إرشادات مموِّل حول تغيير القادة في المؤسَّسات غير الربحية

تغيير القادة
www.unsplash.com/Hunters Race
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يمكن للغموض المرتبط بترأس شخص جديد للمؤسسة أن يولد القلق ويعقد الأمور في أي مرحلة انتقالية للقيادة، إذ يتساءل الموظفون عما إذا كان القائد الجديد سيغير الاستراتيجية أو الأساليب أو المخطط التنظيمي، ويتساءل أعضاء مجلس الإدارة عن أسلوب القائد الجديد في الإدارة والحوكمة، ويعيد الممولون النظر في التزامهم مع المؤسسة وقدرة مهمتها ونموذجها على تحفيز طاقاتهم الاستثمارية نسبة إلى قيادة المؤسس الفكرية وشبكته الاجتماعية و/أو رأسماله الاجتماعي.

قد تبدو عملية انتقال المؤسس محفوفة بالمخاطر، فعادة ما يبدأ المؤسسون عملهم بطاقة أولية كبيرة وموارد شخصية فريدة مثل الأشخاص والأموال والقدرة على الوصول إلى المجتمع، ويجذب كل ذلك الداعمين وينشط المؤسسة. وبما أن المؤسسين ساعدوا في وضع كل لبنة في بنية المؤسسة، فهم يعرفون نقاط ضعفها وقوتها، وغالباً يكون لديهم حدس حولها أو حول عملها يساعد في توجيه عملية صنع القرار الفعالة.

ولكن على الرغم من أن خلفاءهم قد يفتقرون في كثير من الأحيان إلى هذه الامتيازات فهم قادرون على إحداث تغيير ضخم لم يكن ليتحقق لولا التعاقب الوظيفي؛ فتغيير القادة يتيح للمؤسسات فرصة إعادة تنظيم عملها وفق مهارات القائد الجديد وشبكة علاقاته الاجتماعية. غالباً ما يعيد القادة الجدد دراسة المهمة والنموذج المتبع والتأثير من منظور جديد، بالإضافة إلى مهام كل موظف ومكان عمله وطريقته، كما أنهم يستقطبون خبرات وكفاءات مختلفة يمكن أن تعزز الأنظمة والبرامج التنظيمية، وغالباً ما يقودون المؤسسة نحو مساحات جديدة أو مختلفة من الإمكانيات والابتكار، كما أنهم يوقدون شعلة طاقة المؤسسة في حال أخمدها المؤسسون السابقون.

يجب أن يكون كل شخص معني بعملية انتقال المؤسس على استعداد لاستكشاف التغيير والمشاركة فيه ومعرفة الفرص التي قد يوفرها، إذ يؤدي كل من الممولين ومجلس الإدارة والمؤسس أدواراً مهمة في التمهيد لنجاح المؤسسة داخلياً وخارجياً.

كيف يسهم الممولون في المرحلة الانتقالية للمؤسسات

نحن في مؤسسة إميرسن كوليكتف (Emerson Collective) للتغيير الاجتماعي التي تتناول قضايا مثل التعليم والهجرة والبيئة والعدالة الصحية، نعد التغييرات القيادية فرصة لبناء نسخة تجريبية أضخم وأحدث من المؤسسة. وعلى الرغم من ازدياد المخاطر المحتملة فالفرص والتأثيرات المحتملة تزداد أيضاً، ونحن ندرسها كلها بدقة عند اتخاذ القرار حول دعم مؤسسة ما في المرحلة الانتقالية وطرقه.

نسعى إلى تمويل العمليات الانتقالية بطريقة تتيح للقائد الجديد فهم جميع الأمور وإجراء التغييرات اللازمة، مع إتاحة المرونة الكافية لنا لفهم اتجاهه في عمله بصورة أوضح مع مرور الوقت. وإذا كانت المنحة المقدمة له ما زالت جارية، علماً إن الغالبية العظمى من منحنا التي نقدمها تكون على مدى عدة أعوام، نتركها تستمر ببساطة ونتعاون مع القائد لتبني النهج البارزة، أو إجراء تغييرات عليها حسب الحاجة. أما إذا وافق موعد تجديد المنحة موعد استلام القائد الجديد فنقدم عادة منحة لعام واحد كي نتمكن من التعرف إليه أكثر في ذاك العام ومراقبة التغيير الذي سيحدثه في المؤسسة. ولكن إذا علمنا أن اتجاه المؤسسة أو القائد الجديد لا يناسبنا، فغالباً نقدم منحة إنهاء الدعم؛ وهي برنامج فعال يقدم تمويلاً لعام واحد بنسبة مئوية محددة من المبلغ الذي كنا نقدمه في الأعوام السابقة على شكل منح متعددة الأعوام، وهذا يمنح المؤسسة وقتاً للاستعداد وتعديل خططها وفقاً لهذا التغيير في التمويل بدلاً من خلق فجوة في الميزانية يضطر القائد الجديد إلى مواجهتها فور استلامه.

