3 ركائز يمكنها تحديد تأثير المؤسسات غير الربحية

المقاييس المتعددة
(Illustration by iStock/Alisa Zahoruiko)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يجب علينا أن نتكيف مع فكرة التعقيد في سبيل علاج هوس القطاع الاجتماعي بالمقاييس والإحصائيات.

إن المقاييس من الأمور المهمة، لكنها يجب أن تكون دائماً متعددة. لأنك في أثناء قيادة سيارتك مثلاً، إذا ركزت على عداد السرعة وتجاهلت مقياس الوقود، فمن المؤكد أنك ستتوقف قبل أن تصل إلى وجهتك. ولكن في حين أن الهوس بالمقاييس يمكن أن يكون مشكلة في الأعمال التجارية في بعض الأحيان، إلا أنه مشكلة أكبر داخل القطاع الاجتماعي. فبعد كل شيء، يُجبر انضباط السوق قادة الشركات على المفاضلة بين التكاليف والمبيعات، أو بين جودة المنتج وسرعة تقديم الخدمة على كل مستوى. وإن المقاييس المتعددة تساعد المدراء التنفيذيين على الموازنة بشكل صحيح، حتى أثناء توسيع نطاق أعمالهم.

على صعيد آخر، تتلقى المؤسسات غير الربحية معظم الوقت توجيهات (حسنة النية) من أصحاب المصالح مثل الممولين وأعضاء مجلس الإدارة للتركيز بشكل غير متناسب على هدف واحد وهو خدمة أكبر عدد ممكن من المستفيدين. وهذا الدافع مفهوم بالطبع، إلا أنه يخطئ في توصيف التوسع عبر الاكتفاء ببُعد واحد للتأثير، ألا وهو مدى الوصول. وكما تقول الرئيسة التنفيذية لمؤسسة لاست مايل هيلث (Last Mile Health) ليشا ماكورميك، والتي تدعم البلدان من أجل بناء أنظمة صحية مجتمعية قوية: “علينا أن ندرك أن الرقم الكبير لا يعني إحداث تغيير بالضرورة، فمدى الوصول العالي لا يكافئ التأثير الكبير”.

إنها مشكلة حقيقية لأن الإفراط في تحديد البرامج وتقييمها من خلال عدد الأشخاص الذين تخدمهم يمكن أن يؤدي إلى عواقب غير مقصودة. فقد يجد قادة المؤسسات غير الربحية أنفسهم يناقشون كيفية تقديم الخدمة لعدد أكبر من الأشخاص عبر نماذج تعالج المشكلة بشكل سطحي، أو يتحدثون حول مقاييس مبهمة مثل عدد الأشخاص الذين “تم الوصول إليهم” أو “تم التأثير فيهم” لتضخيم أعداد المشاركين (مع محاربة القلق بشأن الآثار السلبية المحتملة لضعف جودة البرنامج).

هذا أمر خطير قد ينتهي بعواقب كارثية.

الاتساع والعمق والمتانة

فالطريقة الصحيحة لتوسيع تأثير مؤسسة غير ربحية ما تشمل وضع برامج معتمدة على ثلاث ركائز: الاتساع والعمق والصمود. حيث أن التوسع يعني تطوير كل من هذه الأبعاد الثلاثة بشكل متزامن. وبينما تختلف المقاييس المحددة التي تستخدمها كل مؤسسة بحد ذاتها وتتنوع، يجب قياس كل عنصر من هذه العناصر بشكل أو بآخر وتطويرها معاً للبقاء على المسار الصحيح.

لنبدأ بمثال أعرفه جيداً، مؤسسة جينيريشن (Generation)، وهي شبكة توظيف عالمية غير ربحية تعمل على تشغيل المتعلمين البالغين وتدريبهم وتوظيفهم في وظائف لم يكونوا ليتمكنوا من الحصول عليها من دون مساعدة الشبكة. نحن في جينيريشن نعرّف “الاتساع” على أنه عدد المتعلمين الذين يتخرجون من برامجنا -وهي وحدة قياس التأثير الأساسية- ولكننا أيضاً نستخدم العمق لتحديد مخرجات التوظيف والدخل لهؤلاء الخريجين خلال الأشهر الثلاثة التي تلي إتمامهم للبرنامج. وأخيراً، نتتبّع أيضاً الصمود، أو مدى استمرار وثبات هذه النتائج بمرور الوقت؛ حيث نتتبّع الرفاهة المالية والشخصية لخريجينا لمدة تصل إلى خمس سنوات بعد تخرجهم من خلال قياس قدرتهم على تغطية الاحتياجات المالية اليومية مع الادخار للمستقبل والعناية بصحتهم العقلية والجسدية.

تحظى كل ركيزة من هذه الركائز على ذات القدر من الأهمية، وهدفنا هو تطويرها جميعاً في الوقت نفسه. لكن يكمن التحدي في أن زيادة الاتساع قد يحدث في الغالب على حساب العمق و/أو الصمود. ففي جينيريشن على سبيل المثال، يمكننا اختيار تدريب عشرات الآلاف من الأشخاص سنوياً دون تأكيد مسبق للوظائف الشاغرة التي سيشغلونها بعد إتمام البرنامج، لكن نتائج التوظيف والدخل لدينا ستنخفض بشكل كبير. وإن أي مؤسسة غير ربحية تقدم خدمات متعددة الخطوات على فترات من الزمن وتهدف إلى تحسين جودة النتائج الحياتية، تواجه تحديات ومفارقات مشابهة. وعلى العكس من ذلك، فالمؤسسات غير الربحية التي تركز على تقديم خدمات ذات أهداف محددة الزمن (مثل اللقاحات، وبناء المساكن، وبنوك الطعام) قد تمتلك حرية أكبر للتركيز على الاتساع دون التضحية بما سواه.

أنواع المقاييس

أحد رواد القطاع الاجتماعي الآخرين الذي أصبح يؤمن بقوة المقاييس المتعددة هو تحالف التأثير الصحي المجتمعي (CHIC)، وهو عبارة عن شبكة من المؤسسات التي تقدم الخدمات الصحية في أكثر من 40 دولة وتعمل على ضمان حصول العاملين الصحيين المجتمعيين على أجور عادلة وإمدادات كافية ودعم مستمر. وانطلاقاً من إيمانها بأن “الحماس والدافع لدى أصحاب المصلحة يتم خلقه من خلال التقدم المشترك”، قامت المديرة التنفيذية لتحالف CHIC، د. مادلين بالارد بالتعاون مع المؤسسات أعضاء التحالف للاتفاق على نموذج معلومات مشترك حول الحد الأدنى القابل للتطبيق. ويتضمن نموذج المعلومات هذا ثلاثة أنواع من المقاييس، والتي تعكس توجهات مؤسسة جينيريشن، وهي مدى التغطية/الوصول، والجودة، والسرعة. حيث تُظهر التغطية النسبة المئوية لأفراد المجتمع الذين يستطيعون الحصول على الخدمات الصحية الأولية. بينما تتتبّع الجودة سواء إذا كان العاملون الصحيون في هذا المجتمع يتبعون سبل العلاج وبروتوكولات الإحالة المناسبة عند ظهور الأعراض (مثل الحمّى). ويقيّم معيار السرعة سرعة تلقي المرضى للرعاية بعد بدء ظهور الأعراض.

في البداية، كان المموّلون في القطاع الصحي المجتمعي يهتمون أكثر بتتبع العدد المطلق للمرضى “الذين تم الوصول إليهم”. وتقول بالارد إن استبدال هذا المفهوم بمفهوم التغطية أضاف إلى خطة العمل مفهوم “العامل المشترك” المهم، نظراً لأن النجاح في الرعاية الصحية المجتمعية مدفوع بنسبة السكان الذين يتم تقديم الخدمات لهم، وتضيف إن “هدفنا هو أن تصل التغطية إلى 100%”. بينما كانت السرعة هي المقياس الأصعب للاتفاق حوله مع أصحاب المصلحة. ولتعزيز أهميته، بدأ تحالف CHIC بمشاركة البيانات حول سرعة تطور بعض الأمراض مثل الملاريا (فمعظم الأطفال الذين يتوفون بسبب الملاريا يموتون خلال 48 ساعة من بدء الأعراض).

إن وضع المقاييس الصحيحة واستخدامها عملية ديناميكية تتطور بمرور الوقت. فعندما بدأت المؤسسة غير الربحية، هارامبي (Harambee) في جنوب إفريقيا عملها على توظيف الشباب منذ عشر سنوات، ركزت أيضاً على إيجاد الوظائف وعدد الخريجين. ثم تحولت لاحقاً إلى تتبع الدخل لأن كثيراً من الخريجين كانوا يعملون لحسابهم الخاص في وظائف اقتصاد الأعمال المستقلة. وفي الآونة الأخيرة، اعتمدت هارامبي التركيز على الأنظمة وبدأت في قياس ما إذا كان سوق العمل في جنوب إفريقيا قد أصبح أكثر شمولاً على سبيل المثال، وذلك عن طريق إلغاء متطلبات الشهادات الجامعية الصارمة للأدوار الوظيفية وخلق مسارات بديلة للرحلة من التعليم إلى التوظيف. وتقول الرئيسة التنفيذية لقسم التأثير في مؤسسة هارامبي، شارمي سوريانارين إن”بعض الأشياء المهمة للغاية صعبة القياس، ويجب علينا أن نكون مستعدين للتعامل مع هذا التعقيد”.

تؤدي التدابير المتعددة حتماً إلى زيادة صعوبة تثقيف أصحاب المصلحة، لا سيما عندما تنشأ التوترات بين المقاييس. خذ بعين الاعتبار الصحة المجتمعية، حيث لا يزال العاملون في بيئات المناطق الريفية النائية ذات الطرق السيئة ووسائل النقل العام المحدودة يطمحون إلى تغطية بنسبة 100%. ولكن قد يكون من الصعب عليهم أن يحققوا هذه النتائج بسرعة عالية مثل زملائهم الذين يعملون في مدينة مزدحمة. وتنصح بالارد من تحالف CHIC أن عليك “تجنّب بساطة التفكير في رقم واحد”، وبدلاً عن ذلك، “نقضي الوقت في الشرح لأصحاب المصلحة أننا لا نستطيع تجاهل الفروق بين الخدمة” في المناطق الريفية مقابل المناطق الحضرية.

تواجه مؤسسة لاست مايل هيلث التحدي ذاته بطريقة مشابهة، فعندما يقترح أصحاب المصلحة أن التركيز الأكبر على المدن يمكن أن يزيد من أرقام التغطية، تستجيب ليشا ماكورميك برواية قصة وصول فيروس إيبولا إلى المناطق الحضرية لأنه على وجه التحديد، بعد ظهوره لأول مرة في المناطق الريفية، سُمح له بالنمو دون اكتشافه ودون ردعه. فالتوازن هو كل شيء.

تحقيق التوازن الصحيح

يبدأ تحقيق التوازن الصحيح بكيفية تواصلنا نحن قادة المؤسسات غير الربحية على الصعيدين الداخلي والخارجي. ففي حين أنه قد يكون من الأسهل قول أشياء مثل “كذا ألف شخص يتم تقديم الخدمات لهم سنوياً”، فإن صبّ الانتباه على ركيزة واحدة فقط قد يكون أمراً مُضللاً وغير كافٍ. ولضمان أن أصحاب المصلحة يستمدون الإلهام من تأثيرهم المجتمعي الحقيقي، يجب على قادة المؤسسات غير الربحية -في كل ما يقومون به، بدءاً من اجتماعات الفريق إلى اجتماعات مجلس الإدارة، ومن الخطابات العامة إلى التقارير السنوية- أن يقوموا باستمرار بتحديد المقاييس التي تصف النطاق الكلي للاتساع والعمق والصمود، وقياسها والتأكيد عليها.

وكجزء من هذه العملية، يعد التفكير بوضوح ودقة حول أفضل السبل لقياس كل ركيزة أمراً بالغ الأهمية. وكما وجد تحالف CHIC عبر التشديد على “عامل مشترك”، فإنه من الأفضل قياس بُعد الاتساع بنسبة مئوية بدلاً من محصلة عددية. وفي مؤسسة جينيريشن، نقوم أيضاً، بالإضافة إلى قياس عدد الخريجين، بقياس اتساعنا عبر حساب النسبة المئوية للشواغر السنوية للتخصص المستهدف في مدينة مستهدفة والتي تم شغلها من قبل خرّيجينا. فمن المفيد للغاية أن نقول إننا شغلنا 6% من الوظائف السنوية الكلية لمطوري لغة البرمجة جافا وهندسة البرمجيات للمبتدئين في مدينة ساو باولو بالبرازيل (وهذا صحيح بالمناسبة) بدلاً من إعلاننا عن تعيين 475 خريجاً. ومع وصولنا إلى هذا الهدف، توصلنا إلى أمرين أساسيين: أولاً، حصة السوق البالغة 10% هي الهدف الأقصى الذي يجب أن تحققه مؤسسة جينيريشن في أي فئة لمهنة محددة في مدينة محددة. وثانياً، يعد تحقيق هذا الهدف أفضل دليل على أننا نجحنا في تحويل سلوك صاحب العمل نحو تحقيق التنوع في بيئة العمل.

كما يقول المثل، كل ما يتم قياسه تتم إدارته. ولكن إذا كان النمو هو الهدف الحقيقي، فعليك تذكر ما يلي: إن النمو ليس إلا نتيجة كل المدخلات التي تقوده. فمن خلال استثمار الوقت والجهد لتحديد المجموعة الصحيحة من المقاييس المتعددة وتوظيفها، سيزيد قادة القطاع الاجتماعي من التوافق مع أصحاب المصلحة الرئيسيين، بدءاً من الموظفين إلى أعضاء مجلس الإدارة إلى الممولين، حول نوع النمو المهم حقاً في التأثير، وأفضل السبل لتوسيع هذا النمو.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.