كيف تتعامل المؤسسات غير الربحية مع مسألة القيادة من أجل تسريع التغيير المناخي؟

القيادة من أجل تسريع التغيير
shutterstock.com/GagoDesign
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كيف نتعامل مع مسألة تسريع التغيير أو القيادة من أجل تسريع التغيير؟ يناقش كتاب “مسارات العمل: كيف تقود المؤسسات الرئيسة معركة التغير المناخي؟” (Pathways to Action: How Keystone Organizations Can Lead the Fight for Climate Change) ثلاثة مبادئ أساسية: الأول هو أننا نتحرك ببطء شديد في قضية التغير المناخي: العمل الذي يقوم به القطاعان العام والخاص ليس متوافقاً مع حجم المشكلة وخطورتها، ولن نتمكن على الأرجح من تحقيق الأهداف العالمية المحددة لعامي 2030 و2050. الثاني هو أن “المؤسسات الرئيسة” (keystone organizations)، وهي المؤسسات الرائدة في السوق التي تحدد مساحة المنافسة فيها وقادرة على التميز دوماً، لديها فرصة أكبر من الفرصة المتاحة للمؤسسات الأخرى للتغيير، ولا بد لها من العمل على تحفيزه؛ فالمؤسسة الرائدة التي ترى ميزة تنافسية في السلوك المستدام هي الأسرع في تغيير قطاعها. أما المبدأ الثالث فهو أن أربعة مسارات عمل أثبتت نجاحها في تسريع عجلة التغيير ولكل منها نتائجه، وسيؤدي دمج أي مسارَين من هذه المسارات إلى تحقيق فائدة كبيرة؛ ولكن حين تعمل المسارات الأربعة معاً لتحقيق هدف مشترك فسنرى أثر التغيير المتسارع ونشعر به حتماً، وسلوك القيادة هو ما يصل بينها.

لا يقلل الكتاب من أهمية الابتكارات التكنولوجية الجديدة أو قواعد المناصرة الواسعة أو تحديات انتقال المشكلات الموروثة، بل يدعو إلى تبني مجموعة مبادئ للسلوك المؤسسي إذا التزمنا تطبيقها بدقة وتكييفها مع سياق كل شركة فسنتمكن من تخفيض المخاطر وتحديد الفرص، والأهم هو أننا سنتحرك بسرعة أكبر. “بيتر ماكاتير”.

* * *

أول من قال عبارة “إما أن تكون قائداً وإما أن تكون تابعاً، وإلا فابتعد” هو توماس بين، ولكن رددها كثير من القادة المهمين، منهم عسكريون مثل الجنرال الأميركي جورج باتون، وقادة شركات مثل مؤسس شبكة سي إن إن (CNN) الإخبارية، تد تيرنر. إن كنت قائداً رئيساً، أي تقود مؤسسة رئيسة في قطاع له أهمية حيوية فيما يتعلق بالتغير المناخي، فهذه الرسالة موجهة إليك؛ يجب أن تتخذ قراراً بقيادة المسيرة نحو مستقبل مستدام، وإلا فابتعد ودع شخصاً آخر يتولى المهمة! يعني السير البطيء ببساطة أنك تعوّق التغيير، ويجب أن يتخذ مجلس إدارة مؤسستك ومستثمروها وشركاؤها القرار بإقالتك وتعيين قائد تقدمي يلتزم العمل السريع بدلاً منك. قادة التغيير هم الأداة الأساسية في خلق مسارات العمل، وبناءً على خبرتي في قيادة التغيير على مدى أكثر من 40 عاماً أقول إن على القادة تركيز طاقتهم على بعض “أدوات القيادة” التي تتيح لهم توسيع نطاق تأثيرهم وتسريع اقتداء الآخرين بهم، وتشمل هذه الأدوات عادة ما يلي:

توضيح رؤية جديدة.

تحدد هذه الخطوة الخطة والاتجاه، ويمكن أن يقدم القائد نموذج عمل جديداً أو عرض قيمة جديداً أو خارطة طريق جديدة لتجسيد الرؤية على أرض الواقع في المؤسسة، والتحدث عن الرؤية والتفكير فيها والإجابة عن الأسئلة المتعلقة بها وإعادة صياغتها هي أجزاء من العملية ويجب أن تكون جزءاً أساسياً من الأنشطة القيادية لا أنشطة إضافية تؤديها إن كان لديك وقت. كما يجب أن يتوافق كبار القادة كافة على الرؤية ويدعموها علناً، فالتواصل جزء لا يتجزأ من الأسلوب القيادي التشاركي الشامل يشجع القادة من خلاله الآخرين على المشاركة.

تطوير ثقافة العمل التعاوني.

الثقافة هي القاعدة التمكينية التي تُبنى عليها الثقة، وثقافة الشركة المستدامة مختلفة لأنها تعدّ بيئة عمل ومنظومة شديدة التركيز وقائمة على العمل التعاوني بدرجة كبيرة، وهي تشكّل البيئة التي تزدهر فيها صناعة القرار القائمة على القيم. يمكن أن تشكل الثقافة أيضاً النماذج النفسية الجديدة عن طريق تعزيز المواضيع الثقافية في الطقوس الاجتماعية وممارسات العمل التي تشجع مشاركة الموظفين آراءهم بفعالية في بيئة عمل الشركة، وهي تتيح المرونة اللازمة لتكييف الاستراتيجيات مع الظروف المتغيرة، وتعدّ هذه المرونة ميزة تنافسية. أهم ما تتميز به ثقافة الشركة المستدامة هو مجموعة المعتقدات المشتركة الراسخة.

الحرص على تعيين أهمّ الموظفين بناء على شغفهم بالاستدامة.

يشارك القائد الأعلى في العمل مع أهمّ الموظفين لأن أصحاب المواهب الجديدة يبثّون أفكاراً وممارسات جديدة تتوافق مع رؤية المؤسسة الجديدة، ويجب أن يصبح تطوير المواهب من المهام القيادية الأساسية من أجل تسريع التغيير المستدام. الاستدامة ليست مثل غيرها من قضايا التحول التي انتشرت في العقود الأخيرة، مثل منهجية ستة سيغما “سيكس سيغما” (Six Sigma) أو إعادة الهيكلة، إذ إنها تقوم على أساس عميق في القيم الشخصية، وبالتالي يكون تعيين شخص ذي شغف أسهل ويعود بفوائد أكبر. تبين الأبحاث أن الموظفين الذين يتمتعون بدافعية قوية في العمل هم أكبر المستفيدين من برامج التدريب والتطوير، ولذلك من الضروري التوفيق بين القيم الشخصية والرؤية المؤسسية، كما أن تعيين أفضل الموظفين هو فرصة للاستفادة من التنوع ضمن المؤسسة، وهو ما نلاحظه بصورة متكررة في المؤسسات المستدامة المعروفة باتباعها أفضل الممارسات. تعتبر صناعة القرار الجماعية سمة مميزة للثقافة التشاركية، وهي تستفيد من وجهات النظر وتجارب الحياة المتعددة.

الحرص على استخدام نظام متكامل لتقديم التقارير من أجل الإبلاغ عن توزيع رأس المال.

يهدف توزيع الأموال والموارد إلى دعم الأولويات المتغيرة في المؤسسة التي تسير باتجاه الاستدامة، ويشير النظام المتكامل لتقديم التقارير إلى ممارسة تقديم التقارير حول 6 أنواع من رأس المال؛ النقدي والبشري والاجتماعي والصناعي والفكري والطبيعي. كما أن عملية تقديم التقارير تركز على المستقبل وشاملة تضمّ معلومات عن جميع خطوط الأعمال والتبعيات الرئيسة، وحين يفهم القادة طريقة تعامل المؤسسة مع أنواع رأس المال المختلفة سيدركون بوضوح طرق خلق القيمة والحفاظ عليها أو تدميرها مع مرور الوقت. يجب أن تكون الحلول التي تسرّع العمل المناخي فعالة ومجدية اقتصادياً وقابلة للتوسع في آن معاً، ويمكن تحقيق أثر كبير بمجرد دمج رأس المال الطبيعي في النقاشات حول رأس المال المالي، فهي تضع النقاش ضمن إطار مختلف وتوجه تركيزه إلى مجالات جديدة.

دمج القيم في صناعة القرار.

لعلّ هذه المسألة هي الأهمّ على الإطلاق، فمسألة القيم المدمجة محورية في غالبية الأفكار المتعلقة بموازنة قيمة النتيجة. إذ إن أفكاراً مثل أنظمة المحاسبة القائمة على تقييم الأثر، وأنظمة تقديم التقارير المتكاملة والإفصاح عن مسائل متعلقة بالمناخ تشكّل محاولات لوصف أثر أنشطة الأعمال في مجالات رأس المال الطبيعي والأثر الاجتماعي التي يصعب قياسها. بعبارة أبسط نقول إننا بحاجة إلى قادة يطرحون مجموعة الأسئلة الأساسية التي توجه القرارات؛ هل نفعل ما يجب؟ هل لدينا خيار مستدام بدرجة أكبر؟ هل يمكننا صنع منتجاتنا على نحو يقلل تأثيرها في البيئة؟ هل فكرنا في مشكلات نهاية حياة المنتج عند تصميم المنتجات الجديدة؟ يجب أن تكون المعتقدات المشتركة القائمة على مبادئ الاستدامة جوهرية في جميع عمليات صنع القرار؛ لن يمنح المصرف قرضاً من دون تقييم المخاطر، ولن تطور الشركات منتجاتها أو توزع رأس مالها من دون تقييم المخاطر بناء على قيم الشركة المستدامة.

الحرص على التعليم والتدريب والتوجيه.

يضمن القائد التواصل المستمر والمباشر مع أهم الموظفين بتخصيص الوقت لتعليمهم وقيادة النقاشات معهم، والحرص على أن يكون قدوة لهم. هذا جزء من مفهوم “القيادة من الخلف”، إذ يشجع القائد الحوار ويدعم المجازفة ويشارك قصص النجاح ويربط الأحداث المهمة برؤية الشركة. كما يستطيع القائد الأعلى تعزيز القرارات القائمة على القيم ووضع المعلومات ضمن سياقها من خلال ممارسة التعليم؛ لماذا اتخذنا هذا القرار؟ ما البدائل التي كانت متاحة لنا؟ هل نقوم بمفاضلات منطقية تهدف إلى خلق قيمة طويلة الأمد؟ لن تجد القيمة على الورق، بل تراها مجسّدة في سلوكنا وتفاعلنا، والقيادة التي تشارك في النقاشات تساعد على تعزيز كلّ من النتائج الجيدة وإطار القيم الذي يرتكز عليه العمل لتحقيق هذه النتائج.

الحرص على تغيير أهمّ الممارسات وتوحيدها.

كما هو الحال مع أهمّ الموظفين، يولّد تغيير بعض أهمّ الممارسات نماذج تحقق الرؤية، ويجب ألا ننسى أننا نخوض ثورة التكنولوجيا والأتمتة في نفس الوقت الذي تخوض فيه شركاتنا عملية التحول لتصبح مستدامة أكثر؛ يقدّر المنتدى الاقتصادي العالمي أننا سنستغني عن 85 مليون وظيفة حول العالم بحلول عام 2025 ولكننا سننشئ قرابة 100 مليون وظيفة جديدة، لذلك يتعين على القادة تحديد المسار ووصف الممارسات الجديدة التي تستدعي مراعاة القيم المستدامة في عملية صناعة القرار. يمكن ضمان تكامل القيم المستدامة على اختلاف مجالاتها وتخصصاتها عن طريق مشاركة المدراء الذين يساعدون على تصميم إجراءات صناعة القرار ويشكّلون قدوة لموظفيهم ويعززون التغييرات من خلال عملهم مع فرقهم، سيساعد ذلك على ترسيخ الإجراءات الجديدة وصناعة القرار التشاركية في ثقافة الشركة. هذا العمل التعاوني كله ليس مجرد استعراض؛ بل هو جزء من عملية بناء المرونة التي تحتاج المؤسسة إليها للتكيف بسرعة مع التكنولوجيا المتغيرة باستمرار وممارسات العمل الجديدة.

تحمّل مسؤولية سلسلة القيمة بأكملها

يتمثل أحد التحديات الأولى التي تواجه القائد الرئيس في فهم مجالات مسؤولياته في قضايا التغير المناخي. كان توماس كون أول من استخدم مصطلح “تحول النموذج الفكري” أو “تحول الباراديم” (paradigm shift) عندما وصف التغيير الجوهري في افتراضاتنا حول تحدٍّ ما في عام 1962، وهذا ما يحدث حالياً في نماذج العمل وافتراضاته حول المسؤولية الاجتماعية؛ يجب أن يتعدى قائد التغيير الرئيس بتفكيره الحدود القانونية لمؤسسته ويتحمّل مسؤولية سلسلة القيمة بأكملها، يتمتع هذا المبدأ البسيط ولكن الجوهري بأهمية حاسمة في عملية التغيير.

وسترى مثالاً يوضّح تحمّل مسؤولية سلسلة القيمة بأكملها في قادة شركة ليفاي ستراوس آند كومباني (ليفايز) (Levi Strauss and Company – Levi’s)؛ منذ أكثر من عقد مضى بدأت الشركة عملية التحقق من الطرق التي يمكنها اتباعها من أجل استخدام الماء بفاعلية أكبر، فهو عنصر أساسي في عملية صناعة ألبستها، وكانت حجتها المنطقية في ذلك هي أن استمرار التغير المناخي سيؤدي إلى تقييد موارد الماء النظيف وسوف يعوّق نمو الشركة.

وكي يتمكن قادة الشركة من رؤية الصورة كاملة خرجوا في تفكيرهم عن إطار عمليات التصنيع ونظروا في زراعة القطن وصناعة خيوطه والأصبغة المستخدمة في تلوين قماش “الجينز”، وكي تتمكن شركة ليفايز من تحقيق ذلك كان على قادتها التفكير في أنشطة مورديها وموردي مورديها؛ ما الذي يحصل عندما تحتسب كميات الماء المستخدمة ضمن سلسلة القيمة الكاملة من أجل صناعة بنطال واحد من الجينز؟ ما الذي يحصل إذا فكرت أيضاً في استخدام الزبون للبنطال بعد الشراء؟ كم مرة يغسل بنطال الجينز طوال فترة استخدامه؟ ما الذي يحصل للبنطال عندما يحين وقت التخلص منه؟ هذه الحدود الجديدة هي منظور “الولادة من خلال الموت” لا مجرد منظور محصور “ضمن حدود الشركة”. وبذلك تمكن قادة الشركة من التواصل مع مجموعة أكبر وأكثر تنوعاً من المستخدمين الذين قدموا معلومات ووجهات نظر متنوعة. إذا طلبت من أفراد فريقك العمل على حلّ مشكلات التغير المناخي الفريدة فيتعين عليك إعادة تعريف حدود المسؤولية التي يحملونها، ثم عليك بعد ذلك تحديد المكان الذي يجدون فيه الرؤى اللازمة للتعامل مع هذا التحدي الجديد.

عندما وصلت هذه العملية إلى نهايتها، أدرك قادة شركة ليفايز أن بنطال الجينز العادي يستهلك 3 آلاف ليتر من الماء على مدى حياته، وقد يستهلك أكثر إذا احتفظ به المستخدم فترة أطول، ولو نظر قادة الشركة إلى المسألة من منظور محصور “ضمن حدود الشركة” لما تمكنوا من حساب أكثر من 6% من إجمالي كمية الماء المستخدمة. إذاً، بالتفكير من منظور سلسلة القيمة الكاملة تمكن قادة شركة ليفايز من اغتنام الفرصة الحقيقية للتأثير في الكوكب؛ %49 من استخدام الشركة للماء ارتبط بزراعة القطن، وهو العنصر الأساسي لمنتجها، و45% من استخدام الماء كان مرتبطاً بغسيل بناطيل الجينز بعد الشراء.

عندما يطرح القائد الرئيس أسئلة غير محدودة ويفكر في مجموعة أوسع وأكثر تنوعاً من وجهات النظر سيتمكن من رؤية المشهد أو بيئة العمل الكاملة التي يتعين عليه التأثير فيها، وبالنسبة لشركة ليفايز، أدى ذلك إلى تجارب كثيرة، مثل وضع سلال لإعادة التدوير في متاجرها يضع الزبائن بناطيلهم المهترئة فيها، وتبين أن البناطيل المعاد تدويرها تقلل استهلاك المياه في بداية عملية صناعتها وتوفر أموال الشركة، إذ لا حاجة لزراعة القطن الخام لأجلها، كما طورت الشركة تجارب لتثقيف الزبائن حول عدد مرات غسل بناطيل الجينز التي يشترونها من أجل توفير الطاقة والماء. سيتمكن القائد الرئيس الذي يتحمل مسؤولية سلسلة القيمة الكاملة من العمل مع عدة شركاء في بيئة العمل، وهذا “النموذج الذهني” الجديد يفسح المجال لمجموعة تحديات جديدة ويعزز الأثر بدرجة كبيرة.

