هناك ما يُقدر بنحو مليار شخص من ذوي الإعاقة في جميع أنحاء العالم، أي أن واحداً من كل سبعة أشخاص حالياً يتعايشون مع نوع من أنواع الإعاقة الدائمة، ويعيش 80% منهم في البلدان النامية. بينما يبلغ عددهم في المملكة العربية السعودية 7.1%، أي 1,445,723 مليون شخص بحسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء. ولكن رغم ضخامة هذا العدد، اعتادت أغلب المجتمعات والثقافات تهميش هذه الشريحة السكانية على مر التاريخ، وتغييبها عند التفكير والتخطيط للفرص الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية، لكون التصور السائد حولهم مرتبط بالعجز والاتكالية.
لكن الحراك العالمي المتزايد نحو تحسين الشمولية وتمكين الفئات المهمشة، أدى إلى تحقيق تحول إيجابي في مواقف الأفراد والمؤسسات وواضعي السياسات، وحتى ذوي الإعاقة أنفسهم. فعلى سبيل المثال، أصبحت حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة إحدى مواضيع حقوق الإنسان الرئيسية لدى الأمم المتحدة، والتي اختارت يوم 3 ديسمبر/ كانون الأول من كل عام يوماً عالمياً للاحتفاء بهم ولزيادة فهم المجتمع لقضاياهم وتحفيز الجهود الدولية لإنهاء التمييز ضدهم واستكشاف إمكاناتهم الكاملة. ولا يخفى علينا الدور السبّاق للمملكة العربية السعودية في هذا السياق، إذ كان كلٌ من التمكين والشمولية قيماً متأصلةً في رؤية المملكة 2030.
فعلى سبيل المثال، كثفت المملكة العربية السعودية ضمن برنامج التحول الوطني جهودها في مجال تأهيل ذوي الإعاقة في سوق العمل والمساواة بينهم وبين نظرائهم من الأصحاء، وتهيئة البنى التحتية والمرافق الملائمة للجميع، وإطلاق برامج التنمية والتوعية الاقتصادية والمجتمعية، وتقديم الدعم اللازم لهم في كافة المجالات الصحية والتعليمية والمهنية والاجتماعية، بما يضمن لهم الحياة الكريمة والاعتماد على ذاتهم في دعم أنفسهم وأسرهم. ومن هذه المبادرات نظام "مواءمة الساعي" لتهئية بيئات العمل المناسبة لأصحاب الهمم، وبرنامج توافق التابع لصندوق الموارد البشرية "هدف" والذي يهدف لتوظيف الأشخاص من ذوي الإعاقة، وإطلاق هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة كجهة حكومية ترعى كلّ ما يخصهم، وغيرها العديد من المبادرات التي لا يتسع حصرها هنا.
لقد أدت هذه المبادرات إلى رفع نسبة ذوي الإعاقة الملتحقين بسوق العمل في المملكة إلى 12% بنهاية عام 2020. وعند النظر إلى النماذج الحديثة التي نجحت في دمج هذه الشريحة في المجتمع والقوى العاملة، نرى أثراً اقتصادياً واجتماعياً واضحاً وكبيراً لا يمكن تجاهله. فإلى جانب الضرورة الأخلاقية لشملهم في سوق العمل، كشفت الدراسات عن وجود مبررات اقتصادية قوية لوضع استراتيجيات شاملة لدمج أصحاب الإعاقة في سوق العمل، مثل رفع صافي الدخل بنسبة تصل إلى 28%، وذلك بحسب تقرير مؤسسة أكسنتشر لأداء الشركات الرائدة في مجال اندماج ذوي الإعاقة.
إن من المهم تأييد هذه الجهود بالتشريعات الداعمة. ففي إيطاليا مثلاً، أصبح من الملزم على الشركات التي يتراوح حجمها من 15 إلى 35 موظف توظيف شخص واحد من ذوي الإعاقة على الأقل، مع رفع العدد بالتناسب مع حجم الشركة، حيث لا تقتصر مسؤولية إعداد بيئة حضرية صديقة بذوي الإعاقة على الحكومات فحسب، وعلى الشركات التحلي بمسؤولية اجتماعية كبيرة في هذا الصدد.
أخيراً، الإعاقة الحقيقية للإنسان هي استسلامه للعجز والجنوح إلى منطقة الراحة، وعجزه عن تحقيق ما يهدف إليه رغم توفر كل الإمكانيات، لذا يجب أن ينظر الإنسان دائماً للجانب الإيجابي للموقف الذي يواجهه ويحاول اقتناص الفُرص المتاحة؛ والجهود التي تقوم بها هذه المؤسسات الحكومية والخاصة في المملكة تساعد في تعزيز الأمل وتمهيد السبل أمام ذوي الهمم لتحقيق طموحهم وتطوير مهاراتهم وتشجيعهم على الإسهام في تنمية المجتمع.