ماذا لو تسلمت إدارة منظمة حديثاً ورأيت أن من الأمثل أن يتم تغيير مسار المؤسس في منهجية العمل؟ ما هي التحديات التي ستواجهها وكيف يمكنك تخطيها؟
تسلمت قيادة منظمة «بلو إنجن» (Blue Engine) عقب مؤسسها في يونيو/حزيران 2017، وهي منظمة غير ربحية تدخل في شراكات مع المدارس لمنح كل متعلم الدعم الذي يحتاجه لتطوير إمكاناته الكاملة، وبالتالي تحقيق الاستقرار المطلوب. عَمِلَ المؤسس نيك إيرمان على تطويرها، منذ إنشائها عام 2010، إلى منظمة غير ربحية تُوظِّف أكثر من خمسة ملايين دولار سنوياً في التمويل العام والخاص، وتصل إلى ما يقارب 2,000 طالب عبر مدارس منطقة مدينة نيويورك.
كانت النتائج الأولية مهمة، إذ أظهرت تقييمات حصلت عليها المنظمة من أطراف ثالثة أنّ الطلاب في الفصول الدراسية التابعة لها أثبتوا تحقيقهم لإنجازات أكاديمية حقيقية، ولكن لم يخلو الأمر من وجود مشكلات؛ من ضمنها تطوير بيئة تتسم بانعدام الثقة المتزايد بين الموظفين، بالإضافة إلى الأولويات غير المتوائمة، والتحديات المتعلقة بالإيرادات، إلى جانب عدم اليقين فيما يتعلق ببرامج المنظمة.
في الوقت الذي قَبلْتُ فيه شَغْلَ المنصب، كنت قد بدأت بالفعل في طرح تساؤلات عمّا إذا كانت المنظمة بحاجة إلى إعادة النظر في كيفية أدائها لمهمتها، لكنّ ذلك لم يكن ما توقعه مني بعض الممولين، إذ أرادوا ذلك القائد الذي يتبنى الثقافة الموجودة ويرسخها ويركز على استمراريتها. كان الأمر أشبه بامتلاك منزل جديد، ولكن ليس لديك السلطة لإعادة تشكيله من الداخل وجعله يشبهك. بمعنى آخر، كانت المعايير منخفضة جداً ومزعجة للغاية.
بالنظر إلى حقيقة أنّ هذه تجربتي الأولى في شَغْلِ منصب الرئيسة التنفيذية، لم أكن مستعدة للاستفهام حول ما لاحظْتُه لاحقاً، على أنّ هناك إرشادات غير معلن عنها لدوري كشخص يرث منصب الرئيس السابق. أدركت فيما بعد أنّ الأمر الذي سيصب في مصلحة المنظمة حقاً، وينطبق هذا على العديد من المنظمات الأخرى التي يتعاقب عليها الرؤساء التنفيذيون، هو الجرأة على القيادة بالاستناد إلى رؤيتي وحدسي وأفكاري الريادية. كنت بحاجة إلى أن أتحلى بالثقة الكافية لأوضِّح أنّ قيادتي لم تكن مجرد طرح لحلول سريعة تُخفي التحديات الأساسية أو تتجاهل الفرص الجديدة، وأنني سأقود المنظمة نحو مسار يحترم تاريخها ويُبقيه راسخاً في قيمنا الأساسية، وهذا سيمكننا من إجراء تغيير واسع النطاق. إليك ثلاثة دروس مهمة استخلصتها من تجربتي:
- احرص على فعل ما يناسب رسالة المنظمة، حتى لو خالف ذلك التوقعات
تأسست منظمة «بلو إنجن» بناء على رؤية تهدف إلى جعل الفصول الدراسية في جميع أنحاء الولايات المتحدة أكثر ألفة وذات طابع شخصي. أرادت أن تجعل منها أماكن تُمكّن الطلاب من تقوية تواصلهم مع المعلمين، ومن تَلقّي تعليمات أكثر دقة ومُصمَّمة وفقاً لاحتياجاتهم. كنا نهدف أساساً إلى إحداث هذا التغيير الكبير من خلال جلب المزيد من المدربين، أو المعلمين خريجي برنامج منظمة «بلو إنجن» (BETAs)، إلى الفصول الدراسية، ولكن عند رؤيتنا للنتائج، اتضح لنا بمرور الوقت أنّ توسيع نطاق البرنامج على مستوى النظام كان غير قابل للاستدامة من الناحية التشغيلية والمالية.