اقرأ أيضاً: قادة الأنظمة: كيف يعملون لقيادة التغيير الاجتماعي؟

نحرص في جميع الحالات على أن يكون القائد الجديد على دراية كاملة بأشكال دعم بناء القدرات التي نقدمها، لا سيما فيما يتعلق بجمع التبرعات والتدريب الإداري. لكن في بعض الأحيان نقدم أشكالاً إضافية مخصصة من الدعم للمساعدة في العملية الانتقالية، مثل إرسال مدربين للقادة الجدد لأن التدريب يتيح للقادة الجدد استيعاب الأفكار والتحديات وتنمية المهارات وتحديد الأولويات والتوصل إلى الحلول بدعم من مرشد ماهر خبير في القطاع ويتمنى الأفضل للقائد لكن ليس له دور في التمويل أو الإدارة.

كما يجب أن يتذكر الممولون أن الوقت هو أعظم منحة، ففي الأيام والأسابيع الأولى من عمل القائد الجديد يكون عليه تركيز طاقته على فهم العمل والتعرف على الفريق ومجلس الإدارة والجهات التي تخدمها المؤسسة، لا على تلقي مكالمات الممولين. وهذا يساعد الجميع في محيط المؤسسة والممولين أيضاً إذ يتيح للقائد متابعة الأمور بفعالية مع الممولين مباشرة بعد أن يأخذ الوقت الكافي لتأسيس نفسه والانخراط في العمل.

كيف يمكن للمؤسسين ومجالس الإدارة قيادة النجاح ضمن المؤسسة

شهدتُ عمليات انتقالية ناجحة جداً، حيث يستلم القائد الجديد دوره ويتكيف مع محيطه، ويبني العلاقات ويواظب على العمل ويطوره، ويتقدم بحكمة ويقين وفعالية. كما شهدتُ تعثر عمليات انتقالية حيث لا يقدم فريق التوظيف للمرشحين الباحثين عن الوظيفة ما يكفي من المعلومات عن صعوبات المنصب ليجد القائد الجديد نفسه بمواجهتها فور استلامه؛ فيصاب المؤسس بالقلق ويتراجع عن العملية الانتقالية أو تعيين القائد الجديد، ولا يؤيد أعضاء الفريق العملية الانتقالية بثقة أو مرونة كافيتين، وينسى أعضاء مجلس الإدارة التزامهم تجاه المهمة ولا يتفاعلون بدرجة كافية مع القائد الجديد أو التغييرات المطلوبة، ويعجز الممولون عن تقديم مهلة كافية تمكن القائد الجديد من وضع أسس العمل وبناء شبكة العلاقات الاجتماعية اللازمة لدعمها.

ينتج كثير من هذه الأخطاء عن مزيج من قلة التخطيط أو التواصل أو الصراحة، فالتخطيط يتطلب من المؤسسات وضع جداول زمنية واتباعها مع ضمان أن تشمل عدة مسارات عمل وعدد من أصحاب المصلحة ونقاط التواصل التي تضمن اطلاع الموظفين على تقدم العمل ومنحهم القدرة على التفاؤل والشعور بأنهم جزء من عملية التغيير. الصراحة بين جميع الأطراف بالغة الأهمية، إذ ينبغي للمؤسسين ومجالس الإدارة السؤال عما يشعر به الموظفون ويحتاجونه وتقبله ومعالجة مشكلاته، حتى لو عنى ذلك ألا يختار جميع الموظفين البقاء في المؤسسة مع مرور الوقت.

من المفيد أيضاً أن تكون المؤسسة في موضع قوة عند مغادرة المؤسس من النواحي المالية والعملياتية ومن ناحية التأثير، فهذا يبني الثقة ويتيح للجميع الدخول إلى المرحلة الانتقالية بطاقة وصبر أكبر. كما أن ثمة مزايا أخرى؛ تجذب المؤسسة التي تملك الموارد اللازمة لدعم العملية الانتقالية مجموعة مرشحين أوسع وأكثر تنوعاً وتنافسية بدرجة أعلى، كما ستولد هالة النجاح شعوراً لدى الممولين والشركاء والموظفين بأن لديهم مجالاً أوسع لقيادة التغييرات المقبلة.

كما يمثل موقف المؤسس تجاه عملية انتقال القيادة والقائد الجديد عاملاً مهماً آخر للنجاح، فقد يؤدي إشراكه مباشرة في البحث عن بديل له إلى تعقيد عملية البحث أو إضعافها. من الممكن أن يؤثر المؤسس الذي انتهت خدمته بدرجة كبيرة على تفكير الموظفين ومجلس الإدارة أو يدفعهم إلى التحيز، في حين يمكن أن يحدد مجلس الإدارة المرشحين الأقوياء ويشجع دعم المؤسس من خلال الاستعانة بشركة توظيف. تساعد شركات التوظيف في إدارة عملية التوظيف والتواصل بطرائق منصفة ومدروسة وقابلة للقياس لا سيما فيما يتعلق بطريقة استقطاب المرشحين ومراعاة وجهات النظر المختلفة في أثناء عملية التوظيف. قد ترغب المؤسسات في عملية انتقال سهلة وسريعة أكثر من رغبتها في طرح أسئلة مثل: كيف يمكننا إحداث أكبر أثر وفقاً لاحتياجاتنا والأصول التي نملكها؟ من هو الشخص الأنسب لقيادة هذه المسيرة؟ يمكن لطرف خارجي رؤية مجموعة واسعة من الاحتمالات، وضمان ألا تستثني عملية التوظيف أحداً من أصحاب المصلحة. كما أن وضوح العملية يكون أهم حين يتقدم مرشح داخلي ضمن مجموعة المرشحين، ويمكن للمنسق المحايد الاستفادة من خبرة المؤسس بالمؤسسة والمهمة والفريق مع التدقيق في تاريخه الشخصي في المؤسسة والانتباه إلى تحيزه غير المتعمد.

أخيراً، يساعد تعيين أحد أعضاء مجلس الإدارة في أثناء عملية التوظيف وفي الأيام الأولى للقائد الجديد ليتحدث بلسان المؤسس الذي انتهت خدمته وتقديم الدعم له (مثل تعويضات نهاية الخدمة أو مدرب أو تزكيات نافعة) وفقاً لمدة عمله في المنصب والخطوات التالية التي يرغب في اتخاذها. سيمنح ذلك المؤسس الذي انتهت فترة خدمته الاستقرار والدعم في فترة يمر فيها غالباً بتجربة شخصية وعاطفية حرجة، ما يساعده على بناء علاقة متينة ومثمرة وثقة متبادلة مع القائد الجديد الذي سيحل محله.

كيف يمكن للمؤسِّسين ومجالس الإدارة قيادة النجاح مع المموِّلين؟

يؤدي اتخاذ جميع الخطوات المذكورة أعلاه ضمن المؤسسة إلى تعزيز ثقة الممولين في العملية الانتقالية، وتوضيح أن القائد الذي انتهت خدمته ومجلس إدارته يهيئان المؤسسة لتحقيق النجاح هو أحد أنجع السبل لتشجيع الممولين على مواصلة دعمهم. ولذلك لا يمكن الاستخفاف بأهمية التواصل مع الممولين في جميع مراحل عملية الانتقال، فعملية تغيير المؤسس تكون غالباً مفاجئة لهم حتى عندما يكون استعداده لتسلم عمل جديد أو التقاعد واضحاً. يشمل التواصل الفعال إعلامهم بالقرار في وقت مبكر وتقديم آخر المستجدات بشأن عملية البحث عن قائد، وإبلاغهم حين يحدد الفريق القائد التالي وتوضيح سير عملية الانتقال.

يجب أن تولي المؤسسات الأولوية للتواصل مع أبرز مموليها وداعميها القدامى وقادة الفكر في هذا المجال. وعند تحديد من سيعلن الأمر وطريقة الإعلان وجدوله الزمني من المهم إدراك سبب إسهام كل ممول في المؤسسة وطرائق إسهامه وما دفعه على الاستمرار فيها. ففي بعض الأحيان مثلاً يكون من الأفضل تكليف شخص تجمعه علاقة قديمة مع الممول وبينهما ثقة متبادلة بإعلامه بخبر تعيين القائد الجديد، أو ربما من الأفضل إعلامه بذلك ثم تزويده بالمعلومات مباشرة حول تطور العمل لاحقاً حسب مجال اهتمامه. وفي النهاية، إذا لم ينبع قرار المؤسس بالمغادرة عن شعوره بأن الوقت مناسب لتولي أعمال جديدة أو التقاعد فقط، فمن الأفضل إعلان القرار مسبقاً لأن الخبر سينتشر لاحقاً بطبيعة الحال!

تمثل عمليات انتقال المؤسسين نقاط تحول جذرية في دورة حياة المؤسسة، ويؤدي الممولون دوراً خاصاً في هذه الدورة من خلال دعمهم للمؤسسة في عمليات انتقال القيادة بتقديم منح طويلة الأمد وتحديد المصالح ونقاط التركيز الطويلة الأمد بوضوح. وفي الأثناء يمكن أن تساعد خطوات الانتقال المدروسة وسبل التواصل الواضحة الجميع على فهم إمكانيات القائد الجديد مع دخوله إلى الفريق ليقود تقدم العمل المحوري.

اقرأ أيضاً: انتقال القيادة أثناء الأزمات الصحية الحرجة

 

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.