لماذا يحتاج القطاع الاجتماعي إلى أدوات جديدة لتقييم آثار مبادراته؟

قياس الأثر
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كم سيكون رائعاً لو كان بإمكانك الإبلاغ عن نتائج برنامجك والتحقق منها وقياس الأثر عن طريق سجل خارجي موثوق (طرف ثالث)، الأمر ليس مستحيلاً كما يبدو، بل هو وشيك فعلاً.

تعاني المؤسسات غير الربحية والحكومات منذ عقود صعوبات في التوصل إلى الطرق الفعالة لقياس أثرها الاجتماعي، ويقول كثيرون إن التغلب على هذا التحدي شبه مستحيل؛ إذ يتم تصميم كل إجراء تدخلي اجتماعي حسب الحاجة، ويتميز كل مستفيد من هذه الإجراءات عن بقية المستفيدين، ويختلف كل سياق عن الآخر، والبيانات متحيزة، ولا يمكن الوثوق بالبيانات التي يتم إدخالها بآليات الإبلاغ الذاتي، وليس لدينا معايير للقياس، ويثير إثبات العلاقة السببية إشكاليات كثيرة. ولذلك نرى أن كل مؤسسة غير ربحية تسعى بمفردها للتوصل إلى طريقة لقياس أثر أعمالها الاجتماعي والإبلاغ عنه، وتحتار كل جهة ممولة في تحديد المؤسسات غير الربحية التي يمكنها الوثوق بها والإجراءات التي يمكنها الاعتماد عليها.

إن سياسة عدم التدخل عديمة النفع فيما يتعلق بالبيانات؛ يصف أحد مؤلفي المقالات في مجلة ساينتيفيك أميريكان الأمر بقوله: “البيانات الخام شبيهة بالنفط الخام، وهي غالباً في حالة فوضى كبيرة تجعلها عديمة الفائدة”.

لا يمكن للمؤسسات غير الربحية التي تعاني ضائقة مالية وتغرق في بياناتها تصميم أدوات القياس بنفسها، وهذا ليس جيداً بالنسبة للمتبرعين الذين لا يملكون أي وسيلة لتأكيد أثر المؤسسة غير الربحية ولا يمكنهم توليد أي رؤية مفيدة، وهو ليس جيداً أيضاً بالنسبة للمستفيدين الذين لا تؤخذ أصواتهم في الحسبان غالباً؛ يبدو أن هذا الوضع لا يفيد أياً من أصحاب المصلحة سوى مستشاري التقييم الذين يجنون أرباحاً هائلة مما يعتبره البعض “عقدة التقييم الصناعي”.

توصلت القطاعات الأخرى إلى الحل

قطاع الخدمة الاجتماعية ليس الأول في مواجهة صعوبات في القياس، فمجالات أخرى مثل الرعاية الصحية وأبحاث الوراثة والتغير المناخي تواجه تعقيدات مشابهة تتمثل في الاختلافات الكبيرة بين المشاركين وفي مجموعات الإجراءات التدخلية اللامحدودة وفي النتائج المعقدة وفي الكثير من المتغيرات المرتبطة بالعوامل الخارجية. غير أن هذه المجالات الثلاثة توصلت بالفعل إلى طرق لوضع معايير لبياناتها وتتبع نتائجها وتحليلها، وأنشأت قاعدة بيانات موحدة أو سجل توثيق تمكن من تقليص تحديات القياس إلى حد كبير.

في حين أن لسجلات التوثيق عدداً من الأهداف المحتملة، فهي تقوم بأربع وظائف أساسية تشترك فيها جميع المجالات:

1) فهرسة المعلومات.

2) إدخال النتائج.

3) تحديد الأثر و(أو) الفعالية من حيث التكلفة.

4) تحليل الإجراءات الفعالة.

تمكن قطاع الخدمة الاجتماعية من التوصل إلى طريقة فعالة للقيام بالوظيفة الأولى، وتتوفر لدينا قواعد بيانات، مثل وات ووركس كليرنغهاوس (What Works Clearinghouse) (مركز لتبادل المعلومات المتعلقة بالإجراءات الناجحة في قطاع التعليم الأميركي) وبلوبرنتس فور هيلثي يوث ديفلوبمنت (Blueprints for Healthy Development) لتحسين صحة الشباب النفسية، وهي تعمل على تجميع قوائم من الدراسات المستقلة حول المؤسسات غير الربحية والبرامج الاجتماعية. ولكن على الرغم من فائدة هذه الموارد في فهم التأثير المحتمل فهي لا توفر طريقة موحدة لقياس أداء البرامج أو فهرستها أو التحقق منها أو مقارنتها بالمعايير على أرض الواقع.

أدى تبني سجل توثيق إلى نتائج أفضل بغض النظر عن القطاع، فمستودعات البيانات المنظمة هذه تتيح القيام بعملية مستمرة لجمع البيانات وتعديلها واستعادتها بطريقة موحدة، وبالتالي فهي تتيح إجراء عمليات أفضل للبحث ووضع المعايير والتوقع والتحقق على مستوى القطاع بأكمله.

وفيما يلي 3 أمثلة توضيحية عن عمل سجلات التوثيق في قطاعات الرعاية الصحية وأبحاث الوراثة والتغير المناخي:

الرعاية الصحية سجل توثيق المرضى

طبيعته: يجمع سجل المرضى جميع البيانات الطبية للمرضى الذين يتم تصنيفهم وفق مشكلة صحية أو مرض محدد أو درجة معينة من التعرض للإصابة بهدف المساعدة في تقييم النتائج وتحسينها. تتوفر أمثلة كثيرة عن هذه السجلات، لكن من أفضلها سجل أميركا الشمالية للرعاية الطبية والأبحاث الخاصة بمرض التصلب المتعدد “إن أيه آر سي آر إم إس” (NARCRMS) الذي يضم بيانات قرابة ألف مريض مصاب بالتصلب المتعدد Multiple Sclerosis – MS)، حيث يتم إدخال البيانات المنظمة إلى السجل ليتمكن الأطباء من متابعة عدد الإصابات بالمرض وانتشاره وتاريخه الطولي مع مرور الوقت.

طريقة عمله: يستخدم الأطباء أو الباحثون أساليب الدراسة المبنية على المشاهدة لجمع معلومات موحدة (مثل حقول البيانات وتعريفاتها المشتركة) حول حالة المرضى الصحية والرعاية التي يتلقونها مع مرور الوقت، ويتيح ذلك تجميع مجموعات بيانات ضخمة من أجل تحليل التوجهات أو الأنماط في أساليب العلاج التي يتم تطبيقها على جميع المرضى ونتائجها.

فائدته: ساعدت سهولة الوصول إلى البيانات الطبية والوراثية وصور الأشعة والمواد الحيوية المختلفة في تطوير المؤشرات الحيوية لمرض التصلب المتعدد. ساعدت هذه المؤشرات الحيوية في تشخيص المرض وتوقع مسار تطوره والاستجابة لتقدمه عن طريق تعديل مسار العلاج والتعامل مع آثاره الجانبية، كما أنها تتيح العمل التعاوني ومشاركة البيانات حال توفرها بين مراكز الأبحاث، وبالتالي تزداد سهولة أن تتولى الأبحاث مسائل غامضة معينة حول التصلب المتعدد.

أبحاث الوراثة: سجل توثيق الحمض النووي (دنا) (DNA)

طبيعته: خير مثال عن سجل الحمض النووي (دنا) هو 23 آند مي (23andMe)، ولعله الأشهر. يقوم هذا السجل على أساس منطقي بسيط؛ إذ يقدّم المواطن عيّنة من لعابه لتحليل حمضه النووي (دنا) ويحصل على تقرير عن تاريخ سلالته، ويجمع سجل 23 آند مي “التركيبة الجينية للسلالة” من خلال مقارنة خريطة الشخص الجينية (الجينوم) بمجموعة البيانات المرجعية التي تشمل أكثر من 14 ألف شخص.

طريقة عمله: يتم تحليل النمط الوراثي لعينة الحمض النووي (دنا) بدراسة مئات آلاف مواقع البروتينات المحددة والمعروفة باختلافها من شخص إلى آخر أو المرتبطة بشروط أو سمات أو سلالات معينة، وتتألف مجموعة البيانات المرجعية من أشخاص منحدرين من سلالات معروفة، وهم عموماً الذين يمثلون المجموعات السكانية التي كانت موجودة قبل أن يشيع التنقل والهجرة عبر القارات، كما تعتمد على مجموعات البيانات المرجعية العامة، مثل مشاريع هيومن جينوم دايفرستي بروجكت (Human Genome Diversity Project) وهاب ماب (HapMap) و1000 جينوم بروجكت (1000 Genomes Project).

