تطبيق أسلوب الجذب لتوسيع نطاق عمل المؤسسات غير الربحية

7 دقيقة
توسع العمل غير الربحي
(مصدر الصورة: صندوق غرين لايت)

الملخص: يمثّل أسلوب جذب المؤسسات غير الربحية إلى المجتمعات التي تحتاج إلى برامجها أهمية لتوسيع نطاق عملها، فهو على نقيض النهج الذي تتبعه المؤسسات غير الربحية في دفع المؤسسة إلى دخول مدن جديدة، إذ يبدأ بتحديد الاحتياجات المحلية الحقيقية عبر مشاركة مجتمعية شاملة بدلاً من فرض الحلول. إن النجاح في المناطق الجديدة يتطلب فهماً عميقاً للسياق المحلي والإحاطة باحتياجات المجتمع وإشراك أبنائه في عملية صنع القرار. ومن المهم عقد شراكات قوية مع المؤسسات المحلية والجهات الحكومية والشركات، وضمان توافق برامج المؤسسة مع الاحتياجات الفعلية للمدينة أو المنطقة واستدامتها. وعندئذ، تسفر هذه الجهود عن حلول فعالة وأثر أقوى وقرارات تمويل أفضل وتغيير ملموس في المجتمعات المستهدفة.

عندما نجحت مؤسسة غير ربحية أسستها عام 1990 في مدينة بوسطن توسعنا بنشاطها إلى مدينتي فيلادلفيا وهارتفورد، لكننا واجهنا عثرات تمثّلت في بناء العلاقات، وتوظيف أصحاب المواهب من المدينتين والاحتفاظ بهم وجمع التبرعات محلياً، وغيرها من التحديات. وعلى عكس ما نراه من سهولة في توسع مؤسسات القطاع الربحي، يواجه الرواد الاجتماعيون مجموعة مختلفة تماماً من التحديات والمخاطر عند التوسع إلى مواقع جديدة.

تمر مؤسسات غير ربحية عديدة بالتجربة نفسها؛ فهي قد تحقق أثراً كبيراً في مواقعها الحالية، ولكن يصعب عليها تكرار النموذج وتحقيق أثر مشابه في مدن جديدة في غياب العلاقات والشركاء الممولين والمؤسسات غير الربحية الشريكة في تلك المدن، ومن دون تأييد المجتمع الذي يتيح النجاح.

ويكمن جانب من المشكلة في أننا عندما نتحدث عن توسيع نطاق عمل المؤسسة غير الربحية، نفكر غالباً في كيفية "دفع" تلك المؤسسة لتدخل إلى مدينة جديدة، ويعني هذا النهج أننا نقرر الذهاب إلى مدينة جديدة دون فهم منظومة العمل غير الربحي بها، أو حتى التيقن من حاجة مجتمعها إلى البرنامج ورغبته في تنفيذه. لكن، ماذا إذا طلب مجتمع من تلك المؤسسة غير الربحية أن تأتي؟ ماذا إذا كان هدف التوسع هو "جذب" المؤسسات غير الربحية إلى مجتمعات مستعدة لاستقبالها ودعمها؟

في عام 2004، أسسنا صندوق غرين لايت (GreenLight Fund) للإجابة عن هذا السؤال. ومنذ ذلك الحين، ساعدنا في جذب 55 مؤسسة غير ربحية إلى أكثر من 10 مدن في جميع أنحاء البلاد. ويضع أسلوبنا المجتمع المحلي في قلب عملنا، إذ يعزز مشاركة السكان ويعطي الأولوية للتحديات المحلية ويكمّل الخدمات الاجتماعية القائمة بالفعل، ويعقد شراكات استراتيجية لجذب الحلول غير الربحية التي يرغب فيها المجتمع ويحتاج إليها.

ابدأ بالاستماع. ابدأ بالاحتياجات.

لا يخلو مجتمع في جميع أنحاء البلاد من فئات تكابد الفقر وتعاني الحرمان من فرص الحراك الاقتصادي. ومع ذلك، يختلف كل مجتمع عن الآخر بتعقيداته ومتغيراته الفريدة في مجالات مثل الأنظمة والثقافات والمعايير الاجتماعية والسلطة والقيادة. فعلى الممول أن يفهم السياق المحلي أولاً حتى يتسنى له تحديد فرص نجاح المؤسسة غير الربحية في مجتمع جديد، ولا بد أن يطرح هذه الأسئلة: هل برنامج المؤسسة مطلوب هنا حقاً؟ هل يمثّل قيمة مضافة إلى الخدمات الاجتماعية المتاحة بالفعل في تلك المدينة؟ هل يمكنه الاستمرار؟

