الفن في كل أنحاء العالم؛ بهدف دعم اللاجئين، وتخصيص ريع حفلاته لصالح الأعمال الخيرية، إذ بات ذلك نمطاً معهوداً يسير بخطى ثابتة وفقاً له، كما شارك في العديد من المبادرات التي تهدف لعمل الخير بداية من مبادرة "صناع الأمل"، إحدى مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، عام 2017، وحملة "نشر الإنسانية" التابعة للأمم المتحدة، كما شارك في حملة "مؤسسة القلب الكبير" المعنيّة بمساعدة اللاجئين والمحتاجين حول العالم بعنوان "من أنا" لجمع أموال الزكاة والصدقات خلال شهر رمضان؛ بهدف تقديم مساعدات صحيّة وغذائيّة وتعلميّة للمحتاجين واللاجئين، مع تجنب استخدام صورهم وهوياتهم الشخصيّة وتوظيفها في محتوى "حملات التبرع".
تسخير الأدب لصالح اللاجئين
بعدما غزا الاتحاد السوفيتي أفغانستان في أواخر عام 1979، طلبت عائلة حسيني الأفغانية حق اللجوء السياسي في الولايات المتحدة، وفي سبتمبر/ أيلول عام 1980، انتقلت للإقامة في كاليفورنيا. بعد إنهاء تعليمه الثانوي، درس "خالد حسيني" علم الأحياء في جامعة سانتا كلارا، وحصل على شهادة البكالوريوس في عام 1988. وفي العام التالي، دخل كلية الطب في جامعة كاليفورنيا وحصل على شهادة في الطب عام 1993. لكنه لم يكن ليتوقف عن الحد العلمي للنجاح فقط، بل حرص على خوض غمار الأدب، لتسليط الضوء على معاناة اللاجئ الأفغاني، فالقلق في أفغانستان ما زال موجوداً منذ أكثر من 20 عاماً وأصبحت مؤخراً الشريك المختار للأمم المتحدة للاستجابة لحالات الطوارئ للنزوح في الجزء الشمالي الشرقي من البلاد. لذلك، فعلى الرغم من نجاحه، كان يشعر بما أسماه بـ "ذنب الناجين".
في شهر مارس/آذار من عام 2001، بدأ خالد حسيني كتابة روايته الأولى بعنوان "عداء الطائرة الورقية" ونُشرت بعد عامين عام 2003 لتكون من بين الكتب الأكثر مبيعاً في العالم، إذ بيعت في 70 دولة. وفي شهر مايو/ أيار عام 2007، احتلت روايته الثانية "ألف شمس ساطعة" المرتبة الأولى ضمن قائمة "نيويورك تايمز" (The New York Times) لأكثر الكتب مبيعاً، وفي عام 2013، نشر روايته الثالثة بعنوان "ورددت الجبال الصدى"، وعلى الرغم من اختلاف الروايات؛ لكنها اجتمعت كلها على التعبير عن أفغانستان، حيث حرص على نشر ما يعرفه وما عهده سابقاً في بلاده، وما تغيّر بعد حياة اللجوء.
ويحرص دائماً على استغلال مواقع التواصل الاجتماعي، لدعم اللاجئين في العالم، كما أسس "مؤسسة خالد حسيني" غير الربحية، وهي شريكة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مجال بناء المآوي للعائلات اللاجئة كما أنها توفر الفرص الاقتصادية والتعليم والرعاية الصحية للنساء والأطفال الضعفاء في أفغانستان.
وأخيراً، فإن مساعدة اللاجئين على الاندماج في ثقافة جديدة هي أهم خطوة نحو دعمهم، وهو ما أوضحه فيلم "الكذبة الجيدة" (The Good Lie) إذ صوّر مشاعر العزلة التي يمكن أن يشعر بها اللاجئون عندما يتم نقلهم إلى بلد جديد، ثم يحاولون التغلب على صدمتهم واستئناف حياتهم. فحتى إيماءات الصداقة الصغيرة يمكن أن تعني الكثير، ولا شك أن توظيفهم يسهم في التأثير الإيجابي لضمان دعم اللاجئين بطريقة مؤثرة، وتمتعهم بحياة كريمة. وهناك دائماً المال، فقد أطلقت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حملة بعنوان "لم يترك أحد في الخارج" (Nobody Left Outside) لتوفير المأوى لمليوني لاجئ لجمع التبرعات. فالحلول دائماً موجودة طالما الإنسان يؤمن بضرورة دعمه أخيه الإنسان، وقد يكون اللاجئ نفسه هو من يمكنه قيادة تلك الحملات بنجاح، وتعزيز التوعية ونشر الأمل.