تركز المؤسسات التي تخدم الشباب على تنمية مهارات القيادة، ولكن كم مرة أُتيحت الفرصة للشباب لوضع رؤاهم الخاصة عند تطبيق تلك المهارات؟ وكم مرة كُلِّف الشباب بالعمل على تنفيذ رؤية وضعها الكبار بالنيابة عنهم؟
ثمة توازن يجب تحقيقه، إذ تُظهر الأبحاث باستمرار فعالية التركيز على المشاركين في تصميم البرامج. يركز عملنا في مؤسسة شيز ذا فرست (هي الأولى) (She's the First) على الفتيات بالكامل، بمعنى أن البرامج توضع من خلال الاستماع إلى اللواتي صممت البرامج من أجلهن، كما أنها تُصمم وتُنفذ معهن. لكن تنفيذ البرامج بقيادة الفتيات يوسّع العمل أكثر من تنفيذ تلك التي تركز على الفتيات، فهو يتخلى عن سلطة القيادة الفعلية ويضعها في أيدي الفتيات، وهن من يحددن العمل ويقدنه وليس موظفي البرنامج.
قد لا يعجب الموظفين أن يتراجعوا عن دورهم ويتبعوا رؤية الشباب الذين يعملون معهم، وأن يقتصر عملهم على تقديم الإرشاد والدعم الإداري بحسب الحاجة. ولكن كما كتبت الباحثة في مجال الناشطين لين ميكيل براون في كتابها "بدعم من الفتيات: دليل ميداني لدعم الناشطين الشباب" (Powered by Girl: A Field Guide to Supporting Youth Activists)، فإن هذا هو بالضبط السبب الذي يجعلنا نفعل ذلك. يحب الجميع تبني "قوة الفتيات"، لكنهم يتراجعون عندما تقاوم الفتيات الوضع الراهن. قد يكون رد الفعل اللاإرادي هذا مؤشراً على أن المؤسسات ذات النوايا الحسنة تعامل الفتيات في برنامجها باعتبارهن منتَجات أو دراسات حالة، وليس أناساً كاملين لديهم جوانب متعددة في شخصياتهم. وعندما يُنظر إلى الفتيات الناشطات كمنتج في نظام البرنامج، كما وجدت براون في بحثها، فإنهن "يُستبعدن من العلاقات وأنظمة الدعم والمجتمعات التي مكنت عملهن الرائع"، وينظر إليهن على أنهن استثنائيات، بحيث تميل برامج المناصرة المصممة لدعمهن نحو التحسين الذاتي للفتيات وليس زعزعة الأنظمة الاجتماعية. على النقيض من ذلك، أثبت عمل الناشطات المتعدد الأجيال مع الأنظمة الداعمة -"حيث تتحكم الفتيات في سير العمل"- أنه أكثر الوسائل فعالية لمقاومة كل من الاضطهاد الهيكلي والمنهجي.
قد تمثل تهيئة البيئة الملائمة للمشاريع التي يقودها الشباب تحدياً كبيراً، فهو يتطلب التزاماً ومرونة من فريقك كله. ولكننا في مؤسسة شيز ذا فرست، شهدنا بالفعل نتائج ملحوظة عند انتقالنا من الحملات التي تركز على الفتيات إلى الحملات التي تقودها الفتيات.نحن نشهد هذا النوع من التحول نحو أسلوب المناصرة الذي تقوده الفتيات في برامج محلية في مؤسسات عدة من القطاع مثل إيمباور (EMpower) وكير (CARE) وسيف ذا تشلدرن (أنقذوا الأطفال) (Save the Children)،فهو يُظهر للشباب الذين يقدّرون الشفافية والمصداقية بدرجة كبيرة أننا جادون عندما نقول لهم إنهم قادرون على القيادة.لم يكن هذا الانتقال سهلاً دائماً ولن يكون؛ فقد واجهنا الكثير من العثرات والتعديلات وأعدنا التفكير والنظر كثيراً في الخطط والاستراتيجيات من نقطة البداية وفي الوقت نفسه كنا نتعلم ونواصل المضي قدماً.
في عام 2022 بدأنا بمؤسسة شيز ذا فرست التفكير في سبل دفع برامج المناصرة التي يقودها الشباب إلى أبعد من ذلك. أنشأنا زمالة الفتيات الناشطات (Girls Activist Fellowship)، حيث تجتمع 30 فتاة من جميع أنحاء العالم لتخطيط حملات المناصرة وإعدادها وتنفيذها، وأصبحت هذه الحملات مشاريع مؤسستنا لهذا العام. أنشأت المجموعة الأولى، التي تتراوح أعمار فتياتها بين 15 و21 عاماً من 15 بلداً، حملات أكبر مما كنا نتخيل وأجرأ. اختارت الفتيات القضايا التي يرغبن في تغطيتها وأسلوب حملاتهن (مثل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والكتب، وفعاليات يحضرها المشاركون شخصياً، ونقاشات تفاعلية يمكن تعميمها على مجموعات الفتيات حول العالم). وقررن طريقة تنفيذ تلك المشاريع، حيث كان فريق عمل مؤسسة شيز ذا فرست كله يستلهم أفكاره من الفتيات (على سبيل المثال، رأى أحد الفرق أن الفعالية التي ينظمها لا يمكن أن تتطلب الحصول على تذاكر دخول، لذا كان على موظفي التطوير لدينا تعديل استراتيجيتهم لجمع الإيرادات لدعم التكاليف).
إليك أهم 5 دروس تعلمناها حول تسليم سلطة اتخاذ القرار للشباب بكل ثقة.
1. تفهّم طبيعة الفتيات
يستغرق العمل الذي تقوده الفتيات وقتاً أكثر من أي عمل آخر! يجب أن تخطط على أساس أن المشروع الذي تقوده الفتيات يستغرق نحو 3 أضعاف المدة التي يستغرقها العمل مع الزملاء المحترفين. تقول خريجة زمالة الفتيات الناشطات التابعة لمؤسسة شيز ذا فرست، أليسيون تشونغ: "اعلموا أننا نتعلم الكثير في أثناء إبداعنا، نحن نحاول فهم ما نفعله وكيف يؤثر ذلك في الآخرين". يمكن أن يكون التقدم في البرامج بطيئاً لأنهن لا ينفذن المهام فحسب، بل يتعلمن في الوقت نفسه طريقة تنفيذها، أليس هذا هو الهدف من التعلم؟
كن على استعداد لإيصال التوقعات إلى الزملاء والشركاء والممولين، فأنت المسؤول عن تلبية احتياجات مؤسستك ورؤية الفتيات اللاتي يقدنها. وفي حال واجهت بعض الخلافات، فكن صريحاً مع الفتيات حول التوترات التي تواجهها. ثمة طريقة جيدة للنظر إلى هذه المسألة: اعتبر نفسك مزود الخدمة الذي استأجرته الفتيات لعملهن، ولا بأس في إخبارهن بالمواعيد النهائية والتوقعات المحددة بشأن ما تحتاج إليه لتحقيق أهدافهن، ولكنك في النهاية تعمل لصالحهن.
2. كن مستعداً للذهاب إلى أبعد الحدود
لا تستخف أبداً بفتاة، فأحلامها أكبر مما تتخيل وأجرأ. تبالغ الفتيات عادةً في الالتزام ويستهنَّ بمقدار الوقت الذي يستغرقه إنجاز العمل، وهو أمر طبيعي بالنسبة لمرحلة نموهن!
على سبيل المثال، فكر فريق عمل تشونغ في البداية في التعاقد مع رسام أو حتى السعي إلى نشر كتاب الأطفال الذي ألّفه بطريقة احترافية، مع العلم أن مشروعه كان يجب أن يكتمل في غضون بضعة أشهر. كما خططت مجموعة عمل أخرى في خطة أولية لاختيار الفائزين في مسابقة فنية وإخطارهم وحجز رحلات دولية لهم في غضون أسابيع قليلة من افتتاح المعرض. في كل حالة من هذه الحالات، تعلمت الفتيات من تجربة الإحباطات والمزالق التي واجهنها بسبب أخطائهن في وضع الخطط أكثر مما كنّ سيتعلمنه لو رُفضت مشاريعهن من البداية. ما تزال اليافعات يتعلمن عن السبب والنتيجة، والتداعيات والتفكير التنبؤي. وبدلاً من تأنيبهن على هذه الأخطاء الطبيعية جداً، خطط منذ البداية للعمل معهن على هذه التجارب والدروس الحياتية المهمة. (تذكّر: ضاعف الجدول الزمني المقدّر 3 مرات).
3. تبنَّ المشاعر القوية وثق بها
ثمة شيء آخر طبيعي من الناحية التنموية بالنسبة للشباب، وهو الكثير من المشاعر القوية. فهم يفعلون أشياء لم يفعلوها من قبل، وذلك بطبيعة الحال يزيد مشاعر الإحباط والعصبية والحماسة. في حالة الجهود الجماعية، لا يتعلمون مهارات جديدة ويطورون فهماً أعمق لشغفهم فحسب، بل يتعاملون أيضاً مع الإيجابيات والسلبيات التي تصاحب العمل الجماعي جميعها. وفي حين يجب أن تكون مستعداً للقليل من الأحداث المشحونة عاطفياً، لا تقلل من قدرتهم على التعامل معها! وهو أيضاً جزء من منحنى التعلّم. ليس عليك التدخل في كل مشكلة، بل حاول التحدث مع الفتيات وجهاً لوجه لتوجيههن في التعامل مع العلاقات الشخصية.
تقول خريجة زمالة الفتيات الناشطات سنية حماد: "امنحوا الفتيات المجال ليشعرن بما يحتجن إلى أن يشعرن به وساعدوهن على فهم أنفسهن، سيغيرن العالم، ولكن عليكم أن تمنحوهن المجال لفهم طريقة تحقيق ذلك".
4. اشرح أفكارهن
لن تفهم الفتيات غالباً خبراتك التقنية والمصطلحات التي تستخدمها، فلا شيء يجبرهن على ذلك. أضف إلى ذلك أن المحترفين البالغين يقللون من أهمية أفكار الفتيات لأنهن لا يعرضن أفكارهن بطريقة احترافية. وهذا يعني أنه عندما تقول إحدى الفتيات "الأجواء غير مناسبة" (بدلاً من "ليس هذا هو الجو الذي أردت تهيئته لهذه الفعالية") أو "نريد أن يستمر هذا الأمر إلى الأبد" (بدلاً من "نريد أن نحافظ على استمرارية هذه الحملة") فإن أصواتهن لا تُسمع في الواقع، ولكن هل ثمة اختلاف جوهري بين التعبيرين؟
أنت مرشدهن ووظيفتك هي الاستماع بعقل متفهم لما يقصدن أن يقلنه. وعندها إشرح أفكارهن لزملائك وشركائك بطريقة تحترم نية الفتيات وذكاءهن وتوضح رسالتهن للآخرين.
5. اسمح لهن بالإخفاق
إذا كان من المستحيل أن تخسر في مباراة لأنك تعرف أن المدرب سيتدخل دائماً وينقذ الموقف، فهل ستشعر بأنها مباراة حقيقية؟ السماح بالإخفاق هو حجر الزاوية في الشعور بالمسؤولية الحقيقية عن عملك، والأمر سيان بالنسبة للشباب.
ما لم يكن هناك شيء سيعرّض الفتيات أو مجتمعهن أو مؤسستك لضرر حقيقي، فلا بأس في ألا يسير كل شيء على أكمل وجه. باعتبارك محترفاً، يجب أن تكون لديك فكرة واضحة جداً عما هو مهم وغير مهم في نهاية المطاف، وخاصة لضمان إتاحة الوقت الكافي للإخفاقات والتعديلات في العمل (تذكّر، 3 أضعاف!) . تواصل على نحو مبكر ومستمر مع أصحاب المصلحة الآخرين. وفي حال شعرت بأن عدم سير المشروع كما هو مخطط له سيحدث ضرراً كبيراً أو خطراً كبيراً، فعليك التفكير إذا ما كان يجب أن يكون هذا المشروع بقيادة الفتيات أو إذا كان من الأفضل أن يكون مركزاً على الفتيات. نحن نريد تمكين الفتيات من القيادة، ولكننا لا نريد أيضاً أن نضع على أكتافهن عبئاً ثقيلاً جداً وغير عادل، فلديهن الكثير من ذلك.
العملية هي الأساس
لا تنسَ أن تتحلى بالصبر واللطف مع نفسك وفريقك. هذا النوع من التحول ليس سهلاً، ولن ينفذه أحد على الإطلاق على أكمل وجه. كان أحد التحولات الذهنية الرئيسية التي ساعدت فريقنا هو أن نتذكر أنه في العمل الذي تقوده الفتيات، لن تقتصر النتائج على تأثير الحملة فحسب، بل على تأثير تنفيذ العمل بقيادة الفتيات أيضاً.
يتمحور العمل الذي تقوده الفتيات في جوهره حول تجربة الفتيات اللاتي يتولين القيادة أكثر مما يتعلق بنتائج الحملة. هدفنا هو السماح للفتيات بالقيادة، وليس تحويلهن إلى راشدات. لا تحتاج الفتيات إلى أن يتصرفن مثل الكبار ليحظين باحترامنا. فبدلاً من أن نتطلب من الفتيات محو أنوثتهن لكي يصبحن قادرات على القيادة، يمكننا خلق بيئة تمكن الفتيات من الازدهار كما هن.
في هذه العملية، قد نجد أنفسنا في نهاية المطاف نتواصل من جديد مع أنفسنا عندما كنا أصغر سناً ونؤمن بأن كل شيء ممكن.