تبنَّ نموذج عمل جديداً

أحد أهم التحديات التي يواجهها أي قائد للتغيير هو تحفيز الآخرين على التفكير بطريقة مختلفة، وأحد أنجح الأساليب هو طرح نموذج عمل مختلف على اعتباره إطار عمل للتفكير الناقد. وفقاً للمثال المذكور أعلاه، يتضمن ذلك تبني نموذج الاقتصاد الدائري، أو بإمكان القائد الرئيس تنفيذ استراتيجية تفصل بين انبعاثات الكربون ونمو الشركة. سيشكك البعض، لا سيما المسؤولون عن الابتكار ونمو الأعمال، في أن الاستراتيجية التي تقترح تنفيذها سوف تقلل انبعاثات الكربون بدرجة كبيرة مع دعم النمو في نفس الوقت، إلا أن هذه التغييرات ضرورية، ويحمل القائد على عاتقه مهمة مساعدة الشركاء ضمن بيئة العمل لرؤية قدرة هذه النماذج على تحقيق النجاح.

شهدت السوق نشوء مجموعة جديدة بالكامل من نماذج العمل ومفاهيمه في العقود الأخيرة، مثل نموذج تأثير الشبكة (Network Effect) والبرمجيات كخدمة (SaaS) ومنظومة العمل. يستدعي تحقيق الاستدامة من قادة أي شركة النظر في أفكار العدالة الاجتماعية والطبيعية إلى جانب القدرة على التحمل وخلق القيمة على المدى الطويل وقرارات الأعمال، ويمكن إضافة جميع هذه المبادئ وغيرها مثل الشفافية والنزاهة إلى كفاءة الشركة في استخدام المواد الخام، وكل منها يفيد في تحديد الممارسات التي تحدد طريقة عمل نموذج العمل. مثلاً، قد تعلن شركة ما اعتزامها “التخلص من الكربون” أو “فصل” معدلات نموها عن نتائجها المتعلقة بانبعاثات الكربون، وقد ترغب إلى جانب هذه المبادرة في تقليل النفايات التي تولدها سلسلة التوريد أو إعادة استخدامها لأغراض مختلفة. من الضروري الانتباه إلى طريقة الشركة في وصف هذه الأهداف وقياس نجاحها في تحقيقها؛ هل تتحدث عن الأهداف من منظور خلق قيمة طويلة المدى؟ هل تحترم جهود العدالة الاجتماعية ورأس المال الطبيعي؟ يجب أن يساعد القادة على تحويل هذه المفاهيم إلى لغة مشتركة يمكن للجميع فهمها، وتسعى غالبية نماذج العمل الجديدة للتوفيق بين المبادئ المتطورة التي تعد بتوازن وعدالة أكبر في خلق القيمة.

بذلك يصبح دور القائد الرئيس مزدوجاً؛ فهو يعمل في المقدمة على اعتباره واجهة مناصرة التغيير، ويعمل في نفس الوقت على “القيادة من الخلف” لتشجيع المؤسسة على تغيير سلوكها ودعمها فيه. يجب أن يعمل القائد على توجيه مناصري التغيير وإزالة العوائق التي تمنع التغيير الذي يمكّن المؤسسة من التوسّع مع دعم مبادئ الحوكمة الجديدة في آن معاً.

يشكّل توضيح نموذج العمل الجديد في زمن يتطور فيه فهمنا لسير العمل في الشركات المستدامة عبئاً إضافياً بالنسبة للقادة إذ يُعتبرون عناصر تمكين في جميع مستويات المؤسسة، وإعلان أن مؤسستك سوف تتبنى نموذج عمل مختلفاً يضع القائد تحت ضغط شديد. يترافق انعدام اليقين مع المخاطر، ولكنه يفتح الباب للفرص الجديدة أيضاً، وتبدو الأفكار التجارية مثل الاقتصاد الدائري وتحمل مسؤولية الانبعاثات غير المباشرة رائعة ولكن من الصعب تنفيذها على المدى المنظور، ولذلك يمكن اعتبارها حالياً أفكاراً طموحة تتطلب الكثير من التفكير والتجريب والتخطيط. يستدعي دور القائد الرئيس امتلاك رؤية واضحة والتزام العمل الطويل الأمد، وحضوراً ومشاركة في مسارات الابتكار والتعلم والتواصل الآخذة بالتطور وذلك للوصول إلى القيادة من أجل تسريع التغيير. وكما قال المؤلف والمستشار بيتر دراكر مرة: “لا يمكنك التنبؤ بالمستقبل ولكن يمكنك تشكيله”، وهذا العمل يستدعي مشاركة القائد الرئيس الفعلية.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً