"أعمل على تطريز الحقائب باستخدام أكياس النايلون، ودخلي الشهري ساعدني على ترتيب أمور حياتي وتنظيمها، خصوصاً أني المعيلة لطفليّ بعد الطلاق"؛ بهذه الكلمات وصفت أماني المقيمة في مخيم غزة بمحافظة جرش في الأردن، أهمية العمل بالنسبة لها، ومدى استفادتها من مبادرة "تروشيه" لجمع أكياس بلاستيكية أُعيد تدويرها لإرسالها للنساء ذوات الدخل المحدود لحبكها أو خياطتها والاستفادة مادياً من عائداتها.
أماني وغيرها الكثير من السيدات يمتلكن موهبة وطاقة كبيرة للعمل والإنتاج، ووجود مؤسسات توفر لهنّ الأدوات والظروف الملائمة للعمل، يساعدهنّ على القيام بدورهنّ الإيجابي في المجتمع، ومواجهة التحديات التي تعيق تقدمها في سوق العمل.
تحديات المرأة العربية في سوق العمل
على الرغم من المكاسب التي حققتها المرأة العربية في سوق العمل؛ لا تزال هناك فجوة بينها وبين الرجل في هذا القطاع الحيوي، إذ يعد معدل مشاركة المرأة في القوى العاملة بالمنطقة الأدنى عالمياً، ووصل في عام 2020 إلى 22% للنساء مقابل 77% للرجال.
تتجه مكانة المرأة في اقتصاد المنطقة نحو التحسن عبر شَغل مناصب بارزة في قطاع الأعمال والإدارة، لكن لا تزال طاقاتها غير مُستغلة بالكامل، وبحسب تقرير "منظمة العمل الدولية" بعنوان: "المرأة في قطاع الأعمال والإدارة: اكتساب الزخم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" تواجه المرأة قيوداً تؤثر في قراراتها، مثل عدم القدرة على التنقل بحرية، ونقص الدعم التكنولوجي والمالي، ومسؤولية رعاية الأطفال وغيرها، ما يُفضي إلى ضياع فرص مهمة للتنمية الاقتصادية في المنطقة.
لا تتوقف التحديات التي قد تواجهها المرأة عربياً عند هذا الحد فقط، فقد أكدت أيضاً دراسة "مؤسسة التمويل الدولية" بعنوان: "تقييم نواقص وفرص تمويل المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في الأسواق الناشئة" أن المنطقة العربية تعاني من ثاني أعلى فجوة في تمويل المشروعات متناهية الصغر للنساء بنسبة 29%، وفجوة قدرها 16 مليار دولار بين احتياجات رائدات الأعمال في المنطقة من الائتمان، والتمويل الذي يحصلن عليه.
على الرغم من هذه التحديات؛ لا تزال المرأة في المنطقة العربية تتطلع إلى الدخول في سوق العمل مدفوعةً بعدة أسباب رصدها استبيان "المرأة العاملة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" الذي أجراه موقع التوظيف "بيت.كوم" عام 2021، إذ يرى 55% من المشاركات في الاستبيان أن الاستقلال المالي هو السبب الرئيسي في بحث المرأة عن وظيفة، فيما كشفت 48% منهن بأنهنّ يبحثن عن عمل لدعم عائلاتهنّ مالياً، وعبّرن عن رغبتهن بتوسيع آفاقهنّ في الحياة.
لكن هناك بعض الفرص التي يمكنها تغيير واقع المرأة في سوق العمل، إذ بيّن تقرير شركة "ماكنزي" بعنوان: "المرأة في العمل: فرص العمل في الشرق الأوسط على وشك أن تتضاعف في ظل الثورة الصناعية الرابعة" أن الرقمنة والمنصات الإلكترونية وريادة الأعمال تساعد في مضاعفة نصيب المرأة بالوظائف المهنية والتكنولوجية بحلول عام 2030، ما يشكل فرصة لوضع المرأة في الشرق الأوسط على قدم المساواة مع باقي نساء العالم.
وفي هذا الإطار، تزداد الحاجة إلى برامج ومبادرات فعّالة في المنطقة العربية تؤهل المرأة للانضمام إلى سوق العمل، وتمكّنها من تجاوز العقبات التي تعيق تحسين مستواها المعيشي.
مبادرات عربية لتمكين المرأة في العمل
شهدت المنطقة مبادرات ومشاريع تنموية لتعزيز مكانة المرأة في المجتمع وتمكينها اقتصادياً، ومَنحِها فرصة إبراز مهاراتها وقدراتها والتغلب على التحديات التي تواجهها، وفيما يلي أبرزها:
1- مؤسسة نماء للارتقاء بالمرأة
تأسست مؤسسة "نماء للارتقاء بالمرأة" عام 2015 برئاسة الشيخة "جواهر بنت محمد القاسمي"، قرينة الشيخ "سلطان بن محمد القاسمي" حاكم الشارقة؛ بهدف توفير بيئة داعمة للمرأة تتيح لها الخدمات والموارد اللازمة لتقوم بدورها كعضو فاعل وأساسي في المجتمع.
ويندرج تحت مظلة "نماء" ثلاث مؤسسات، هي:
- مجلس سيدات أعمال الشارقة: يعمل على دمج سيدات الأعمال في عالم الاقتصاد العالمي من خلال المبادرات والورش والمؤتمرات والبحوث.
- مجلس إرثي للحرف المعاصرة: يركز على تمكين المرأة اقتصادياً واجتماعياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى عبر مفهوم الحرف اليدوية، ويعد "بدوة للتنمية الاجتماعية" أحد برامجه الهادفة ويوظف نحو 40 حِرفية في "دبا الحصن".
- أكاديمية بادري للمعرفة وبناء القدرات: تسعى لتطوير مهارات السيدات وبناء قدراتهنّ من خلال توفير الموارد والبرامج التعليمية لهن لضمان تقدمهن الشخصي والمهني.
وتفعيلاً لدورها في دعم المرأة وتمكينها، تشارك "نماء" في برنامج "المبادرات الرئيسية" لـ "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" الذي يستهدف نحو 25 ألف امرأة من الأسر الفقيرة، ويروّج للمنتجات والخدمات التي تُقدمها رائدات الأعمال. كما نظمت بالشراكة مع "منتدى المفكرين العالميين" حملة بعنوان "أثينا 40" تتضمن سلسلة من المدونات الصوتية "البودكاست" ومقاطع الفيديو القصيرة لشخصيات قيادية نسائية لتشجيع النساء على تفعيل دورهن في تنمية المجتمعات.
2- "جلوورك" (Glowork)
لاحظ رائد الأعمال السعودي خالد الخضير، أن معظم السيدات يفضلن عدم الخروج من المنزل للعمل، أو قد يجدن صعوبة في العمل خارج المنزل، ففكر في إطلاق مؤسسة جلوورك (Glowork) عام 2011 بهدف تفعيل مشاركة النساء في مكان العمل.
في عام 2016، تحولت "جلوورك" إلى أول مؤسسة في السعودية تربط بين الباحثات عن عمل وأرباب العمل، وتصمّم العديد من المشاريع التي توفر فرص عمل للنساء من المنزل.
خلال 6 أشهر منذ التأسيس، تمكنت "جلوورك" من توظيف نحو 2500 سيدة برواتب تراوحت بين 3 آلاف إلى 55 ألف ريال، وتأمين عمل من المنزل لـ 500 سيدة، وتتطلع للتوسع في الشرق الأوسط والعمل على أساس متطلبات كل دولة.
كل هذه المساهمات كانت سبباً لفوز المؤسسة بالمركز الأول في مسابقة "واتس ووركينغ" التي تنظمها "هيئة الأمم المتحدة" و"منظمة العمل الدولية".
3- ستات بيوت
بدأ مشروع "ستات بيوت" عام 2010 كمنصة لبيع المنتجات اليدوية الصنع قبل أن ينتقل لتقديم دورات حرفية الأردن.
يخدم المشروع النساء العاملات من منازلهن بعد تدريبهنّ، ليُنتجن ملابس مُحاكة يدوياً، لتُباع عبر منصة "ميكسي" الإلكترونية التابعة للمشروع، التي تضم نحو 600 صانعة.
توفر المنصة ثلاثة أعمال حرفية؛ هي الخياطة، والتطريز اليدوي والآلي والهجين، وأشغال الكروشيه.
ركزت منصة "ميكسي" على أوروبا وشمال أميركا، وتهدف لعمل حلقة وصل مستدامة بين السوق العالمية والحرفيات الأردنيات، بما يحقق إنتاجية وتكافلاً اجتماعياً ودخلاً معدله 400 دينار شهرياً لكل صانعة.
تمكن "ستات بيوت" من تدريب ما يزيد عن 1,500 سيدة، واستقطاب نحو مليون متابعة على وسائل التواصل الاجتماعي، وخلق شبكة السيدات الفاعلات بالمنطقة العربية وأميركا اللاتينية.
وكنتيجة لذلك، اختارت "إكسبو 2020" مشروع "ستات بيوت" كواحد من أفضل الممارسات العالمية للتصدي لجائحة "كوفيد-19".
يعد "ستات بيوت" أيضاً من المشاريع الفائزة في برنامج "بي آي جي" (BIG) في إطار خطة شركة "أورانج – الأردن" الاستراتيجية "أساسيات 2020" (Essentials 2020) لدعم ريادة الأعمال في المملكة.
4- تروشيه
أطلقت مؤسِسة شركة "عتيق" ديانا ريان، مشروع "تروشيه" (Trochet) عام 2013، المكون من كلمتين هما "المخلفات" (Trash) و"الكروشيه" (Crochet)، وأُعيد تسميته إلى "كيس شيك".
قررت ديانا تأسيس المشروع بعد اطلاعها على أضرار أكياس النايلون على البيئة أثناء حضورها مؤتمر "يوم الأرض" عام 2009 في "غرفة جدة التجارية"، فبدا "كروشيه" حلاً عملياً سريعاً للتخلص من مخلفات أكياس النايلون، والاستفادة منها لدعم النساء المحتاجات. بدايةً، ترددت معظم النساء العاملات في استخدام أكياس النفايات البلاستيكية لإنتاج الحقائب والكراسي المحشوة وغيرها، لكن الإقبال على هذه المنتجات زاد الحماس للعمل على المزيد منها من أجل حماية البيئة ودعم النساء المعيلات.
بدأت ديانا المشروع بعد فوزها بـ "جائزة الملك عبد الله الثاني للإنجاز والابداع الشبابي"، وطبقته في مخيم غزة، عبر تدريب 120 سيدة.
5- رواد التنمية
أسس رائد الأعمال الأردني فادي غندور مؤسسة "رواد التنمية" عام 2005، لتمكين السيدات ومساعدة الفئات المهمشة، وتنمية المجتمعات من خلال الشراكات بين القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني والحكومة والمجتمعات المحلية.
تعمل المؤسسة على توظيف أدوات الريادة والأفكار المبتكرة لتعزيز الموارد ودعم الكفاءات الشبابية وخاصة النساء، والحد من ظاهرة عدم التكافؤ الاجتماعي في المنطقة العربية، والمساهمة بتحقيق العدالة والمساواة.
وتنتشر "روّاد التنمية" في الأردن ومصر ولبنان وفلسطين؛ ولديها شراكات مع المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية، ومموليها الرئيسين هم روّاد أعمال وظّفوا وقتهم وخبراتهم وعلاقاتهم لتحقيق أهداف المؤسسة المتمثلة بخلق فرص متكافئة للشباب والشابات.
تستفيد أكثر من 500 امرأة سنوياً من برامج محو الأمية وبرامج التوعية والمشاريع المُدرّة للدخل التي تقدمها المؤسسة، فيما تقدم مكاتب خدمة المجتمع في الأردن ولبنان خدماتها لأكثر من 400 عائلة سنوياً.
تقدم "رواد التنمية" أيضاً منحاً دراسية يستفيد منها 478 شاب وشابة سنوياً في الأردن وفلسطين ومصر ولبنان مقابل 4 ساعات خدمة مجتمعية أسبوعياً، أي ما مجموعه 84.600 ساعة خدمة مجتمع سنوياً.
منذ التأسيس، استفاد 2,127 شاباً وشابة في الأردن وفلسطين ومصر ولبنان من المنح الدراسية التي تقدمها المؤسسة، وتخرج منهم 1,256 شاباً وشابة.
6- هي فوري
تعد "هي فوري" أول شبكة نسائية مصرية للدفع الإلكتروني، وإحدى مبادرات شركة "فوري" للدفع الإلكتروني ، التي تهدف إلى زيادة الفرص الاقتصادية وتوسيع نطاق الوصول إلى الخدمات المالية الرقمية للنساء في مصر.
أُطلقت الشبكة بالشراكة مع مؤسسة "بهية"، وشركة "يونيليفر" (Unilever)، وشركة "أكسا للتأمين" وبدعم من "برنامج صندوق مشاريع المرأة العربية" (AWEF) لتمكين النساء اللاتي يعانين مادياً من خلال تدريبهنّ ليصبحن وكلاء "فوري" و"يونيليفر"، مع توفير تغطية تأمينية لهن.
تسمح هذه المبادرة للنساء الفقيرات ممن لا يمتلكن حسابات بنكية بالحصول على خدمات مالية تُحسن مستوى حياتهن مثل عمليات شحن الجوال، ودفع الفواتير، وتحويل الأموال، ودفع القروض الصغيرة، فضلاً عن السلع الغذائية الأساسية والرعاية الصحية، عبر التوجه مباشرةً إلى وكيلة شبكة "هي فوري" لمساعدتهن في إنجاز المعاملة المالية المطلوبة.
في المرحلة التجريبية سجلت 150 سيدة 30 ألف معاملة مالية، ولا تزال "فوري" مستمرة في خطتها لدعم النساء المعيلات وتمكينهنّ اقتصادياً، والتشجيع على نمو الأعمال التجارية الصغيرة.
بالمحصلة، دعمت هذه المبادرات المجتمعية طموح المرأة في إطلاق مشروعها الخاص، وتعزيز دورها في قطاع ريادة الأعمال، كما تمكنت من الوصول إلى السيدات في المناطق المهمشة وتأمين مصدر رزق لهن لمواجهة صعوبات وتحديات الحياة، وطورت من مهاراتهن بالتدريب والتعليم لتسهيل فرص حصولهنّ على الوظائف المناسبة.