انتقال القيادة أثناء الأزمات الصحية الحرجة

7 دقائق
انتقال القيادة
Shutterstock.com/bluedog studio

أثناء ركوبي قطار أنفاق مدينة نيويورك في أوائل شهر مارس/آذار 2020، كنت أقرأ المسودة الأولى للمقالة الافتتاحية لسلسلة من المقالات تتناول مواضيع حول انتقال القيادة. في نهاية تلك المقالة؛ التي تحمل عنوان «المراحل الانتقالية الخمس للمؤسس»، شاركتنا سيلين كوغينز وجهة نظرها المتعمقة والصادقة والحساسة بشأن تنحّيها من منصبها كرئيسة تنفيذية لشركة «تك بلاس» (Tech Plus). وقد تدفقت مشاعري عندما قرأت كلماتها التالية: «يمكنني القول إن الشهر الذي سبق إعلان الفريق المعني بانتقال القيادة عن خليفتي؛ كان من أصعب الأشهر التي مررت بها».

كما أنها لامست الحقيقة عندما  ذكرت في مقالتها أنه من الصعب أن تقود فريقاً يعلم أنك ستغادر. في صباح ذلك اليوم، أدرت اجتماعاً داخلياً في «جينيريشن سيتزن» (Generation Citizen)؛ وهي منظمة غير ربحية معنية بتعليم الشؤون المدنية، وقد شاركت في تأسيسها، وكنت في الوقت ذاته أستعد لمغادرتها في شهر يونيو/حزيران. وعلى الرغم من أن مجلس الإدارة كان سيعلن عن القائد الجديد خلال الشهر التالي، عارض بعض أعضاء الفريق القرارات التي كنت أتّخذها، فقد كانوا يرونني في تلك المرحلة الانتقالية على أنني الشخص الذي يشرف على الرؤية الثابتة للمنظمة، وليس الشخص الذي سيقودهم في المستقبل. كانوا يتوقون إلى توضيح التوجه الذي ستتخذه المنظمة في ظل قيادة شخص جديد، والتأكد من الأدوار التي سوف يشغلونها.

كان عليّ توقع تراجع موقعي على المستوى الداخلي. ففي النهاية، عندما اتخذت قراراً في عام 2019 بأن منظمة «جينيريشن سيتزن» مهيأة لاستقبال قيادة جديدة، تواصلت مع كل من المؤسسين الذين سبق وأن اختبروا الانتقال، مثل سيلين، والقادة الذين خلفوا المؤسسين لاستخلاص أكبر قدر ممكن من النصائح. كان الجميع على استعداد للتحدث عن تجاربهم الانتقالية، سواء كانت جيدة أو سيئة أو حتى قاسية جداً، ومشاركة الدروس التي تعلّموها. لقد وضعت نصائحهم الأساس لهذه المقالة وزودتني بالمعلومات اللازمة للمضي قدماً بخطتي الانتقالية. بحلول شهر أغسطس/آب 2019، عملت مع مجلس الإدارة على تحديد موعد لإبلاغ الممولين والشركاء وفريقنا الداخلي وباقي أصحاب المصلحة عن آخر المستجدات. لقد شكّلنا لجنة مهمتها البحث عن قائد بديل، وتعاقدنا مع شركة ذات سمعة حسنة، ومعنية بتقديم هذه الخدمة. كما خطّطنا لإقامة حفل في منتصف شهر أبريل/نيسان 2020 بمناسبة مرور 10 سنوات على تأسيس المنظمة، إلى جانب إقامة طقوس الوداع، والإعلان عن الرئيس التنفيذي التالي. 

لقد بدت الخطة بأكملها مضمونة النتائج، ولكن قد يستغرق الأمر بعض الوقت لاستيعاب الدروس. وبالإضافة إلى الحكمة التي استخلصتها من سيلين، ربما كان عليّ أيضاً الأخذ بنصيحة وُضّحت لاحقاً في مقالة جاكوب منوكين «عندما تتعرقل الخطة الانتقالية للشريك المؤسس»، ومقالة لورا وايدمان باورز «تخطي تمجيد المؤسس»؛ اللتان تدعوان إلى الحرص على الاستعداد لما هو غير متوقع. بعد أسبوع واحد فقط من الاجتماع المذكور أعلاه، أجبرت جائحة كورونا الجميع على وقف كامل المخططات؛ لقد عطّلت عمل منظمتنا، والقطاع غير الربحي بأكمله، وكذلك خطة انتقالي تماماً.