بدأت رؤيتي للنمط الذي ينبغي أن تتّبعه المنظمة لإحداث التغيير تتشكل قبل بدء عملي بصفة الرئيسة التنفيذية، أي عندما كنت الرئيسة التنفيذية للعمليات، حيث تعمّقْتُ في البحث مع فريق الابتكار والتعلم الذي كان يتطور بسرعة. رأينا في الفصول الدراسية التي حقق فيها الطلاب أهم المكاسب الأكاديمية أنّ التأثير لم يكن مرتبطاً بعدد المعلمين في الفصل الدراسي، ولكن بمدى فاعلية عملهم معاً في خدمة تَعَلُّم الطلاب. ذلك الفهم الأوّلي لابتكارنا الرئيسي؛ وهو النموذج القائم على مجموعة من الممارسات التي ينبغي أن تتّبعها فرق التعليم لدينا، مهّد الطريق لإجراء تَحوُّل قوي في نهجنا. لم نكن بحاجة إلى العمل فقط في المدارس التي نستطيع تطبيق برنامجنا فيها، بل التي يمكننا تدريب ودعم فرق التدريس الحالية التي تعمل بشكل فعلي داخل نظامها؛ وهو هيكل شائع على نحو متزايد في المناطق المختلفة من البلاد. يمكننا استخدام معرفتنا ومواردنا من أجل مساعدة قادة المدارس على تغيير مخططاتهم وهياكل التطوير المهني أوّلاً، للاستفادة من الإمكانات الكاملة لقوة التدريس لديهم، وتطوير قدرة المعلمين على العمل كفريق ثانياً، وبالتالي الاستجابة لطائفة متنوعة جداً من نماذج تعلُّم الطلاب، والاحتياجات الاجتماعية والعاطفية.
بعبارة أخرى؛ وكما كتب المؤلف دان هيث في كتابه «عكس التيار» (Upstream)، يجب أن يكون أسلوبنا في قيادة التغيير الحقيقي متمحوراً حول «إصلاح النظام، وليس الأعراض». ركّزت منظمتنا على معالجة عدم المساواة في مجال التعليم؛ بما في ذلك معالجة أنماط العنصرية الشاملة التي تؤدي إلى فوارق عِرقيّة تطال النتائج. رأيت أنّ عدم العمل بفاعلية لتفكيك نظام غير عادل يعني أننا متواطئون في الحفاظ على الوضع الراهن. عندما توليت دور الرئيسة التنفيذية، شعرت بثقل التحدي والمخاطرة وعدم الارتياح للدفع نحو التحول في الاتجاه، ولتخطي الشعور بالاستقرار لما هو موجود بالفعل، لكنها كانت خطوة مرتكزة على القيم الأساسية للمنظمة، وقد دَعمْت المهمة التأسيسية لها.
- احرص على إبراز أهمية نهجك الجديد قدر الإمكان
ربما كنت جريئة في الدفع نحو اتباع نهج مختلف، لكنني كنت مترددة للغاية في إبراز أهميته. من المؤسف أنني تبنيت اعتقاداً بأن عليّ كسب الحق في اتباع توجه جديد. في أحد اجتماعات مجلس الإدارة الرئيسية، وخلال بداية فترة تَسلُّمي العمل الجديد، قدّمت خطة تركّز على الاستقرار بدلاً من طرح طريقة جديدة تخدم رؤيتنا. قوّضت بذلك مسؤولياتي الخاصة كقائدة، وانخرطت في رواية خاطئة تتمحور حول امتلاكي لمعارف عملية في مجال إدارة العمليات والاستقرار التنظيمي. كان من الخطأ فرض خطة ديناميكية أوسع نطاقاً، لأن مستقبلنا وإمكاناتي القيادية مرتبطة بنظرة المؤسس للعالم ونقاط قوته.
ترسّخ جزء من الشعور بالتردد خلال حضور الاجتماعات، ومعظمها مع الممولين الذين أرادوا التحدث عن تألُّق نيك. عَلِمْتُ حينها سبب عدم رغبتي في استنساخ نهج البرنامج الأساسي فقط، والاستماع إلى رأي نيك في قراراتي. بسبب تمجيد نيك، لم أشعر بالكثير من الاهتمام بالطريقة التي يمكن أن تدفعنا بها رؤيتي وموهبتي وآرائي إلى الأمام، ونتيجة لذلك، تراجَعتُ منتظرة السماح لي بتقديم استراتيجية مختلفة عما توقعه كثيرون.
كما أنني افترضت بسذاجة أنّ المستثمرين الذين اقتنعوا بالرؤية الأساسية للتغيير على نطاق واسع، سيكونون منفتحين على أسلوب مختلف وأكثر قابلية للتحقيق للوصول إلى غايتنا. لم أفعل ما يكفي لكسب تأييد ممولينا، إذ كان ينبغي أن أطور رسالة أكثر تماسكاً وأعرضها بحيث تُوضّح نهجنا التدريجي لاختبار مسارات جديدة للتوسع، بما في ذلك السبب المنطقي وراء التزامنا بالعيش بقيم مناهضة للعنصرية، الذي يدعم خياراتنا الاستراتيجية.
تمثل التوجه المطلوب في صياغة قصة تمجد رؤية مؤسسنا وتتجاهل رؤيتي الخاصة بطريقة سلسلة ومن دون تردد. في المقابل، كان من الممكن أن يساعدني بناء قصتي الخاصة ودعم أسلوبي في التغيير من البداية على الترويج لقراراتي الأولية، بما في ذلك تقليص حجم المنظمة بينما نستثمر بكثافة في الابتكار والتعلم. كان سيساعد أيضاً على تكوين فكرة لدى المتلقين أنّ وريث الرئيس التنفيذي ينبغي أن يكون رائداً ناجحاً، ويمكنه تحويل الأفكار إلى منظور تنظيمي جديد واتجاه جديد في خدمة المهمة الأساسية. جَعَلَت افتراضاتي الخاطئة العملية أصعب مما ينبغي.
- التغيير هو جهد جماعي
لم يكن العمل بالنسبة إليّ عملاً فردياً، وبمساعدة مدرب، عملت على تطوير فريق قيادة له أهدافه، ومتوائم من النساء الموهوبات للغاية، وعلى اختلافهن. لقد أعطينا الأولوية للتواصل على المستوى الداخلي، مع التركيز على الشفافية حول عملية صنع القرار وإنشاء حلقات تقييم لدمج آراء جميع الموظفين. استغرق الأمر عامين، لكنّ فريق القيادة استعاد في النهاية ثقة الموظفين وخَلَقَ ثقافة أكثر شمولاً. بالإضافة إلى ذلك، ومن خلال العمل كمجموعة ثابتة من ناحية الالتزام بالتغيير الاجتماعي والمنهجي، تمكنا من إقناع أولئك الذين اعتقدوا في بادئ الأمر أنّ المرحلة التالية للمنظمة تتعلق فقط بالتمسك بالنهج القديم، بأننا بحاجة إلى مسار جديد للعمل. عملنا معاً على إعادة تقويم التوقعات حول ما ينبغي أن يكون عليه وريث الرئيس التنفيذي والفريق الذي يعمل معه.
كان نيك صديقاً شجاعاً وناصحاً رائعاً على مدى سنوات، كان يؤكد باستمرار على وجهة نظري وخياراتي وأسلوب قيادتي، ودافع عن رؤيتي لمستقبل جديد منذ البداية. تفهّم على الدوام أنّ جهودي لم تكن موجهة أبداً نحو قلب الرؤية الأساسية بقدر ما كانت تتعلق بتغيير كيفية تطبيقها. بصفتي عضواً في مجلس الإدارة، كان دعمه مهماً على المستوى الشخصي، حيث أُتيحت لي فرصة التحدث حول الأمور التي لا يمكنني طرحها أمام الآخرين، وأن أكون أكثر ثقة في قراراتي. كان دعمه لي مهماً أيضاً في تحويل ديناميكية القوة بحيث لا يخضع له أعضاء مجلس الإدارة والممولين.
خلال سَعيِنا لتحقيق الاستقرار والتغيير، عَمِلَ مجلس الإدارة على دعم عملنا مع فريق القيادة لدينا. في حين أنّ بعض أعضاء المجلس كانوا مترددين في البداية في التخلي عن النهج الأساسي للمنظمة، أراد آخرون المضي قدماً مع النهج الجديد بسرعة أكبر مما فعلنا. مكنتنا وجهات النظر المختلفة هذه من الأخذ بالاعتبار البدائل من عدة جوانب لها أفضلية، مثل تطور الطالب، والاستدامة المالية، ونطاق العمل، كما ساعدتنا على التعامل مع القرارات المعقدة. اليوم، يعدّ مجلس الإدارة بأكمله متوافقاً مع نهجنا، وقد صوَّت الأعضاء بالإجماع للتخلي عن نموذج برنامجنا الأساسي تدريجياً في عام 2020، ومساعدتنا على إطلاق برنامجنا التوسعي الأول. في الوقت نفسه، عمل شركاؤنا؛ من معلمين وقادة مدارس ومنظمات غير ربحية متعاونة، على تزويدنا بالمعلومات القيّمة أثناء تقَدُّم عملنا، وساعدونا على صقله وتطويره، وبينما خسرنا بعض الممولين خلال هذا التحول، دعم البعض الآخر عملنا الجديد وانضم ممولون جدد إلينا.
مع مرور الوقت، وبسبب الجهد الشخصي الذي بذلته وبدعم من الموجهين والمدربين الرسميين وغير الرسميين، استطعت التعبير أكثر عن رؤيتي، وصقل أسلوبي، والتخلص من الشك في نفسي، وربما أصبحت أكثر صراحة. الكاريزما التي يتحلى بها نيك؛ والتي تتخطى التوقعات، ساعدَته على الترويج لرؤيته، وهي سمة كان بحاجة إليها لتطوير المنظمة لتصبح واحدة من أكثر المنظمات الناشئة متابعة في مجال التعليم. أما بالنسبة إلى مستوى الكاريزما لدي، فإنه يتأرجح، لكن لدي أيضاً مهارات تحليلية وخطوات جريئة، ربما حتى أكثر جرأة من نيك بطريقتي الخاصة. كنت مضطرة إلى تمهيد طريق المؤسسة الجديد بنفسي، بينما أتعامل مع نهج شخص آخر. كنت بحاجة إلى هذه السمات للمضي قدماً على مستوى المنظمة، وإعادة تشكيل التوقعات المتعلقة بأسلوب قيادتي.
قادني الوضوح والأمل خلال كل ذلك، ومررت بتلك الأيام التي يختبرها كل قائد من اتخاذ قرارات صعبة ومواجهة صراعات لا نهاية لها. لكن من خلال التطوير المتعمد للوعي بذاتي، وبدعم من الأشخاص الملهمين، وجدت الشجاعة للاستيقاظ كل يوم لمواجهة التوقعات. بأسلوب بسيط وناجح بالوقت ذاته، أعدت تعريف معنى أن تكون وريث الرئيس التنفيذي. لكن في النهاية، لم يكن الأمر متعلقاً بي بالفعل، بل بالتحدي الفاعل للوضع الراهن داخل النظام التعليمي وتحويل الفصول الدراسية إلى أماكن تعَلُّم تحتضن جميع الطلاب، وهذا بالتأكيد بمثابة معركة تستحق بذل الجهد الكبير لأجلها.
اقرأ أكثر عن انتقال القيادة.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أن المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.