ضرورة تمكين مهارة القيادة لدى طالبات التعليم العالي لضمان مستقبل مستدام للجميع

3 دقائق
المهارات القيادية
shutterstock.com/Konstanty

أظهرت الدراسات والأبحاث وجود علاقة وثيقة بين المهارات القيادية للطالبات وما يتمتعن به من نمو شخصي وسلامة نفسية ووعي ذاتي. وأشادت هذه الدراسات بدور المهارات القيادية في تعزيز إنجازات الطالبات الأكاديمية وتزويدهن بمهارات أساسية لحياتهن المهنية. تشمل هذه المهارات، على سبيل المثال، القدرة على تحديد الأهداف ووضعها واتخاذ القرارات، إدارة الوقت إدارةً فعّالة، إضافة إلى المرونة والتكيف. ينظر أصحاب العمل إلى هذه المهارات بوصفها عوامل رئيسة عند تعيين الموظفين الجدد، نظراً لتأثيرها الإيجابي على عملهم وتحسين فعالية أدائهم العام. وبناءً على ذلك، يؤدي إخفاق المؤسسات التعليمية في تنمية هذه المهارات لدى الطالبات إلى مزيد من العقبات والصعوبات التي من المتوقع أن تعترض مسيرتهن المهنية في المستقبل. كما يُعد اكتساب هذه المهارات على الصعيد الفردي عاملاً جوهرياً لتحقيق النجاح، إذ أظهرت الطالبات مستوى أعلى من الاعتماد على الذات وضبط النفس بالمقارنة مع نظيراتهن اللواتي لا يتمتعن بهذه المهارات.

لذلك، توجهت دول عربية عديدة إلى وضع سياسات تُعنى بتنمية المهارات القيادية للفتيات، بهدف تشجيعهن على تولّي الأدوار القيادية وتعزيز المساواة بين الجنسين. وخلافاً لهذه الطموحات، ما تزال أسواق عمل كثيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تفتقر إلى المساواة بين الجنسين، ولا سيما من حيث ضعف رواتب الموظفات عن رواتب نظرائهن الرجال الذين يعملون في الوظيفة نفسها. ولا تحظى النساء العربيات أيضاً بالتشجيع الكافي للمشاركة في سوق العمل، فما تزال المعايير الثقافية والاجتماعية السائدة تعطي الأولوية لدور المرأة بوصفها زوجة وأماً تُعنى بتربية أطفالها أكثر مما تركز على حياتها المهنية.

على الرغم من ذلك، أظهرت الدراسات الأخيرة، ارتفاعاً طفيفاً في معدلات توظيف النساء خلال العقد الأخير، مع تحسن تدريجي في المناصب القيادية الرفيعة التي أصبحن يتولّينها. وأكدت التجارب السابقة أن النساء يتمتعن بقدرة أفضل من الرجال على تحقيق التوازن بين حياتهن المهنية والتزاماتهن الأسرية، ما يتيح لهن الاعتماد على أنفسهن بشكل أكبر والمساهمة الفعلية في تنمية اقتصاد أوطانهن.

استراتيجيات تطوير المهارات والآفاق المهنية للطالبات في مرحلة التعليم العالي

برامج إشراف الأقران

توصي الدراسات بتطبيق برامج قائمة على الإشراف بين الأقران خلال مرحلة التعليم العالي، التي تتيح للطالبات الإشراف على زملائهن واكتساب مهارات مهنية من خلال ممارستها على أرض الواقع. وتحظى برامج إشراف الأقران بانتشار واسع، غير أن أثرها الإيجابي في تطوير المشاركين على الصعيدين الشخصي والنفسي لا يحظى بالاهتمام الكافي.

المشاركة في الأنشطة القيادية

من الضروري منح الطالبات فرص المشاركة في الأنشطة القيادية داخل حرم الجامعة وخارجها، إضافة إلى تشجيعهن على الانضمام إلى النوادي والمنظمات، لتعزيز مهاراتهن القيادية وتزويدهن بخبرات عملية في إدارة فِرق العمل وقيادتها.

التعاون مع الشركات المحلية

يمكن لمؤسسات التعليم العالي الاستفادة من شراكاتها وعلاقاتها في تمكين الطالبات من التعاون مع الشركات المحلية، إذا يمكنهن المشاركة في معالجة التحديات الفعلية التي تواجهها الشركات. وتتيح المشاركة في هذه المبادرات للطالبات صقل مهاراتهن في حل المشاكل والابتكار والإبداع والعمل الجماعي، وتوسيع شبكة معارفهن المهنية في الوقت نفسه.

فعاليات التواصل وبناء العلاقات واستضافة المتحدثين

يجب تمكين الطالبات من المشاركة في فعاليات استضافة المتحدثين وأنشطة التحدث أمام الجمهور والمؤتمرات المحلية والعالمية وفعاليات التواصل مع الخريجين. وتتيح لهن هذه الفرص بناء شبكة من العلاقات المهنية والتواصل مع القياديات المُلهمات، مع اكتساب رؤى قيّمة حول مختلف المسارات المهنية والتحديات التي تحملها لهن.

استضافة قياديات ناجحات

تستطيع مؤسسات التعليم العالي استضافة قياديات مُلهمات لتقديم محاضرات أو جلسات تفاعلية، بهدف تعريف الطالبات بنماذج ناجحة للشخصية القيادية النسائية. وتحظى الطالبات خلال هذه الأنشطة بفرصة استكشاف التحديات التي واجهتها هذه القياديات خلال حياتهن المهنية، ما يزودهن بالإلهام والإرشاد اللازمين للانطلاق في مسيرتهن الخاصة.

ورش عمل تدريبية لتطوير الجوانب الشخصية والقيادية

يُوصى بإقامة ورش عمل تدريبية تركز على تطوير الوعي الذاتي للطالبات، مع الارتقاء بالجوانب الذاتية للتنظيم والكفاءة والثقة والحضور البارز. وتمثّل ورش العمل منصة للطالبات تتيح لهن تقييم ممارساتهن القيادية ومواطن القوة والضعف، ومن ثم اكتساب مهارات عملية حول كيفية وضع الأهداف وتحديد الرؤية القيادية والاستراتيجيات وتطوير أساليب قيادية فعّالة.

تشجيع الطالبات على المشاركة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات

ينبغي تشجيع الفتيات على الانخراط في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، ما يضمن تطوير استراتيجيات ومهارات قيادية تقنية من شأنها تعزيز المساواة بين الجنسين في هذا القطاع الذي للأسف يشهد هيمنة الموظفين الذكور عليه حالياً.

ومن أجل تعزيز المساهمة الفعالة لمؤسسات التعليم العالي في بناء مستقبل مستدام، يجب التركيز أكثر على تحقيق المساواة بين الجنسين، ولا سيما أنها تنسجم مع الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. وتنطوي هذه المساواة على تحفيز النساء للمشاركة بشكل فعلي في الأدوار القيادية وعملية صنع القرار، الذي يتطلب بدوره منحهن الفرص اللازمة لتطوير مهاراتهن القيادية في مختلف البيئات داخل القاعات الدراسية وخارجها. وتلعب المساواة بين الجنسين دوراً محورياً في تعزيز التنوع والشمولية وتحقيق العدالة الاجتماعية، مع دعم النمو الاقتصادي والارتقاء بمستويات الصحة والعافية. ويجب علينا اليوم تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين النساء، لنستطيع بناء منظومة بشرية يتمتع فيها الطلاب والطالبات بإمكانية الوصول إلى فرص تعليم عالي الجودة بشكل عادل ومتكافئ. ومتى حققنا ذلك، سنكون قد أسهمنا في بناء قوة عاملة تتمتع بمستويات عالية من العلم والمهارة والإمكانات، ومن شأنها دعم تقدم المجتمعات بأكملها.

المحتوى محمي