قد يجد الممولون الذين يتطلعون إلى تعزيز القطاع الاجتماعي كله، علاوة على إتاحة الموارد والفرص التي تدعم قدرة الأفراد والعائلات على الازدهار، أن البدء بالاستماع أجدى وأكثر فعالية من البدء بتنفيذ حل متاح بالفعل. فالاستماع إلى السكان الذين واجهوا التحديات مباشرة يساعد على تبنّي الخطوات التي تصلح لهذا السياق المحلي وتحديد فرص تطبيق نموذج مبتكر مؤثر. كما أن تحليل المشهد المجتمعي ودراسة التقارير وإجراء محادثات مع قادة المؤسسات غير الربحية في المدينة وقادة القطاع العام يوضح أنواع البرامج التي تخلق قيمة مضافة وتحقق أثراً ملموساً.

في منطقة نيوارك مثلاً، أجرى فريقنا أكثر من 100 محادثة ثنائية مع السكان المحليين واجتمع مع 10 مجموعات تركيز وتلقّى أكثر من 200 استقصاء مكتمل. وفي أثناء ذلك، أجرى الفريق محادثات مع قادة المؤسسات غير الربحية المحلية التي تعمل في المجالات المتوافقة مع مجالاتنا ذات الأولوية وجمع بيانات كميّة من تقارير محلية، فساعدتنا مجموعة المعلومات النوعية والكمية المحلية فضلاً عن التداخلات بين هذه المجالات في وضع تصور لفرص تحقيق أثر ملحوظ.

فقد عرفنا أن 76.5% من سكان نيوارك حصلوا على شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها، وأن 15.5% فقط لديهم درجة بكالوريوس، وأن 82.4% من طلاب الثانوية في المدارس الحكومية بمدينة نيوارك يحصلون على وجبات غداء مجانية أو بسعر مخفض. ومن خلال المحادثات مع الأشخاص المعنيين بالمشكلات ربطنا بين هذه الأرقام وواقع الحياة، فقد سمعنا من الأمهات والآباء أن أبنائهم الحاصلين على الشهادة الثانوية يريدون فرصاً لتوظيف مهاراتهم وبناء مسار مهني لكنهم لم يحصلوا إلا على وظائف بالحد الأدنى للأجر، واستمعنا إلى الشباب وهم يعربون عن إحباطهم من محدودية المجالات المتاحة لهم على الرغم من عملهم الجاد ومثابرتهم.

وفي أثناء هذه العملية، ازداد عدد فرص العمل التي تكفل نمواً مهنياً للشباب الحاصلين على شهادة الدراسة الثانوية بدرجة كبيرة.

تحديد البرامج الأنسب لتلبية الاحتياجات المحلية

في هذه المرحلة من العملية، يمكن للممول أن يدرس تنفيذ برامج غير ربحية محددة بناءً على الاحتياجات والبرامج القابلة للتطبيق في السياق المحلي، فبعد مرحلة الاكتشاف والبحث، تأتي مرحلة البحث عن برامج قائمة على الأدلة وذات أثر قابل للقياس نجحت في مدن أخرى وتستطيع معالجة المشكلات المحددة. ومن الضروري التعامل مع مؤسسات تتوافق مع أنظمة المجتمع ودينامياته، ولديها خبرة ثقافية ملائمة تتيح لها التواصل مع السكان المحليين الذين يبحثون عن مثل هذا النموذج، وتؤدي دوراً مكملاً لمنظومة المؤسسات غير الربحية القائمة في المدينة. سوف ينطوي هذا على فحص دقيق للمؤسسات غير الربحية من جميع أنحاء البلاد، ومن العوامل التي نقيّمها ملاءمتها للاحتياجات المحددة وإمكانية قياس أثرها وجاهزيتها لتكرار تطبيق نموذجها والالتزام بالإنصاف وضمان استمرارية النمو، ويمكن تقييم هذه العوامل بالتواصل مع قادة المؤسسات والزيارات الميدانية وتنظيم العروض التقديمية.

كما تتيح هذه العملية فرصة بناء الثقة المتبادلة؛ أي وضع أساس مهم للتعاون المستقبلي، إذ يجب أن تكون علاقة الممول بالمؤسسة المختارة قوية وطويلة الأمد لضمان قدرة المؤسسة على تلبية الاحتياجات المحلية بفعالية وتحقيق أفضل مستوى من التوافق مع السياق المحلي وتقديم نتائج قابلة للقياس.

في كانساس سيتي، وظّف صندوق غرين لايت مستشارين مجتمعيين، وهم مجموعة من سكان المدينة شاركوا في تحديد مجال التركيز ولديهم تجارب مباشرة في التصدي للمشكلة التي كان الفريق يسعى لحلها. تلقى هؤلاء المستشارون المعلومات الأساسية وخضعوا إلى التدريب، قبل المشاركة في التواصل مع المؤسسات المرشحة، حيث ساعدوا بأسئلتهم وآرائهم في تزويد صناع القرار النهائي بالمعلومات اللازمة. في الوقت نفسه، التقى الفريق المحلي ومجلس الاختيار الاستشاري الذي يضم مجموعة من القادة والخبراء من مجالات متنوعة 3 مرات خلال مراحل العملية، للتعرف على آرائهم والإجابة عن أسئلتهم ودراسة قرار الاختيار.

وعلى مدى الخطوات التي انتهت باختيار مؤسسة إم ريليف (mRelief)؛ وهي منصة تكنولوجية تساعد الأشخاص على التقدم بطلب لبرنامج المساعدة الغذائية التكميلية (SNAP)، كانت مساهمة مجتمع المدينة هي الأعلى قيمة؛ فقد اعتمدت مستشارة مجتمعية على المنصة لطلب الحصول على مزايا هذا البرنامج، وحددت ميزة قيّمة فيها وأوصت المؤسسة بأن تركز على التعريف بها على نطاق واسع. وأثار مستشار آخر سؤالاً مهماً حول استمرارية الاستفادة من تلك المزايا، وهو سؤال لم يفكر أحد في طرحه لولا مساهمة شخص استفاد من البرنامج مباشرة. وكانت أسئلة أعضاء المجلس، في مرحلة اختيار المؤسسة من قائمة المؤسسات المرشحة النهائية، تركز على حجم الأثر المتوقع ونوع الدعم الشامل الذي سيقدمه البرنامج والقدرة على تعيين موظفين محليين يمتلكون مهارات ملائمة لتنفيذ البرنامج، وإذا ما كان لدى المؤسسة نموذج إيرادات متنوع. كانت هذه الأسئلة مهمة للوصول إلى فهم كامل والتعرف على آلية عمل البرنامج مع المؤسسات غير الربحية وجهات التمويل الأخرى ونموذج الإيرادات، وسجلها السابق في تلبية احتياجات أصحاب البشرة السمراء والسكان الأصليين والآسيويين واللاتينيين والسياق المحلي، فجميعها عوامل مهمة عند تقييم الملاءمة المحلية.

عقد الشراكات

من المهم أن نبدأ بالاحتياج، وأن نقدم أكثر من مؤسسة في هذه المرحلة، لضمان تنفيذ البرنامج الملائم، في الوقت المناسب، تنفيذاً ناجحاً. إن مخاطر تكرار تنفيذ برنامج غير جاهز أو غير ملائم تتجاوز مجرد خسارة الأموال؛ فهي تؤثر كذلك في المشاركين في البرنامج بعد أن يجدوا أنفسهم دون برنامج يلبي احتياجاتهم.

ولضمان أن تحقق المؤسسة غير الربحية التي نجذبها ونختارها أثراً مستداماً مشابهاً لما حققته في مدن أخرى، يلزمنا التأكد من إمكانية عقد الشراكات المحلية اللازمة. فقبل اعتماد قرار التمويل، من المهم التأكد من إمكانية عقد شراكات قوية من أجل الإحالات والتنفيذ والتمويل الإضافي، مع مؤسسات في القطاعين الخاص والعام وفي القطاع غير الربحي، تدرك قيمة تنفيذ هذا النموذج الإضافي في المجتمع. بعد التأكد من ذلك، سيكون الدعم العملي لبناء تلك الشراكات ضرورياً للنجاح وتحقيق النتائج الإيجابية الطويلة المدى.

على سبيل المثال، في حالة برنامج مدرسي معني بصحة الشباب النفسية، سيكون من المهم التأكد من أن صحة الطلاب النفسية تمثّل أولوية للمنطقة التعليمية المحلية. ففي مدينة شارلوت، وقبل اعتماد تنفيذ استثمار في برنامج "إنر إكسبلورر" (Inner Explorer)، وهو برنامج يقظة ذهنية قائم على الأدلة مصمم لدعم صحة الطلاب النفسية ورفاهتهم، كان على الفريق أن يجد سبيلاً إلى عقد شراكة مع مدارس شارلوت-ميكلينبورغ (Charlotte-Mecklenburg) حتى يضمن تحقيق أثر بالحجم المنشود. ولأنه يدرك أن الوصول إلى اتفاق مع المنطقة قد يستغرق سنوات، اتفق الفريق مع 6 مدارس مختلفة وعدد من المؤسسات المجتمعية على تجربة البرنامج من خلال حشد تأييد مدراء المدارس ومدراء الإدارات المحليين. وبعد بضعة أشهر، اتضحت قيمة البرنامج لكل من الطلاب والمعلمين، إلى جانب أنه تطلب بعض العمل الإضافي من المعلمين. ومع تطور العلاقة بالمشرف على المدارس ومدير الشراكات، وتوضيح المناصرين من المدارس التي جرّبت البرنامج لنتائجه الإيجابية، أبرم مدير غرين لايت في المدينة مذكرة تفاهم مع إدارة المنطقة في غضون 6 أشهر من بدء تنفيذ البرنامج في شارلوت، تقضي بتنفيذ البرنامج على مستوى المنطقة خلال العام الدراسي التالي.

التنفيذ الذي يقتصر على النطاق المحلي

وجود مناصرين محليين وبناء الثقة عنصران حاسمان في مساعدة المؤسسة غير الربحية التي تعمل في مجتمع ما للمرة الأولى، حتى تبني العلاقات اللازمة وتندمج في المنظومة المحلية. وهي عملية مستمرة وتستغرق وقتاً طويلاً؛ فهي لا تتحقق بين عشية وضحاها. ففي غرين لايت، يقود العملية قائد من المدينة نفسها، جذوره عميقة في مجتمعها، وهو صانع القرار النهائي، لأنه الأقرب إلى الوسط الذي يعمل فيه.

ونتعاون على نحو وثيق مع المؤسسة التي نختارها في توظيف قيادة محلية لتنفيذ البرنامج لديها معرفة كافية بالواقع المحلي وتحظى بدعم مكتب المؤسسة ومجلسها الوطنيين. ولضمان الدعم المستمر، نعمل مع قائد المؤسسة غير الربحية المحلية على تأسيس مجلس استشاري محلي لا يحمل مسؤولية الشؤون المالية والقانونية في المؤسسة، يضم مدير غرين لايت المحلي ومجموعة متنوعة من المناصرين. سوف يكون دور المجلس تقديم دعم مصمم وفق احتياجات المؤسسة غير الربحية، ليساعد على وضع أساس قوي لعملها مع مرور الوقت وتعزيز علاقاتها وبناء قدراتها وحل المشكلات التي تواجهها وتقديم الدعم الاستراتيجي المستمر. وهذا الاستثمار الطويل الأمد ضروري لضمان أن تحقق المؤسسة غير الربحية الأثر وتكون أنشطتها مستدامة وتحدث التغيير الذي ينشده المجتمع.

ومن خلال تخصيص الوقت الكافي لإشراك المجتمع وتأسيس الشراكات، تقلل المؤسسة غير الربحية مخاطر التوسع إلى منطقة أخرى وتمد جذوراً قوية في مجتمع تلك المنطقة المحلي. إضافةً إلى ذلك، عندما تأتي البرامج إلى المجتمع بناءً على ما يبحث عنه السكان الذين يعانون عدم المساواة الاقتصادية والعرقية، فسيؤدي ذلك إلى صنع قرارات تمويل أفضل وتحقيق أثر أقوى وإحداث تغيير قابل للقياس.

صنع القرار الصائب

ينطوي التوسع إلى منطقة جديدة على تحديات عديدة، فعندما تتوسع المؤسسات إلى مجتمعات جديدة دون أن يجذبها إليها شريك لديه علاقات محلية عميقة، تستغرق وقتاً أطول بكثير لتبدأ عملها في المجتمع وتحقق أثراً ملموساً، وسوف تعمل بمفردها على موازنة المخاطر وإدارتها واكتساب الثقة وتخطي التحديات وعقد شراكات الإحالة والتنفيذ وتأمين التمويل والتخطيط للاستدامة.

وبصفتك ممولاً تتطلع إلى تقديم خدمات اجتماعية إلى مجتمعك، من المهم في البداية أن تستخدم مواردك لوضع أساس قوي من الثقة والمصداقية، وسوف تضمن أن يكون البرنامج الذي تختاره مكملاً لجهود القطاع الاجتماعي المحلي بالاستماع إلى ممثلي جميع شرائح المجتمع وقطاعاته، وفهم الواقع المحلي والجهات الفاعلة التي تتقاطع مساراتها مع عملك، وتحديد البرنامج الأكثر ملاءمة لتلبية الاحتياجات المحلية قبل تحديد المؤسسة التي سوف تتلقى التمويل، ثم عقد شراكات استراتيجية بطرق مبتكرة. علاوة على ذلك، من المهم أن تلتزم بتمويل التشغيل العام لسنوات عديدة إلى جانب تقديم المشورة الاستراتيجية بلا انقطاع وتعزيز العلاقات والروابط فيها مع تبنّي عقلية الشراكة، حتى تؤهل المؤسسة التي تتلقى التمويل للتوسع بنجاح وتحقيق الأثر الطويل الأمد.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.