تتفوق المؤسسات ذات القيادة الجيدة والملهمة باستمرار على المؤسسات التي تكافح من أجل العثور على مجالس إدارة وقادة تنفيذيين مميزين لتنفيذ مهمة هذه المؤسسات بنجاح وإشراك أصحاب المصلحة بالكامل. وينطبق ذلك على جميع القطاعات الربحية والعامة وغير الربحية. ففي حين أن العلاقة بين فعالية القائد والفعالية التنظيمية واضحة؛ فإن كيفية جذب القادة المميزين لمؤسسة معينة والاحتفاظ المستمر بهم أمر أكثر صعوبة. لذلك فإن التحدي الأكبر قد يكون في إيجاد قادة متميزين وعلى دراية كاملة بالعمل في القطاع غير الربحي.
لا شك في أن للقيادة دوراً حاسماً في تحقيق النجاح والتأثير الإيجابي للقطاع غير الربحي؛ إذ يتطلب العمل في هذا القطاع قيادة قوية ومؤثرة تتمتع بمهارات فريدة تتيح لها تحقيق الأهداف المؤسسية والإسهام في التغيير الاجتماعي. في هذا المقال سنكشف بعض تحديات القيادة في القطاع غير الربحي ونسلط الضوء على بعض الممارسات المؤثرة التي جاءت في كتاب ثري جداً للكاتب توم آدمز بعنوان " القيادة في القطاع غير الربحي: دليل التحول والتطور" (The Nonprofit Leadership Transition and Development Guide: Proven Paths for Leaders and Organizations).
في هذا الكتاب، يوضح الخبير في تخطيط التعاقب الذي عمل مع مئات المؤسسات، توم آدمز، كيف أن التطوير المتعمد للقيادة والتحولات القيادية المُدارة إدارة صحيحة توفر للمؤسسات غير الربحية فرصة نادرة لتغيير الاتجاه، والحفاظ على الزخم، وتعزيز قدراتها. هذا الكتاب الذي يسهل فهمه يذخر بقصص توضيحية ودروس مفيدة تتعلق بأفضل الممارسات والأدوات العملية التي يمكن استخدامها لضمان نجاح القيادة في القطاعات غير الربحية.
أبرز تحديات القيادة في القطاع غير الربحي مع الممارسة الأمثل للتغلب على كل تحدٍّ:
1. قلة الموارد المالية:
يعد نقص التمويل أحد أكبر التحديات التي تواجه المؤسسات غير الربحية، إذ يحتاج القادة إلى امتلاك القدرة على إدارة الميزانيات المحدودة واستخدام الموارد بكفاءة لتحقيق أهداف المؤسسة. فلا يمكن لأي مؤسسة غير ربحية الصمود طويلاً من دون توافر المورد المالي الذي يعتبر من أهم عناصر استدامة أعمالها. في المقابل، يمكن تجاوز هذا التحدي من خلال تعزيز التعاون والشراكات مع الجهات والأفراد المعنيين بالقطاع غير الربحي وطلب الدعم المالي. ويعتبر ذلك أداة قوية للتأثير وتحقيق النتائج، لذا يجب على القادة بناء علاقات قوية مع الشركاء والمانحين والجهات الأخرى ذات الصلة، وتعزيز التعاون وتبادل المعرفة والخبرات وكذلك عرض أفكار خلاقة تجذب الداعمين. على سبيل المثال في المملكة العربية السعودية يعمل المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي على تنظيم أدوار مؤسسات القطاع غير الربحي وإشراكها في العملية التنموية. وكذلك تقديم التراخيص اللازمة لمؤسسات هذا القطاع وربطها مع الجهات الحكومية المختصة وتقديم ما يلزم من الدعم والإشراف الفني والإداري والمالي.
2. تنوع الاهتمامات والأصوات:
يتكون القطاع غير الربحي من مجموعة واسعة من المؤسسات التي تعمل في مجالات مختلفة، مثل التعليم والصحة والبيئة. إذ يواجه القادة تحدي توجيه اهتمامات فرق العمل المتنوعة وآرائها وتوحيد الجهود نحو رؤية واحدة مشتركة. وتعتبر الممارسة الأمثل للتغلب على هذا التحدي كما ذكرنا سابقاً وجود رؤية واضحة ومشتركة، من خلال إشراك جميع أصحاب المصلحة الداخلين في صنع هذه الرؤية، ما يعزز ثقافة الابتكار والتغيير. لذا يجب أن يمتلك القادة القدرة على تعزيز الثقافة التنظيمية التي تشجع على المشاركة والابتكار. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تشجيع التجربة ودعم الأفكار الجديدة التي تسهم في تحسين العمل وتحقيق التأثير المرجو لبناء رؤية مستقبلية واضحة ومشتركة. ولن يتحقق ذلك إلا إذا كان القادة يتمتعون برؤية واضحة للمستقبل ولديهم فهم كامل حول أهداف مؤسساتهم، وأن يتمكنوا من توجيه الجهود نحو تحقيق هذه الرؤية بالتعاون مع فريق العمل وشركاء القطاع غير الربحي الآخرين.
3. التغيرات التشريعية والسياسية:
يتأثر القطاع غير الربحي بالتغيرات التشريعية والسياسية المستمرة. لذا من الضروري أن يكون القادة على دراية بالسياق القانوني والسياسي وأن يتعاملوا بحكمة مع هذه التحديات المتغيرة. ويمكن تجاوز هذا التحدي بتطوير الموظفين وبناء القدرات المعرفية لديهم حول ما يُسنّ من تشريعات وسياسات جديدة في القطاع غير الربحي. يعد تطوير الموظفين أمراً حاسماً لنجاح المؤسسات غير الربحية، وهذا يتطلب من القادة توفير فرص التدريب والتطوير وبناء قدرات الفريق، وتعزيز القدرات المعرفية والقيادية والمهنية لموظفيهم بل حتى لأنفسهم؛ لأن القادة المتميزين يجب أن يكونوا في عملية تعلم وبحث مستمرين عن كل جديد حول التشريعات والسياسات التي تصاغ في سياق عمل مؤسسات القطاع غير الربحي.
4. تحقيق الشفافية والمساءلة:
تتجلى أهمية الشفافية والمساءلة في نجاح القطاع غير الربحي، إذ تعمل مؤسسات القطاع على تحقيق الاستدامة وبناء الثقة لدى المانحين والمجتمع عموماً. ويكمن التحدي في قدرة القادة على تحقيق التوازن بين ضمان الشفافية والمساءلة وحماية خصوصية المستفيدين والشركاء. ويمكن تطبيق هذه الممارسة بجهد حثيث من القادة والتركيز على أسلوب قيادي قائم على القيم، ولا بد أن يتسم قادة القطاع غير الربحي بالنزاهة والأخلاق والتزام القيم الأساسية للمؤسسة، ويجب أن يكونوا قدوة للفريق ويعكسوا القيم الأخلاقية في جميع جوانب العمل.
من خلال ما سبق، يرى آدم أن تطوير قيادات القطاع غير الربحي أمر حتمي ويجب الاستثمار في هذا الجانب من أجل تحقيق النتائج لتصبح ذات أثر ملموس. ويشدد المؤلف على أهمية الاستفادة قدر الإمكان
من تطوير القادة في القطاع غير الربحي والاستفادة من عملية التحول في صنع قادة على دراية تامة بماهية عمل القطاع غير الربحي، مع التأكيد أن تطوير القادة في هذا القطاع عملية مستمرة تبدأ باستقطاب المواهب وتدريبها إلى أن تنتهي بتعاقب القادة بتحديد القائد المقبل وتهيئته.