برامج القيادة بين محدودية المشاريع وخدمة المجتمعات

برامج القيادة
shutterstock.com/Love the wind
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعطي برامج القيادة ذات التأثير الكبير الأولوية القصوى للمهارات ومواطن القوة والقدرات التي تخدم المشاركين والمجتمعات على المدى الطويل.

في عام 2017 قضت دورا البالغة من العمر 18 عاماً المقيمة في مدينة هنتنغتون بيتش في كاليفورنيا سبعة أشهر في مدينة ثياداي في السنغال للمشاركة في برنامج القيادة الشبابية غلوبال سيتيزن يير (Global Citizen Year). وكان أحد متطلبات البرنامج إتمام مشروع مجتمعي مصمم لتلبية حاجة محلية. وكنتيجة للمحادثات مع الشباب المحليين، قررت دورا إنشاء دليل إرشادي لطلاب المدارس الثانوية والجامعات السنغاليين يشرح تفاصيل فرص المنح الدراسية.

على الرغم من أنها أتمّت المشروع، وأكملت كتيباً إرشادياً باللغتين الإنجليزية والفرنسية، كان لديها بعض الشكوك حول مدى فائدة ذلك الكتيب، ماذا سيحدث للكتيب بعد مغادرتها؟ هل سيقرر مشرفها أو أي شخص آخر من أفراد المجتمع طباعته وتوزيعه؟ هل سيُضاف إليه معلومات جديدة، وهل سيترجم إلى لغة الولوفية اللغة الوطنية للسنغال؟ ومن سيموّل ذلك؟ وفي حال تبادر إلى ذهن الطالب أسئلة بشأن الكتيب، أو تقدم بطلب للحصول على فرصة وتم قبوله وواجه عقبات في عمله، فمن سيساعده؟

مشكلة المشاريع

لطالما كان نموذج المشاريع الفردية مثل المشروع الذي أنجزته دورا النموذج الرئيس لبرامج تنمية المهارات القيادية. وتعمل هذه المشاريع التي تُصمم وتُنفذ لتكون جزءاً من الخبرة التعليمية العملية للبرامج على تزويد المشاركين بفرص التعلم التي تعتمد على أساليب تعلم الكبار ومبادئ التعلم العملي، ويمكن أن تحقق فوائد ملموسة للمجتمعات، وتعزز التعاون. لكنها تحمل أوجه قصور كبيرة، ومنها:

  • محدودية توجّه البرامج والممولين. يعدُ تصميم المشروع ليمثل ذروة أهداف البرنامج خياراً يعطي مؤشراً لنجاح البرنامج ونجاح مموليه، وهو مجموعة محددة من متطلبات الأداء التي يجب على المشاركين العمل على تحقيقها. ومن نتائجه تعلم المشاركين المهارات اللازمة لإنجاز مشروعهم المحدد فحسب.
  • التأثير القصير المدى. لا يؤخذ التأثير الطويل المدى في الحسبان عند تصميم مشاريع برامج القيادة دائماً. وتتناسب المشاريع مع قيود مدة البرنامج، ولا تتلقى أي تمويل مستمر أو دعم آخر مع نهاية البرنامج. فلا تتحقق الاستدامة نتيجة لذلك، ما يُفقد العمل والمجتمعات التي يستهدفها الدعم المستمر.
  • عدم الاهتمام بالعلاقات والهوية. يُعد تكوين العلاقات من أساسيات قيادة التغيير الاجتماعي. ويتطلب القدرة على بناء علاقات وشراكات حقيقية وذلك عبر الاستماع العميق والتعلم اللذين يقدمان نظرة عميقة على هويات الناس وأحوالهم وقيمهم ومكامن القوة والاحتياجات الحقيقية في مجتمعاتهم. كما يتطلب أن يفهم المشارك هويته وظروفه وقيمه. ولا يشجع التركيز على تصميم المشروع وإنجازه المشاركين على تكريس الوقت والاهتمام لتنمية تلك القدرة وذلك الفهم.
  • تعزيز ادعاء تولي المسؤولية. يتضمن نموذج المشروع في العادة تكليف أحد المشاركين في البرنامج لإتمام المشروع، وأحياناً حل إحدى المشكلات التي يواجهها المجتمع. لكن ذلك يفترض أن المشارك لديه القدرة والمسؤولية التي يفتقر إليها المجتمع. لكن ثمة قيادة ومسؤولية في أي مجتمع، ويقوم الناس بعملهم بالفعل. ومع ذلك توجه البرامج المشاركين إلى أداء أدوار ضارة بوصفهم قادة أبطالاً فرديين يصممون وينفذون المشاريع دون فهم آلية القيادة والمسؤولية المحلية في المجتمع أو الجهود الجارية بالفعل.
  • عدم الاستناد إلى أعمال المشاركين وقيادتهم القائمة فعلاً. يعمل المشاركون في برامج القيادة غالباً في برامج عمل مجتمعي قائمة. وعوضاً عن تطوير هذه البرامج، تحول البرامج انتباه المشاركين إلى نشاطات أخرى من خلال مطالبتهم بتطوير مشاريع جديدة وقصيرة المدى.
  • أعباء زمنية غير فعالة وغير ضرورية. يخصص المشاركون الكثير من الوقت والطاقة لتلبية متطلبات البرنامج في إنتاج أفكار مشاريع فردية وتنفيذ هذه المشاريع. وفي حال لم يتمكن المشارك من تولي المشروع بوصفه جزءاً من عمله المعتاد فسيصبح عبئاً ثقيلاً. كما تحتاج مشاريع الفرق إلى تخصيص الكثير من الوقت والجهد، إذ تتطلب حجم تخطيط وتنسيق كبير وتتطلب من المشاركين تكريس قدر كبير من الاهتمام لبناء فريق قد لا يتعاونون معه مرة أخرى أبداً.

الابتعاد عن المشاريع

تهدف مؤسسة غلوبال سيتيزن يير (Global Citizen Year) منذ أكثر من عشرة أعوام إلى مساعدة الشباب على تنمية فاعليتهم ومرونتهم وفهمهم للآخرين، وأن يصبحوا مواطنين عالميين ذوي مؤهلات عالية. اقتصر عمل المؤسسة على برنامج افتراضي عندما انتشرت جائحة كوفيد-19. وبعد ذلك بعامين قررت المؤسسة العودة إلى المشاركة الحضورية، وانتهزت تلك الفرصة لإعادة تقييم نموذج عملها تماشياً مع ثقافتها في التعلم والابتكار. بدأت المؤسسة بتجميع فريق تصميم عالمي، ثم طلبت من الشباب الإبلاغ عن أكثر ما يحتاجون إليه في برنامج القيادة عبر استقصاء على الإنترنت. أدت وجهات النظر العالمية لكل من فريق التصميم والألف شاب الذين شملهم الاستقصاء إلى إعادة دراسة مكونات البرنامج الطويلة الأمد وإلى تحول في مبادئ التصميم الأساسية.

ونظراً لإعادة تصميم البرنامج مع الالتزام المتجدد باحترام الآراء المحلية وتعزيز الحلول المستدامة المستندة إلى الحاجات المحلية، حاول فريق التصميم الإجابة عن الأسئلة الآتية: كيف يمكن للبرنامج ضمان إتاحة الفرصة للمجتمعات المحلية لتحديد مشكلاتها واحتياجاتها، وضمان استدامة الحلول وتلبيتها للحاجات المجتمعية على المدى الطويل؟ وكيف يمكنه تعزيز الجهود التعاونية التي من شأنها أن تحترم أساليب عمل المجتمعات القائمة مثل أساليب القيادة المحلية؟ وكيف يمكن للبرنامج أن يركز على العلاقات وتعزيز الروابط في المجتمع؟

ستطلق المؤسسة هذا العام برنامجاً معاداً تصميمه لا يطلب من المشاركين تصميم مشروع وشرحه وتنفيذه. إذ سيجمع البرنامج في شكله الجديد بين المشاركين وأفراد المجتمع المحلي ويطلب منهم التركيز على التعلم وبناء العلاقات عوضاً عن تحديد المشكلات وحلها بوصفه هدفاً للبرنامج.

وسيكون مسح الأصول المجتمعية جزءاً مهماً من البرنامج المعاد تصميمه، إذ تشجع هذه العملية المشاركين على فهم الأصول والحلول الموجودة أصلاً في المجتمع، وفسح المجال للتعلم وتشجيع التواضع اللذين يشكلان مكونين مهمين لبناء العلاقات.

وقد صُمم هذا المنهاج التعليمي لتعزيز اكتشاف الذات والتوجه العالمي بوصفهما جزءاً من رحلة القيادة لكل مشارك، وهو مبني على أربعة مبادئ: خلق الأهمية، والتفكير العميق، والتعلم التعاوني ضمن المجتمع ومعه، والتعلم التجريبي عن طريق العمل على أرض الواقع حيث يتعلم المشاركون من القادة المحليين.

في النسخة الجديدة من برنامج غلوبال سيتيزن يير، سيخصص المشاركون، ومنهم دورا، كل وقتهم للتعلم من الناس في المجتمع. وسيركزون على تعزيز مهارة فهم الآخرين، وفهم أوسع وأدق للمجتمع الذي يعملون ضمنه. كما سيتعلمون من تجربتهم عوضاً عن قضاء ساعات لا حصر لها في الأبحاث الدراسية أو تأليف كتيبات إرشادية لن يستخدمها أحد بعد نهاية البرنامج.

