أدى تبرع ماكينزي سكوت إلى تحطيم المعايير التقليدية للمانحين والمؤسسات الكبرى. لنتمعن في الآتي، في جولاتها الثلاث الأولى من التبرعات بين صيفي 2020 و2021، كان متوسط حجم المنحة 8 ملايين دولار وفقاً للبيانات التي جمعناها لتقرير نُشر مؤخراً بعنوان العطاء الكبير: تأثير المنح الضخمة وغير المشروطة في المؤسَّسات غير الربحية (Giving Big: The Effects of Large, Unrestricted Grants on Nonprofits). ويقارَن ذلك بمتوسط حجم المنح البالغ 100,000 دولار أميركي بين الممولين الكبار الذين شملهم استقصاء مؤسستنا ذا سينتر فور إفكتيف فيلانثروبي "سيب" ((CEP) the Center for Effective Philanthropy) في السنوات الأخيرة. كانت منح سكوت ضخمة بالمعايير التقليدية بالإضافة إلى أنها منح كبيرة غير مشروطة.
وكان الأمر متروكاً للمؤسسات المستفيدة من المنح ولقادتها لتحديد كيفية استخدامها. يدّعي قادة المؤسسات غير الربحية ومناصريها لسنوات أن تلك المؤسسات تحتاج إلى المزيد من الموارد غير المشروطة على شكل دعم تشغيلي عام لكي تقوم بعملها على نحو أفضل. وذلك الادعاء منطقي. حيث يؤدي الافتقار إلى الموارد غير المشروطة إلى إعاقة التخطيط والحد من القدرة على الاستثمار في رواتب الموظفين والقدرة التنظيمية، وفي أسوأ الأحوال يؤدي إلى انحراف في المهمة حيث تعمل المؤسسات على قدر تمويل المشروع للحفاظ على استمرارية العمل.
ولفهم ما تعنيه التجربة الرائعة التي قدمتها سكوت، بدأنا دراسة آثار المنح الكبيرة غير المشروطة وتبرعاتها الكبيرة على المؤسسات التي تدعمها. وتوصلنا إلى أن المنح لم تؤثر في المؤسسات المستفيدة فحسب بل غيرت قادتها بشكل جذري. فقد أثرت فيهم على المستويين الشخصي والمهني ما أدى إلى تغيير عميق في طريقة تفكيرهم. والجانب المهم في هذا الموضوع هو أنه أظهر كيف يمكن أن يتغير تفكير القادة في حال تغير أسلوب المنح، وكيف يمكن أن يجرؤوا على أن يحلموا بأهداف كبيرة لمؤسساتهم ولأولئك الذين يخدمونهم بطرق جديدة والعمل على تحقيق هذه الأحلام.
حيث أوضح أحد القادة قائلاً: "بالنسبة لي وبصفتي المدير التنفيذي لفترة طويلة أمضيت العديد من الليالي بلا نوم في حيرة وقلق بشأن كشوف المرتبات القادمة، لا يجب أن يؤرقني ذلك الموضوع، أما الآن فيمكنني قضاء وقتي في التفكير كيف لمؤسستنا أن تحدث أكبر تأثير في مجتمعنا؟ وما الخطوات التي يمكننا القيام بها والتي لم نجرؤ على الحلم بها من قبل والتي ستحدث تأثيراً حقيقياً؟ وذلك فرق كبير".
وفي المقابلات التي أجريناها، ناقش أكثر من ثلاثة أرباع القادة التغير الجذري في طريقة تفكيرهم الذي ترافق مع استلام تلك المنح. حيث تحولت عقلية الموارد الشحيحة إلى عقلية تفكر بإحداث تغييرات جذرية، وتمكن القادة من إعادة التفكير في قدرة مؤسساتهم "بالطريقة المثالية لتحقيق أكبر تأثير ممكن".
ووصف ما يقرب من ثلثي القادة الذين تمت مقابلتهم إحساساً بالراحة والتخلص من الضيق بعد تلقي المنحة. كما أخبرنا الكثيرون عن فرص الابتكار وروح المجازفة التي منحتها لهم المنحة بعد أن تيقنوا أن مؤسساتهم أصبحت أكثر أماناً من الناحية المالية. وقال أحد القادة: "هذه المنحة قدمت لي الفرصة لأكون مبتكراً ومبدعاً نتيجة للدعم الذي قدمته لنا". وقال آخر: "بالنسبة لنا يعد الحصول على المال لتجربة مشاريع مبتكرة لنعرف ما نتائجها معجزة من السماء". وخصص بعض القادة جزءاً من المنحة للأفكار الجريئة أو التي تعد مجازفة.
حدثتنا مؤسسة ليدرز أوف كولر (Leaders of color) تحديداً عن قوة منحة سكوت التي مثّلت ثقة في قيادتها وتناقضاً صارخاً مع تجربتها المعتادة مع الممولين. حيث قالت لنا إحدى قادتها: "قالوا لي قرابة المليوني مرة أن المؤسسات التي تقودها نساء من ذوات البشرة الملونة تحصل على منح أقل من غيرها". لذلك كنت قلقة حيال هذه المنحة، أتعلم؟ كنت آمل ألا أحرم مؤسستي الفرص بسبب هويتي. ومن المحزن حتى أن أعترف بذلك، لكنني أعتقد أنه هذا هو الحال". كانت المنحة التي قدمتها سكوت عظيمة لهذه القائدة لأنها على حد تعبيرها "جعلت هويتها كامرأة ذات بشرة ملونة مكسباً وليس عائقاً".
كما غيرت الثقة التي شعر بها القادة نهجهم في جمع التبرعات. وقال لنا أحد القادة: "لقد شجعتنا على أن نتبنى استراتيجيات أفضل في جمع التبرعات".
لقد كانت النتائج إيجابية. وعلى الرغم من المخاوف من أن تفضي تبرعات سكوت إلى انسحاب ممولين آخرين من دعم المؤسسات المتلقية لتلك المنح، وجدنا أن المؤسسات غير الربحية التي تلقت المنح شهدت زيادة في جمع التبرعات ولم تلقَ انخفاضاً فيها مع تأكيدها أن سبب الزيادة كان منحة سكوت. وقال قائد آخر: "لقد جعلتنا منحة سكوت نؤمن بأننا نستحق منحاً بهذا الحجم والأهمية".
ومن المعروف أنه من الصعب التأثير في مؤسسة دون التأثير في قادتها. لكن ما أذهلنا هو الإحساس العميق بالتقدير الشخصي الذي وصفه قادة المؤسسات الحاصلة على منح سكوت. فخلال عقدين من إجراء الأبحاث حول الطريقة التي يتفاعل بها المموّلون والمؤسسات غير الربحية، مررنا بالكثير من الحالات التي عبّر فيها قادة هذه المؤسسات عن مشاعرهم التي عادة ما تكون مشاعر إحباط وحتى غضب،
لكن عند إجراء هذه الدراسة عن المنح الكبيرة غير المشروطة لسكوت شهدنا عواطف قوية وإيجابية لم نتوقعها ولم نواجهها من قبل. ولا تنبع أهمية ذلك من أن دموع الفرح أجمل من دموع الخيبة فحسب، بل لأن القادة الذين يتمتعون بالجرأة والحرية في أن يحلموا بأحلام كبيرة يمكن أن يقدموا الأفضل لمؤسساتهم، وللقضايا والمجتمعات التي يخدمونها.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً