يتمثل الأسلوب التقليدي لقيادة المؤسسات الاجتماعية بأحد خيارَين؛ إما أن تفرض مجموعة صغيرة من أصحاب النفوذ -سواء كانوا أفراداً أو فرقاً أو مؤسسات- على المؤسسة مسارها، وإما أن يقودها من يتعاملون عن قرب مع المشكلة الاجتماعية وحلولها.
كان النهج الأول، أي القيادة من القمة إلى القاعدة، الأكثر انتشاراً فيما مضى، ولكن الكثيرين يقولون إنه بات اليوم غير قابل للاستخدام غالباً. ثمة استثناءات لا شك، خذ مثلاً السياق العسكري القائم على هيكلية التحكم والسيطرة، والأنظمة الرقابية حيث يكون من الضروري تعزيز القوانين التي تهدف إلى حماية الصحة العامة والسلامة، والمؤسسات التي باتت عملية التحول فيها ضرورية لأجل استمرارها. ولكن هذا النهج أثبت عدم ملاءمته لتحقيق تقدم اجتماعي على نطاق واسع، إذ عجز النهج التنازلي، على المستوى الوطني ومستوى الحكومات والمناطق والبلديات والمجتمعات، مرة تلو الأخرى في التوصل إلى حلول فعالة للمشكلات الاجتماعية، لأنه لا يأخذ في اعتباره آراء أهم المعنيين بالمشكلة وإسهاماتهم وتأييدهم.
في حين نجحت القيادة من القاعدة إلى القمة في دمج أفكار من يستطيعون تحديد الحلول التي ستفيد مجتمعاتهم، إذ إنها تسعى إلى تجسيد التطور الديمقراطي للمؤسسات وتطبيقه على المستوى الشعبي. لكن على الرغم من أن فلسفة "دَع ألف زهرة تتفتح" التي يقوم عليها هذا النهج تشجع على الابتكار عادة، فهي تستهلك وقتاً أطول وموارد أكثر، وتواجه صعوبة غالباً في تحديد أقوى الحلول وتوسيع نطاقها.
مزج أفضل ما في النهجَين
لا يفسح أي من نموذجي القيادة المذكورَين المجال لتطبيق النهج المتعدد الأبعاد اللازم للعمل التعاوني الحقيقي، أو لتنفيذ العملية الدورية لابتكار الأفكار وتبادل المعلومات التي تعالج المشكلات الاجتماعية المعقدة. لتلبية هذه الاحتياجات، نوصي باتباع نهج ثالث مختلف نسميه "نهج التوجيه المحلي ودعم الشبكات"؛ تستخدم عدة مؤسسات ناجحة بالفعل هذا النموذج الذي يجمع أفضل العناصر في نموذَجي القيادة التصاعدي والتنازلي، ويشجع على اتباع نهج متواضع وسلس ومدروس لتحقيق التغيير الاجتماعي على مستوى الأنظمة.
كانت مؤسسة مؤتمر القيادة المسيحية الجنوبية (Southern Christian Leadership Conference - SCLC) التي أسسها مارتن لوثر كينغ الابن عام 1957 من الأمثلة الأولى على الحركة ذات التوجيه المحلي والتي استفادت من التنسيق المدعوم بالشبكات. في الأعوام الأولى من نشاط حركة الحقوق المدنية الأميركية (US Civil Rights)، عملت مجموعات العمل المحلية شريكة مؤسسة مؤتمر القيادة المسيحية الجنوبية بصورة مستقلة وجربت عدة استراتيجيات وأساليب متنوعة لإحراز تقدم في القضية، لكن الأخيرة لم تتحكم بهذه المجموعات، وإنما قدمت لها الدعم التنظيمي والتدريب واستراتيجية التواصل والمساعدة في جمع التبرعات. على سبيل المثال، زار أعضاء المؤسسة، مثل أندرو يونغ ودوروثي كوتن، الكنائس والمجموعات المجتمعية في جميع أنحاء الجنوب، وقدموا فيها دروساً عن "اللاعنف في الديانة المسيحية"، كما ساعدوا شركاءهم المحليين في إنشاء "مدارس المواطنة" التي هيأت الأميركيين أصحاب البشرة السمراء لاجتياز اختبارات محو الأمية والتربية المدنية التي كانت حينئذ ذريعة أساسية لحرمانهم من حق التصويت. وحين أطلقت المجموعات شريكة مؤسسة مؤتمر القيادة المسيحية الجنوبية حملات لتسجيل الناخبين في مدن مثل سيلما بولاية ألاباما وألباني بولاية جورجيا وسانت أوغستين بولاية فلوريدا، ساعدت المجموعة الوطنية في تنسيق التمويل والدعاية وتبادل المشورة حول الأساليب المتبعة، وبالتالي استفادت حركة الحقوق المدنية من الإبداع الذي ولّدته الجهود المحلية والتنسيق الذي قامت به شبكة العلاقات.
تتوفر أمثلة حديثة على الحركات المحلية التي ربما كانت ستستفيد من اعتماد نموذج التوجيه المحلي ودعم الشبكات، ومنها احتجاجات "احتلوا وول ستريت" في عام 2011، والاحتجاجات المناخية العالمية في عام 2015، و"الحراك النسائي الأميركي" في عام 2017. ولّدت هذه الحركات نشاطاً وتفاعلاً شعبيَين كبيرَين ولكنها خمدت بسبب ضعف التنسيق، ولو أن المؤسسات القيادية الصغيرة والمستقرة ساعدتها في تنظيم الحركات وإطلاق الرسائل وتدريب الناشطين وجمع الأموال وشاركت معها أفضل الممارسات، لربما تمكنت من توليد أثر مستدام بدرجة أكبر.
يتمثل أحد أهم عناصر نموذج التوجيه المحلي ودعم الشبكات في المؤسسة المحفّزة للأنظمة؛ كانت جولي باتيلانا وماريسا كيمزي أول من وصفها باسم "المؤسسات المنسِّقة" (orchestrators) في مقال نُشر عام 2017 بعنوان "أتحفّز أم تبتكر أم تنسِّق؟" (Should You Agitate, Innovate, or Orchestrate?)، وتؤدي هذه المؤسسات دور "أصحاب الأفكار" و"وكلاء تبادل المعرفة"، وتجمع الأعمال التعاونية والمبادرات معاً كي يستمر تقدّم حركة تغيير الأنظمة بأكملها، كما تسعى إلى منح السلطة للشركاء على اختلافهم بدلاً من فرض سيطرتها عليهم. تنطوي المؤسسات المحفّزة للأنظمة على أفراد يحرصون على ما يلي:
- فهم نموذج التوجيه المحلي ودعم الشبكات والتزام تطبيقه
- التركيز على قيادة تغيير الأنظمة، ليس بالعمل المباشر وإنما بالإسهام في خلق بيئة ملائمة لتحقيق التغيير
- القدرة على التحكم بالأنا والتمتع بالطاقة والنشاط للعمل من دون الحاجة إلى الحماس والنشوة اللذين تولدهما السلطة أو المكانة، والقدرة على العمل من وراء الكواليس والسماح بتسليط الأضواء على الشركاء
- تعزيز التغيير بواسطة أدوات مثل مناصرة السياسات وإقناع الآخرين بالعمل وعقد تجمعات لحل المشكلات وتصنيف أفضل الممارسات وتطوير أدوات تزيد سهولة العمل
- مساعدة الحركة على بناء الزخم والحفاظ عليه بتتبع التقدم ومساءلة الأفراد والمجموعات والاحتفال بالإنجازات والحفاظ على تركيز الأفراد موجهاً نحو تحقيق التغيير المنشود
نوضح فيما يلي آلية عمل نموذج التوجيه المحلي ودعم الشبكات من خلال 4 أمثلة على مؤسسات اعتمدته وحققت نجاحاً باهراً، تقود كل واحدة من هذه المؤسسات عملية التغيير من خلال نهج مفتوح قائم على التمكين يجذب الشركاء ويشجعهم على التضافر في خطة مشتركة تمكّنهم من تحقيق تقدم اجتماعي حقيقي.
التشجيع على السخاء: غيفنغ تيوزداي
أنشئت مؤسسة غيفنغ تيوزداي (GivingTuesday) في عام 2012 انطلاقاً من فكرة بسيطة تتمثل في تخصيص يوم محدد من شهر نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام لتشجيع الناس على فعل الخير، ومنذئذ توسعت المبادرة وأصبحت حركة عالمية (كان المؤلف المشارك في كتابة هذه المقالة، جيف ووكر، عضواً في مجلس إدارتها). تعمل الرئيسة التنفيذية آشا كوران على قيادة المبادرة وتنظيمها بالشراكة مع شبكة عالمية من قادة منتسبين إليها رسمياً في 75 دولة ومئات الأقاليم، إضافة إلى مؤسسات ومجتمعات وأفراد أسخياء منتسبين جزئياً أو غير منتسبين من مختلف مقاع العالم، وجمعت المؤسسة نحو 3 مليارات دولار خلال 24 ساعة في الولايات المتحدة وحدها في عام 2020، ويتعاون أعضاء شبكتها على مدار العام لتحفيز العطاء في جميع أنحاء العالم.
يعتمد الأثر الذي تحققه مؤسسة غيفنغ تيوزداي على اتباعها نموذج التوجيه المحلي ودعم الشبكات؛ تؤدي مؤسسة مركزية غير ربحية تشكّل نواة الجهد العالمي دور المؤسسة المحفّزة للأنظمة، إذ تزود المجموعات المحلية بالموارد والإرشادات التوجيهية والأدوات التي يمكنها استخدامها على النحو الذي تراه مناسباً، وتقدّم المبادرة أدوات القياس والتعلم المستمرَين عبر منصتها الإلكترونية، غيفنغ تيوزداي داتا كومنز (GivingTuesday Data Commons)، التي تجمع إسهامات 60 مؤسسة شريكة و40 مختبراً للبيانات لتستخلص معلومات تفصيلية عن التوجهات المتغيرة في العطاء الخيري، وأكثر المناهج فاعلية في جمع التبرعات، وأساليب قياس سلوك المتبرعين والتأثير فيه. يتيح فهم الأساليب المجدية وغير المجدية للمجموعات المنتمية إلى مئات البيئات الإقليمية والثقافية المختلفة تكرار الأفكار الجيدة وتحقيق الفائدة القصوى من مواردها. على سبيل المثال، ساعدت مؤسسة غيفنغ تيوزداي في نشر فكرة الصناديق الصغيرة المجانية التي ابتكرتها جيسيكا مكلارد من مدينة فايتفيل بولاية أركنساس في عام 2009، إذ علّقت جيسيكا صندوقاً خشبياً على عمود وملأته بالطعام والأوراق وأدوات العناية الشخصية، حتى يأخذ منها المحتاجون ويعوض الآخرون ما ينقص منه، وبرعاية مؤسسة غيفنغ تيوزداي، ظهرت مئات الصناديق الصغيرة المجانية بعدة تصميمات مختلفة في جميع أنحاء الولايات المتحدة وخارجها. وبهذه الطريقة تعمل مؤسسة غيفنغ تيوزداي وفق نظام دقيق ولكن قيادة العمل فيها موزَّعة؛ الملكية المشتركة هي المبدأ التوجيهي الذي يوحّد القادة المحليين في ظل رؤية شاملة ويترك لهم اختيار طرق تنفيذها في مجتمعاتهم.
تحسين القيادة التعليمية: تيتش فور أول
تعمل شبكة تيتش فور أول (Teach For All) بقيادة الرئيسة التنفيذية السابقة ومؤسِّسة مؤسسة تيتش فور أميركا (Teach For America)، ويندي كوب، على تطوير برنامج تدريب جماعي على أعمال القيادة بهدف تحسين التعليم وتوسيع الفرص لجميع الأطفال. تعرِّف الشبكة عن نفسها بأنها "شبكة راسخة على المستوى المحلي واسعة المعرفة على المستوى العالمي"، وتتألف من 60 مؤسسة شريكة مستقلة إلى جانب مؤسسة عالمية داعمة تعمل على تحفيز تقدم الشبكة. تمكن شركاء مبادرة تيتش فور أول من جذب 65 ألف شخص إلى مهنة التدريس، وحققوا تغييرات إيجابية قابلة للقياس في نتائج تعليم أكثر من 6 ملايين طالب من الفئات المحرومة في 5 قارات.
يتجلى نموذج التوجيه المحلي ودعم الشبكات في عدد من ممارسات مؤسسة شبكة تيتش فور أول الخاصة؛ فهي لا تسعى للتوسع مثلاً إلى أي بلد كان بل يقرر الرواد الاجتماعيون المحليون تطبيق الفكرة في بلادهم بوحي من عمل مؤسسات الشبكة في مناطقها، ويقودون بعملهم الفريق العالمي في شبكة تيتش فور أول الذي يساعدهم على تعلّم النهج ووضع خطط مخصصة لكل سياق على حدة لتكييف النهج مع بلادهم. علاوة على ذلك، على الرغم من أن شركاء شبكة تيتش فور أول يعملون بناء على قاعدة مشتركة تضم الهدف ونظرية التغيير ومجموعة المبادئ الموحدة وعدة التزامات برمجية ومؤسسية، فهم لا يتبعون نهجاً محدداً لتنفيذ هذه الالتزامات، بل يحددون خياراتهم بأنفسهم بناء على بيئتهم وثقافتهم والفرص المتاحة لهم. هذا ما توضحه مؤسِّسة الشبكة ويندي كوب في قولها:
رأينا أن الاختلافات في الثقافة والتجارب والظروف تولّد أفكاراً جديدةً وأساليب مبتكرة، لم يكن بإمكاننا تصور الابتكارات التي حققها الموظفون والمعلمون والخريجون والطلاب والشركاء المجتمعيون وغيرهم من أعضاء شبكتنا في عشرة أعوام فقط، وقدرة كل واحد من شركاء الشبكة هؤلاء على إلهام الآخرين وتمكينهم من تلبية معايير أعلى.
يسخّر فريق تحفيز الأنظمة في شبكة تيتش فور أول موارده لتسريع التقدم بعدة طرق، مثل رفع الوعي بنهج الشبكة وبناء العلاقات العالمية وتقديم التدريب والخدمات الاستشارية لشركاء الشبكة وإتاحة التواصل بين أعضائها، إلى جانب إتاحة الوصول إلى تجارب التعلّم وأدواته. مثلاً، تنظم شبكة تيتش فور أول مؤتمرات إقليمية وعالمية ورحلات للتعلّم تتيح للقادة والموظفين والخريجين في المؤسسات الشريكة التعلم من أقرانهم في الدول الأخرى، كما حدث حين اجتمع الموظفون الجدد المكلفون بوضع برامج تدريبية للمعلمين في الهند لمراقبة المعهد الصيفي الناجح للمعلمين الجدد هناك.
رداً على ذلك، تستعين المؤسسات الشريكة والمعلمون والخريجون التابعون لها بالشبكة لمشاركة الأفكار بين الدول. مثلاً، استخلصت الرئيسة التنفيذية لمبادرة تيتش فور نيجيريا، فولاوي أومينكونلي، إحدى استراتيجياتها الأكثر فعالية من نظيرتها في أرمينيا، وهي تحديداً طلب الدعم المالي من الحكومة الوطنية منذ بداية البرنامج وبالتالي اكتساب تأييد ودعم أساسيَين على المدى الطويل. كما استوحت فكرة أخرى من أحد الشركاء في هايتي تتمثل في توظيف معلمين مخضرمين إلى جانب المعلمين الجدد ليثري بعضهم بعضاً بتبادل الخبرات والحماس بما يحقق الفائدة للجميع.
القضاء على التشرد: كوميونيتي سلوشنز
عملت المؤسسة غير الربحية التي تقودها روزان هاغرتي، كوميونيتي سلوشنز (الحلول المجتمعية) (Community Solutions)، التي فازت مؤخراً في مسابقة 100 أند تشينج (100&Change) التي تجريها مؤسسة ماكارثر فاونديشن (McArthur Foundation)، على إطلاق شبكة بيلت فور زيرو (Built For Zero) التي تضم مدناً ومقاطعات تلتزم جهود إنهاء التشرد بدءاً من التشرد المزمن والمستمر منذ زمن طويل. ومنذئذ نمت الشبكة لتشمل أكثر من 80 مجتمعاً أميركياً، وحتى الآن تمكن 14 مجتمعاً من المجتمعات التي تشاركت مع مؤسسة كوميونيتي سلوشنز من إنهاء التشرد القديم أو المزمن فعلياً، كما شهد أكثر من نصفها انخفاضاً إحصائياً كبيراً في حالات التشرد.
وعلى غرار المبادرات الأخرى التي ناقشناها، لا تفرض مؤسسة كوميونيتي سلوشنز على المجتمعات التي تعمل معها نموذجاً موحداً لجميع الحالات، بل تتعاون مع قادة عدة مؤسسات في المدن أو المقاطعات أو الأقاليم المشاركة لتشكيل فريق واحد شامل للمجتمع يعمل بهدف تخفيض معدل التشرد ليصبح صفراً فعلياً، أي أن يصبح التشرد نادراً عموماً ومعالجة أي حالة تشرد فور ظهورها. يشمل أعضاء الفريق المحلي عادةً مزودي خدمات المشردين والوكالات الحكومية ومكاتب شؤون المحاربين القدامى، إضافة إلى دور العبادة والمجموعات المدنية، تقدّم مؤسسة كوميونيتي سلوشنز لهذه الفرق التدريب اللازم لتبني هدف مشترك وقابل للقياس وتنظيم جهودها في عملية تعاونية مستندة إلى البيانات. تنشئ الفرق سجلاً فورياً كاملاً لكل شخص مشرد على حدة، وتستعين بهذه البيانات لتلبية احتياجات المشردين وتيسير عملية نقلهم إلى منازل ثابتة، وإجراء عملية تقييم مستمرة لأنجح الاستراتيجيات المتبعة للحد من التشرد وتتبع التغييرات التي تطرأ على مسألة التشرد بحد ذاتها، وتحديد المجالات التي يمكن أن تحقق فيها الجهود والاستثمارات المبذولة الأثر الأكبر.
وبعد أن تبتكر المجتمعات أساليب مختلفة وتختبرها، يعمل فريق مؤسسة كوميونيتي سلوشنز لتحفيز الأنظمة على مشاركة معلومات هذه الأساليب لتسهيل التعلّم والنمو. مثلاً، أدرك مسؤولان حكوميان محليان من فريق مؤسسة كوميونيتي سلوشنز في مدينة روكفورد بولاية إلينوي أن تردد أصحاب العقارات في تأجير العملاء ذوي المخاطر العالية يعوق إسكان المشردين القدامى، لذلك وبناء على ما تعلماه من فريق آخر في المؤسسة واجه نفس المشكلة من قبل، عملا بمساعدة مؤسسة خيرية محلية على إطلاق صندوق مخصص لتقليل المخاطر المالية التي يعانيها أصحاب العقارات.
تعزيز النشاط الاجتماعي القائم على الأقران في المجالَين الصحي والمدني: غيرلتريك
تعد مؤسسة غيرلتريك (GirlTrek)، بقيادة تي مورغان ديكسن وفانيسا غاريسون، أكبر مؤسسة غير ربحية للصحة العامة تستهدف النساء والفتيات الأميركيات من أصول أفريقية في الولايات المتحدة. تناصر المؤسسة حركة صحية مستوحاة من الحقوق المدنية، وهي تضم مليون عضو يدعمون السياسات المحلية والوطنية التي تهدف إلى زيادة النشاط البدني من خلال المشي، وإتاحة مزيد من الأماكن الآمنة للمشي، وحماية المساحات الخضراء واستصلاحها، وتحسين القدرة على المشي واستصلاح البيئات القائمة التي تضم 50 مجتمعاً أميركياً شديد الفقر، وجمعت حالياً قاعدة نشطة من المستفيدات تضم نحو 10% من النساء ذوات البشرة السمراء في أميركا.
فريق الدعم المركزي في مؤسسة غيرلتريك صغير نسبياً، فمسؤولو التنظيم في المجتمع المحلي يقومون بالجزء الأكبر من العمل، لكن بالتماشي مع القيادة القائمة على نموذج التوجيه المحلي ودعم الشبكات، تستعين مؤسسة التنسيق المركزية بالحلول التكنولوجية ووسائل الإعلام الجديدة للوصل بين الأعضاء وتدريب المنظمين، وتدعم الأبحاث حول التحسينات الصحية، وتجمع القصص التي تدور حول التغييرات على مستوى المجتمع وتشاركها، وتطلق حملات توعية وطنية تحفّز الأعضاء على إدخال العادات المنقذة للحياة والمداومة عليها.
تسخّر غيرلتريك الآن نموذج التوجيه المحلي ودعم الشبكات الخاص بها للتقدم بجهود العدالة الصحية، إذ تهدف إلى القضاء على الحواجز المنهجية التي تعوق إتاحة الخدمات الصحية، وتدعو إلى تغيير السياسات على الصعيدين المحلي والوطني. وقبل الانتخابات الرئاسية لعام 2020، حشدت غيرلتريك الفروع المحلية من مبادرتها المناصرة لإنصاف ذوات البشرة السمراء، بلاك غيرل جستس ليغ (Black Girl Justice League)، عشرات آلاف المتطوعين لقيادة ناشطي الدعوة للمشاركة في الانتخابات في الولايات ذات الأهمية الحاسمة. وبالاستعانة بمواد التدريب الذي قدمته لهم المؤسسات المحفّزة في مقر المؤسسة الرئيس، رتبوا طاولات لتسجيل الناخبين على أبواب دور العبادة ومراكز التجميل، وأجابوا عن أسئلة الناخبين حول قوانين الولاية والقوانين المحلية المتعلقة بالتصويت المبكر، ووزعوا منشورات تدعو الناخبين الجدد للانضمام إلى فعالية جماعية للتوجه إلى مراكز الاقتراع في يوم الانتخابات نفسه. وبحلول الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني، أصبحت مبادرة بلاك غيرل جستس ليغ أكبر مبادرة في البلاد لحشد الناخبين تركز على النساء ذوات البشرة السمراء وتعمل بقيادتهن.
آن الأوان لاعتماد هذا النموذج القيادي
تشمل المؤسسات التي تبنّت نموذج التوجيه المحلي ودعم الشبكات لقيادة التغيير الاجتماعي مؤسسة إديوكيشن سوبر هاي وي (EducationSuperHighway - ESH)، التي أسسها إيفان مارويل في عام 2012 بهدف توفير الاتصال بالإنترنت لجميع القاعات الدراسية في المدارس العامة الأميركية. ساعدت مؤسسة إديوكيشن سوبر هاي وي في توفير الاتصال بالإنترنت العالية السرعة لنحو 43 مليون طالب من خلال التشارك مع مؤسسات غير ربحية وهيئات حكومية وفيدرالية ومؤسسات خيرية وأنظمة المدارس المجتمعية، وذلك بهدف دفع عجلة التقدم من القمة ومن القاعدة في آن معاً، وفي عام 2020 أنهت المؤسسة أعمالها بعد أن أتمّت مهمتها. وبالمثل، تعمل المؤسسة غير الربحية أورغانايز (Organize) على رفع كفاءة نظام زراعة الأعضاء في الولايات المتحدة العاجز عن جمع واستخدام ما يصل إلى 28 ألف عضو صالح للزراعة متاح سنوياً. تعمل المؤسسة المحفّزة للأنظمة لدى مؤسسة أورغانايز مع مناصري المرضى لتسليط الضوء على هذه المشكلة وتوضيح خطورة نقص الأعضاء الدائم، إلى جانب تعاونها الوثيق مع الهيئات الحكومية القادرة على تنفيذ الحلول.
توضح هذه الأمثلة النهج الدوري لنموذج التوجيه المحلي ودعم الشبكات في بناء المعرفة ومشاركتها والعمل التعاوني وتغيير الأنظمة، حيث تتحقق الابتكارات من خلال حلقة متواصلة من الطاقة والعمل التعاوني اللاأناني والتنسيق تشمل الأطراف كافة وليس الطرف المستفيد فحسب. وكما تقول جولي باتيلانا: "يجب على المؤسسات المحفّزة للأنظمة تسخير قوة الآخرين بتحري القدرات القيادية لديهم وتنميتها، وتعزيز مهاراتهم وقيمهم وإحساسهم بالمسؤولية ليعملوا معاً وينسّقوا جهودهم في سبيل تحقيق التغيير الاجتماعي".
مع أن بعض المؤسسات غير الربحية تتبع فعلاً نموذج التوجيه المحلي ودعم الشبكات لتحقيق تغيير على مستوى الأنظمة، نعتقد أن هذا النموذج يمكن أن يبدي فعالية في مجالات أخرى، مثل المشاريع التعاونية التي تقودها الحكومة، إذ يمكن عن طريق تبني الابتكار وأفضل الممارسات في هذه البيئات توحيد عمل المؤسسات غير الربحية والشركات والمؤسسات الخيرية والدينية والباحثين الأكاديميين والأفراد والشركاء الحكوميين الآخرين الذين يعملون جميعهم بناء على آراء الفئة الأقرب من المشكلات المطروحة.
نرجو أن تفكر المؤسسات المهتمة بتعزيز التغيير الاجتماعي على اختلافها في الانتقال إلى هذا النموذج، وأن تبدأ بالبحث عن المؤسسات المحفّزة للأنظمة أو إنشائها بين قادتها وداعميها.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.