فائدته: لم يكن سجل 23 آند مي سيتمكن من تقديم تاريخ السلالات للعملاء لولا توفر هذه المعلومات المنظمة والموحدة، ولا يزال لدينا عمل كثير قبل أن نتمكن من استخدام البيانات في اتخاذ قرارات حول الأنظمة الغذائية والرعاية الصحية إلى جانب حلّ ألغاز الجرائم الجديدة والقديمة التي توقف التحقيق فيها.

التغير المناخي: سجل توثيق الكربون

طبيعته: تم إطلاق سجل فيرا ريجستري (Verra Registry) في شهر أبريل/نيسان من عام 2020، وهو حجر الأساس لتنفيذ معايير الكربون المعتمدة (Verified Carbon Standards) التي تضمن مصداقية مشاريع تخفيض الانبعاثات، ويسهّل وضع قوائم المعلومات التي تتسم بالشفافية للمشاريع المعتمدة ووحدات أرصدة الكربون الصادرة والمسحوبة وتتيح تداول هذه الوحدات، وهو المستودع المركزي لجميع المعلومات والوثائق الرسمية فيما يتعلق بمشاريع فيرا وأرصدتها.

طريقة عمله: تعمل سجلات توثيق تعويضات الكربون على تتبع مشاريع التعويضات (أي تخفيض الانبعاثات الكربونية) وإصدار أرصدة تعويضات لكل وحدة انبعاثات تم تخفيضها أو إزالتها بعد التحقق من صحتها واعتمادها، وتوثق سجلات التوثيق ملكية الأرصدة بمنح رقم تسلسلي لكل رصيد تعويض مصدق. وعندما يتم بيع الرصيد ينتقل الرقم التسلسلي للتخفيض من حساب البائع إلى حساب آخر للشاري، وما إن يستخدم الشاري الرصيد يتم سحب الرقم التسلسلي كي لا يتم بيع الرصيد مرة أخرى.

فائدته: تتيح سجلات توثيق الكربون حصول مطوري المشاريع البيئية على أرصدة الكربون إذ إنها تجمع النتائج وتتحقق منها وتعمل على متابعتها، كما تقوم بوظائف أخرى أيضاً تشمل تصديق تعويضات الكربون وتطبيق توجيهات إرشادية محددة للتحقق منها وإقرار صحتها.

ما الذي يجعل سجلات التوثيق فعالة؟

لجميع سجلات توثيق البيانات في أساسها هدف مشترك يتمثل في توحيد البيانات من أجل تحسين النتائج، وفي كل قطاع تبنى آليات العمل الأساسية في سجل التوثيق على البيانات المنظمة المتسقة التي يتم إدخالها إلى قاعدة بيانات مركزية وفق تعليمات صارمة، كما يمكن إدخال البيانات عن طريق آليات الإبلاغ الذاتي أو الدراسات الاستقصائية الرسمية. ويمكن لسجلات التوثيق استخدام الدراسات المبنية على المشاهدة من أجل جمع البيانات وتنسيقها حول العلاج والنتائج ورفاهة العملاء أو متلقي الخدمة المشاركين في البرنامج مع مرور الوقت.

كانت سجلات البيانات الطبية بمثابة نموذج معياري؛ إذ وضع الباحث برايان دروليت في مقال نشره عام 2008 بعنوان “تصنيف عالم السجلات التوثيقية” (Categorizing the world of registries) إطار عمل لتقييم السجل التوثيقي وغيره من أنظمة البيانات وتصنيفها، وحدد 5 خصائص مميزة للسجلات:

  • البيانات القابلة للدمج: يتم تخزين البيانات بصيغة تسمح للمستخدم بإنشاء كتلة واحدة ومجموعة بيانات قابلة للاستعلام ذات قيمة في الأبحاث ورعاية المرضى.
  • التوحيد القياسي لقاعدة البيانات: يتم جمع المعلومات نفسها لجميع المرضى (أو الحسابات) في السجل.
  • قواعد جمع البيانات: يتم تحديد مجموعة الخصائص المفضلة في البيانات قبل جمعها، ثم يتم جمع هذه البيانات بأسلوب منهجي.
  • المتابعة مع مرور الوقت: يتم تصميم قاعدة البيانات بحيث يتم تعريف كل مريض في السجل باعتباره حساباً واحداً مستمراً لتخزين البيانات الطولية.
  • معرفة النتائج: يجب جمع معلومات المتابعة من أجل تقييم النتائج أو إدارة الرعاية المقدّمة للمريض.

يسمى إطار العمل هذا “إم دي آر – أوه كيه” (MDR-OK)، وهو يعتمد بدرجة كبيرة على توحيد البيانات.

آلية عمل السجل واضحة؛ في البداية يبدأ السجل بهدف محدد مثل تجميع المعلومات عن الإجراءات المجدية ووضع مقاييس معيارية لها وتقييمها و(أو) تحليلها، ثم يجمع عناصر البيانات وفقاً لتعريفات محددة وثابتة للبيانات، وهذا يعني استخدام لغة قياسية موحدة للمفاهيم الأساسية حتى وإن كانت هذه المفاهيم بطبيعتها أكثر تعقيداً مثل الحمض النووي (دنا) أو انبعاثات الكربون أو الإجراءات الطبية، ويجب جمع البيانات كلها بأسلوب موحد لجميع المشاركين فيما يتعلق بنوع البيانات التي يتم جمعها وتواتر جمعها. وأخيراً تكون البيانات المسجلة متاحة بأكبر درجة بعد تصديقها والتحقق من صحتها بصورة مستقلة عن طريق الأدلة القوية والحسابات المحكمة.

هل يمكن إنشاء سجل توثيق لقطاع الخدمة الاجتماعية؟

في قطاع الأثر الاجتماعي أدى افتقارنا إلى بيانات موحدة في البرامج إلى صعوبة تحديد قدرة مليارات الدولارات التي ننفقها في البرامج الاجتماعية على تحقيق النتائج التي تعد بها، وهذا يزيد صعوبة تحفيز التغيير الاجتماعي على نطاق واسع جداً، وهذه مشكلة كبيرة. إن كنا نرغب في تغيير العالم حقاً فمن الضروري أن نتوصل إلى طريقة لحل المشكلات الاجتماعية بكفاءة أكبر، وإذا أنشأنا سجلاً توثيقياً للأثر في قطاع الخدمة الاجتماعية فسنتمكن من تطبيق النهج القائم على البيانات الذي أتاح تحويل القطاعات الأخرى.

لقد أوشكنا على تحقيق ذلك فعلاً، ومراكز تبادل المعلومات (Clearinghouse) ومختبرات البيانات هي نقطة انطلاق جيدة لحشد قوة بيانات قطاع الخدمة الاجتماعية.

شكلت كل واحدة من هذه المبادرات خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح إذ إنها تحشد البيانات وتجمّعها وتعمل باستمرار على فهرسة المعلومات وإنشاء حالات استخدام تطبيقية للأبحاث.

لكن سجل توثيق الأثر سيقوم بأكثر من ذلك، إذ يركز على توحيد البيانات والتحقق بصورة مستقلة من صحة النتائج القياسية في مجال تأثير محدد (مثل التعليم والعدالة الجنائية والصحة العامة وغيرها). وكي تكون بيانات البرنامج في قاعدة البيانات قابلة للمقارنة بحق، يجب الاستمرار في جمعها وتوصيلها في المقام الأول، إذ كان من الصعب وضع معايير لبيانات الأثر تحديداً من دون التصنيفات المشتركة بين البرامج التي تعمل لتوليد نفس النتائج. ومن دون التحقق المستقل من صحة البيانات التي يتم إدخالها إلى السجل لن تكون هذه البيانات موثوقة ومفيدة بنفس الدرجة.

شاركت على مدى الأعوام السبعة الماضية في فريق من الباحثين يعمل على تنفيذ مبادرة بتمويل عام لإنشاء أول سجل توثيق للأثر في القطاع، واسمه مشروع جينوم التأثير (Impact Genome Project). العملية التي أنشأناها سهلة وسريعة ولا تتطلب معرفة تقنية معمقة، أولاً، تقدم المؤسسة معلومات عن برنامجها وتحدد النتائج المهمة التي تتطابق مع النتائج القياسية المعرّفة، ثم يعمل البرنامج على إدخال النتائج مع الأدلة الداعمة، وأخيراً يعمل المسؤولون عن التقييم المدرّبون على مراجعة الأدلة والمصادقة على الأثر.

يمكن أن تكون فوائد سجل توثيق الأثر الذي أنشأناه وغيره من السجلات ذات أثر تحويلي على القطاع.

تخيل ما يلي:

  • تحليل البنية الأساسية للتأثير: يمكن للباحثين استخدام البيانات في السجل لدراسة البرامج المختلفة وتحديد الخصائص التي تمت ملاحظتها في الغالبية العظمى من البرامج الناجحة والفعالة إلى جانب الخصائص التي قد لا تؤدي إلى نجاح البرنامج أو التي تعوقه فعلياً.
  • قياس الأداء: يمكن لقادة المؤسسات غير الربحية أو الجهات الممولة قياس تكاليف التغيير الاجتماعي في مجالات النتائج المختلفة ثم مقارنة البرامج مع المقياس، وهذا سيساعد على زيادة فهمنا لهدف البرنامج وحجمه وتكلفته وكفاءته وفاعليته وما إلى ذلك مقارنة بالبرامج الأخرى.
  • المطابقة: يمكن للجهات الممولة مطابقة النتائج والإجراءات التدخلية والسياق وغير ذلك من الجوانب التي تود تمويلها مع البرامج التي تقوم بهذا العمل وضمان أن يتم تحقيق هذه النتائج.
  • التوقع: سيتمكن قادة المؤسسات غير الربحية من توقع الإجراءات التدخلية التي ستنجح أو لن تنجح في السياقات المختلفة بدلاً من الاعتماد على التجارب المنضبطة العشوائية المكلفة والمعقدة من أجل معرفة الأثر المحتمل.
  • الترميز: يمكن تحويل الأثر الاجتماعي إلى أصل رقمي يمكن للمؤسسات غير الربحية بيعه والجهات الممولة شراءه.

كما يمكن أن يشكّل سجل توثيق الأثر عاملاً أساسياً لتسوية الميدان، فمقياس الأثر اليوم بعيد عن متناول غالبية المؤسسات غير الربحية لأنه مكلف وغير جاهز ويحتاج إلى الكثير من العمل. ويوفر سجل التوثيق أدوات التقييم لجميع المؤسسات غير الربحية ويحقق العدالة، وباستخدام سجل توثيق الأثر ستبرز المؤسسات غير الربحية بوضوح أكبر أمام الجهات الممولة التي تسعى لتمويل نتائج معينة وفئات محددة من المستفيدين، وذلك سيدعم المؤسسات غير الربحية باختلاف أحجامها في منافستها على التمويل وفقاً لقدرتها على تحقيق النتائج لا لموادها التسويقية أو علاقاتها.

قمنا بتصميم مشروع جينوم التأثير وسجل التوثيق المرافق له ليشكّل مستودعاً مركزياً للبيانات المتعلقة بجميع البرامج والمبادرات الاجتماعية في العالم، وهو يستخدم التصنيفات الموحدة لمساعدة البرامج الاجتماعية على تصنيف بيانات الأثر وتخزينها، وتشمل هذه البيانات استراتيجيات البرنامج ونتائجه والمستفيدين منه وسياقه وجودة الأدلة.

يقارن الجدول أدناه بإيجاز بين مراكز تبادل المعلومات ومختبرات البيانات القائمة وسجلات توثيق الأثر المكتملة باستخدام إطار عمل “إم دي آر – أوه كيه”، وعامل التمييز الأساسي هو توحيد البيانات.

مشروع جينوم التأثير هو إحدى المبادرات الجديدة التي تحشد التقدم الذي يتم إحرازه في البيانات الوصفية وعلم البيانات والذكاء الاصطناعي ومعالجة اللغة الطبيعية والحوسبة السحابية لأجل التقدم بالعلوم الاجتماعية. وثمة ابتكارات أخرى قيد التطوير، مثل ترميز الأثر والمؤسسات المستقلة اللامركزية وتكنولوجيا التوصية والمؤشرات القابلة للاستثمار والأسواق، ولكن من دون سجل توثيق فعال للأثر لن يكون تحقيق كثير من هذه الابتكارات ممكناً.

البيانات هي العملة الجديدة في قطاع الخدمة الاجتماعية، وقد أعلنت مجلة ذي إيكونومست منذ بضعة أعوام أن البيانات حلت محلّ النفط باعتبارها المورد الأعلى قيمة في العالم. يتمتع أصحاب المصالح في قطاع الخدمة الاجتماعية حتى اليوم بإمكانية الوصول إلى الكثير من البيانات، ولكن ليس لديهم أي وسيلة لصقلها، وسجل توثيق الأثر قادر على صقل البيانات والسماح للمؤسسات غير الربحية باستخلاص القيمة من جهودها الحثيثة كافة.

آن الأوان لمعالجة مشكلة قياس الأثر بصورة نهائية ولأجل تحقيق أثر أفضل.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.