التركيز على التعلم إلى جانب تنفيذ المشاريع

بمقدور برامج القيادة دعم أصحاب المشاريع الجارية خارج البرنامج. هيلث بوليسي ريسيرتش سكولارز (Health Policy Research Scholars) برنامج قيادة مدته أربع سنوات لطلاب الدكتوراة، ويساعد الباحثين على تنمية ميزاتهم القيادية وتعزيز نهج القيادة التعاوني. وباحثو هذا البرنامج إما من خلفيات مهمشة تاريخياً وإما من السكان القليلي التمثيل في تخصصات الدكتوراة في هذا المجال، وإما من كليهما. ولا تُذكي تجاربهم المعيشية شغفهم بالمساواة الصحية فحسب، بل تُسهم في تعميق فهمهم لها ومعرفة أساليب العمل لتحقيقها عبر القيادة وتغيير السياسات والأنظمة أيضاً.

ونظراً لأن المشاركين طلاب دكتوراة بتفرغ كامل، فمعظمهم منشغل بأطروحته التي تمثل له المشروع الرئيس. وتتطلب الأطروحات تعاون الطلاب، وإنتاجهم للمعرفة، وتطويرهم للاستراتيجيات، وإدارتهم للنزاعات، ويساعد كل ذلك على إعدادهم لأدوار قيادية في المشاريع التي سيضطلعون بها في حياتهم المهنية.

يركز برنامج هيلث بوليسي ريسيرتش سكولارز اهتمامه على الأفراد لاستكمال هذا العمل المستند إلى المشاريع. كما يهدف البرنامج إلى مساعدة الباحثين على دراسة قيمهم الشخصية والمهنية والتعبير عنها، والتعرف على مواطن قوتهم وتنميتها، ومشاركة رؤاهم للتغيير ووجهات نظرهم حول القيادة، بالإضافة إلى التدريب والمناهج التعليمية التي تركز على العدالة الصحية. كما يقدم البرنامج للمشاركين التوجيه المهني والتدريب الفردي على القيادة الذي يساعدهم على تطبيق مفاهيم القيادة، وتهيئتهم لسياقاتهم الأكاديمية والمهنية الخاصة.

صُممت عناصر هذا البرنامج للإسهام في تشكيل الهوية القيادية للمشاركين، وزيادة قدرتهم على فهم أنفسهم بصفتهم قادة، وتمكينهم من الترحيب بالتنوّع والعمل في ظله لأنهم متصالحون مع هويتهم الخاصة. هذه الرؤية، التي تعتمد على نموذج التغيير الاجتماعي للقيادة ونموذج قيادة العمل الاجتماعي وتحوله، تعرف القيادة بأنها “عملية تغيير متجددة وتحويلية وعلائقية” تواجه الظلم وتعزز العدالة. والهدف النهائي للبرنامج تنمية المشاركين لقدرتهم على مساعدة الآخرين في العثور على الهدف المشترك والرؤية المشتركة والقيم المشتركة اللازمة لتحفيز التعاون المستمر.

ويرى القائمون على برنامج هيلث بوليسي ريسيرتش سكولارز أن هذه الأهداف مناسبة لتعزيز التغيير الاجتماعي الجماعي والعمل في الأوساط الأكاديمية التي تركز على المشاريع. وتشير بيانات الاستقصاء الوصفي الأخيرة والمقابلات مع المشاركين إلى أن الباحثين يتمّون البرنامج بإدراك أكبر لذاتهم بوصفهم قادة، وثقة عالية في وظيفتهم القيادية، وفهم أعمق لأهمية التعاون وإدماج المجتمع في القيادة لتعزيز العدالة الصحية.

تهيئة أرضية راسخة

لا نوصي بأن تتخلى جميع برامج القيادة عن المشاريع بالكامل. وكما أثبت برنامج هيلث بوليسي ريسيرتش سكولارز، يمكن دمج المشاريع في تنمية هادفة وفعالة للقيادة. ويمكن تحقيق ذلك باعتماد نمو المشاركين وتعلمهم على اكتشاف مكامن قوتهم بوضوح، ومعرفتهم لأنفسهم وأهمية دورهم، وزيادة قدرتهم على التعاون مع الآخرين والتعلم منهم، بغض النظر عن وجود المشاريع.

وبناءً على ما تعلمناه من النجاحات والتحديات في عملنا، ونظراً للعقبات المحتملة عند التركيز الضيق على المشاريع، نقدم هذه الاقتراحات لبرامج القيادة والممولين الذين يرغبون في ترسيخ خبرات المشاركين.

  • ركّز على المشاركين والمجتمعات. صمم تجربة برنامج القيادة مع أخذ المشاركين والمجتمعات في الحسبان، ما مواطن قوتهم؟ ما احتياجاتهم؟ ما مجموعة المهارات الأكثر أهمية لتطوير المشاركين؟ ونظراً لعدم وجود طريقة وحيدة صحيحة للقيادة، وعدم وجود نهج واحد لتعلم القيادة يناسب كل فرد ويناسب ظروفه المختلفة ونوعية التغيير الذي يريد إحداثه في المجتمع، ابحث عن نماذج أكثر مرونة وكيّفها حسب الحالة. واستكشف طرقاً للتعاون مع المشاركين في أعمال التغيير الاجتماعي من غير القادة، وقدّم وسائل جديدة للتعاون. وصمم البرنامج بحيث تدعم التعلم التجريبي والتطبيق المباشر للدروس والرؤى بما يتواءم مع السياقات المختلفة للمشاركين والمجتمعات.
  • صمم البرامج لتحقق التأثير الطويل الأمد. يعتمد التأثير الإيجابي الطويل الأمد للبرامج على الخبرة التي يكتسبها المشاركون وأعضاء المجتمع وعلى ما يتعلمونه. أعطِ الأولوية لإتاحة الفرص للمشاركين لتعميق فهمهم لأنفسهم، وتعزيز هويتهم القيادية، وتنمية قدرتهم على الاستماع إلى الآخرين والتعلم منهم والتعاون معهم. واكتشف طرقاً جديدة لمساعدة المشاركين على الاستثمار في علاقاتهم المجتمعية الطويلة الأمد بوصفه استثماراً في المجتمعات نفسها.
  • أعِد التوازن للسلطة وأعد النظر فيها. عند التركيز على الأفراد والعلاقات، أتِح الفرص للأفراد لتوسيع قدرتهم على التفكير في ديناميات السلطة وإعادة النظر بمَن يقود وكيف يقود. وصمم البرنامج لإلقاء الضوء على سلطة صناعة القرار والقدرة القيادية التي تمتلكها المجتمعات بالفعل، ولإعطاء المشاركين دور المتعلم. وعوضاً عن تشجيع المشاركين على رؤية أنفسهم قادة أبطال فرديين يعملون من أجل المجتمعات أو حتى يعملون لها، أتح الفرص لهم لتجربة العمل مع المجتمعات.
  • استند إلى أعمال المشاركين وقيادتهم الموجودة مسبقاً. بدلاً من إبعاد المشاركين عن الأعمال الذي ينفذونها بالفعل، ابحث عن طرق لتأمين الموارد وفرص التعلم لهذه الأعمال. فعلى سبيل المثال، تجمع مؤسسة آني إي كاسي (Annie E. Casey) بين الأشخاص الذين يعملون بالفعل في قضايا مثل الاستعداد للمدرسة أو توفير الرعاية الصحية وتزودهم بمجموعة من المهارات والأطر المهمة لتحقيق القيادة التي تستهدف تحقيق النتائج، بوصفه جزءاً من نهجها التي تطلق عليه “النتائج مهمة” (Results Count).
  • ركز الوقت على العمل والتعليم المناسبين. صمم كل عنصر من عناصر البرنامج وقيّمه حسب ملاءمته للعمل الشامل الذي يريد المشاركون تنفيذه للمجتمع وحسبما يحتاجون إلى تعلمه لتحقيق هذه الغاية. فعلى سبيل المثال، أنشأت مؤسسة ناشونال دوميستك وركرز ألايانس (National Domestic Workers Alliance) برامج قيادية تركز على بناء قدرات عاملات المنازل للدفاع عن مصالحهن المشتركة وتعزيز السياسات المنصفة.

نشجع برامج القيادة ومؤسسات قطاع العمل الاجتماعي الأخرى على تطبيق هذه المبادئ في عملها، ونشجعها على النظر فيها على نطاق أوسع. ما الذي يمكن أن تحققه المؤسسات التعليمية في حال صممت دورات تعليمية مع أخذ هذه الأفكار في الحسبان؟ وما الذي يمكن أن تحققه البرامج والمؤسسات والحملات والشبكات المحلية والوطنية والدولية في حال كانت هذه المفاهيم ركائز عملها؟ نعتقد أن برامج القيادة يمكن أن تكون مجتمعات مصغرة تدفع الجميع في القطاع الاجتماعي لكي تفهم وتُحدث إمكانات جديدة أكثر عدلاً وإنصافاً لنا ولمجتمعاتنا ولعالمنا.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.