تأجيل موعد مغادرة القائد

من السهل نسيان مدى السرعة التي تَغيّر بها كل شيء منذ شهر مارس/آذار 2020. فقد أغلقنا مكاتبنا إلى أجَلٍ غير مُسمّى خلال أيام قليلة جداً، ودخلت عمليات الإغلاق التام حيز التنفيذ في جميع أنحاء البلاد. بدا الاقتصاد وكأنه على فوهة بركان، وأصبح التدريس افتراضياً بين عشية وضحاها. علمت أنا ومجلس إدارة المنظمة أن إدارة الانتقال هي آخر ما ينبغي التفكير فيه، وسرعان ما وافق مجلس الإدارة على عرضي بالبقاء لمدة أطول، وتوافقنا حول وقف البحث عن بديل، ولو لبضعة أشهر فقط.

في خضم عدم اليقين بشأن كل ما يدور حولنا وانتقال القيادة، عمل فريقنا بلا توقف على نشر المحتوى والمواد التدريبية الخاصة بنا على الإنترنت، وحرص على إدراج مواضيع ذات صلة بما يجري. أطلقنا برنامجاً تدريبياً افتراضياً للمعلمين، ونقلنا جميع فعاليات نهاية الفصل الدراسي إلى الإنترنت. كنت فخوراً بالطريقة التي تجاوب بها فريقنا مع هذه الأوقات الحرجة، أما من الناحية التشغيلية، ومع إدراك عمق الخسائر المتفاوتة للإغلاق الاقتصادي على جميع موظفينا، هدفنا إلى تقديم المزيد من الدعم إلى أعضاء الفريق، لا سيما أولئك الذين يرعون أطفالاً أو أفراداً مرضى من عائلاتهم، كما قدمنا لهم ​​إجازات غير محددة المدة ومدفوعة الأجر. لسوء الحظ، تطلبت الاقتطاعات اللازمة من الميزانية تسريح عدد من الموظفين، لذلك حاولنا توفير وقت انتقالي مريح ودعم كبير لهم. في تلك الأوقات، كحال كامل المجتمع الأميركي، واجهنا تحدياً جديداً تمثل في كيفية الاستجابة للوعي المتزايد بعدم المساواة العِرقيّة على مستويات عديدة، سواء فيما يتعلق بمُعلّمينا وطلابنا، أو كمنظمة يقودها أشخاص من العِرق الأبيض ومعنية بالمجتمع المدني. كان هناك الكثير من الأمور الجوهرية لإدارتها.

على الرغم من الغموض المحيط بنا، أحرزنا تقدماً كبيراً على مستوى المنظمة. لقد مرّرنا خطة استراتيجية جديدة وضعت المساواة العِرقيّة في صُلب جميع أعمالنا، وأصبحت جميع برامجنا افتراضية، كما وضعنا جدول أعمال جديد وطموح معني بسياسة المنظمة في المساعدة على الدفع نحو الخوض في استثمارات جديدة، على نطاق البلاد، في تعليم الشؤون المدنية.

دروس في انتقال القيادة

بعد ستة أشهر، كنت ما أزال أترأس منظمة «جينيريشن سيتزن». وبالعودة إلى عام 2009، فقد عملنا على تدريب الآلاف من المعلمين الأميركيين لتدريس منهجنا الخاص بالشؤون المدنية، وأكمل ما يُقارب 100 ألف طالب متطلبات الدورة التدريبية. كما ساعدنا على تمرير تشريعات هامة متعلقة بتعليم الشؤون المدنية في ولاية ماساتشوستس، وسعينا نحو ضمان أن المساواة عنصر أساسي في تعليم الشؤون المدنية من خلال إجراء جولة استماع وتشكيل لجنة توجيهية تمولها مؤسسة «هيولت» (Hewlett). كنت فخوراً بنجاحنا، وفي الوقت ذاته، مستعدّاً للانخراط في مَهمّة جديدة كما كنت في بداية العام. ولا زلت أرى أن المنظمة ستستفيد من وجود قائد تتشابه تجربته الحياتية مع طلابنا، إذ أنّ معظمهم من أصحاب البشرة غير البيضاء، والذين تواصل حكومتهم تكريس ممارسات الشرطة الجائرة، والتمييز في مجال الإسكان، والحط من أهمية آرائهم وخبراتهم. وقت المغادرة قد حان بالفعل، وكنا على استعداد للإعلان أخيراً عن القائد الذي سيخلفني، لذلك، فقد جاء ذلك الشهر الأخير والأكثر صعوبة من غيره مرة أخرى.

بالإضافة إلى درس «الحرص على الاستعداد لما هو غير متوقع»، هنالك ثلاثة نصائح أخرى استخلصتها من سلسلة النقاشات الأولية مع المؤسسين والقادة الجدد (التي تمت تغطيتها أيضاً في السلسلة المذكورة أعلاه)، وذلك باعتبارها هامة؛ لا سيما عند تنفيذ عملية انتقال القيادة في أوقات عدم اليقين، وهي كالتالي:

  1. المنظمة أولاً، والأنا جانباً

لدي الكثير من العيوب، كحال أي مؤسس آخر. فقد أكون متهوراً، وغير صبور، ومشتّتاً في البداية. لكنني لم أكن مستعداً لتلقي الإحباط الذي شعر به أعضاء الفريق عندما علموا أنني سأواصل قيادة المنظمة لمدة أطول من المتوقع. وكان ذلك معاكساً لردة فعل الممولين والشركاء، الذين بدوا راضين لسماع هذا الخبر. أراد الفريق رؤية القائد الجديد الذي وعدناهم بقدومه، وأصبح من الواضح أن قدرتي على الإلهام باتت محدودة، وأن كلماتي لم تعد تحمل القيمة ذاتها.

في البداية، تعاملت مع الأمر على محمل شخصي، لكن سرعان ما أدركت أن رد فعلهم كان منطقياً. منذ اللحظة التي أعلنت فيها عن خطتي للمغادرة، بدأ الموظفون يتطلعون إلى المستقبل ويتساءلون عمّن سيقود المنظمة إلى المرحلة التالية. مع ذلك، فقد استغرقت الديناميكية المتغيرة بعض الوقت للاعتياد عليها. وكما أشارت سيلين في مقالتها إلى ما ذكرته الراحلة روث بادر غينزبيرغ ذات مرة حول أنّ مفتاح الزواج الناجح طويل الأمد هو أن تكون «أصماً نوعاً ما». لقد ساعدتني تلك الفكرة على أن أتجاهل قليلاً الضوضاء من حولي، وأن أتذكر أنني كنت أعطي المنظمة الأولوية من خلال بقائي لمدة أطول. على الرغم من أن ذلك أفقدني شعبيتي، لكن ما أكسبني بعض المزايا هو أنني الشخص الذي كان يتخذ القرارات الصعبة المتعلقة بتخفيض عدد الموظفين، والوضع المالي، وبرامج المنظمة (مثل إنهاء نموذجنا التقليدي لإقامة شراكات بين متطوعين جامعيين ومعلمين). ما عناه ذلك هو أن القائد الجديد سيقود منظمة أكثر استدامة وسيكون بمنأى عن اتخاذ قرارات كبرى حالما يبدأ. كما أتاحت مغادرتي المتأخرة لمجلس الإدارة والموظفين وقتاً للاعتياد على الوضع الطبيعي الجديد للعمل عن بُعد، سواء على المستوى الداخلي أو مع شركائنا في البرامج، هذا دون ذكر التغيير الإضافي المتمثل بقدوم الرئيس التنفيذي الجديد.

اقرأ أيضاً: تخطي تمجيد المؤسس.

  1. إعطاء الأولوية للتمويل

في خضم بيئة اقتصادية مزعزعة على نحو لا يوصف، وتقلص ميزانيات المدارس، وانخفاض قدرة الفرد على العطاء، شعرنا أننا بحاجة إلى أن نكون محافظين مالياً قدر الإمكان، لا سيما وأن الوضع المالي للمنظمة لم يكن قوياً في بداية الجائحة. وأرى اليوم أن احتياطاتنا المالية الهشة؛ التي ينبغي أن تكون مخصصة لمثل هذه الأوقات التي أُجبرنا فيها على البقاء في  المنازل، كواحدة من أكبر إخفاقاتي في القيادة. وانتهى الأمر بعد مرورنا بكل تلك الظروف إلى التوصل لقرار تخفيض القوى العاملة، ووضع ميزانية جديدة كانت أقل بنسبة 30% من العام السابق.

على الرغم من قساوة الأحداث، ساهم ذلك في تحقيق أمرين مهمين أشرت إليهما في النقطة السابقة. الأول، هو أننا ضمنا أن القائد الجديد يمكن أن يولي اهتمامه للصّورة الكبيرة، وليس فقط للمحافظة على سير العمليات. والثاني، متعلق باستدامة المنظمة على المدى القريب والبعيد. تسلط العديد من المقالات في هذه السلسلة، بما في ذلك مقالة آن ماري بورغوين؛ التي تحمل عنوان «الدروس المستفادة للممول حول العمليات الانتقالية للمؤسسين في المؤسسات غير الربحية»، الضوء على أهمية ضمان حدوث عمليات الانتقال في أوقات القوة التشغيلية والمالية. يعتبر اليوم مركز منظمة «جينيريشن سيتزن» المالي أقوى مما كان عليه قبل شهور، ولكن نصيحة آن ماري تبدو صحيحة هنا، إذ تقول: «إن العملية مفيدة إذا كانت المنظمة في موقع قوة عندما يغادر المؤسس، وذلك من الناحية المالية والتشغيلية ومن حيث التأثير».

  1. تمكين أعضاء الفريق الآخرين، وكذلك القائد التالي

تشير مقالة لورا، المذكورة سابقاً، إلى أن أفضل طريقة لتخطي التمجيد الحتمي للمؤسسين أثناء الانتقال هو تمكين القادة الآخرين، مما يؤدي إلى «تصور المنظمة على أنها لم تفقد قائدها». ومن خلال التوصية بهم إلى هيئات المؤتمرات الافتراضية وإقحامهم في محادثات مع الممولين شبه الدائمين، حاولت رفع وتمكين أعضاء الفريق الذين علمت أنهم سيستمرون في العمل على المدى الطويل. كان كبير مدراء البرمجة والتخطيط لإحداث الأثر الجديد، وكبير مدراء التخطيط للسياسة ونشر التوعية، والعديد من المدراء التنفيذيين المحليين والمنتشرين بمواقع مختلفة، ملتزمين بالبقاء في المنظمة، وكان الفريق بحاجة إلى الاستماع إليهم أكثر مما هم بحاجة إليّ.

بينما كنت أستعد أخيراً لتسليم عملي إلى القائدة الجديدة، أدركت تماماً الأعباء الصعبة وغير العادلة للقادة الجدد من أصحاب البشرة غير البيضاء. أوضحت ميشيل رون كولينز بعضاً من تلك الأعباء في مقالتها «انتقال القيادة إلى عرق آخر في أوقات الأزمات». لذلك، حاولت تعزيز أسس المنظمة، من خلال إغلاق أكبر عدد ممكن من البرامج المعنية بحوافز جمع التبرعات، وتوضيح توجه برامجنا الحالية في هذا الواقع الافتراضي الجديد، والتأكد من أن فريقنا قوي ومستعد للمضي قدماً، بحيث يكون لدى القائدة الجديدة مساحة لخلق رؤيتها الخاصة والبدء في بنائها. وكما ذكرت آن إيدلمان في مقالتها، «المضي قدماً في مؤسسة غير ربحية وتغيير مسار المؤسس»، ينبغي أن يكون القادة الجدد أكثر من مجرد «ناقلين للثقافة ومركزين على مدى إمكانية استمرارهم»، بل هم بحاجة إلى رسم حالة جديدة وجريئة ليتمكنوا من إحداث التأثير. أعتقد أننا وضعنا الأساس لقائدة منظمة «جينيريشن سيتزن» الجديدة لتباشر عملها وتخلق تأثيراً أكثر من أي وقت مضى.

لم يكن انتقالي ناجحاً للغاية كما كنت أتمنى، إذ كان علينا تسريح عدد من الموظفين. وقد استغرقت العملية وقتاً طويلاً، والمعنويات كانت متدنية جداً. لكن اعتقادي يعدّ راسخاً بأن المنظمة تسير في الاتجاه الصحيح، ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى عملنا خلال الأشهر التي أعقبت قراري الأول بالمغادرة. وتعلمت أن المؤسسين الناجحين يحرصون على ضمان أن المنظمة التي أسسوها يمكن أن تزدهر لمدة طويلة بعد مغادرتهم. على الرغم من التأخير والعقبات التي حصلت، أنا واثق من أن منظمة «جينيريشن سيتزن» ستواصل النهوض بالشباب، بينما تواصل أيضاً تعزيز الديمقراطية.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أن المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي